- ThePlus Audio
دروس من سيرة الحسين (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم[١]
بركات مجالس الحسين (عليه السلام)
ينبغي للموالي الذي يشارك في إحياء مجالس أهل البيت (ع) عموما وفي مجالس الحسين (ع) خصوصا أن يعتقد بالإمام على أنه إمام مفروض الطاعة وهذا هو الاعتقاد الذي يرتبط بالعقل، وأما ما يرتبط بالقلب فهو الحب له (ع) وكما روي عن الصادق (ع): (وهَلِ اَلدِّينُ إِلاَّ اَلْحُبُّ)[٢]. ولولا الحب لما تحركت في نفس الموالي هذه العواطف الجياشة تجاه الإمام الحسين (ع). والحب أشبه شيء بالرياح التي تزجي[٣] السفن في البحر ولكن الرياح لا تنفع إذا لم يكن ثمة سفينة. ولذلك نجد في أيام محرم وفي يوم عاشوراء جوا دينيا متميزا. وحتى الذي لا يعرف المساجد والمآتم وصلوات الجمعة وما شابه ذلك في غير هذه الأيام يعود إلى فطرته أينما كان في شرق الأرض أو غربها ويعود إلى ولائه القديم؛ ذلك الولاء المخمور في طينته.
نفحات المجالس الحسينية
ويشعر المؤمن بنفحة تمر عليه وخفة تعتريه وانتعاش بعد الانتهاء من هذه المجالس. وهي ناتجة عن عدة أمور منها: إلتفاتة من أصحاب المصيبة كأمير المؤمنين (ع) والزهراء (س) وعلى رأسهم رسول الله (ص) الذي كان الحسين (ع) – كما ورد ذلك في المصادر التاريخية – يرتضع من أصابعه المباركة ويأخذ منها غذائه حتى نبت على ذلك لحمه، وهو أول باك على مصيبة ولده الحسين (ع). وينقل في مكيال المكارم: أن صاحب العصر (عج) رؤي في المنام وهو يقول: إني لأدعو لكل مؤمن يذكر مصيبة جدي الحسين (ع) ثم يدعو لي بالفرج. ودعاء الإمام (عج) دعاء مستجاب غير محجوب.
ومن أسباب الشعور بالخفة والانتعاش بعد هذه المجالس؛ المغفرة وبرد العفو الذي يشمله بالدعاء الذي ينتهي به مجلس الحسين (ع) وهو دعاء في أفضل ساعات الاستجابة ولذلك المؤمن يستغل تلك الساعات لطلب الحوائج.
ولا بأس في أن نأخذ جولة سريعة في سيرة الحسين (ع) بعد هذه المقدمة. إن الإمام (ع) كان الإسلام المتجسد في كل أبعاده. ومن الخطأ أن ننظر إلى الحسين (ع) كثائر فحسب أو ننظر إلى السجاد (ع) كزاهد وعابد وإلى الباقر والصادق (ع) كعلماء وإلى الكاظم كسجين من السجناء أو ما شابه ذلك. وإنما الإمام هو الذي يجسد الشريعة بكل حذافيرها في سياستها وفي اقتصادها وفي شعورها بالمستضعفين وفي ثورتها على الظالمين.
من أسرار خلود الحسين (عليه السلام)
إن سر خلود الحسين (ع) أنه قدم أنبل النفوس وأغلاها في سبيلها وإلا فإن يحيى بن زكريا قد ذبح وأهدي رأسه إلى بغي من بغايا بني إسرائيل وقد قتل أصحاب الأخدود في سبيل الله والشهداء في التاريخ كثيرون وهناك شهداء متميزون في صدر الإسلام كحمزة سيد الشهداء وحنظلة غسيل الملائكة وشهداء بدر وأحد عموما ولكن الحسين (ع) هو القمة ورأس هذا الهرم.
وأما بالنسبة إلى حالته الاجتماعية؛ فكان (ع) يتفقد اليتامى والأرامل، وقد وُجد على ظهره أثر – فقد كان (ع) يمارس هذا النشاط قبل الذهاب إلى الطف – فسأل زين العابدين عن ذلك فقال: إنه أثر الجراب الذي كان يحمل فيها المؤونة إلى دار الأيتام والأرامل والمساكين.
