- ThePlus Audio
دور ليالي القدر المباركة في مصير الإنسان
بسم الله الرحمن الرحيم
ليالي القدر المباركة؛ الأيام المصيرية في شهر رمضان المبارك
عندما يتجاوز المؤمن منتصف شهر رمضان المبارك، ينتابه القلق والاضطراب لاقتراب ليالي القدر المباركة، وكأنه يهيء نفسه لامتحان آخر السنة، إذ أن مقدرات الإنسان وربما مقدرات الأكوان تقدر في ليالي القدر. وهي وإن كانت مقدرات سنة واحدة إلا أن لها تبعات على مقدرات الإنسان في سائر أعوام دهره. فإذا ابتلي الإنسان بمرض عضال قد يعاني منه لسنين كثيرة وتبقى أعراضه وآثاره. وإذا سلب الإنسان التوفيق في سنته قد يحرم من الحج ومن سائر العبادات التي تؤثر هي بدورها على روح الإنسان وحالته المعنوية لسنين طويلة. فنستطيع القول إن المؤمن في ليالي القدر يرسم مسار حياته في العام الذي يليه وهذا العام له دور في أعوام دهره كلها.
سيرة النبي الأكرم وآله (سلام الله عليهم) في إحياء ليالي القدر المباركة والاستعداد لها
ولو راجعنا سيرة النبي (ص) وأهل بيته (ع) في هذه الليالي المباركة لرأينا بوضوح شدة اهتمامهم بهذه الليالي واستعدادهم لها. فقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ كَانَ يَطْوِي فِرَاشَهُ وَيَشُدُّ مِئْزَرَهُ فِي اَلْعَشْرِ اَلْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَكَانَ يُوقِظُ أَهْلَهُ لَيْلَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ وَكَانَ يَرُشُّ وُجُوهَ اَلنِّيَامِ بِالْمَاءِ فِي تِلْكَ اَللَّيْلَةِ وَكَانَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ لاَ تَدَعُ أَحَداً مِنْ أَهْلِهَا يَنَامُ تِلْكَ اَللَّيْلَةَ – وَتُدَاوِيهِمْ بِقِلَّةِ اَلطَّعَامِ وَ تَتَأَهَّبُ لَهَا مِنَ اَلنَّهَارِ وَتَقُولُ مَحْرُومٌ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا)[١]. فلو كان النبي الأكرم الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر كما ذكر في القرآن الكريم يولي هذا الاهتمام بالليالي العشر الأخيرة، فكيف بنا نحن الذين أرهقتنا الذنوب وتراكمت علينا المعاصي منذ العام المنصرم تى تلك الليلة؟
ومن الذنوب المهمة التي لا يعتبرها الكثير من الذنوب هي الغفلة التي يعيشها الإنسان. فهب أن الإنسان قد حبس في زنزانة انفرادية حيث لا يمكنه ارتكاب المعاصي كما لو كان خارجها فليس ثمة نساء ولا من يحتك بهم من الناس وما شابه ذلك. ولكن ماذا بشأن الساعات الكثيرة التي يقضيها في السجن وهو غافل عن ربه؟ والغفلة عن اللهِ سبحانه من المعاصي القلبية الخطيرة. فتصور أن يأتيك ضيف من البلاد البعيدة ثم تستقبله في غرفة الاستقبال وتذهب عنه ولا تعود إليه ولا تهتم بشأنه ولا تحضر عنده أليس ذلك وهن بحقه واستصغار له وحط من كرامته؟ ليس من الضروري أن نهين الضيف مباشرة حتى يصدق عليه الهتك بل يكفي أن نهمله ولا نحضر عنده ولا نحسب حسابا لوجوده. وإن كانت الغفلة لا تظهر آثارها كالذنوب الظاهرية؛ ولكنها من الذنوب التي يضج منها الصلحاء والأولياء إلى الله عز وجل.
