- ThePlus Audio
دور المحبة الإلهية في ضمان استجابة الدعاء
بسم الله الرحمن الرحيم
توقع الاستجابة؛ صواب أم خطأ؟
من الآيات التي وردت في سياق آيات الصيام قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)[١]. ويقول سبحانه في آية أخرى: (وَءَاتَىٰكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلۡتُمُوهُۚ)[٢]، والحال أننا نجد أن أكثر حوائجنا غير مقضية، ومن قضى الله له خمسين بالمائة من حوائجه فهو من أوفر الناس حظا. ومن لم تكن له ثقافة دينية أصيلة، يشك في كل شيء عندما لا تستجاب له دعوة. إنني أعلم أن بعض الزوار، يأتي لزيارة الحسين (ع) وله حاجة مرة ومرتين، وعندما لا يأخذ الحاجة، يقول: لا أزوره، والحال أن المسكين هو المحروم لا غيره. إنه يتوقع أن الله يستجيب له كل حوائجه الزيارة.
لا تزر طلبا للحوائج فقط…!
لا تجعل زيارتك للمعصوم بهدف قضاء الحوائج فقط، وإن كانت الإجابة مضمونة تحت قبة الحسين (ع). لا تجعل الزيارة زيارة العبيد والتجار، كمن يعبد الله سبحانه طمعا بالمكاسب. فقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اَللَّهَ رَغْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ اَلتُّجَّارِ وَ إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اَللَّهَ رَهْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ اَلْعَبِيدِ وَ إِنَّ قَوْماً عَبَدُوهُ شُكْراً فَتِلْكَ عِبَادَةُ اَلْأَحْرَارِ)[٣]. إن هذه النظرية تنطبق على زيارة المعصوم أيضا. فالبعض يزور زيارة العبيد والتجار، والبعض يزور المعصوم حباً وشوقاً، كزيارة جابر بن عبدالله الأنصاري رضوان الله عليه في الأربعين. فهل زار الإمام (ع) وكانت في قلبه سلسلة من الحوائج؟ أم أنه جلس على القبر يبكي بكاء الثكلى؟
لماذا لا يستجيب الله سبحانه وقد وعد الإجابة؟
أولا: ليس من المعلوم أن تكون أدعيتنا مصداق الآية الشريفة. هناك فرق بين قراءة الدعاء والدعاء. فالدعاء طلبٌ قد يتفوه به العبد وقد لا يتفوه به. إن المريض على سرير المرض يأن وتبدو في وجهه علامات الألم؛ فتأتي الممرضة بالدواء من دون أن يتفوه بشيء. وقد رأيتم الأطفال في الثانية أو الثالثة من العمر يكبون فتعرف أمهاتهم علة البكاء من دون أن ينطقوا ببنت شفة. كن كالطفل الرضيع بين يدي الله عزوجل؛ فإذا رآك رب العالمين متألماً يعاملك معاملة الأم للطفل الصغير، والأمر لا يحتاج إلى دعاء كثير.
ولعل الواحد منا طوال العمر لم يدع الله عز وجل دعوة تتحق فيها شروط الدعاء. إن قراءته لدعاء الندبة وكميل وزيارة أمير المؤمنين والوارث وإلى آخره هي مجرد قراءات يُؤجر عليها، ولكنه لم يستوفي الشروط. إنك عندما تقرأ الدعاء لك مزية؛ ولكن المزية العظمى عند الطلب مع الحرقة الباطنية.
كيف نُحب الله سبحانه؟
ثانيا: إن قوام الدعاء المحبة. وهذه المحبة لا تأتي إلا من خلال معرفة العظمة الإلهية، وأنه هو المنعم لا غيره. إننا نحب العظماء وإن كنا لم نلتق بهم يوما ما، ولكن مجرد الكمال يجعل الإنسان محبوبا. إنك تحب المرجع الذي تقلده وما رأيته وما سمعته، ولكنك تقول: إن ديني وصحة صلاتي وصيامي متوقفة على فتاواه، وله منزلة عظيمة ولذلك أحبه. وهذا المعنى متحقق في رب العزة والجلال بأعظم صورة. فأي كمال وأي جمال وأي عظمة ترقى إلى عظمته؟ فالخطوة الأولى، هي معرفة العظمة. إن قراءة الكتب لا تنفع لوحدها؛ ولكنها تُعينك على اكتساب المعرفة.
إن كنت تبحث عن المحبة؛ أمعن الفكر في النعم الإلهية
الخطوة الثانية: أن يستشعر المؤمن أن الله سبحانه هو المنعم. يُقال: الإنسان أسير الإحسان، وقد روي: (اُمْنُنْ عَلَى مَنْ شِئْتَ تَكُنْ أَمِيرَهُ وَ اِحْتَجْ إِلَى مَنْ شِئْتَ تَكُنْ أَسِيرَهُ وَ اِسْتَغْنِ عَمَّنْ شِئْتَ تَكُنْ نَظِيرَه)[٤]. إن الانسان بطبيعته يأنس بمن أحسن إليه؛ فلو أن إنساناً من أقصى بلاد العالم جعل لك لك راتبا جيدا لسنة أو سنتين، فإنك ستحبه وإن كنت لم تعرف اسمه ولم تر صورته. ألا تنطبق هذه النظرية على رب العالمين؟ إنه يُحسن إليك، وإن كنت لا تراه ولا تسمعه.
