إن هناك حديثا يقول: (تخلقوا بأخلاق الله)!.. هذا الحديث أرقى من آية: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.. العبد تارة مأمور أن يتخلق بأخلاق النبي (ص)، وتارة يتخلق بأخلاق الله عز وجل!.. الرب رحيم، المؤمن أيضاً رحيم.. ومن أخلاق الله -ولولا هذا الخلق، لأصابنا الضرر جميعا- أنه يعذر عباده في مواطن.. قال رسول الله (ص): (رُفع عن أمتي تسعة: الخطأ، والنسيان، وما أُكرهوا عليه، وما لا يطيقون، وما لا يعلمون، وما اضطرّوا إليه، والحسد، والطيرة، والتفكّر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة).
الخطأ.. من مصاديقه: إنسان أخطأ في قيادة سيارته، فأودى بحياة إنسان.. هذا لا يقتص منه، إنما عليه دفع الدية.
النسيان.. مثلا: إنسان في شهر رمضان، أو في قضاء الصوم، يشرب الماء ويأكل نسيانا.. ليس من تكليف الآخرين لفت نظره لذلك، لعل هذا من ألطاف رب العالمين ببعض العباد الجائعين الصائمين، فينسيهم الصيام ليأكلوا ويشربوا.
وما أكرهوا عليه.. يقول تعالى في كتابه الكريم: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}، أي إذا هدد الإنسان بالقتل كي يكفر مثلا؛ فإنه يعذر في ذلك.
ما لا يعلمون.. أي الجهل، ولكن القدر المتيقن من الجهل العذري: هو الجهل القصوري، لا التقصيري.. مثلا: إنسان أقدم على أمر ما، رغم أنه قرأ الرسالة العملية، لكنه لم ير هذه المسألة أو جهلها؛ أي أنه كان في مظان التعلم، ولكن لم يفهم.
الحسد.. الحسد من الموبقات، فإنه يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب.. أما الحسد القلبي؛ فإنه لا يؤاخذ عليه الإنسان، فهو ليس مطالبا أن لا يحسد بقلبه، ولكن المهم أن لا يظهر هذا الحسد من خلال كلمة، أو فعل.
الطيرة.. أي التشاؤم، بعض الناس يتطير بالأمور الباطلة.. عن الرسول (ص): (إذا تطيرت فامض، وإذا ظننت فلا تقض، وإذا حسدت فلا تبغ)؛ أي إذا أصابتك الطيرة والتشاؤم، فلا تكترث، وامض لما أنت عازم عليه.
التفكر في الوسوسة في الخلق.. بعض الناس يشك في عقيدته، يصل به الأمر أن الشيطان يلعب بباطنه، إلى درجة أنه يتلفظ في قلبه بألفاظ كفرية.. أيضا هذا لا يؤاخذ عليه الإنسان ما لم ينطق بشفة، أي مادام حديثا باطنيا.. والمعصومون (ع) طيبوا خواطر المؤمنين، فقالوا: لا يخلو منه إنسان، عن النبي (ص): (ثلاثة لا ينجو منهن أحد: الظن، والطيرة، والحسد.. وسأحدثك بالمخرج من ذلك: إذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا تطيرت فلا ترجع).
إن المؤمن في فترة من حياته، قد تطول وقد تقصر، تمر عليه حالات من هذا القبيل: وسوسة في المبدأ، أو في المعاد، أو في التوحيد،… الخ.. ما دام الإنسان متأذيا من هذه الحالة، فالأمر جيد.. بعض المراجع في الرسالة العملية يعرّف الرياء، فيقول: هو أن يعمل العبد عملا لغير الله عز وجل، ولكن لو جاءته هواجس ريائية، فإن ذلك لا يضر بإخلاص النية.. مثلا: إنسان جاء إلى المسجد ليصلي لله عز وجل، ولكن الشيطان يقول له: أنت جئت لتري نفسك للآخرين!.. إذا كان ذلك مجرد هاجس، فهذا لا يضر بإخلاصه، وخصوصا إذا تأذى منه.. بل هذا يعتبر قمة الإخلاص، تأتيه وسواس، ولكن يقول: يا رب، خلصني من هذه الوساوس.. وخير علاج لذلك: عدم الاعتناء، والحوقلة (لا حول ولا قوة إلا بالله)، والإكثار من قول: (لا إله إلا الله).. فدواء وسوسة الصدر؛ الحوقلة والتهليل.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.