• ThePlus Audio
Layer-5-1.png

سبع وصايا للمبلغين والخطباء لا يستغنون عنها

بسم الله الرحمن الرحيم

هل يتقاعد المبلغون؟

إن من صفات المبلغ والخطيب الحسيني أنه أولا: مبلغ لرسالات الله في جميع أيام حياته وهو لا يتقاعد إلا أن يُقعده المرض أو الموت وهو قول الله عز وجل: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ)[١]. فكلمة (يُبَلِّغُونَ) فعل مضارع، والفعل المضارع يدل على استمراره وديمومته وتكرار صفته وتجدد حدوثه.

ثانيا: أن يوصل الرسالة إلى صاحبها، ولا يكتفي بمجرد الحديث. فهو لا يهتم بمجرد الحديث وإنما يهتم ببلاغ الرسالة إلى النفوس المستعدة. فقد يُعطيك أحدهم رسالة ويطلب منك إبلاغها، فإذا وصلت أنت إلى من ينبغي استلامها ولم تُسلمه الرسالة، لا يُقال لك: قد بلغت، وإنما تُبلغها إذا وصلت إليه واستلمها منك.

كيف أعلم أنني مبلغ مؤثر؟

ثالثاً: أن يكون مأذونا في التبليغ. لقد خاطب الله عز وجل نبيه قائلا: (وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ)[٢]؛ فالنبي (ص) بالرغم من ملكاته الكثيرة وعظمته التي لا تضاهيها عظمة، لم يكن مبلغا إلا بإذن الله عز وجل وقد أعطاه الله شهادة الدعوة والتبليغ. وهنا ينبغي أن يتسائل كل مبلغ يسير على نهج رسول الله (ص): من خولك وأذن لك في التبليغ؟ بالطبع ليست هناك شهادة ظاهرية في الحياة الدنيا في التبليغ، ولكن ثمة شهادة تُعطى تحت قبة الحسين (ع).

ولهذا نرى المبلغ في أول الموسم يذهب إلى الإمام (ع) ويطلب منه الإذن في التبليغ. وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال مهم وهو: ما هي علامة الإذن؟ إنها التأثير في القلوب. إن علامة الخطيب الناجح، أن يُبكي الناس عند الموعظة وعند النعي. ولكن العلامة أكثر وضوحا وأدل إذا استطاع المبلغ إبكاء الناس بغير نعي. وقد رأينا من الخطباء من يُبكي الناس بمجرد السلام على الحسين (ع). وهناك عبارة جميلة يوصف بها العلماء قديما وحديثا حتى المراجع منهم، وهي: رُزق القبول. وهذا القبول لا يكون بالتكلف وإنما هو أمر يتم في ذلك العالم.

كيف يكون المبلغ مخلصا؟

وهناك بعض التوصيات العملية التي من شأنها، الارتقاء بالمبلغ إلى درجة القبول التي تحدثنا عنها آنفا. أولا: وعلى رأس التوصيات، الإخلاص في أداء العمل. فلا يُفرق المبلغ بين المجالس المكتظة وبين المجالس التي تُقام في الأماكن النائية والتي لا يحضرها الكثير من المؤمنين. إنه يعمل بموجب التكليف؛ فإن رأى تكليفه في الذهاب إلى مجلس ذهب إليه بغض النظر عن مكانه وعن عدد المستمعين وهل يُبث مباشرة؟ وما هو مقدار الهدية؟ وما شابه ذلك. إن يرى مواضع الحاجة فيملأها بجهده ولا ينتظر جزاء ولا شكورا من أحد. ولابد أن يُقيم المبلغ نفسه باستمرار من دون أن ينسى قول الله عز وجل: (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ)[٣].

يبكي قبل أن يُبكي

ثانيا: امتلاك الرقة في الخلوات. إن الموعظة وتفسير آية من القرآن الكريم وإلى آخر ذلك هي قسم من وظائف الخطيب، وقسم منه: ترقيق القلوب، خاصة في موسمين؛ محرم وصفر. إن الإبكاء مهارة خطابية كلامية أطوارية مقتلية إلى آخر ذلك ولكن من ينجح فيها؟ ذلك الخطيب الذي يبكي في قلبه قبل أن يُبكي غيره.

