- ThePlus Audio
دور السيدة زينب (سلام الله عليها) في حفظ الحركة الحسينية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحضور في مجالس الحسين (عليه السلام) بعد يوم عاشوراء
لابد أن يكون المؤمن وفيا لمجالس الحسين (ع) بعد أيام عاشوراء وأن يستمر في علاقته بالإمام (ع) وبذكر مصائبه وما جرى له ولأهل بيته صلوات الله عليهم، وإن كانت حادثة عاشوراء هي قمة المصائب إلا أن الروايات تؤكد على زيارة الحسين (ع) في يوم الأربعين؛ فينبغي أن نعيش في أجواء مجالسه المباركة وأن نستمر في الحضور إلى يوم الأربعين. ولكل مجلس لونه وفائدته ونوره؛ فكل مجلس من هذه المجالس سلم إلى الدرجات العالية من القرب إلى الله عز وجل، وكل مشاركة وحضور مرقاة للدنو من الرب سبحانه.
إن حركة الحسين (ع) حفظت رسالة النبي الخاتم (ص) من أن تنالها يد التحريف كما نالت من سائر الرسالات المنسوخة كاليهودية والنصرانية. ولو يراجع الإنسان كتب اليهود والنصارى والتوراة والإنجيل لرأى كيف يصورون أنبيائهم بصورة يندى لها الجبين. وأما السنة فلم يسلم تراثهم من عبث العابثين والرواة الذين كانوا يساومون السلاطين والحكام على جعل الأحاديث والكذب على رسول الله (ص) في محاولة للحصول على المال والجاه.
وقد كانت الحركة الحسينية صمام الأمان الذي حفظ الإسلام من التحريف والتغيير. وكذلك كانت الحركة الزينبية. ونسبة السيدة زينب (ع) إلى الإمام الحسين (ع) كنسبته إلى رسول الله (ص)؛ فهي التي بقيت بعد الحسين (ع) لتسجل للتاريخ هذا الجناية الفجيعة وتتحمل الآلام والمصائب. ولهذه السيدة الجليلة مزية على الحسين (ع) وليعذرني الإمام بهذه الكلمة؛ لقد انتقل الإمام (ع) إلى جنة الخلد بنفس راضية مرضية بجوار النبي (ص) ووالديه (ع) ولكن التي تحملت ما لا تتحمله الرواسي من الجبال هي هذه السيدة (ع). ولقد شاء عز وجل أن يبني لها مرقدا في عاصمة كانت مركزا لحكام بني أمية؛ بل إن ابنة الحسين (ع) الصغيرة التي لا نعلم عنها الكثير قد بقي قبرها بجانب المسجد الأموي وبجانب قبور رموزهم شامخا جليا وأصبح قبرها يحدث الناس في كل زمان بصوت جلي، وكل ذلك مصداق لقول السيدة زينب (س) في مجلس الطاغية وهي تخاطبه: (كِدْ كَيْدَكَ وَاِجْهَدْ جُهْدَكَ فَوَ اَلَّذِي شَرَّفَنَا بِالْوَحْيِ وَاَلْكِتَابِ وَاَلنُّبُوَّةِ وَاَلاِنْتِجَابِ – لاَ تُدْرِكُ أَمَدَنَا وَلاَ تَبْلُغُ غَايَتَنَا وَلاَ تَمْحُو ذِكْرَنَا)[١]، وستبقى هذه النهضة على مر السنين خالدة تزداد قوة وانتشارا في العالم.
أكثر الأديان انتشارا على وجه الأرض
لقد أجريت دراسة في إحدى المؤسسات التحقيقية التابعة للفاتيكان عن أكثر الأديان انتشارا فرأوه الإسلام. وعن أكثر الاتجاهات الفكرية في الإسلام انتشارا فرأوه مذهب أهل البيت (ع)، ورأوا السبب في ذلك هي الحركة الحسينية ويوم عاشوراء.