رأفة الإمام الحسين (عليه السلام)
وأما في تعامله مع من تحت يده من العبيد والإماء – الذين كانوا يباعون في سوق النخاسة ولكل واحد منهم سعره وكانوا في عداد البهائم والدواب – في منتهى اللطف والحنان. فقد روي عن أنس أنه قال: (كُنْتُ عِنْدَ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ دَخَلَتْ عَلَيْهِ جَارِيَةٌ بِيَدِهَا طَاقَةُ رَيْحَانٍ فَحَيَّتْهُ بِهَا، فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اَللَّهِ تَعَالَى. فَقُلْتُ: تُحَيِّيكَ بِطَاقَةِ رَيْحَانٍ لاَ خَطَرَ لَهَا فَتُعْتِقُهَا؟! فَقَالَ: كَذَا أَدَّبَنَا الله تَعَالَى، قَالَ وَإِذٰا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهٰا أَوْ رُدُّوهٰا فَكَانَ أَحْسَنَ مِنْهَا عِتْقُهَا)[٤].
وأما ما يرتبط بعزة النفس الإيمانية ما روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (كَانَ اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ جَالِساً فَمَرَّتْ عَلَيْهِ جَنَازَةٌ فَقَامَ اَلنَّاسُ حِينَ طَلَعَتِ اَلْجَنَازَةُ فَقَالَ اَلْحُسَيْنُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ «مَرَّتْ جَنَازَةُ يَهُودِيٍّ وَكَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ عَلَى طَرِيقِهَا جَالِساً فَكَرِهَ أَنْ يَعْلُوَ رَأْسَهُ جَنَازَةُ يَهُودِيٍّ»)[٥]. وليست اليهودية والنصرانية إلا دينين منحرفين وقد قال سبحانه: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)[٦].
ومن الروايات التي تتضمن دروسا كثيرة فقد عن الإمام الحسين (ع) أنه قال: (صَحَّ عِنْدِي قَوْلُ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَفْضَلُ اَلْأَعْمَالِ بَعْدَ اَلصَّلاَةِ إِدْخَالُ اَلسُّرُورِ فِي قَلْبِ اَلْمُؤْمِنِ بِمَا لاَ إِثْمَ فِيهِ فَإِنِّي رَأَيْتُ غُلاَماً يُؤَاكِلُ كَلْباً فَقُلْتُ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ إِنِّي مَغْمُومٌ أَطْلُبُ سُرُوراً بِسُرُورِهِ لِأَنَّ صَاحِبِي يَهُودِيٌّ أُرِيدُ أُفَارِقُهُ فَأَتَى اَلْحُسَيْنُ إِلَى صَاحِبِهِ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ ثَمَناً لَهُ فَقَالَ اَلْيَهُودِيُّ اَلْغُلاَمُ فِدَاءٌ لِخُطَاكَ وَهَذَا اَلْبُسْتَانُ لَهُ وَرَدَدْتُ عَلَيْكَ اَلْمَالَ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَأَنَا قَدْ وَهَبْتُ لَكَ اَلْمَالَ قَالَ قَبِلْتُ اَلْمَالَ وَوَهَبْتُهُ لِلْغُلاَمِ فَقَالَ اَلْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَعْتَقْتُ اَلْغُلاَمَ وَوَهَبْتُهُ لَهُ جَمِيعاً فَقَالَتِ اِمْرَأَتُهُ قَدْ أَسْلَمْتُ وَوَهَبْتُ زَوْجِي مَهْرِي فَقَالَ اَلْيَهُودِيُّ وَأَنَا أَيْضاً أَسْلَمْتُ وَأَعْطَيْتُهَا هَذِهِ اَلدَّارَ)[٧].
والأئمة (ع) يتعمدون انتساب هذه العلوم إلى رسول الله (ص) لكي تفهم الأمة أن ليس لهم خط سوى خط النبي (ص) وخط الوحي المتصل بين الأرض والسماء. وقد أثر الإمام الحسين (ع) بما آتاه الله من البهاء والعظمة في قلب اليهودي كما أثر في نفس الراهب المسيحي رأسه (ع). وهذا درس من دروس الرقة والعاطفة في حياة الحسين (ع). ولكنه اضطر لمقاتلة قوم يشهدون أن لا إله إلا الله وكان يبكي لمصيرهم المأساوي وهو ما أفجع قلبه بالإضافة إلى مقتل أهل بيته وأصحابه.