ثم تذكر الرواية سيرة الزهراء (س) في هذه الليالي المباركة حيث لم تكن تدع أحد من أهل البيت ينامون في تلك الليلة وكانت تعينهم على القيام بقلة الطعام. فلا يوجد أكل حتى التخمة ولا مائدة رمضانية شهية ولا إفطار دسم وما شابه ذلك. وكانت (س) تتأهب لهذه الليلة من النهار. وهنا يتبين من سيرتها أن الاستعداد يبدأ من النهار فلا يكون النهار نهار الغافلين ثم يتوقع أن يكون في الليل كداوود في مزاميره. الإنسان الذي لا يعتني بأيام القدر، لا يُوفق في لياليها كما ينبغي. ثم ترى السيدة الزهراء (س) أن الحرمان الحقيقي هو الحرمان من خير هذه الليلة إذ قد يعوض التاجر خسارته للملايين بعد أيام أو سنوات ولكن كيف يعوض من فاتته هذه الليلة؟
لكي لا نخسر ليلة القدر..!
ولا بد من الالتفات إلى ضيق الوقت وقصر عمر الإنسان في هذه الحياة وأنه لا يدري كم بقيت له من هذه الليالي. فلو افترضنا أن الإنسان ضمن الحياة لستين سنة وكان عمر الأربعين لم يبقى له من هذه الليالي إلا عشرين، وعشرين شهرا من شور رمضان وعشرين فرصة للحج إلى بيت الله الحرام وهلم جرا. فليغتنم الإنسان هذه الفرص التي لا يعلم متى تكون آخرها. فقد تكون الليلة التي وفق لإحيائها آخر ليلة قدر له في الحياة أو ما قبل الأخيرة أو لديه من الفرص خمس سنوات أو عشر سنوات فلا تعلم نفس ماذا تكسب غدا، فكم هم الذين رحلوا من هذه الدنيا وهم في غرة الشباب ومقتبل العمر؟
حذار من التسويفات الشيطانية..!
وعلينا الحذر في هذه الليالي من التسويفات الشيطانية، فقد يأتينا الشيطان في ليلة التاسع عشر ويمنينا الليلتين الباقيتين ويقول: ارقد أو نم أو تكاسل أو اذهب إلى حانوتك أو إلى عملك وتجارتك أو اجلس أمام التلفاز أو خض في وسائل التواصل الاجتماعي على أمل الليلة الواحد والعشرين. ثم تأتيك تلك الليلة ويأتيك هذه المرة ليقول لك: إن العلماء يؤكدون على الليلة الثالث والعشرين وهلم جرا حتى يسلب الإنسان التوفيق في هذه الليالي وتمر عليه من دون أن يذرف فيها دمعة واحدة وقد ورد في دعاء أبي حمزة بعض هذه الأساليب الشيطانية التي منها إلقاء النعاس على الإنسان.
جفاف الدموع
ولا نبتغي المبالغة في مسألة الدمعة ولا نقول أن الذي حرم من ذرف الدموع في ليالي القدر فهو محروم من بركاتها وخيرها إلا أن جفاف الدموع علامة خطيرة وأمارة سيئة. ويخشى على الذي تمر عليه ليلة القدر بعيون جامدة من أن يكون من الذي يستعيذ المعصوم (ع) أن يكون يقول: (أَعُوذُ بِكَ مِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ وَمِنْ عَيْنٍ لاَ تَدْمَعُ)[٢]. فلين القلب واقشعرار الجلد تبعا له دليل على القبول وأمارة يتفائل المؤمن بأنه قد خرج من زمرة المحرومين، ودخل في زمرة المرحومين.
رواية عجيبة في ما يمكن أن يدركه الإنسان من ليلة القدر
وقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (إِنَّ اَلْقَلْبَ اَلَّذِي يُعَايِنُ مَا يَنْزِلُ فِي لَيْلَةِ اَلْقَدْرِ لَعَظِيمُ اَلشَّأْنِ قُلْتُ وَكَيْفَ ذَاكَ يَا أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ قَالَ لَيُشَقُّ وَاَللَّهِ بَطْنُ ذَلِكَ اَلرَّجُلِ ثُمَّ يُؤْخَذُ إِلَى قَلْبِهِ وَيُكْتَبُ عَلَيْهِ بِمِدَادِ اَلنُّورِ فَذَلِكَ جَمِيعُ اَلْعِلْمِ ثُمَّ يَكُونُ اَلْقَلْبُ مُصْحَفاً لِلْبَصَرِ وَيَكُونُ اَللِّسَانُ مُتَرْجِماً لِلْأُذُنِ إِذَا أَرَادَ ذَلِكَ اَلرَّجُلُ عِلْمَ شَيْءٍ نَظَرَ بِبَصَرِهِ وَقَلْبِهِ فَكَأَنَّهُ يَنْظُرُ فِي كِتَابٍ قُلْتُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَيْفَ اَلْعِلْمُ فِي غَيْرِهَا أَ يُشَقُّ اَلْقَلْبُ فِيهِ أَمْ لاَ قَالَ لاَ يُشَقُّ لَكِنَّ اَللَّهَ يُلْهِمُ ذَلِكَ اَلرَّجُلَ بِالْقَذْفِ فِي اَلْقَلْبِ حَتَّى يُخَيَّلَ إِلَى اَلْأُذُنِ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِمَا شَاءَ اَللَّهُ[مِنْ]عِلْمِهِ «وَاَللّٰهُ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ»)[٣] . أي القلب الذي يتفاعل مع ليلة القدر، ويُعاين ما ينزل وليس المقصود بذلك المعاينة البصرية، إذ ليس من الضرورة أن يرى جنود الملائكة الصافين تمرُ أمامه، ولكن المهم أن يدرك خصوصية هذه الليلة، ويتقدم إلى الله عزَ وجل بكل وجوده، فهذا القلب يكون عظيم الشأن.
ونحنُ نسمع أن فلانا عالمٌ جليل القدر، عظيم الشأنِ والمنزلة، ولكن لم نسمع أحدا يقول: هذا القلب عظيم الشأن. والإمام (ع) يتحدث عن يقين يكتسبه القلب، ذلك اليقين الذي حرمنا منه وحرماننا هذا أعقبنا الغفلة عن الله عز وجل. نحن نؤمن به سبحانه ونؤمن باليوم الآخر ولكن أين هذا الإيمان من اليقين به. ذلك اليقين الذي يصبح معه الإنسان مهيئا للاستماع إلى عالم الغيب وتسمع الأذن المتصلة بالقلب ما يسدد الإنسان في حياته.
وهذا الحديث من روائع الأحاديث التي ينبغي للمؤمنين جميعا أن يلتفتوا إليه ويحاولوا جهدهم الحصول ولو على بعض هذه المقامات ويطلبوا منه سبحانه أن يفيض عليهم من هذه الهبات العظيمة. فهي لا تختص بالأنبياء والأولياء فحسب؛ بل هي أبواب مفتوحة أمام جميع المؤمنين وقد روي عن الرضا (ع) أنه قال: (َاتَّقُوا فِرَاسَةَ اَلْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اَللَّهِ)[٤].
كن طموحا في عالم المعنى..!
ومما لا ريب فيه أن الجميع يطمح أن يكون ثريا ويترقى في مجال عمله، فالتاجر يتمنى أن يصبح من كبار التجار والموظف يطمح للرئاسة وهلم جرا. فلماذا لا نطمح في الترقي في عالم الأرواح واكتساب الدرجات المعنوية الكبيرة؟
عظمة الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك
والأيام الأخيرة من شهر رمضان بما فيها ليالي القدر المباركة هي أيام الابتهال والاستغفار والإنابة وهي أيام المصالحة مع الله عز وجل وهي الأيام التي يستطيع فيها المؤمن تحقيق المكاسب العظيمة، وليحذر الإنسان الشياطين فإنها وإن كانت مغلولة قد تستطيع أن تؤثر بصورة ما على الإنسان لتمنعه من العطاء في شهر رمضان.