وقل ما تجد من تخرج من إحدى هذه الجامعات الإسلامية أو غير الإسلامية التي شيدت على وجه الأرض ممن تربى في هذه المدرسة ولم يكن له حظ مع الحسين (ع)؛ إما بالحضور في مجالس أهل البيت (ع) أو متابعة للقنوات الفضائية أو مواقع الإنترنت التابعة لهم. ولا أعتقد أن أحدا على وجه الأرض يحمل حب أهل البيت (ع) وليست له علاقة خاصة بالحسين (ع). ولو جمعت الدموع التي جرت على الحسين (ع) لشكلت نهرا جاريا.
مكانة المرأة في الإسلام
قد يعتقد البعض أن الإسلام بدعوته المرأة لزوم البيت وتربية الأبناء وما وردت من الروايات في هذا الشأن كقول السيدة الزهراء (س): (مَا مِنْ شَيْءٍ خَيْرٌ لِلْمَرْأَةِ مِنْ أَنْ لاَ تَرَى رَجُلاً وَلاَ يَرَاهَا)[٢] يدعوها إلى التقوقع والتخلف ولأمية والجهل؛ والحال أن الإسلام هو أعظم من دعى لتكريم المرأة وجعل الرجل موظفا بالكد والبذل والإنفاق عليها وعلى عيالها وجعلها المهيمنة على النفوس القائمة بأمر تربية الأولاد؛ فالرجل قد يسعى من الصباح إلى المساء وهو يكد ويجتهد وقد يعرض بضاعة له على قارعة الطريق أمام المارة في البرد القارس أو تحت أشعة الشمس المحرقة في حين أن المرأة في بيتها لصيقة بأولادها تغذيهم ماديا ومعنويا وهذا تكريم لها من أن تخرج كالرجل تواجه المشاق والصعاب.
كأنها تفرغ عن لسان أبيها..!
ولو دققنا في سيرة السيدة زينب (س) لتبين لنا أنها رغم حيائها الشديد كانت تلقي تلك الخطب البليغة في الذب عن الإسلام وتبيين القضية الحسينية. فقد روي عن حذلم بن ستير أنه قال عن السيدة زينب (س): (لَمْ أَرَ خَفِرَةً قَطُّ أَنْطَقَ مِنْهَا، كَأَنَّهَا تَفْرُغُ عَنْ لِسَانِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)[٣]، ويقال لشديدة الحياء من النساء؛ خفرة. والمرأة بطبيعتها وبسيمائها تنم عن حياء وخجل، وقد جمعت السيدة زينب (س) بين هذا الحياء الأنثوي والعفة الفاطمية وبين الحكمة والبلاغة وتحدي الطواغيت. وكانت السيدة زينب (س) خير ممثل لأمير المؤمنين (ع) في تلك الواقعة حتى قال ذلك الضرير الذي سمعها تخطب بالناس: كأنها تفرغ عن لسان أبيها.
قوة شخصية السيدة زينب (سلام الله عليها) وعلو مقامها
وما وصلت السيدة زينب (س) إلى هذه المقامات لأنها بنت أمير المؤمنين (ع)، فلم تكن هي الوحيدة التي نشأت وترعرعت في حضن المعصوم؛ فليست هذه علة تامة لما كانت عليه (س). لقد تعبت على نفسها كثيرا! ولقد كانت السيدة (س) فهمة غير مفهمة وليس هذا الفهم بالهبة التي تعطى للعبد جزافا فلهبات الله عز وجل أسباب يهيئها العبد فيستحق بها هذه الهبات. ولقد كانت هذه الحركة التي قامت بها هذه اللبوة من عرين علي (ع) عندما أومئت إلى الناس بالسكوت؛ فارتدت الأنفاس وسكنت الأجراس؛ كرامة لها من الله عز وجل. ولقد كانت إشارتها هذه وقدرتها على إسكات الناس بهذه الطريقة؛ إما قدرة تكوينية أو قوة في الشخصية وكلاهما محتمل منها (س).
