- ThePlus Audio
روائع الإمام جعفر الصادق (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
المحبة المجردة من العمل
إن خير ما نحيي به سيرة أئمتنا (ع) قبل أن نتأسى بهم؛ أن نتعرف على سيرتهم وسنتهم؛ فالمحبة البسيطة غير المركبة غير المعمقة لا تثمر. ثم إن القلب المحب هو قلب مبارك ولكن هذا حظ الجانحة فما هو حظ الجارحة؟ وأعني بالجارحة الجوارح والأعضاء؛ حيث لابد من أن تتأسى بمن تحب. ولهذا المحبين على قسمين؛ مطيع وغير مطيع. إن الولد يحب والديه أدنى درجات المحبة إذا لم يكن سيئاً جداً، وهناك قاعدة تقول محبة الوالدين للولد أكثر من محبة الولد للوالدين لأنه منهما وليسا منه.
الإمام الصادق (عليه السلام) ودوره في إيجاد منعطف تاريخي
حديثنا حول إمامنا الصادق (ع) الذي أوجد ووالده الإمام الباقر (ع) منعطفاً في تاريخ أتباع أهل البيت (ع). إن الإمام زين العابدين (ع) جرى عليه ما جرى في المدينة بعد مقتل والده، والإمام موسى بن جعفر (ع) لاقى الأمرين في سجون الظالمين؛ ولكن الباقرين أو الصادقين بعد زوال حكم بني أمية وعدم تثبيت أركان بني العباس انتشر منهما ما انتشر.
الجعفرية
لقد صدرت من هذا الإمام روايات كثيرة في الفقه والأخلاق، ولهذا ينسب أتباع أهل البيت (ع) إليه كما هم منسوبون إلى النبي (ص) أولا: فنحن شيعة النبي (ص) وينسبون إلى أمير المؤمنين (ع) ثانيا؛ فهم شيعة علي وثالثا ينسبون إلى الإمام الصادق، فيقال: هذا جعفري من شيعة جعفر. ولذلك فإن شكر هذه النعمة التعرف على سيرتهم وسنتهم.
وصية الصادق (عليه السلام) في ساعة الاحتضار
إن الإنسان في ساعة الموت أو ساعة الاحتضار يركز على أهم شيء عنده. تارة يفقد الإنسان وعيه أو يكون واعياً ولكنه يفقد تركيزه من هول المطلع وفراق الأحبة، وهذا الذي يُخاف منه. ولكن انظروا إلى الإمام الصادق (ع) في ساعة الممات لا يوصي بدرهم ولا دينار، فلا هم له في عقار وأموال ومن يرثها، ولكن الإمام في ساعة الوفاة همه أمر أهم.
يقول الراوي: (دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَمِيدَةَ أُعَزِّيهَا بِأَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَبَكَتْ وَبَكَيْتُ لِبُكَائِهَا ثُمَّ قَالَتْ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ لَوْ رَأَيْتَ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عِنْدَ اَلْمَوْتِ لَرَأَيْتَ عَجَباً فَتَحَ عَيْنَهُ ثُمَّ قَالَ اِجْمَعُوا لِي كُلَّ مَنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ قَالَتْ فَلَمْ نَتْرُكْ أَحَداً إِلاَّ جَمَعْنَاهُ قَالَ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ إِنَّ شَفَاعَتَنَا لاَ تَنَالُ مُسْتَخِفّاً بِالصَّلاَةِ)[١].
إن هذه الحركة الصادقية كانت غريبة حتى على أهل بيته، ومن قولها: فتح عينيه يبدو أنه كان مغمضاً في الساعات الأخيرة من حياته المباركة. إن وصية إمامنا في اللحظات الأخيرة هي الصلاة. ولم يقل: تاركا بل مستخفا، والاستخفاف ينطبق على بعض المصلين.
من هو المستخف بالصلاة؟
من الممكن أن من يقطع الصلاة؛ فيصلي يوماً ويترك يوماً أن يكون منهم، ومن يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت من دون علة أو من دون سبب وجيه. وهناك احتمال ضعيف نرجوا ألا يكون كذلك وهو الذي يصلي صلاة ساهية ويصلي صلاة السكارى لا يعلم ماذا يقول. وهذه الرواية تسد الباب أمام بعض العاصين الذين يقيم بعضهم في السنة مرة مرتين عزاء أهل البيت (ع) بدعوى أن إقامة عزائهم تغنينا عن العمل. إنه يعول على الشفاعة وهو ليس لها بأهل. إن الشفاعة بحاجة إلى أرضية قابلة وليس كل أحد يستحق هذه الشفاعة؟
الشفاعة
إن الشافع حكيم؛ ولا يضع شفاعته في مورد غير قابل، هذا المعنى مسلم. ولهذا في آخر السنة عند الامتحانات هل رأيتم إدارة المدرسة تقبل الشفاعة في إنجاح طالب لم يدرس؟ بل تقبل الشفاعة في طالب درس وتعب ولكن له نقص في درجة أو درجتين فتشمله الشفاعة. بالطبع إن النبي الأكرم ادخر شفاعته لأهل الكبائر، وأئمتنا كذلك. ولكن لا نعلم الضوابط بشكل دقيق، وإنما يوم القيامة تنكشف هذه الضوابط. إن المؤمن احتياطاً يعمل بما لديه؛ عندئذ يطلب الشفاعة منهم ولو للدرجات العليا في الجنة.
الإنفاق على من حاول قتله يوما
وهناك رواية تبين لنا حالة أخرى من حالات الإمام في ساعة الاحتضار وفعل آخر من أفعاله؛ فليس من المانع أن تكون للإمام حركتان في تلك الساعة. تقول الراوية: (كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ حِينَ حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ أَعْطُوا اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ وَهُوَ اَلْأَفْطَسُ سَبْعِينَ دِينَاراً وَأَعْطُوا فُلاَناً كَذَا وَفُلاَناً كَذَا – فَقُلْتُ أَ تُعْطِي رَجُلاً حَمَلَ عَلَيْكَ بِالشَّفْرَةِ فَقَالَ وَيْحَكِ أَ مَا تَقْرَءِينَ اَلْقُرْآنَ قُلْتُ بَلَى قَالَ أَ مَا سَمِعْتَ قَوْلَ اَللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ – وَاَلَّذِينَ يَصِلُونَ مٰا أَمَرَ اَللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخٰافُونَ سُوءَ اَلْحِسٰابِ)[٢]. إن الإمام لا ينسى رحمه الفاسق عند موته.
الإنفاق في الساعة الأخيرة من حياته سرا
وهذه الرواية التي سأذكرها تجعلنا نستحي من أنفسنا. فعن أَبُو جَعْفَرٍ اَلْخَثْعَمِيُّ قَالَ: (أَعْطَانِي اَلصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ صُرَّةً فَقَالَ لِي اِدْفَعْهَا إِلَى رَجُلٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَلاَ تُعْلِمْهُ أَنِّي أَعْطَيْتُكَ شَيْئاً قَالَ فَأَتَيْتُهُ قَالَ جَزَاهُ اَللَّهُ خَيْراً مَا يَزَالُ كُلَّ حِينٍ يَبْعَثُ بِهَا فَنَعِيشُ بِهِ إِلَى قَابِلٍ وَلَكِنِّي لاَ يَصِلُنِي جَعْفَرٌ بِدِرْهَمٍ فِي كَثْرَةِ مَالِهِ)[٣]. أخذ الرجل يغتاب إمام زمانه وهو لا يعلم أن المال من الإمام (ع)، وإنما الإمام الصادق متبع لنهج جده أمير المؤمنين (ع): (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ)[٤].