س١/ لماذا نرى أن مستوى التفاعل مع صاحب الأمر (ع)، ليس بالمستوى المطلوب؟..
إن الذي ينسى ذكر ولي أمره، فهو الخاسر!.. وإلا فالإمام (ع) في غنى عنا، فهو له شغله مع ربه، وعلاقته مع ربه، وأنسه بالله تعالى يملأ كل فراغ لديه.
والسبب في هذه الحالة من عدم التفاعل مع ذكره، هو: قلة المعرفة بموقع الإمام أولا، وبموقعه هو ثانيا..
وكما هو الملاحظ لا نسبة بين التفاعل لسيد الشهداء (ع)، وبين التفاعل لولده الحجة (ع)، رغم أن هناك فرقا في المقام، فالإمام المهدي هو إمام زماننا، ونحشر تحت لوائه، وأعمالنا تعرض عليه، وفي ليالي القدر تنزل مقدراتنا عليه.. فهناك فرق من هذه الناحية، ولكن التفاعل مع جده الشهيد، لا يقاس بالتفاعل معه.. لأن طبيعة الحالة المأساوية لإمامنا الشهيد، وما جرى عليه، يرقق القلوب، والقلوب تتفاعل مع الأحداث.. ولهذا نلاحظ في قضية الإمام حتى غير المسلمين يتفاعلون، بل قد يبكون على مصبية الإمام.
إن العلاقة بالإمام هي في الأصل، علاقة اعتقادية؛ وذلك بالاعتقاد بأن الإمام حي يرزق، وبالمآسي التي وقعت عليه، والمآسي التي وقعت على آبائه الطاهرين.. فالذي يجعل المؤمن يتفاعل مع ذكر الإمام، هو الجانب الاعتقادي، والجانب المعرفي، بمعرفته أنه حجة الله على الأرض في هذا العصر؛ وإنه بمعصيته كما أنه خالف رب العالمين، أيضا فقد أدخل الأذى في قلب وليه..
ورد في رواية هذا المضمون: أن الإمام كان يعتب-في زمان الأئمة- ويقول بأن المعاصي من موجبات أذى رسول الله (ص).. وتوجد رواية ينقلها صاحب العروة الوثقى، تشير إلى أن الزهراء (ع) تتألم وتتأذى، ويشق عليها تصرفات بعض الموالين في زمان الغيبة.. ونحن الآن يفصلنا عن الزهراء (ع) مئات السنين..
فمعنى ذلك، إن الإمام (ع) يشق عليه كثيرا مما نفعل، وخاصة نحن المنتسبون إليه.. وأعني بالمنتسبين، لا خصوص العلماء، وإنما الذين يلهجون بذكره، الذين يُعرفون بحبهم للإمام، فهؤلاء يتوقع منهم أكثر من غيرهم.
فإذن، ملخص الجواب عن هذا السؤال:
بما أن العلاقة العاطفية بالإمام (ع) على أساس الجانب العاطفي، والجانب المأساوي، هي غير متحققة؛ فلابد أن تكون على أساس عقائدي، بإحساسنا بإمامته وولايته.. وهذا يحتاج إلى بلوغ فكري ونظري؛ فعامة الناس تتفاعل مع قضية الإمام الشهيد، ولكن الخواص هم من يتفاعلون مع قضية الإمام الغائب.. وهنيئا لمن وصل إلى هذا البلوغ، الذي يجعله يعيش فقد الإمام!..
والسيد ابن طاووس يصف هذه الحالة في كتابه لولده، بعبارات جميلة، يقول-بهذا المعنى-: يا ولدي محمد، لو ضيعت شيئا من متاع الدنيا، فكم تتألم وتتأذى لفقد هذا المتاع؟!.. فكيف بك وقد ضيعت إمامك وفقدته؟!..
لو أن إنسانا في صحراء قاحلة، وكان معه الدليل الذي يعينه على تجاوز هذه الصحراء القاحلة، بأمان وسلام.. فلا شك أن هذا حياته وموته، متوقفة على هذا الدليل.. فلو مات الدليل، أو غاب عنه، هو أيضا يموت ضياعا.. فلك أن تتصور هذا الإنسان التائه، إذا غاب عنه الدليل، فأي مشاعر يعيش؟.. فنحن كذلك، في زمان الغيبة، علينا أن نعيش هذه المشاعر بتمامها.