جانب من خطب السيدة زينب (سلام الله عليها)
وعندما شرعت في خطبتها وحمدت الله عز وجل ولم تبدي أي استياء مما جرى عليها بل أكدت على أنها لم تر إلا الجميل وأخذت تعاتب أهل الكوفة. وقد يعتقد البعض للأسف الشديد أن هذا العتاب موجه لأهل الكوفة في كل عصر وزمان؛ ولا معنى لهذا الكلام أبدا. إن السيدة (س) كانت تصب جام غضبها على الذين خذلوا الحسين (ع) في تلك السنة وتلومهم هم لا غيرهم. ولا يوجه هذا اللوم والعتاب حتى إلى أهل الكوفة في السنة التالية. وقد بينت في خطبتها أن آثار بعض الجرائم لا تمحى بمجرد البكاء والعويل؛ فهل الذي يأكل أموال الناس بالباطل ويكون سببا في انحراف ثلة من الناس تمحى ذنوبه بمجرد البكاء عند الحطيم؟ وكانت تبين لهم أنه يجدر بهم البكاء كثيرا وإن كان بكائهم لا يغير من الواقع شيئا وبدل البكاء عليهم أن يتوجهوا بجمعهم وجيوشهم إلى الذي قتل الحسين (ع) وشرك في دمه الطاهر.
تذكير السيدة زينب (سلام الله عليها) بالغضب الإلهي
ثم تكمل خطبتها البليغة قائلة: (أَ فَعَجِبْتُمْ أَنْ قَطَرَتِ اَلسَّمَاءُ دَماً)[٤]، وهذه القضية مذكورة في كتب الفريقين فقد كان معروفا بعد مقتل الحسين (ع) تجلي الغضب الإلهي؛ فلم يكن قتل ابن بنت رسول الله (ص) بالأمر الهين. وينبغي لذاكري مصائب أهل البيت (ع) الإشارة السريعة والعابرة لتلك المصائب إلا إذا كان هناك ما يقتضي التفصيل؛ إذ أن بعض هذه التفاصيل محرقة للفؤاد ولا يمكن للذاكر أن يعطي المصيبة حقها!
حوار بين يزيد ورسول ملك الروم
ولابد من ذكر هذه الحوارية التي جرت بين يزيد وبين رسول ملك الروم التي تبين مدى قسوة هؤلاء الذين جلسوا ظلما على منبر رسول الله (ص)، وهي منقولة في كتب التاريخ. فقد روي عن زين العابدين (ع) أنه قال: (لَمَّا أُتِيَ بِرَأْسِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى يَزِيدَ كَانَ يَتَّخِذُ مَجَالِسَ اَلشُّرْبِ وَيَأْتِي بِرَأْسِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَيَضَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَشْرَبُ عَلَيْهِ)[٥]، ويا له من فاجر فاسق بدل أن يختلي بنفسه عند شرب الخمر يشرب بهذه الصورة أمام المسلمين وأمام ابن بنت النبي (ص) وأمام رسول ملك الروم.
ثم تكمل الرواية: (فَحَضَرَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي مَجْلِسِهِ رَسُولُ مَلِكِ اَلرُّومِ وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ اَلرُّومِ وَعُظَمَائِهِمْ فَقَالَ يَا مَلِكَ اَلْعَرَبِ هَذَا رَأْسُ مَنْ فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ مَا لَكَ وَلِهَذَا اَلرَّأْسِ فَقَالَ إِنِّي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى مَلِكِنَا يَسْأَلُنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ رَأَيْتُهُ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُخْبِرَهُ بِقِصَّةِ هَذَا اَلرَّأْسِ وَصَاحِبِهِ حَتَّى يُشَارِكَكَ فِي اَلْفَرَحِ وَاَلسُّرُورِ فَقَالَ يَزِيدُ عَلَيْهِ اَللَّعْنَةُ هَذَا رَأْسُ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ اَلرُّومِيُّ وَمَنْ أُمُّهُ فَقَالَ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)[٦]، وما أحسن نعت به الرسول يزيد بقوله يا ملك العرب ولم يقل له خليفة المسلمين وقد قال سبحانه: (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً)[٧]، ولم يستطع يزيد أن ينكر نسب الحسين (ع) وأن بينه وبين النبي (ص) واسطة واحدة وهي أمه (س).