ذَكَر الحسين (عليه السلام) خاليا

يقول أحد الخطباء المؤثرين: إنني وقبل أن أرتقي أعواد المنبر، أختلي بنفسي وأبكي على سيد الشهداء (ع). إن هذا المجلس من أفضل المجالس وهو من المجالس المقبولة عند الله عز وجل. لقد ورد في الروايات الشريفة في وصف من هم في ظل الله عز وجل: (وَ رَجُلٌ ذَكَرَ اَللَّهَ خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ)[٤]، فما المانع من أن نقول: من ذكر الحسين (ع) خاليا ففاضت عيناه؟

ماذا فعل هذا الخطيب الذي حُرم من المجالس؟

ذكر أحد الخطباء أنه لم يُدع إلى مجلس في سنة من السنوات؛ فانكسر قلبه وذهب إلى الإمام الحسين (ع) وخاطبه قائلا: أنت المستمع وأنا الخطيب، وسأقرأ المصيبة كما لو أنني على منبر من المنابر. فرأى في تلك السنة من البركات ما رأى. نعم، قد يكون الإنسان ناعياً لنفسه في الخلوات؛ فهذا أمر يوجب التوفيق. وهذه الخلوات تخلو من آفات الجلوات والمجالس المكتظة بالمؤمنين التي هي من موجبات دخول الشيطان على الخط.

المنبر الملون…!

ثالثا: التنويع في الخطاب. إن المنبر الناجح، هو المنبر الذي يكون مشحونا بروايات أهل البيت (ع) ويتضمن مسألة فقهية، وتفسير آية وما شابه ذلك. لقد سمعت من أحد المراجع الكبار رحمه الله يقول: حضرت في مجلس خطيب لم أر مثله قبله ولا بعده، فكانت خطبته شرحا للروايات الشريفة والكلمات المشكلة فيها بروايات أخرى. ليس المطلوب منا أن يكون المنبر من أوله إلى آخره كذلك؛ ولكن المطلوب التمكن من الروايات الشريفة والقدرة في الاستشهاد بها. هذا وترى خطيبا يتحدث عن كل شيء ويشرق ويُغرب ويذكر كلمات الأعلام في الشرق والغرب ولا تجد له حديثاً ملفتاً من أحاديث أهل البيت (ع). إن الخطيب الناجح هو الذي قرأ بحار الأنوار أو ملخصه وقرأ الكتب الأربعة على الأقل، والكتب المؤلفة حديثاً كالكتاب الجامع، ميزان الحكمة، والذي يكون منبره متعدد الألوان والأبعاد.

من لهؤلاء التائهين؟!

رابعا: عدم الاقتصار على الخطب المنبرية. إن من موجبات نجاح الخطيب، الاستمرار في الوعظ والإرشاد والتبليغ بعد النزول عن المنبر وقبل ارتقائه. لا ينتهي دور الخطيب بنزوله عن المنبر؛ فهل تبليغ رسالات الله عز وجل محصورة بارتقاء أعواد المنابر؟ أين حل مشاكل الناس؟ أين الالتقاء بالمستضعفين من النساء والرجال؟ أين الدخول إلى القلوب المنكسرة؟ أين الجلسات مع الشباب في كل منطقة وحي؟ هل بحثت عن الشباب التائه المتعطش لمعارف أهل البيت (ع) الذين لا يحضرون هذه المجالس؟ لابد أن تذهب أنت إلى أماكن تجمعهم وتُخصص وقتا لزيارة هؤلاء الآبقين عن طاعة الله عز وجل. وقد روي عن الإمام زين العابدين (ع) أنه قال: (أَوْحَى اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَبِّبْنِي إِلَى خَلْقِي وَ حَبِّبِ اَلْخَلْقَ إِلَيَّ قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَفْعَلُ قَالَ ذَكِّرْهُمْ آلاَئِي وَ نَعْمَائِي لِيُحِبُّونِي فَلَأَنْ تَرُدَّ آبِقاً عَنْ بَابِي أَوْ ضَالاًّ عَنْ فِنَائِي أَفْضَلُ لَكَ مِنْ عِبَادَةِ مائَةِ سَنَةٍ بِصِيَامِ نَهَارِهَا وَ قِيَامِ لَيْلِهَا)[٥].

أمير المؤمنين (عليه السلام) مبلغ أهل اليمن

عندما بعث النبي الأكرم (ص) أمير المؤمنين (ع) إلى اليمن، كم كان عدد المستمعين؟ لقد قال له النبي (ص): (لَأَنْ يَهْدِيَ اَللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ اَلنَّعَمِ)[٦]. وقد ترك أمير المؤمنين (ع) رسول الله (ص) مع شدة حبه له وترك زوجته سيدة نساء العالمين من أجل التبليغ وهداية أهل اليمن. ولا ندري من الذي استفاد منه وكم هو عددهم ولكنهم استفادوا منه وتأثروا به أكثر مما استفاد وتأثر من كانوا يجلسون تحت منبره في أيام جلوسه في منزله وفي أيام حكومته. لقد كانت وظيفته (ع) التبليغ وقد ترك من أجل هذه الوظيفة أحب الناس إليه.

عليك العمل بالتكليف

ولذا لا ينبغي أن يهتم المبلغ بالأمور الظاهرية كعدد الحاضرين في مجلسه ومدى تأثرهم وما شابه ذلك وإنما يهتم بإتقان الوظيفة وتأدية الواجب. لقد رأيت أحد الخطباء وكان مجتهدا يُدرس البحث الخارج، وكان في من المبلغين في مواسم التبليغ. وقد رافقته ذات يوم في سفره، فلم أجد تفاوتا في طريقة وعظه وطريقة درسه؛ فكان يُتقنهما أي إتقان. والحال أن المخاطبين لم يكونوا على مستواه أبدا ومع ذلك كان يخرج من النجف من أجل العمل بوظيفته إلى مناطق نائية لا يعرف قدرها فيها أحد. وقد رزقه الله عز وجل ما رزقه من التوفيقات لجده واجتهاده.

التنوع في مكان التبليغ

خامسا: التنوع في مكان التبليغ. لقد سمعت من أحد الخطاء أنه ذهب إلى اليابان للتبليغ وذهب إلى الولايات المتحدة ولك أن تتصور الفرق الشاسع بين المكانين والمسافة الكبيرة بينهما. إن بعض الخطباء لا يخطب إلا في مسجد أو حسينية قد أنس بها وبأهلها سنوات طويلة ويخشى من مفارقتهم إلى غيرها. والحال أنه قد ورد عن أمير المؤمنين (ع) في وصف النبي الأكرم (ص) أنه قال: (طَبِيبٌ دَوَّارٌ بِطِبِّهِ)[٧]. فما المانع من أن تبادر إلى الأماكن التي تراها في حاجة إلى مبلغ من دون أن تنتظر الدعوة من أحد؟

اكتساب المهارات الجديدة في التبليغ

سادسا: اكتساب المهارات الجديدة في التبليغ. إننا في زمان كثر فيه التفكك الأسري، وارتفعت نسب الطلاق وزاد عقوق الأولاد لوالديهم وقد تفشت في المجتمعات – كما تشير الإحصائيات – الأمراض النفسية وإن لم يعترفوا بها. وهنا قد لا ينتفع المبلغ بالأساليب الوعظية القديمة ولا يكفيه قص القصص ونقل الروايات، بل ينبغي اكتساب مهارات أخرى تُمكنه من التأثير وحل هذه المشاكل الطارئة.

لقد التقيت بأحد العلماء المبلغين وكان متخصصا في حل المشاكل الأسرية وكنت قد ذهب إلى زيارته في إحدى الدول. إنه كان معروف في مجال تخصصه؛ حيث يقف عليه الرجل وزوجته وقد أوشكا على الطلاق، فيُصلح بينهما وينفذ إلى قلبيهما من خلال بعض الكلمات ويُعيد المياه إلى مجاريها. فما المانع من تعلم هذه المهارات والتخصصات وقد روي: (اَلْحِكْمَةُ ضَالَّةُ اَلْمُؤْمِنِ فَحَيْثُمَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ضَالَّتَهُ فَلْيَأْخُذْهَا)[٨]؟ فلعلك بكلمة واحدة تحصن أسرة وتخلصها من التفكك. ويُمكن اكتساب هذه المهارات من خلال القراءة أو المشاركة في الدورات.

تقوية البعد العلمي

سابعا: تقوية البعد العلمي. كان الناس في الأزمنة القديمة لا يرون إلا خطيبا واحدا عادة يخطبهم في مسجد قريتهم أو مدينتهم، فلم يكونوا يتوقعون الكثير من الخطيب. أما الآن وقد أصبح سوق الخطباء ساخنا والفضائيات تبث المجالس تلو المجالس وقد زاد التوقع من الخطباء من أجل ذلك. فلابد من أن يسعى الخطيب دائما إلى أن يكون له وعظ ونعي متميز ولا يكتفي بما عنده، ويطمح دائما إلى المزيد. إذا لم يرفع الخطيب من مستواه العلمي ومن أدائه، فمن الطبيعي أن يقيس بينه الناس وبين غيره، وقد قال عز من قائل: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ)[٩].