مناجاة الإمام الحسين (عليه السلام)
ومن الدروس التي نتعلمها من سيرته شدة ارتباطه بالله عز وجل منذ شعره وكثرة مناجاته. فيروى: (إِنَّهُ سَايَرَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَأَتَى قَبْرَ خَدِيجَةَ فَبَكَى ثُمَّ قَالَ اِذْهَبْ عَنِّي قَالَ أَنَسٌ فَاسْتَخْفَيْتُ عَنْهُ فَلَمَّا طَالَ وُقُوفُهُ فِي اَلصَّلاَةِ سَمِعْتُهُ قَائِلاً:
يَا رَبِّ يَا رَبِّ أَنْتَ مَوْلاَهُ
فَارْحَمْ عَبِيداً إِلَيْكَ مَلْجَاهُ
يَا ذَا اَلْمَعَالِي عَلَيْكَ مُعْتَمَدِي
طُوبَى لِمَنْ كُنْتَ أَنْتَ مَوْلاَهُ
طُوبَى لِمَنْ كَانَ خَادِماً أَرِقاً
يَشْكُو إِلَى ذِي اَلْجَلاَلِ بَلْوَاهُ
وَمَا بِهِ عِلَّةٌ وَلاَ سَقَمٌ
أَكْثَرَ مِنْ حُبِّهِ لِمَوْلاَهُ
إِذَا اِشْتَكَى بَثَّهُ وَغُصَّتَهُ
أَجَابَهُ اَللَّهُ ثُمَّ لَبَّاهُ
إِذَا اِبْتَلاَ بِالظَّلاَمِ مُبْتَهِلاً
أَكْرَمَهُ اَللَّهُ ثُمَّ أَدْنَاهُ)[٨].
لقد طلب الإمام (ع) من أنس أن يدعه وحيدا لأنه المؤمن يحتاج إلى خلوة عند المناجاة. والإمام (ع) في هذه المناجاة يعبر عن نفسه ب (العبيد) فهو يبين لله تعالى صغر نفسه. ويبين أن اعتماده على الله سبحانه وإن كان ذلك لا يعني ألا نلجأ إلى عالم الأسباب ولكن ينبغي أن يعلم المؤمن أن أزمة الأمور طرا بيده وهو الذي له مقاليد السماوات والأرض وهو القائل: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ)[٩]؛ فإن كنت تريد العزة والجاه والقرب فهي بيده. وهو صاحب القرب وهو المتقرب إليك وهو القائل في كتابه: (وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ)[١٠] وهي آية تثير العواطف، فلا تسأل من عدله ولا ما تستحقه ولكن اطلب الفضل من الله، ولذلك نقول في أدعية الرزق: (مِنْ فَضْلِكَ أَسْأَلُ وَمِنْ عَطِيَّتِكَ أَسْأَلُ وَمِنْ يَدِكَ اَلْمَلْأَى أَسْأَلُ)[١١]، والله سبحانه يستحيي أن يرد عبده صفر اليدين إذا مدت إليه.
وقد سأل موسى (ع) ربه فقال: (يَا رَبِّ أَ بَعِيدٌ أَنْتَ مِنِّي فَأُنَادِيَكَ أَمْ قَرِيبٌ فَأُنَاجِيَكَ فَأَوْحَى اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ يَا مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ أَنَا جَلِيسُ مَنْ ذَكَرَنِي)[١٢]. وفي نص آخر يقول له الله سبحانه: (يَا مُوسَى سَلْنِي كُلَّ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ حَتَّى عَلَفَ شَاتِكَ وَمِلْحَ عَجِينِكَ)[١٣]. فبدأ بملج العجين وانتهى بالتكليم في وادي طور؛ وهكذا هو المؤمن ملحاحا في كل شيء.
وبيت القصيد في هذه المناجاة وزهرة الأبيات هو قوله: (وَمَا بِهِ عِلَّةٌ وَلاَ سَقَمٌ *** أَكْثَرَ مِنْ حُبِّهِ لِمَوْلاَهُ). فهو لا يشتكي مرضا ولا قلة مال ولكنه حبه لمولاه الذي أخذ بمجامع قلبه. وأين هم مدعو العرفان والتصوف لينظروا إلى الحب الخالص كيف يكون.
يقول أنس:
(فَنُودِيَ:
لَبَّيْكَ عَبْدِي وَأَنْتَ فِي كَنَفِي
وَكُلَّمَا قُلْتَ قَدْ عَلِمْنَاهُ
صَوْتُكَ تَشْتَاقُهُ مَلاَئِكَتِي
فَحَسْبُكَ اَلصَّوْتُ قَدْ سَمِعْنَاهُ)[١٤].
