- ThePlus Audio
دروس من سيرة النبيين زكريا ويحيى (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
طلب الذرية الصالحة من قبل النبي زكريا (عليه السلام)
هناك الكثير من الدروس التي يستفيدها المؤمن من سيرة النبي زكريا (ع) ويحيى (ع). إن العبد إذا أصبح ذا صلة وطيدة بالله سبحانه فإبمكانه أن ينال الحوائج العظيمة بدعوة صغيرة، لأن الحب بينه وبين ربه متبادل وتكفي الإشارة عند ذلك للحبيب حتى يستجيب. يقول سبحانه: (إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا)[١]، وقد طلب من الله سبحانه ذرية صالحة، فقال: (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا)[٢]، ولم يكن شقيا وهو يحمل سلاح الدعاء وينادي ربا لا يحجبه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو الذي بيده الخزائن كلها، والذي يعطي الحاجة لعبده في خلوة من خلوات الليل وبدمعة تجري على خديه في
ثم قال: (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا)[٣]. وهذا دعاء جميل وحرص من النبي زكريا (ع) على صلاح ذريته من بعده. ويجدر بالمؤمن إذا لم يوفق في هذه الدنيا أن يكون معلما من معالم الدين؛ أن يقوم بصدقة جارية عظمى تبقى له رصيدا إلى أبد الآبدين، وهو أن يطلب من الله عز وجل أن يعوض ذلك في ذريته. وكم هم الذين أرادوا الذهاب إلى الحوزات العلمية ليكونوا علماء ربانيين ولكنهم لم يوفقوا وعوضا عن ذلك بذرية أصبحوا علما من أعلام الدين. وإذا دققنا في سيرة علماء السلف والمراجع العظام والفطاحل من أهل العلم والورع نجد بأنهم كانوا أبناء مزارعين وقرويين بسطاء تمنوا يوما أن تصبح لهم ذرية صالحة فأنالهم الله ما راموا. وهذه الآية صريحة في إبطال زعم من زعم أن الأنبياء لا يورثون.
وقد وهب الله لزكريا (ع) يحيى وجعله من الأنبياء. قال تعالى: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا)[٤]، وهنا يكمن السر في عظمة النبي يحيى (ع) أن الحنان كان بينه وبين الرب متبادلا. والحنان له شعبتان: شعبة من الرب وشعبة مع الخلق، وكان الحنان هذا هو الذي جعل يحيى (ع) خالدا لآلاف السنين. وهناك الكثير من الروايات التي تربط بين يحيى (ع) وبين الإمام الحسين (ع) لأنهما قتل في سبيل الله عز وجل، وأهدي رأس يحيى إلى بغية من بغايا بني إسرائيل بحسب الروايات الشريفة.
المحبة الحقيقية
يا من لديه مشكلة مع الزوجة والأولاد والأرحام، ويا من يبحث عن حنان الخلق ورأفتهم، لا تذهب يمينا وشمالا؛ إذا لا تنال هذه المحبة بالمزاح الكثير ولا ببذل الأموال الطائلة ولا بتقديم الولائم الدسمة وما شابه ذلك من الأمور المصطنعة، إنما هي هبة من الله عز وجل لعباده المؤمنين، فقد قال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا)[٥]، وهذا الود لا يشبه ود الملايين من المعجبين بالمطربة الفلانية أو الراقصة الفلانية، فهذه القلوب لا قيمة لها عند الله عز وجل. إذا أردت أن تستقطب محبة المؤمنين ومحبة من لمحبته قيمة وأهمية؛ عليك أن تسلك الطريق الذي سلكه يحيى (ع). وهناك بعض النصوص الرمزية أو الكنائية التي تقول: إن الله سبحانه إذا أراد أن يلقي محبة عبده في قلوب الناس؛ قذف حبه في مياه الشرب، فمن شرب من الماء أحبه. وكم رأينا الصالحين كيف أحبهم الناس من دون عشيرة ومال.
بر الوالدين في سيرة النبي يحيى (ع)
ثم يقول سبحانه: (وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا)[٦]، وبر الوالدين صفة بارزة في سيرة النبيين يحيى وعيسى (ع)، ويتبين من هذه الآيات الاهتمام الكبير الذي يوليه سبحانه لبر الوالدين. وقال تعالى: (وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا)[٧]، وهذا الحنان الذي تحدث عنه سبحانه تجلى في عدة مواضع هذه أحدها؛ حيث ورد السلام هنا بصورة نكرة وهو ما يفهم من التفخيم والتعظيم، ولكنه دون سلام عيسى (ع) وهو من أولي العزم الذي قال عن نفسه (ع). والإنسان أكثر ما يكون بحاجة إلى اللطف الإلهي عند الولادة وقد تعني الآية ما هو أعم من الولادة من التركيب الوراثي وبناء الأعصاب وسائر تكوينات الجسد، ومن ثم يحتاج إلى هذا اللطف عند الموت والانتقال إلى عام البرزخ صفر اليدين خالي الوفاض، كما يقول الشاعر:
وفدت على الكريم بغير زاد
من الحسنات والقلب السليم
فالإنسان بحاجة إلى هذا اللطف في ساعة اللقاء الإلهي، وعندما يبعث حيا ويخرج من القبر عريانا ذليلا قد تبرأ الخلق منه، فيأتيه ليأخذ بيده إلى جنات النعيم.
الحب في الله عز وجل
وقد أكدت الروايات الشريفة على الحب في الله عز وجل، فقد روي عن الإمام السجاد (ع) انه قال: (إِذَا جَمَعَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اَلْأَوَّلِينَ وَاَلْآخِرِينَ قَامَ مُنَادٍ فَنَادَى يُسْمِعُ اَلنَّاسَ فَيَقُولُ أَيْنَ اَلْمُتَحَابُّونَ فِي اَللَّهِ قَالَ فَيَقُومُ عُنُقٌ مِنَ اَلنَّاسِ فَيُقَالُ لَهُمُ اِذْهَبُوا إِلَى اَلْجَنَّةِ بِغَيْرِ حِسَابٍ قَالَ فَتَلَقَّاهُمُ اَلْمَلاَئِكَةُ فَيَقُولُونَ إِلَى أَيْنَ فَيَقُولُونَ إِلَى اَلْجَنَّةِ بِغَيْرِ حِسَابٍ قَالَ فَيَقُولُونَ فَأَيُّ ضَرْبٍ أَنْتُمْ مِنَ اَلنَّاسِ فَيَقُولُونَ نَحْنُ اَلْمُتَحَابُّونَ فِي اَللَّهِ قَالَ فَيَقُولُونَ وَأَيَّ شَيْءٍ كَانَتْ أَعْمَالُكُمْ قَالُوا كُنَّا نُحِبُّ فِي اَللَّهِ وَنُبْغِضُ فِي اَللَّهِ قَالَ فَيَقُولُونَ «نِعْمَ أَجْرُ اَلْعٰامِلِينَ».
وفلسفة السعادة في الحياة هذه الآية التي تناولناها والتي أكدت أن الحياة لا بد وأن تقوم على الحنان المتبادل بين الله وبين العبد من جانب وبين العبيد أنفسهم من جانب آخر بصورة تلقائية من دون تكلف.
خلاصة المحاضرة
- يا من لديه مشكلة مع الزوجة والأولاد والأرحام، ويا من يبحث عن حنان الخلق ورأفتهم، لا تذهب يمينا وشمالا؛ إذا لا تنال هذه المحبة بالمزاح الكثير أو ببذل الأموال الطائلة ولا بتقديم الولائم الدسمة؛ إنما هي هبة من الله، (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا).