- ThePlus Audio
دور المكان في الوصول إلى الصلاة الخاشعة
بسم الله الرحمن الرحيم
ما المراد من إباحة مكان المصلي؟
من الأمور التي ينبغي للمصلي مراعاتها؛ حلية المكان. فلا يصلي في مكان مغصوب، فهو ممن يلتزم بالقوانين الإلهية. فلو صليت حتى أغمي عليك وفي أفضل زي وأحسن طيب؛ ولكنك كنت في منزل مغصوب، فلا قيمة لصلاتك تلك. كن رجل قانون؛ ولكن لا القوانين الوضعية، وإنما رجل القوانين الإلهية. وكن متأدباً بالآداب الواردة في هذا المجال. قد يموت الرجل ويترك أولاده من بعده يتنازعون على المنزل، وقد يطلب الأولاد جميعا بيع المنزل وتقسيم الحصص إلا واحدا منهم لا يستجيب ويبقى في المنزل. فأي صلاة هذه التي يصليها في هذا المنزل المغصوب؟ وقد يستأجر الرجل منزلا، فتنتهي مدة الإيجار، فيستغيث صاحب البيت: يا فلان، أريد بيتي؛ فلا يعتني، ويقول: اذهب إلى المحاكم إن شئت. فأي صلاة في هذا المنزل تُرفع إلى السماء؟ لقد جعل رب العالمين من شروط المكان الإباحة.
أفضل الأماكن للصلاة
ومن الشروط طهارة المكان الذي تصلي فيه. لا تصل في مكان النجاسة ولا تسجد في ذلك الموضع. والأفضل أن يصلي المؤمن صلاته في المسجد، لأنه عندما يدخل إلى المسجد تكون له حالة مميزة. وعندما تأتي إلى المسجد لقن نفسك – لا تلقيناً خيالياً فهذا عين الواقع – أن المسجد بيت الله، وقد تحركت من المنزل قاصدا الله عز وجل لتكون ضيفاً عليه. وقد جرت العادة أن تكون لكل قادم كرامة، وصاحب المنزل يكرم الضيف؛ فإذا وقفت على باب المسجد قدم رجلك اليمنى، واقرأ المأثور، وناج رب العالمين وتدلل عليه إن صح التعبير.
زائر المؤمنين زائر الله عز وجل
واعلم أنه لا فرق في المسجدية بين هذا المسجد وبين المسجد الحرام؛ فكلهما بيوت الله عز وجل. لقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (ثَلاَثَةٌ مِنْ خَالِصَةِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ رَجُلٌ زَارَ أَخَاهُ فِي اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَزَوَّارُ اَللَّهِ وَعَلَى اَللَّهِ أَنْ يُكْرِمَ زَوَّارَهُ وَيُعْطِيَهُ مَا سَأَلَ)[١]. وكأنك بزيارتك لأخيك المؤمن قد ذهبت إلى الحج والعمرة ؛ إذ أنك في الحالتين من زوار الله سبحانه.
فلا تجعل في نفسك نية أخرى، ولا تقل: أن فلانا مضياف، وعندما نذهب إلى منزله نأكل طعاماً شهياً، أو لا تقل: فلان وجيه، فلنذهب لزيارته على أمل أن ينجز المعاملة، أو لا تقل: إنه في طريقه إلى الرئاسة، وما شابه ذلك؛ بل اجعل الزيارة لوجه الله عز وجل. عندئذ تكون زائر الله وعلى الله أن يكرم زائره ويعطيه ما سأل. ثم يقول (ع): (وَرَجُلٌ دَخَلَ اَلْمَسْجِدَ فَصَلَّى ثُمَّ عَقَّبَ فِيهِ اِنْتِظَاراً لِلصَّلاَةِ اَلْأُخْرَى فَهُوَضَيْفُ اَللَّهِ وَحَقٌّ عَلَى اَللَّهِ أَنْ يُكْرِمَ ضَيْفَهُ وَاَلْحَاجُّ وَاَلْمُعْتَمِرُ فَهُمَا وَفْدُ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحَقٌّ عَلَى اَللَّهِ أَنْ يُكْرِمَ وَفْدَهُ)[٢].
فضل بناء المساجد
وحاول ألا تخرج من هذه الدنيا إلا وقد كان لك دور في بناء بيت من بيوت الله عز وجل. لقد روي عن أبي عبيدة الحذاء أنه قال: (سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَقُولُ: «مَنْ بَنَى مَسْجِداً بَنَى اَللَّهُ لَهُ بَيْتاً فِي اَلْجَنَّةِ » قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فَمَرَّ بِي أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ وَقَدْ سَوَّيْتُ أَحْجَاراً لِمَسْجِدٍ فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ نَرْجُو أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ ذَاكَ فَقَالَ «نَعَمْ»)[٣]
ومن الروايات المهمة التي وردت في كتاب الوسائل للحر العاملي، ويذكرها الشيخ الصدوق في خصاله عن النبي الأكرم (ص): (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ)[٤]. فهناك نقاط آمنة يوم القيامة التي تهول الأهوال فيها وتحول الأحوال، وتنطرالنجوم في ذلك اليوم وتتكور الشمس وتكون الأرض قاعا صفصا. وأهوال القيامة لا يمكن فهمها إلا عندما نرد القيامة. فظل الله هو الأمان في ذلك اليوم وفيه: (إِمَامٌ عَادِلٌ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)[٥].