ولا أدري كيف كان حال الملائكة التي تشتاق إلى صوت الحسين (ع) عندما رأوه يوم عاشوراء مرملا بدمه وهو يناجي ربه: (رضا بقضائك وتسليما لأمرك لا معبود سواك)[١٥]، ولا ندري ما جرى على اللوح والقلم والكرسي والملائكة ويرون صاحب هذه المناجاة وصاحب يوم عرفة وما أدراك ما دعاء عرفة؟ وهي أبلغ القول في مناجاة رب العزة والجلال؛ عندما شاهدوا مقتل الحسين (ع).
رواية الإمام الرضا (عليه السلام) في أول محرم
لقد روي عن ابن شبيب أنه قال: (دَخَلْتُ عَلَى اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ اَلْمُحَرَّمِ – فَقَالَ لِي يَا اِبْنَ شَبِيبٍ أَ صَائِمٌ أَنْتَ فَقُلْتُ لاَ فَقَالَ إِنَّ هَذَا اَلْيَوْمَ هُوَ اَلْيَوْمُ اَلَّذِي دَعَا فِيهِ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلاَمُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ «رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ اَلدُّعٰاءِ» فَاسْتَجَابَ اَللَّهُ لَهُ وَأَمَرَ اَلْمَلاَئِكَةَ فَنَادَتْ زَكَرِيَّا «وَهُوَ قٰائِمٌ يُصَلِّي فِي اَلْمِحْرٰابِ أَنَّ اَللّٰهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيىٰ» فَمَنْ صَامَ هَذَا اَلْيَوْمَ ثُمَّ دَعَا اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اِسْتَجَابَ اَللَّهُ لَهُ كَمَا اِسْتَجَابَ لِزَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلاَمُ ثُمَّ قَالَ يَا اِبْنَ شَبِيبٍ إِنَّ اَلْمُحَرَّمَ هُوَ اَلشَّهْرُ اَلَّذِي كَانَ أَهْلُ اَلْجَاهِلِيَّةِ فِيمَا مَضَى يُحَرِّمُونَ فِيهِ اَلظُّلْمَ وَاَلْقِتَالَ لِحُرْمَتِهِ فَمَا عَرَفَتْ هَذِهِ اَلْأُمَّةُ حُرْمَةَ شَهْرِهَا وَلاَ حُرْمَةَ نَبِيِّهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ لَقَدْ قَتَلُوا فِي هَذَا اَلشَّهْرِ ذُرِّيَّتَهُ وَسَبَوْا نِسَاءَهُ وَاِنْتَهَبُوا ثَقَلَهُ فَلاَ غَفَرَ اَللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ أَبَداً يَا اِبْنَ شَبِيبٍ إِنْ كُنْتَ بَاكِياً لِشَيْءٍ فَابْكِ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَإِنَّهُ ذُبِحَ كَمَا يُذْبَحُ اَلْكَبْشُ وَقُتِلَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ رَجُلاً مَا لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ شَبِيهُونَ).
(وَلَقَدْ بَكَتِ اَلسَّمَاوَاتُ اَلسَّبْعُ وَاَلْأَرَضُونَ لِقَتْلِهِ وَلَقَدْ نَزَلَ إِلَى اَلْأَرْضِ مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ لِنَصْرِهِ فَوَجَدُوهُ قَدْ قُتِلَ فَهُمْ عِنْدَ قَبْرِهِ شُعْثٌ غُبْرٌ إِلَى أَنْ يَقُومَ اَلْقَائِمُ فَيَكُونُونَ مِنْ أَنْصَارِهِ وَشِعَارُهُمْ يَا لَثَارَاتِ اَلْحُسَيْنِ يَا اِبْنَ شَبِيبٍ لَقَدْ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ أَنَّهُ لَمَّا قُتِلَ اَلْحُسَيْنُ جَدِّي صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ مَطَرَتِ اَلسَّمَاءُ دَماً وَتُرَاباً أَحْمَرَ يَا اِبْنَ شَبِيبٍ إِنْ بَكَيْتَ عَلَى اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَتَّى تَصِيرَ دُمُوعُكَ عَلَى خَدَّيْكَ غَفَرَ اَللَّهُ لَكَ كُلَّ ذَنْبٍ أَذْنَبْتَهُ صَغِيراً كَانَ أَوْ كَبِيراً قَلِيلاً كَانَ أَوْ كَثِيراً يَا اِبْنَ شَبِيبٍ إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَلْقَى اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَلاَ ذَنْبَ عَلَيْكَ فَزُرِ اَلْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَا اِبْنَ شَبِيبٍ إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَسْكُنَ اَلْغُرَفَ اَلْمَبْنِيَّةَ فِي اَلْجَنَّةِ مَعَ اَلنَّبِيِّ وَآلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَالْعَنْ قَتَلَةَ اَلْحُسَيْنِ يَا اِبْنَ شَبِيبٍ إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَكُونَ لَكَ مِنَ اَلثَّوَابِ مِثْلَ مَا لِمَنِ اُسْتُشْهِدَ مَعَ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقُلْ مَتَى مَا ذَكَرْتَهُ «يٰا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً» يَا اِبْنَ شَبِيبٍ إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَكُونَ مَعَنَا فِي اَلدَّرَجَاتِ اَلْعُلَى مِنَ اَلْجِنَانِ فَاحْزَنْ لِحُزْنِنَا وَاِفْرَحْ لِفَرَحِنَا وَعَلَيْكَ بِوَلاَيَتِنَا فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً تَوَلَّى حَجَراً لَحَشَرَهُ اَللَّهُ مَعَهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ)[١٦].
رواية الإمام الصادق (عليه السلام) في ذكر ثواب من يجزع للحسين (عليه السلام)
وفي رواية أخرى عن مسمع قال: (قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ يَا مِسْمَعُ أَنْتَ مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ أَ مَا تَأْتِي قَبْرَ اَلْحُسَيْنِ قُلْتُ لاَ أَنَا رَجُلٌ مَشْهُورٌ مِنْ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ – وذكر بعض الموانع التي تمنعه من الزيارة – قَالَ لِي أَ فَمَا تَذْكُرُ مَا صُنِعَ بِهِ قُلْتُ بَلَى قَالَ فَتَجْزَعُ قُلْتُ إِي وَاَللَّهِ وَأَسْتَعْبِرُ لِذَلِكَ حَتَّى يَرَى أَهْلِي أَثَرَ ذَلِكَ عَلَيَّ فَأَمْتَنِعُ مِنَ اَلطَّعَامِ حَتَّى يَسْتَبِينَ ذَلِكَ فِي وَجْهِي قَالَ رَحِمَ اَللَّهُ دَمْعَتَكَ أَمَا إِنَّكَ مِنَ اَلَّذِينَ يُعَدُّونَ فِي أَهْلِ اَلْجَزَعِ لَنَا وَاَلَّذِينَ يَفْرَحُونَ لِفَرَحِنَا وَيَحْزَنُونَ لِحُزْنِنَا وَيَخَافُونَ لِخَوْفِنَا ويَأْمَنُونَ إِذَا أَمِنَّا أَمَا إِنَّكَ سَتَرَى عِنْدَ مَوْتِكَ وَحُضُورِ آبَائِي لَكَ وَوَصِيَّتِهِمْ مَلَكَ اَلْمَوْتِ بِكَ وَمَا يَلْقَوْنَكَ بِهِ مِنَ اَلْبِشَارَةِ مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنَكَ قَبْلَ اَلْمَوْتِ فَمَلَكُ اَلْمَوْتِ أَرَقُّ عَلَيْكَ وَأَشَدُّ رَحْمَةً لَكَ مِنَ اَلْأُمِّ اَلشَّفِيقَةِ عَلَى وَلَدِهَا قَالَ ثُمَّ اِسْتَعْبَرَ وَاِسْتَعْبَرْتُ مَعَهُ فَقَالَ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى خَلْقِهِ بِالرَّحْمَةِ وَخَصَّنَا أَهْلَ اَلْبَيْتِ بِالرَّحْمَةِ يَا مِسْمَعُ إِنَّ اَلْأَرْضَ وَاَلسَّمَاءَ لَتَبْكِي مُنْذُ قُتِلَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ رَحْمَةً لَنَا وَمَا بَكَى لَنَا مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ أَكْثَرُ وَمَا رَقَأَتْ دُمُوعُ اَلْمَلاَئِكَةِ مُنْذُ قُتِلْنَا وَمَا بَكَى أَحَدٌ رَحْمَةً لَنَا وَلِمَا لَقِينَا إِلاَّ رَحِمَهُ اَللَّهُ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ اَلدَّمْعَةُ مِنْ عَيْنِهِ فَإِذَا سَالَ دُمُوعُهُ عَلَى خَدِّهِ فَلَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنْ دُمُوعِهِ سَقَطَتْ فِي جَهَنَّمَ لَأَطْفَأَتْ حَرَّهَا حَتَّى لاَ يُوجَدَ لَهَا حَرٌّ وَإِنَّ اَلْمُوجَعَ قَلْبُهُ لَنَا لَيَفْرَحُ يَوْمَ يَرَانَا عِنْدَ مَوْتِهِ فَرْحَةً – لاَ تَزَالُ تِلْكَ اَلْفَرْحَةُ فِي قَلْبِهِ حَتَّى يَرِدَ عَلَيْنَا اَلْحَوْضَ)[١٧].
