Search
Close this search box.
  • درجات الصادقين ومرتبة أصحاب الحسين (عليه السلام)
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

درجات الصادقين ومرتبة أصحاب الحسين (عليه السلام)

بسم الله الرحمن الرحيم

مراتب الصدق ودرجة صدق اللسان

للصدق مراتب أقلها أدناها صدق اللسان. إن الإنسان المؤمن؛ بل كل إنسان منضبط لا يمكنه أن يغلب الحقيقة. ولهذا نرى أن الإنسان الصادق إذا كذب كذبةً؛ سرعان ما يحتقر نفسه. ثم إن الصادق إذا كذب كذبة انكشف سريعا؛ لأنه يرتبك بسرعة وتبدو على وجهه أمارات ذلك.

كيف أكون صادقا فيما أعتقده؟

ومن مراتب الصدق؛ صدق الاعتقاد. لماذا جعل الله شعار الإسلام التوحيد، وقول: لا إله إلا الله؟ ولماذا قال عز من قائل: (إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِ)[١]؟ أي يا رب، أنت المطاع، وأنت المعبود، وهذه عقيدتي التي بهذا أظهر إسلامي. فلو سلمت أو تشهدت الشهادتين في الصلاة ثم خرجت إلى السوق ونظرت إلى الحرام؛ فأنت كاذاب في ادعائك وكأنك في مقام العمل تقول: يا رب، أنت الآن لست إلهي، وإنما إلهي هواي وهو قوله سبحانه: (أَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ)[٢]. يُقال: إن التوحيد أن لا ترى مؤثرا في الوجود إلا الله عز وجل. فما دمت معتقداً أنه المؤثر؛ فستدعوك هذه العقيدة للالتجاء إليه لا إلى غيره. ولهذا نقول في سورة الحمد: إياك نعبد. فما هي ثمرة العبادة؟ ثمرتها: إياك نستعين؛ أي نستعين بك حصراً كما نعبدك حصراً.

ما المراد من الصدق في المشاعر في العلاقة بالله؟

قد يدعي الولد حب أبويه، وعندما يطلب أحدهما منه شيئا، يستنكف عن ذلك ولا يلبي لهما حاجتهما. ألا يقولان له: أين حبك لنا؟ من الأبيات البليغة في هذا الشأن ما ورد عن الإمام عن الإمام الصادق (ع):

تَعْصِي اَلْإِلَهَ وَأَنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ
هَذَا لَعَمْرُكَ فِي اَلْفِعَالِ بَدِيعُ

لَوْ كَانَ حُبُّكَ صَادِقاً لَأَطَعْتَهُ
إِنَّ اَلْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ

هذان البيتان يعكسان الصدق في العواطف والمشاعر. ولهذا في دعاء كميل عبارة قف عندها قليلا ما إن وصلت إليها، ولا تمر عليها مرور الكرام، وهي: (يا حبيب قلوب الصادقين). إن الله سحب الصادق قولا وفعلا ومشاعرا.

كيف كان أصحاب الحسين (عليه السلام) في صدقهم معه؟

لقد اجتمعت كل هذه الصفات في أصحاب الحسين (ع). لقد عز على رب العالمين أن يرى حجته وأحب الخلق إليه على الأرض وهو في مقتله، ولقد عظمت هذه المصيبة في السماوات؛ أي عند الله عز وجل وعند ملائكته. لماذا قال الإمام الحسين (ع) فيهم: (فَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ أَصْحَاباً أَوْفَى ولاَ خَيْراً مِنْ أَصْحَابِي)[٣]؟ فأولا: الصدق الكلامي، وهو أمر مفروغ منه؛ لأن من كان في ركاب الحسين (ع) كان في أعلى درجات العدالة. إن الحسين (ع) يعبر عن الحبيب شيخ الأنصار بالفقيه، وهل يكون الفقيه كاذبا؟

هل أنت صادق في قولك: يا ليتنا كنا معكم؟

وثانيا: هؤلاء كانوا صادقين في العقيدة. إن هذه الأبيات الرجزية التي كان أصحاب الحسين (ع) يبدون من خلالها مواقفهم تُبين صدق عقائدهم. ومن هذه الأراجيز أرجوزة العباس (ع) التي قال فيها:

إني أحامي أبداً عن ديني

أي ليس نصرتي للحسين (ع) هي من باب الأخوة البحتة وإنما هو دفاع عن دين وعن إمام. ثالثا: كانوا صادقين في العواطف. فهم ليلة العاشر عندما جس الحسين (ع) نبض أصحابه وجدهم صادقين وموطنين أنفسهم على القتل في سبيل عقائدهم ونصرة إمام زمانهم (عج). إن زينب (ع) كانت خائفة قليلا؛ فكان ما أبدوا من مشاعرهم، وقولهم: لو قُتلنا ثم نشرنا، ثم قتلنا، ما تركنا الحسين (ع) هو مما بدد هذه المخاوف عندها (ع). وعلينا أن نتأسى بأصحاب الحسين (ع) قولاً وفكراً ومشاعراً. وكلما اقترب الإنسان من هذه الدائرة، كان صادقاً في قوله: يا ليتنا كنا معكم.

[١] سورة الأنعام: ٥٧.
[٢] سورة الفرقان: ٤٣.
[٣] إعلام الوری  ج١ ص٤٥٥.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • لقد جمع أصحاب الحسين (ع) جميع مراتب الصدق. فقد كانوا صادقين في عقائدهم وعندما خيرهم الحسين (ع) بالرحيل لم يرحلوا ووطنوا أنفسهم على القتل. وكانوا صادقين في أقوالهم وفيما صدر عنهم لم يتراجعوا عنها قيد أنملة. وكانوا كذلك صادقين في مشاعرهم تجاه إمام زمانهم (ع).
Layer-5.png