ثم تكمل الرواية: (فَقَالَ اَلنَّصْرَانِيُّ أُفٍّ لَكَ وَلِدِينِكَ لِي دِينٌ أَحْسَنُ مِنْ دِينِكُمْ إِنَّ أَبِي مِنْ حَوَافِدِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ آبَاءٌ كَثِيرَةٌ وَاَلنَّصَارَى يُعَظِّمُونِي وَيَأْخُذُونَ مِنْ تُرَابِ قَدَمِي تَبَرُّكاً بِأَنِّي مِنْ حَوَافِدِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَأَنْتُمْ تَقْتُلُونَ اِبْنَ بِنْتِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَبِيِّكُمْ إِلاَّ أُمٌّ وَاحِدَةٌ فَأَيُّ دِينٍ دِينُكُمْ ثُمَّ قَالَ لِيَزِيدَ هَلْ سَمِعْتَ حَدِيثَ كَنِيسَةِ اَلْحَافِرِ … وَأَعْظَمُهَا كَنِيسَةُ اَلْحَافِرِ فِي مِحْرَابِهَا حُقَّةُ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٌ فِيهَا حَافِرٌ يَقُولُونَ إِنَّ هَذَا حَافِرُ حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَقَدْ زَيَّنُوا حَوْلَ اَلْحُقَّةِ بِالدِّيبَاجِ يَقْصِدُهَا فِي كُلِّ عَامٍ عَالَمٌ مِنَ اَلنَّصَارَى وَيَطُوفُونَ حَوْلَهَا وَيُقَبِّلُونَهَا وَيَرْفَعُونَ حَوَائِجَهُمْ إِلَى اَللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهَا هَذَا شَأْنُهُمْ وَرَأْيُهُمْ بِحَافِرِ حِمَارٍ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ حَافِرُ حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ نَبِيُّهُمْ وَأَنْتُمْ تَقْتُلُونَ اِبْنَ بِنْتِ نَبِيِّكُمْ فَلاَ بَارَكَ اَللَّهُ تَعَالَى فِيكُمْ وَلاَ فِي دِينِكُمْ فَقَالَ يَزِيدُ لَعَنَهُ اَللَّهُ اُقْتُلُوا هَذَا اَلنَّصْرَانِيَّ لِئَلاَّ يَفْضَحَنِي فِي بِلاَدِهِ فَلَمَّا أَحَسَّ اَلنَّصْرَانِيُّ بِذَلِكَ قَالَ لَهُ أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي قَالَ نَعَمْ قَالَ اِعْلَمْ أَنِّي رَأَيْتُ اَلْبَارِحَةَ نَبِيَّكُمْ فِي اَلْمَنَامِ يَقُولُ يَا نَصْرَانِيُّ أَنْتَ مِنْ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ فَتَعَجَّبْتُ مِنْ كَلاَمِهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ثُمَّ وَثَبَ إِلَى رَأْسِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ وَجَعَلَ يُقَبِّلُهُ وَيَبْكِي حَتَّى قُتِلَ)[٨].