لقد أصبحت توقعات الناس عالية…!

لقد أصبحت توقعات الناس عالية ولابد من تلبيتها ومن التموين العلمي بما يُنساب هذه التوقعات والمتطلبات. إننا نجد بعض الخطباء يُكرر بعض الخطب لعدة سنوات على منبره حتى يقول المستمع: لقد حفظنا منابره، ونعلم أين يبدأ المجلس؟ وأين ينتهي؟ من أجل ذلك يقل الحضور ويتهمون الخطيب بقلة الثقافة والعلم.

لقد رأينا بعض الأطباء يُعفون من مناصبهم ويُستبدلون بالشباب الأكفأ منهم، لأن الشاب مطلع على آخر المعلومات الطبية في مجال تخصصه، بينما يفتقر إليها القدماء. وكذلك الأمر في الخطابة، فقد يكون الشاب بما يمتلك من مهارات أقدر وأكثر تأثيرا من رجل أمضى عمرا في الخطابة والوعظ. لا يُعقل أن يجهل الخطيب الناجح الكلمات المشكلة في القرآن الكريم ولا يقرأ على أقل التقادير المصحف المهمش بشرح هذه الكلمات. إن المتوقع منه أكثر من ذلك بكثير؛ فلابد أن يكون عالما بالتفسير أيضا.

الإجابة على الشبهات الحديثة

ويدخل في هذا المجال؛ الإجابة على الشبهات الحديثة. إن بعض هذه الشبهات مقنعة لعوام الناس ولابد من إتقان الإجابة على هذه الشبهات. من هذه الشبهات ما قيل: إننا نفهم اليوم من الآيات ما لم يكن يتبادر إلى أذهان المسلمين في صدر الإسلام وبالتالي لا يُمكن أن نجزم بمعنى الآية. فيقولون مثلا: إن التأكيد على الحجاب أمر يختص بأهل المدينة لا بزماننا، والربا المحرم يختص بتلك الأيام لا بأيامنا هذه التي أصبحت المصارف العالمية قائمة على الربا، وإلى ما شابه ذلك. وينبغي الحذر عند طرح الشبهة في مقام الإجابة عليها؛ ألا يكون تقرير الشبهة أحسن بيانا من الإجابة عليها، لكيلا ترسخ الشبهة في أذهان الضعاف من الناس.

[١] سورة الأحزاب: ٣٩.
[٢] سورة الأحزاب: ٤٦.
[٣] سورة النجم: ٣٢.
[٤] عوالي اللئالي  ج٢ ص٧١.
[٥] مجموعة ورّام  ج٢ ص١٠٨.
[٦] منیة المرید  ج١ ص١٠١.
[٧] عیون الحکم  ج١ ص٣١٩.
[٨] الکافي  ج٨ ص١٦٧.
[٩] سورة البقرة: ٢٥٣.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن من صفات المبلغ والخطيب الحسيني أنه مبلغ لرسالات الله في جميع أيام حياته وهو لا يتقاعد إلا أن يُقعده المرض أو الموت وهو قول الله عز وجل: (الَذِين يُبَلِّغُون رِسَالَاتِ اللَّهِ). فكلمة (يُبَلِّغُونَ) فعل مضارع، والفعل المضارع يدل على استمراره وديمومته وتكرار صفته وتجدد حدوثه.
  • كان الناس قديما لا يرون إلا خطيبا واحدا عادة يخطبهم في مسجد قريتهم، فلم يكونوا يتوقعون الكثير من الخطيب. أما الآن وقد أصبح سوق الخطباء ساخنا والفضائيات تبث المجالس تلو المجالس وقد زاد التوقع من الخطباء من أجل ذلك. فلابد من أن يسعى الخطيب دائما إلى أن يكون له وعظ ونعي متميز.
  • إننا في زمن كثر فيه التفكك الأسري، وارتفعت نسب الطلاق وزاد عقوق الأولاد وتفشت في المجتمعات – كما تشير الإحصائيات – الأمراض النفسية وإن لم يعترفوا بها. وهنا قد لا ينتفع المبلغ بالأساليب الوعظية القديمة ولا يكفيه قص القصص ونقل الروايات، بل ينبغي اكتساب مهارات أخرى تُمكنه من التأثير
Layer-5.png