وما أعظم نعمه سبحانه علينا وما أجدر بنا أن نتذكر هذه النعم دائما، ويذكرنا سبحانه في كتابه بهذه النعم ويقول: (فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)[٥]. لابد أن يعتقد الإنسان أن كل خير هو منه لا من غيره. إن أرخص شيء في الوجود؛ الهواء والتراب. إن هذا الهواء لو انقطع عنك عدة دقائق لانتهى أمرك. تضع يدك على فم الرجل وأنفه خمس دقائق؛ فترفع اليد وصاحبنا يهوي إلى الأرض ميتاً. أليس هذا الهواء نعمة من أعظم النعم؟ ثم إن هذا النفس يدخل ويخرج وأنت لا تشعر به، والرئتان تعملان ليلاً ونهاراً، يقظةً ونوماً، وقلبك يعمل في خلال ذلك؛ فما الذي يشغله؟ إنك تشتري مضخة في المنزل للماء؛ فتعطب سنة أو سنتين وهي من حديد، وهذا قلبك الداخلي هو من لحم وشحم، قد يعمل قرنا من الزمن من دون أي خلل يعتريه. إن التفكير في هذه النعم وأمثالها توجب المحبة الإلهية.
الشعور باللذة
أما الأمر الثالث الذي يقوي فيك المحبة الإلهية؛ الشعور باللذة. لماذا يُحب الشاب امرأة ليست من جنسه ولا تصلح له زوجة؟ إنه الجمال الذي سحره والنظرة التي تجلب له اللذة. إن اللذة مغرية. إن الرجل ليأكل طعاماً حراماً ميتة أو لحم خنزير لما يجد فيه من لذة مثلا. فإذا كان الطعام والشراب والنساء تغري؛ فكيف الأنس بعالم الغيب؟ يُقال في علم الأخلاق والسير إلى الله عز وجل: لا تكرار في التجلي.
فأنت صليت الظهرين، ما الذي جاء بك إلى لعشائين؟ ثم تنتظر الصباح لتصلي؛ لا سنة ولا سنتين، فهذا دأبك إلى آخر حياتك. وإنني على يقين أن البعض يصلي لا خوفا من النار، وإنما لأنه لو لم يصلي؛ يعيش ضيقاً باطنياً. فلو جاء جبرئيل الآن وقال: من اليوم لا تجب الصلاة مثلا، يقول هؤلاء: وما نفعل باللذة يا جبرئيل؟ هل الغداء والعشاء واجبين؟ أم أنك تتغدى وتتعشى كل يوم لما تجد في الأكل من لذة؟ لو قال لك أحد: لست ملزما بالعلاقة الزوجية؛ فهل تتركها؟ كلا، لما تجد فيها من لذة.
حول الأنس الفاني إلى أنس لا يزول
هنيئاً لمن حول العبادة إلى تلذذ. إن أئمتنا (ع) كانت تتغير ألوانهم عند الصلاة. لقد روي: أن النبي (ص) عندما يقترب وقت الصلاة كان يقول: أبرد يا بلال. أي أبرد نار الشوق إلى الله، أو هو من البريد، أي: عجل، فإن البريد مستعجل. وهكذا هم الأولياء الصالحون. إنني أعرف من العلماء من له أنس بالعبادة لا يضاهيه أنس بأي شيء آخر.
إن الأنس بالنساء هو مضرب مثل؛ ولكن هناك من الشباب من يأنس في ليلة الزفاف بصلاته أكثر من أنسه بزوجته. يقول لربه في نفسه: يا رب، اشهد علي، إن هذه اللذة دائمية، وقد كانت معي وستبقى معي، بخلاف الزوجة التي ستكبر وتصبح عجوزا. وقد تموت زوجته فلا يتأثر كثيرا رضى بالله سبحانه. فهو يقول للخواص من أصحابه: إن لذتي بأمر آخر وكانت هذه اللذة قبل الزواج وهي استمرت بعد الزواج وستستمر بعد موت المرأة. فهو حاله كما وصف أمير المؤمنين (ع): (حَتَّى تَكُونَ أَعْمَالِي وَ إِرَادَتِي كُلُّهَا وِرْداً وَاحِداً، وَ حَالِي فِي خِدْمَتِكَ سَرْمَداً)[٦].
خلاصة المحاضرة
- يزور البعض أئمته (ع) زيارة العبيد والتجار، والبعض يزورهم حباً وشوقاً، كزيارة جابر بن عبدالله الأنصاري رضوان الله عليه في الأربعين. فهل زار الإمام (ع) وكانت في قلبه سلسلة من الحوائج؟ أم أنه جلس على القبر يبكي بكاء الثكلى؟