ما هو الارتباط بين ليلة القدر وبين شهيد المحراب؟ وعلى من تنزل الملائكة؟
لقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (إنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ كَثِيراً مَا يَقُولُ مَا اِلْتَقَيْنَا عِنْدَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ اَلتَّيْمِيُّ وَصَاحِبُهُ وَهُوَ يَقُولُ: «إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ فِي لَيْلَةِ اَلْقَدْرِ» وَيَتَخَشَّعُ وَيَبْكِي فَيَقُولاَنِ مَا أَشَدَّ رِقَّتَكَ بِهَذِهِ اَلسُّورَةِ فَيَقُولُ لَهُمَا إِنَّمَا رَقَقْتُ لِمَا رَأَتْ عَيْنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي وَلِمَا رَأَى قَلْبُ هَذَا مِنْ بَعْدِي يَعْنِي عَلِيّاً عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)[٥]؛ أي أن الحجة في كل عصر هي التي تنزل عليه الملائكة ويرى من الأحداث الكبرى والهموم العظمى ما لا تحتمله الجبال.
وفي حديث آخر عن سعيد بن يسار قال: (كُنْتُ عِنْدَ اَلْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ إِذْ جَاءَ رَسُولُ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقُلْتُ لَهُ سَلْهُ عَنْ لَيْلَةِ اَلْقَدْرِ فَلَمَّا رَجَعَ قُلْتُ لَهُ سَأَلْتَهُ قَالَ نَعَمْ فَأَخْبَرَنِي بِمَا أَرَدْتُ وَمَا لَمْ أُرِدْ قَالَ إِنَّ اَللَّهَ يَقْضِي فِيهَا مَقَادِيرَ تِلْكَ اَلسَّنَةِ ثُمَّ يَقْذِفُ بِهِ إِلَى اَلْأَرْضِ فَقُلْتُ إِلَى مَنْ فَقَالَ إِلَى مَنْ تَرَى يَا عَاجِزُ أَوْ يَا ضَعِيفُ)[٦].
وعن داوود بن فرقد وهو يسأل الإمام الصادق (ع) قال: (سَأَلْتُهُ عَنْ لَيْلَةِ اَلْقَدْرِ اَلَّتِي تَنَزَّلُ فِيهَا اَلْمَلاَئِكَةُ فَقَالَ «تَنَزَّلُ اَلْمَلاٰئِكَةُ وَاَلرُّوحُ فِيهٰا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلاٰمٌ هِيَ حَتّٰى مَطْلَعِ اَلْفَجْرِ» قَالَ ثُمَّ قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مِمَّنْ وَإِلَى مَنْ وَمَا يَنْزِلُ)[٧]. وأراد الإمام (ع) أن يربط ليلة القدر بإمام العصر وقد يكون ذلك هو السر في استحباب قراءة إنا أنزلناه في الركعة الأولى من صلواتنا. ونحن اليوم في زمن الإمام المهدي (عج) وإذا أراد أحدنا أن يتكامل ويترقى وحاز قصب السبق في القرب إلى الله عز وجل ينبغي أن يعقد صلة وثيقة بإمام زمانه (ع) خاصة في ليالي القدر المباركة فيدعو له بالفرج ويتوسل إليه علَّه يحظى منه بالتفاتة أو دعاء أو نظرة كريمة في تلك الليلة.
وهنا لا بد من ذكر بعض الأمور المهمة في الاستعداد لليالي القدر والاستفادة القصوى منها:
أولا: التهيئ لهذه الليالي قبل حلولها بقلة الطعام والشراب والهذر في القول والتخفيف من الأعمال اليومية حتى لا يرهق نفسه فيفقد النشاط في ليلته.