س٢/ هل للإمام (ع) عناية خاصة ببعض الأفراد، وما هو الموجب لذلك؟..
في زمان الغيبة الإمام له عناية أولا، لعالم الوجود، (بيمنه رزق الورى وبوجوده ثبتت الأرض والسماء)..
وله عناية بكافة البشر، حتى من غير المسلمين.. أسوة بجده أمير المؤمنين، الذي عندما بلغه نبأ الاعتداء على الذمية تألم كثيرا.. وله أسوة بأمه الزهراء، كما ورد عنه..
وله عناية بالمسلمين، ممن يشهد الشهادتين.. فمن المعلوم أن من شهد الشهادتين، فقد حقن دمه وماله.. بخلاف البعض الذين لا يرعون حرمة لمن شهد الشهادتين، لمجرد خلاف في مسألة فرعية أو في مسألة فقهية.. فالإمام له عناية بهؤلاء، فهم من أمة جده ولو كانوا عصاة..
قيل للجواد (ع): أيّة آية في كتاب الله أرجى؟.. قال: ما يقول فيها قومك؟.. قال: يقولون: {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله}.. قال: لكنّا أهل البيت لا نقول ذلك.. قال: فأي شيء تقولون فيها؟.. قال: نقول: {ولسوف يعطيك ربك فترضى}.. الشفاعة، والله الشفاعة، والله الشفاعة.
فالنبي (ص) يشفع، حتى لا يبقى في النار موحد.. فمن يشهد الشهادتين، هذا لا يخلد في النار..
وله عناية بالمؤمنين الذين يعتقدون بآبائه.. فهناك فرق بين من يشهد الشهادتين ويقف، وبين من يعتقد بالاثني عشر الذين بشر بهم النبي (ص)، وهو على رأس الأئمة الاثني عشر، بمعنى هو ختامهم، والمتمم لهم..
وله عناية بخواص المؤمنين المتوجهين إليه من مواليه، الذين يعتقدون بإمامته، ويحملون هم غيبته، ويدعون لفرجه..
وإذا أراد المؤمن أن يعلم مدى حبه لإمامه، فلينظر إلى لسانه وهو متوجه للدعاء، في مواطن الإجابة.. فمثلا هو كان في حالة الازدحام في الحج، ووصل إلى الحجر، أو وصل إلى الحطيم-فمن المعلوم أن الإنسان عادة في مثل هذه المواقف أنه يقدم أهم الحوائج لديه، فالذي له ولد مبتلى بمرض خبيث، فإنه أول ما يصل إلى الحجر، فمن الطبيعي أنه يسأل الله تعالى شفاء ولده- فإذا وصل لهذه المواطن الشريفة، ولهج بذكر إمامه، بالدعاء له بالفرج، فإنه يعلم من ذلك، أن له علاقة متميزة بإمامه.
ومن أحب إنسانا حبا حقيقيا، وذلك الإنسان علم بحبه له، فإنه يبادله الحب، إلا أن يكون جاهلا، أو غافلا.. والإمام (ع) حاشا أن يكون غافلا عنا، فمن كان في قلبه هذه الجذوة من الحب المهدوي، فقطعا إن الإمام سيبادله هذا الحب، وشتان بين حبنا له، وبين حبه لنا!.. فهو ولي الله الأعظم، السبب المتصل بين الأرض والسماء، الباب الذي منه يؤتى، ودعوته لا ترد.. وهنيئا لمن شملته دعوة إمام زمانه!..
س٣/ كيف يمكن أن ينمي الإنسان المؤمن علاقته العاطفية، مع صاحب الأمر (عج)؟..
إن هناك عدة أمور يقوم بها المؤمن، لتقوية الارتباط بينه وبين الإمام، منها:
الالتزام بدعاء العهد:
إن الذي يلتزم بدعاء العهد أربعين صباحا، يرجى أن يكون ذلك، سببا لأن يلتفت إليه الإمام (عج)..
