إنّ خير من يعكس لنا تكليفنا تجاه سيد الشهداء (ع)، وبيان مزايا الذين يقومون بإحياء ذكره (ع)؛ هم أئمة أهل البيت (ع).. لأنهم أهل بيت الوحي والرسالة؛ فهم أدرى بما في البيت.. هؤلاء هم الذين ورثوا علم النبي المصطفى (ص)، والأئمة التسعة من ذرية الحسين (ع)؛ ورثوا علم المصطفى (ص) وعلم الحسين (ع).
ليس من الصحيح أبدا أن نفتح ملفا لأهل البيت في قبال الملف الإلهي، وكأن أهل البيت (ع) جهة في مقابل الجهة الإلهية؛ هذا من أفدح أنواع الظلم!.. من يجعل حركة الحسين، والتوجه للحسين؛ في مقابل التوجه إلى الله عز وجل؛ هذا لعله يشترك مع قتلته في جريمتهم الكبرى.. هؤلاء ذابوا في الله -عز وجل-، في دعاء يوم عرفة، ماذا كان يقول الحسين (ع)؟.. يونس (ع) قال مرة واحدة: {لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ}.. ولكن الحسين (ع) أردف هذه العبارة بعبارات أخرى في هذا السياق: (لا إِلهََ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّي كُنْتُ مِنَ الْمُسْتَغْفِرينَ، لا إِلهََ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّي كُنْتُ مِنَ الْمُوَحِّدينَ، لا إِلهََ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّي كُنْتُ مِنَ الْخائِفينَ، لا إِلهََ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّي كُنْتُ مِنَ الْوَجِلينَ، لا إِلهََ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّي كُنْتُ مِنَ الَّراجينَ، لا إِلهََ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّي كُنْتُ مِنَ الرّاغِبينَ، لا إِلهََ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّي كُنْتُ مِنَ الْمُهَلِّلينَ، لا إِلهََ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّي كُنْتُ مِنَ السّائِلينَ، لا إِلهََ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّي كُنْتُ مِنَ الْمُسَبِّحينَ، لا إِلهََ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّي كُنْتُ مِنَ الْمُكَبِّرينَ، لا إِلهََ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ رَبّى وَرَبُّ آبائِيَ الأَْْوَّلينَ).. وهو الإمام الذي ختم حياته المباركة بكلمات التوحيد والمناجاة بين يدي الله -عز وجل- قائلا: (رضاً بقضائك، وتسليماً لأمرك، لا معبود سواك، يا غياث المستغيثين)!..
فِإذن، كلامهم كلام الله -عز وجل- وذكرهم ذكر الله -عز وجل-.. فإقامة عزائهم ومجالسهم؛ إقامة لذكر الله عز وجل.. يقول تعالى في كتابه الكريم: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ}؛ وأيام الله هي تلك الأيام التي نذكر فيها رب العالمين، وتذكرنا برب العالمين.. ماذا يقال في المجالس الحسينية التي تقام هذه الأيام في شرق الأرض وغربها؟.. إن هي إلا آيات من الذكر الحكيم، وتفسير لقول الله تعالى، ودعوة للمكارم من الأخلاق، ثم يختم المجلس بالدعاء.
نحن عندما نزور سيد الشهداء (ع) من قرب أو من بعد، في ختام السلام والتسليم، نصلي بين يدي الله -عز وجل- ركعتين.. نحوّل وجوهنا من جهة كربلاء في الزيارة، إلى جهة مكة المكرمة؛ لنصلي لله -عز وجل- ركعتين، لا نريد بذلك إلا وجه الله سبحانه وتعالى.. ولذلك الإمام الصادق (ع) يقول: (نفس المهموم لظلمنا؛ تسبيح.. وهمه لنا؛ عبادة.. وكتمان سرنا؛ جهاد في سبيل الله).. ثم قال (ع): (يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب).
(نفس المهموم لظلمنا؛ تسبيح).. في شهر رمضان نوم الإنسان عبادة، (أنفاسكم فيه تسبيح).. لماذا هذا النفس الذي هو عبارة عن خروج غاز سام من الفم؛ هذا الغاز المضر للرئتين تحول إلى تسبيح؟!.. (ونومكم فيه عبادة)؛ النوم عبارة عن الموت الأصغر، والأعمال تنقطع بالنوم؛ لماذا تحول النوم إلى عبادة؟.. لأن الإنسان في جو الصيام، هو في ضيافة الله عز وجل، ويوقر حكما شرعيا؛ هو عبارة عن الصوم.. وكذلك في مجالس أهل البيت (ع)، نحن نبكي على الإمام الذي قتل، وهو يطالب بالإصلاح في أمة جده المصطفى (ص).. ولهذا يقول: (نفس المهموم لظلمنا؛ تسبيح).. مادام الإنسان في مجلس، ويحمل همّ الحسين (ع) وهو جالس؛ يعيش حالة التسبيح.. كالصائم في شهر رمضان، الذي كان نفسه تسبيحاً.
(وهمّه لنا؛ عبادة).. أن نحمل همّ أهل البيت (ع)، الإمام الحجة هل يحمل همّا سوى همّ نشر الرسالة، وتثبيت دعائم الدين؟.. فرب العالمين يحيي به البلاد والعباد، والذي يريد أن يحيي منهج أهل البيت (ع)؛ لابد أن يقوم بهذا الدور.. صحيح الثورة الحسينية: حسينية الحدوث، زينبية البقاء.. هذا الدور الزينبي ليس وقفا على عقيلة بني هاشم؛ زينب الكبرى، هي امرأة قامت بما عليها، وهي أسيرة، وهي بين يدي الأعداء، وهي امرأة خفرة في كامل حجابها وعفافها.. نحن في قرننا هذا، نستطيع أن نؤدي الدور الزينبي: من خلال الفضائيات، والإعلام، وفي كل زاوية؛ يمكن أن نتواجد فيها، لإحياء ذكر أهل البيت (ع).
(وكتمان سرنا؛ جهاد في سبيل الله).. هنالك بعض الروايات كأنها تدعو إلى كتمان السر.. هل هناك سر عند أهل البيت، ينبغي أن يكتم؟.. علومهم بثت في الأمة، الله العالم لعل المراد بهذا السر: أن البعض قبل أن يثبت للطرف الآخر دعائم أو أدلة الإمامة، يذكر له الفضائل والكرامات والأمور غير المتعارفة في حياة البشر.. إذ لابد من التدرج الهرمي!.. مثلا: عندما يتحدث المسلم مع مسيحي، هل يحاول أن يقنعه بسر المقطعات في أوائل السور، هل يقول له: أن {الم} فيها حكمة، أو {حم} فيها وجه؟.. هو لا يعتقد بالقرآن الكريم أصلاً، فلا معنى لمناقشاته في المتشابهات من القرآن!.. إذا هو قبل القرآن؛ عندئذ يقبل {الم} و{حم}، وغيرها من الآيات التي هي من أسرار القرآن.. فعندما نريد أن نبيّن شيئا من أهل البيت، يقنع الطرف الآخر؛ لابد أن نثبت له الأساس؛ أي (ثبّت العرش ثم انقش الفرش)!.. فذكر بعض الخصوصيات والمزايا التي لا تحتملها عقول الغير، من دون تثبيت أساس الإمامة؛ لعل هذا من مصاديق كتمان السر.. وهذا مستفاد من كلامهم (ع) إياك وما تسارع العقول إلى إنكاره!.. لا تذكر شيئا، الطرف الآخر لا يتحمله!.. قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (خالطوا الناس بما يعرفون، ودعوهم ممّا ينكرون، ولا تحملوهم على أنفسكم وعلينا.. إنّ أمرنا صعب مستصعب: لا يحتمله إلاّ ملك مقرّب، أو نبيّ مرسل، أو عبد قد امتحن الله قلبه للإيمان).
(يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب).. يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب؛ لأهميته وجلالة قدره.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.