ثانيا: الانتباه إلى الحالة القلبية ومعاتبة القلب عند قساوته؛ فمن النعم الإلهية وجود ليالي القدر لا ليلة واحدة حتى يتمكن الإنسان تدريجيا من الاستعداد والتهيؤ وكذلك من معرفة حالته القلبية. وينبغي للمؤمن أن يتفقد قلبه دائما وقد روي عن أنس بن مالك أنه قال: (إِنَّا لَفِي دَفْنِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، فَمَا نَفَضْنَا أَيْدِيَنَا حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا)[٨]؛ أي شعرنا بقسوة في قلوبنا.
وقد يدخل البعض إلى مجالس الذكر ومجالس أهل البيت (ع) فيعاتب نفسه إذا وجد في قلبه قسوة وفي دمعه جفافا ويسأل نفسه عن علة هذا الجفاف. هل لذنب ارتكبه أو لواجب قصر فيه أم ماذا؟ ويحاسب نفسه فيرجع بها أياما وليالي إلى الوراء ليقف على ما سلب منه الدمعة على الحسين (ع) أو الدمعة التي عهدها في مناجاته رب العالمين.
وإذا ابتلي أحدنا بقساوة القلب في ليلة من ليالي القدر ليضج إلى الله تعالى، فما المانع من أن نشتكي إلى الله عز وجل؟ ننظر إلى من حولنا ونستمع إلى الأصوات الباكية ونشاهد الدموع الجارية ونقول: يا رب نحن لا نحسدهم على ما هم فيه وإنما نغبطهم على هذا التوفيق، فكما مننتَ على إخوتنا من المؤمنين وهم يعيشون معنا، ويرون ما نرى، ويعملون ما نعمل وفقنا لمثل حالتهم واعصمنا من القسوة والجفاف.
ثالثا: الالتفات إلى حلية الطعام والشراب وعدم وجود شبهة فيه.
رابعا: تجنب المعاشرات اللاهية، فهي التي توجب القسوة. فالجلوس مع المنحرفين ممن لا يعلمون شيئا من معاني القرب إلى الله عز وجل من موجبات القسوة. فهذه الانحرافات هي كالأمراض المعدية تشكل تهديدا على دين المرء ونقاوة قلبه وصفاء روحه كما أن الجلوس مع العلماء والأولياء مما يؤثر إيجابيا على روح الإنسان وباطنه.
وقد يخرج المؤمن من المسجد فيودع ليالي القدر وكأنها انتهت والحال أن الآية الشريفة تقول: (سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ)[٩]. ولا بأس أن يخصص المؤمن ساعة في خلوته في هذه الليالي عندما يؤدي شطرا كبيرا من أعماله في المسجد برفقة المؤمنين يستتر ببرامجه وعباداته حتى مطلع الفجر.
خلاصة المحاضرة
• يُرسم للمؤمن في ليلة القدر مسار حياته حتى السنة القادمة. ولا تخلو هذه السنة من التأثير على سنين عمره الآتية وقد فتح الله عز وجل المجال أمام المؤمنين لكي يبتهلوا ويناجوا ربهم في تغيير هذه المقدرات وتقدير ما هو خير لهم ودفع ما هو شر لهم.
• من يراجع سيرة المعصومين (ع) يقف بوضوح على اهتماهم الشديد واستعدادهم لليالي القدر المباركة حتى قبل موعدها من قلة الطعام والشراب ومن أخذ قسطا من الراحة في النهار حتى يكونوا على أتم الاستعداد لهذه الليالي التي يرون أن من حرمها محروم من الخير.
• من الأمور المهمة للاستعداد لليالي القدر؛ التهيؤ لهذه الليالي قبل حلولها بقلة الطعام والشراب والهذر في القول والتخفيف من الأعمال اليومية حتى لا يفقد النشاط في ليلته، الانتباه إلى الحالة القلبية ومعاتبة القلب عند قساوته، الالتفات إلى حلية الطعام والشراب، تجنب المعاشرات اللاهية.