حرق دار الإمام الصادق (عليه السلام) وتذكره نساء الحسين (عليه السلام)
إن أئمتنا (ع) كانوا يتحينون الفرص لإحياء ذكر الحسين (ع)؛ فكان السجاد (ع) عندما يرى الماء يبكي وعندما يرى الكبش يذبح كان يبكي على أبيه الحسين (ع). وهؤلاء أئمتنا ومن ينبغي لنا أن نقتدي بفعالهم وبتأثرهم بجدهم. ومن حضور هذه المصيبة في حياتهم ما نقرأه في سيرة الصادق (ع) عندما أمر المنصور أن يحرق داره وهو الذي كان له من التلاميذ أربعة آلاف وهو أفقه من على وجه الأرض ولكن الدهر أنزله حتى تأتي الأوامر بإحراق داره. فوضعوا الحطب على باب الدار وأضرموا النار؛ فأخذت النار في الدهليز وتصايحت العلويات وارتفع أصواتهن بالبكاء، فخرج الإمام الصادق (ع) وعليه قميص وإزار وفي رجليه نعلان وجعل يخمد النار ويطفئ الحريق وهو يقول أنا ابن محمد المصطفى أنا ابن علي المرتضى أنا ابن فاطمة الزهراء، حتى أخمد النار فلما كان الغد دخل عليه بعض شيعته يسلونه فوجدوه حزينا باكيا.
فقالوا: من هذا التأثر والبكاء أمن جرأة القوم عليكم أهل البيت وليس منهم بأول مرة؟ ليست هذه المرة الأولى التي تحرق فيها دوركم قال الإمام (ع) اعلموا أنه لما أخذت النار ما في الدهليز نظرت إلى نسائي وبناتي يتراكضن في الدار من حجرة إلى حجرة ومن مكان إلى مكان هذا وأنا معهن فتذكرت روعة عيال جدي الحسين (ع) يوم عاشوراء لما هجم القوم عليهن والمنادي ينادي: أحرقوا بيوت الظالمين.
[٢] تفسیر العیاشی ج١ ص١٦٧.
[٣] أزجى اللهُ الفلكَ :زجاها، ساقها، جعلها تمضي في رِفق.
[٤] كشف الغمة ج٢ ص٣١.
[٥] الکافي ج٣ ص١٩٢.
[٦] سورة آل عمران: ١٩.
[٧] بحار الأنوار ج٤٤ ص١٩٤.
[٨] بحار الأنوار ج٤٤ ص١٩٣.
[٩] سورة الحجر: ٢١.
[١٠] سورة النساء: ٣٢.
[١١] بحار الأنوار ج٨٣ ص١٤٣.
[١٢] بحار الأنوار ج١٣ ص٣٤٥.
[١٣] بحار الأنوار ج٩٠ ص٣٠٣.
[١٤] بحار الأنوار ج٤٤ ص١٩٣.
[١٥] موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٧ ص٢٤٨.
[١٦] الأمالي (للصدوق) ج١ ص١٢٩.
[١٧] وسائل الشیعة ج١٤ ص٥٠٧.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- يشعر المؤمن بنفحة تمر عليه وخفة تعتريه وانتعاش بعد الانتهاء من هذه المجالس. وهي ناتجة عن عدة أمور منها: إلتفاتة من أصحاب المصيبة كأمير المؤمنين (ع) والزهراء (س) وعلى رأسهم رسول الله (ص) له. والدعاء بالمغفرة الذي يختم به الخطيب مجلس العزاء والذي يأتي في ساعة استجابة.
- من دروس العزة التي ينبغي أن يتأسى بها المؤمن ما ورد في أن الحسين (ع) قام عند مرور جنازة يهودي ولما قيل له: لم فعلت ذلك؟ قال: كرهت أن تعلو رأسي جنازة يهودي.