ولا يقال إن هذا الالتزام، ليس فيه مجاهدة كبيرة!.. فإن التوفيق لذلك، قد يكون علامة من علامات الارتضاء-إن شاء الله تعالى- وليس بنحو العلية فقط.. فالالتزام بدعاء العهد، سببا للالتفاتة، وعلامة الارتضاء.. ولهذا ترى البعض يلتزم، وفي اليوم الأخير يغلب عليه ما يغلب من النعاس وغيره.
فإذن، إن دعاء العهد دعاء مناسب وبليغ، وخاصة إذا وصل لهذه الفقرات: (اللهم!.. اجعلني من أنصاره وأعوانه، والذابين عنه، والمسارعين إليه في قضاء حوائجه، والممتثلين لأوامره، والمحامين عنه، والسابقين إلى إرادته، والمستشهدين بين يديه..)؛ فإن عليه أن يلهج بها، ويقف عندها، ويتأمل فيها، ليعمق معانيها في فؤاده.
الالتزام بدعاء الندبة:
إن الوارد استحباب هذا الدعاء في الأعياد الأربعة: كل جمعة، وعيد الفطر، والأضحى، والغدير.. وفي خصوص هذه الأيام من المعلوم أنها أيام فرح، والمؤمن له فرحة متميزة في يوم العيد.. ولكن المؤمن مطلوب منه، لا فقط أن يذكر إمامه في هذه الأيام، بل أن يندبه.. والندبة فيها حالة حزنية، وحالة بكائية، وكلمات فيها إثارة عاطفية: (عزيز علي أن أجاب دونك وأناغى!.. عزيز علي أن أبكيك ويخذلك الورى!.. عزيز علي أن يجرى عليك دونهم ما جرى!.. هل من معين، فأطيل معه العويل والبكاء؟!.. هل من جزوع، فأساعد جزعه إذا خلا؟!.. هل قذيت عين، فساعدتها عيني على القذى؟!).. العويل والبكاء، هذا في يوم الفطر، في يوم الأضحى، في الغدير، في كل جمعة.. ولا شك أن امتزاج هذه الحالة من الندبة والحزن على الإمام (عج)، بحالة الفرحة في يوم العيد، إن هذه الحالة من موجبات الارتباط المتميز.
الالتزام بدعاء الفرج:
إن علينا بالإكثار من دعاء الفرج، وخاصة في مواطن الإجابة، وفي قنوت الصلاة.. وليس لازما أن يلتزم به في كل قنوت، ولكن على الأقل ينبغي أن لا تخلو الفرائض الخمسة من وقفة دعاء مهدوية.
إن البعض يلتزم بدعاء يكرره بشكل رتيب، ففي كل صلواته-مثلا- يقول: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.. وهذا دعاء جيد، ولكن مع التكرار فإن الإنسان قد لا يتفاعل.. والمؤمن له خزانة من الأدعية، يحفظ-مثلا- فقرات من مناجاة التائبين، ودعاء أبي حمزة، ودعاء الفرج.. فيحفظ أدعية مختلفة في ذهنه، وفي الصلاة يختار حسب مزاجه، بعض هذه الأدعية الشريفة.
الالتزام بزيارة آل يس:
وهي من خصوص الزيارات التي يحبها الإمام المهدي (عج)، كما نفهم من قوله: (بسم الله الرحمن الرحيم.. لا لأمره تعقلون، ولا من أوليائه تقبلون!.. حكمةٌ بالغةٌ، فما تغني النذر عن قوم لا يؤمنون!.. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين!.. إذا أردتم التوجه بنا إلى الله وإلينا، فقولوا كما قال الله تعالى: سلام على آل يس..).
ومن المناسب أن المؤمن بعد أن ذكر إمامه بهذه الزيارة الجميلة، ورق فؤاده، أن يستغل هذه الحالة في التوسل بالإمام (ع) عند الله تعالى، في سؤال ما يريد.. ومن المناسب جدا الدعاء بالدعاء الوارد بعد الزيارة، فالبعض يكتفي بالزيارة، ويهمل هذا الدعاء.. ثم إن مضامين الدعاء مقسمة بين الدعاء للإمام (ع)، والدعاء للزائر.. فالداعي بهذا الدعاء، يدعو للإمام (ع)، ويدعو لنفسه أيضا، حيث يطلب من الله تعالى أن يعطيه الهبات المتميزة في هذا المجال.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.