الانحراف الوشيك
إننا وللأسف الشديد نرى بعض الشباب من تربية المساجد ملتزما إلى العشرين من عمره؛ فإذا به يذهب إلى بلاد الغرب في منحة دراسية فيبيع آخرته. لقد بدأ حياته طيباً؛ فلماذا يخرج من زي أهل الطاعة؟ إن كنت قد نشأت في طاعة الله إلى العشرين؛ فأكمل المشوار. والكارثة أن البعض يكمل المشوار إلى الثلاثين ثم ينحرف، والبعض يبلغ الأربعين ثم ينحرف أجارنا الله من ذلك.
ماذا لو تعلق القلب بالمسجد؟
ثم يقول (ص): (وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَسْجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ). فهو يذهب إلى البيت ويقول في نفسه: أين المنزل من بيت الله عز وجل؟ صحيح أن في المنزل الزوجة والأولاد والطعام الشهي؛ ولكن قلبه في المسجد. فإذا أذن المؤذن للعشائين يطير إلى المسجد ويقول: هذا بيت ربي. إن هذه الرواية لو دخلت في عقول المؤمنين والمسلمين لتقاتلوا على أبواب المساجد، ولكان الدخول في المسجد بدفع الأموال.
ذكر الله من دون مناسبة
ثم يقول (ص): (وَرَجُلاَنِ كَانَا فِي طَاعَةِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَاجْتَمَعَا عَلَى ذَلِكَ وَتَفَرَّقَا وَرَجُلٌ ذَكَرَ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ). فهو لم يكن في مجلس ولا في مسجد، ولعله كان في طائرة بجواره امرأة سافرة تشرب الحرام، فذكر الله في خلوته، وتذكر عظمة الله عز وجل. إن بعض المؤمنين عندما يأكل طعاما في الطائرة يستحي من الله، ويقول: يا رب، كم سخرت لي الأسباب حتى صرت آكل طعام الغداء وأنا بين السماء والأرض؟! لقد سخر لك الله سبحانه القوانين، وجعلك تطير في الجو، وأنت تأكل طعاما شهياً، وتشرب كأس الماء، ولا يتحرك فيه الماء وأنت على ارتفاع ثلاثون ألف قدم. ألا يجدر بك أن تبكي شكرا وحياءً من الله عز وجل؟ فلو ذكرت الله في الطائرة وأنت تأكل، وفاضت عيناك؛ أنت يوم القيامة في المنطقة الآمنة. وقال (ص): (وَرَجُلٌ دَعَتْهُ اِمْرَأَةٌ ذَاتُ حَسَبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اَللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ يَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا يَتَصَدَّقُ بِيَمِينِهِ).
الأرض تتحدث عن سجودك عليها
يذكر الله سبحانه في سورة الزلزلة أن الأرض تحدث أخبارها يوم القيامة: (يَوۡمَئِذٖ تُحَدِّثُ أَخۡبَارَهَا)[٦]، وهناك رواية تبين لنا جانبا من هذا الحديث، فقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (يَا أَبَا ذَرٍّ مَا مِنْ صَبَاحٍ وَ لاَ رَوَاحٍ إِلاَّ وَ بِقَاعُ اَلْأَرْضِ يُنَادِي بَعْضُهَا بَعْضاً يَا جَارَةُ هَلْ مَرَّ بِكَ ذَاكِرٌ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَوْ عَبْدٌ وَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَيْكِ سَاجِداً لِلَّهِ تَعَالَى فَمِنْ قَائِلَةٍ لاَ وَ مِنْ قَائِلَةٍ نَعَمْ فَإِذَا قَالَتْ نَعَمْ اِهْتَزَّتْ وَ اِبْتَهَجَتْ وَ تَرَى أَنَّ لَهَا فَضْلاً عَلَى جَارَتِهَا)[٧].
الأرض تنقبض وتنشرح…!
لماذا تدخل بعض البيوت فترى انقباضاً في قلبك؟ لماذا تدخل بعض البيوت فترى انشراحاً في قلبك؟ لا تقل: فلان سحرني، ولا تعز السبب إلى الزمان والأرض والسماء؛ فأنت المقصر. إن هذه الأرض أرض بائسة، والأرض الذي تصلي عليها، وتتلوا القرآن عليها هي أرض منشرحة. فاجعل الأرض التي تسكنها أرضاً مباركة رحمة بنفسك، وبذريتك وعيالك، ولا تنشغل بالزخارف والتماثيل وبحديقة المنزل. إنما الجنة الحقيقية أن تحول المنزل إلى مصلى تصلي فيه الصلاة الخاشعة.