- ThePlus Audio
دروس من سيرة النبي يونس (عليه السلام)
بسم الله الرحمن الرحيم
تضرع النبي يونس (عليه السلام) إلى الله عز وجل
قال تعالى: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)[١].
إن هذه الآيات الشريفة على قصرها تتضمن دروسا بليغة للمؤمنين على مر العصور. وقوله سبحانه: (وذا النون) يعني أذكر ذا النون، وهو نبي الله يونس (ع)؛ أي أذكر صاحب الحوت، لأن له قصة مع الحوت، حيث التقمه الحوت فترة من الزمن.
مغادرة يونس (عليه السلام) لقومه من دون أمر من الله بذلك
فعندما يأس يونس (ع) من قومه تركهم من دون أمر من الله عز وجل بتركهم – وهي النقطة التي من أجلها تعرض للعتاب الإلهي – فابتلاه الله عز وجل بالحوت لتركه الأولى. وبعد أن نجاه الله عز وجل وأخرجه من بطن الحوت عاد إلى قومه المستحقين للعذاب عند تركه لهم؛ فرأى أن العذاب قد رفع عنهم، وذلك أن قوم يونس رجعوا إلى الله بصدق من نياتهم؛ ففتح الله لهم الأبواب ورفع عنهم العذاب.
لماذا كشف الله عز وجل العذاب عن قوم يونس؟
ومن هنا يُعلم أن الدعاء يرفع البلاء وإن كان قد أبرم إبراما. والدعاء قبل وقوع البلاء لدفعه، أقوى من الدعاء بعد نزول البلاء لرفعه؛ حيث أن الدعاء في الحالة الثانية يحتاج إلى مضاعفة جهد من الداعين. ويروى: أن قوم يونس فرقوا بين الأمهات والرضع وبين الحيوانات وأولادها؛ فارتفع الضجيج إلى الله عز وجل وحال دون نزول العذاب. هذا وإن الدعاء قبل نزول البلاء فيه جانب من التوجه إلى الله عز وجل إذ ليس للداعي مصلحة في الدعاء غير التقرب إلى المدعو؛ إلا أن في الحالة الثانية وهو الدعاء بعد نزول البلاء هو دعاء يتوخى فيه الداعي رفع البلاء لا التقرب إلى المدعو. ولهذا فالدعاء قبل مجيء البلاء أقرب للإخلاص. وحتى الملائكة في الحالة الأولى تقول: هذا صوت كنا نسمعه في الشدة والرخاء. ولهذا عندما يدعو المؤمن في حال الشدة، لا يعيش حالة من الخجل والاستحياء، لأن هذا هو ديدنه؛ فهو ليس عبدا انتهازيا أو انتفاعيا، لا يدعو ربه إلا في الشدائد.
هل كان يظن النبي يونس (عليه السلام) أن الله عز وجل لن يقدر عليه؟
ثم تقول الآية: (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ)؛ أي لن نضيّق عليه. فقد اعتقد بأن هجره لقومه من دون أمر إلهي، لا يستلزم عقوبة وضيقا.
الظلمات التي كانت تحيط بيونس (عليه السلام)
(فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ)؛ وهي ظلمات ثلاث متراكبة: ظلمة البحر وظلمة جوف الحوت وظلمة الليل. وكان هذا الابتلاء نتيجة تركه الأولى؛ فالبلاء يسرع إلى الأنبياء ثم الأمثل من المؤمنين.
أدب النبي يونس (عليه السلام) مع الله عز وجل
(أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)، وهذا المقطع يبين أدب النبي (ع) في إقراره بوحدانية الله عز وجل أولا، واعترافه بالذنب وظلم النفس ثانيا، ولم يدع الله عز وجل وإن كان يفهم من كلامه الدعاء. فقد تكلم بمنتهى الأدب مع الله عز وجل على قاعدة؛ علمه بحالي يغني عن سؤالي. وكأنه يقول: أنت الواحد الأحد، وأنا العبد الظالم، فافعل ما شئت بعبدك. ويستحب في سجدة الشكر أن يقول العبد: ما شاء الله؛ وكأنه يقول: فوّضت الأمر إليك، ليس لي حول ولا قوة، فأنا مشغول بهمي، وأنت ما شئت يكون، وما لم تشأ لم يكن. ولقد فوض النبي يونس (ع) أمره إلى الله تعالى.
هل النجاة يختص بالنبي يونس (ع)؟
ثم قال سبحانه: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) وهنا بيت القصيد؛ أي أن هذا الأسلوب الذي اتبعه يونس (ع) ينفع المؤمنين جميعا في كل دهر وزمان. فلم تكن معاملة الرب مع يونس خاصة به بل هي معاملته مع كل من ينقطع إلى الله عز وجل انقطاع يونس إليه. وإن كان يونس (ع) في ظلمات البحر والحوت والليل؛ فنحن في ظلمات المعاصي؛ إذ كل معصية يرتكبها الإنسان تبعده عن النور بقدرها، وتجعله يغوص في ظلمات البحر. وكلما غاص الإنسان في بحر المعاصي كلما ازداد بعدا من مصدر النور وزادت الظلمة التي تحيط به، حتى تنتهي به الحال إلى ما وصف سبحانه في كتابه: (ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا)[٢]. عندئذ يتخبط الإنسان في الظلام الدامس، فلا يعلم يمينه من شماله. لهذا علينا أن لا نستغرب، عندما يقوم بعض الناس بأعمال لا يقرها العقل والذوق ولا الفطرة؛ لأنه يتخبط في الحياة لانعدام النور فيها، وهي نقطة خطيرة جدا.
ضرورة الاستمرار بالحالة اليونسية..!
ولذلك فإن العلماء ينصحون بقراءة هذه الآية في السجود، وأن يعيش الإنسان باستمرار الحالة اليونسية؛ أي حالة الطرد، والابتعاد، والغضب الإلهي. ويشعر دائما أنه إنسان مغضوب عليه، فمن منا يملك صك الرضا عنه؟ فالنفوس المطمئنة نفوس قليلة في عالم الوجود، كنفس الحسين (ع)، (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً)[٣]. وأما نفوسنا نحن، فهي نفوس أمارة أو لوامة في أحسن التقادير. لذا على المؤمن أن يتخذ ساعة من ليل أو نهار؛ يتشبه فيها بالنبي يونس (ع) ويسجد لله عز وجل ويقرأ هذه الآية، ويكفي أن يقولها مرة واحدة، ولكن بانقطاع شديد إلى الله عز وجل، والله لا يخلف وعده (وَكَذَٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ).
خلاصة المحاضرة
- إن الدعاء يرفع البلاء وإن كان قد أبرم إبراما. والدعاء قبل وقوع البلاء لدفعه، أقوى من الدعاء بعد نزول البلاء لرفعه؛ حيث أن الدعاء في الحالة الثانية يحتاج إلى مضاعفة جهد من الداعين. ويروى: أن قوم يونس فرقوا بين الأمهات والرضع وبين الحيوانات وأولادها؛ فارتفع الضجيج إلى الله عز وجل وحال دون نزول العذاب.