ذكر المصيبة
وفي رواية عن مسلم الجصاص أنه قال: (..صَارَ أَهْلُ اَلْكُوفَةِ يُنَاوِلُونَ اَلْأَطْفَالَ اَلَّذِينَ عَلَى اَلْمَحَامِلِ بَعْضَ اَلتَّمْرِ وَاَلْخُبْزِ وَاَلْجَوْزِ فَصَاحَتْ بِهِمْ أُمُّ كُلْثُومٍ وَقَالَتْ يَا أَهْلَ اَلْكُوفَةِ إِنَّ اَلصَّدَقَةَ عَلَيْنَا حَرَامٌ وَصَارَتْ تَأْخُذُ ذَلِكَ مِنَ أَيْدِي اَلْأَطْفَالِ وَأَفْوَاهِهِمْ وَتَرْمِي بِهِ إِلَى اَلْأَرْضِ قَالَ كُلُّ ذَلِكَ وَاَلنَّاسُ يَبْكُونَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ. ثُمَّ إِنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ أَطْلَعَتْ رَأْسَهَا مِنَ اَلْمَحْمِلِ وَقَالَتْ لَهُمْ صَهْ يَا أَهْلَ اَلْكُوفَةِ تَقْتُلُنَا رِجَالُكُمْ وَتَبْكِينَا نِسَاؤُكُمْ فَالْحَاكِمُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اَللَّهُ يَوْمَ فَصْلِ اَلْقَضَاءِ فَبَيْنَمَا هِيَ تُخَاطِبُهُنَّ إِذَا بِضَجَّةٍ قَدِ اِرْتَفَعَتْ فَإِذَا هُمْ أَتَوْا بِالرُّءُوسِ يَقْدُمُهُمْ رَأْسُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَهُوَ رَأْسٌ زُهْرِيٌّ قَمَرِيٌّ أَشْبَهُ اَلْخَلْقِ بِرَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَلِحْيَتُهُ كَسَوَادِ اَلسَّبَجِ قَدِ اِنْتَصَلَ مِنْهَا اَلْخِضَابُ وَوَجْهُهُ دَارَةُ قَمَرٍ طَالِعٍ وَاَلرُّمْحُ تَلْعَبُ بِهَا يَمِيناً وَشِمَالاً فَالْتَفَتَتْ زَيْنَبُ فَرَأَتْ رَأْسَ أَخِيهَا فَنَطَحَتْ جَبِينَهَا بِمُقَدَّمِ اَلْمَحْمِلِ)[٩]. كان يميل الرمح يمينا وشمالا وتميل معه قلوب الهاشميات.
ثم تقول الرواية: (فَنَطَحَتْ جَبِينَهَا بِمُقَدَّمِ اَلْمَحْمِلِ حَتَّى رَأَيْنَا اَلدَّمَ يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ قِنَاعِهَا وَأَوْمَأَتْ إِلَيْهِ بخرقة وَجَعَلْتْ تَقُولُ:
يَا هِلاَلاً لَمَّا اِسْتَتَمَّ كَمَالاً غَالَهُ خَسْفُهُ فَأَبْدَا غُرُوبَا
مَا تَوَهَّمْتُ يَا شَقِيقَ فُؤَادِي كَانَ هَذَا مُقَدَّراً مَكْتُوبَا
يَا أَخِي فَاطِمَ اَلصَّغِيرَةَ كَلِّمْهَا فَقَدْ كَادَ قَلَبُهَا أَنْ يَذُوبَا)[١٠]
وكأنها بخرقتها المدماة التي أومأت بها نحو الحسين (ع) أرادت أن تواسيه وتقول له: لقد سال دمي كما سال دمك الطاهر الشريف.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- لقد أجريت دراسة في إحدى المؤسسات التحقيقية التابعة للفاتيكان عن أكثر الأديان انتشارا فرأوه الإسلام. وعن أكثر الاتجاهات الفكرية في الإسلام انتشارا فرأوه مذهب أهل البيت (ع)، ورأوا السبب في ذلك هي الحركة الحسينية ويوم عاشوراء.
- لو دققنا في سيرة السيدة زينب (س) لتبين لنا أنها رغم حيائها الشديد كانت تلقي تلك الخطب البليغة في الذب عن الإسلام وتبيين القضية الحسينية وذلك ما وصفها به أحد ممن سمع خطبتها بقوله: (لَمْ أَرَ خَفِرَةً قَطُّ أَنْطَقَ مِنْهَا).
- ما وصلت السيدة زينب (س) إلى المقامات العالية لأنها بنت أمير المؤمنين (ع)، فلم تكن هي الوحيدة التي نشأت أحضان المعصومين. لقد تعبت على نفسها كثيرا! ولقد كانت فهمة غير مفهمة وليس هذا الفهم بالهبة التي تعطى للعبد جزافا فلهبات الله عز وجل أسباب يهيئها العبد فيستحق بها هذه الهبات.