- ThePlus Audio
خطيب يداوي الناس وهو عليل…!
بسم الله الرحمن الرحيم
كن قدوة للناس قبل الموعظة
من الأمور التي ينبغي الاهتمام بها ودراستها؛ دور الخطيب الحسيني في التأثير على الجماهير، والشروط والمواصفات التي ينبغي توفرها فيه، لكي يكون الأداء أفضل أداء وأكثر تأثيراً في نفوس المتلقين والمستمعين.
هناك عدة أمور، ينبغي توفرها في الخطيب الناجح، منها: أن يكون قدوة في العمل، فيسبق الناس إلى ما يأمرهم به، وينتهي عما ينهاهم عنه. إن من الحقائق التي لمستها بنفسي، أن الناس يميزون الخطيب الموفق والمخلص من غيره من تلقاء أنفسهم وكأن لهم حاسة سادسة…! إنهم يأتون بالخطيب إلى الحسينية أو المسجد، فيتفقون على أن هذا الخطيب ممتاز ولابد من أن ندعوه دائما، ويتفقون على أن هذا الخطيب لا ينفعنا ولا ينبغي أن ندعوه إلى الحسينية مجددا.
هنيئا له قد رُزق القبول…!
ولذا من لطائف العبارات ما قيل بشأن بعض العلماء الذين تصدوا للخطابة والتبليغ، وهو أنهم رُزقوا القبول. ويعنون بذلك أنه كان مؤثرا في الناس وتنفذ كلماته إلى أعماق القلوب، كالشيخ جعفر الشوشتري وغيره من العلماء والخطباء. ولابد من الالتفات إلى أنهم رُزقوا القبول، لا أنهم تكلفوه. فهم لم يذهبوا إلى مدارس خاصة أو ما شابه ذلك وإنما رزقهم الله عز وجل ذلك. يُقال: أنه طُلب من خطيب التحدث عن عتق العبيد، فلم يتحدث عن ذلك إلا بعد سنة، فقيل له: لم أجلت الحديث إلى سنة؟ فقل: كان لي عبد وكان لزاما علي عتقه قبل أن آمر الناس بالعتق.
خاطب نفسك قبل أن تخاطب جمهورك
قد لا يقيم الخطيب الليل، فيقول: إنني أستحي أن أتحدث عما لا ألتزم به، وهو خطأ بالتأكيد. تحدث عن ذلك وخاطب نفسك قبل أن تخاطب الجمهور، وقل: من المعيب يا نفس، أن تعظي ولا تتعظي. هناك مزحة معروفة بين العلماء: إذا رأى العالم بوادر الانحراف في ولده وكان من الطلبة، جعله إمام جماعة، لكي يتورط ويلتزم تلقائيا ويستحي عندها من نفسه.
لتكن السيرة العملية محور حديثك
ومما ينبغي للخطيب التركيز عليه؛ سيرة أهل البيت (ع) العملية. إن كتاب بحار الأنوار موسوعة جامعة لحياة الأئمة (ع) وهناك كتب أخرى ككتاب منتهى الآمال إلا أنها لا ترقى إلى البحار من حيث أنه كتاب جامع مانع. فتجد حياة الإمام الرضا (ص) في مجلد كامل مثلا. وإذا قرأت سيرتهم من هذا الكتاب وأردت تبيينها على المنبر، ركز على مكارم أخلاقهم. نعم، هناك أبواب أخرى من سيرة المعصومين (ع) كباب النصوص على إمامتهم وكراماتهم وغير ذلك.
ولكن هل يشك أحد من المستعمين في إمامتهم مثلا؟ أو عندما تنقل كرامة من كرامات الرضا (ع) كالكرامة التي حصلت في مجلس مأمون في قصة الأسد، لتكن تلك الكرامة مقدمة للتأسي به (ع). اذكر أخلاق الرضا (ع) كجلوسه على المائدة مع جميع حاشيته حتى السائس والخادم وأمثال ذلك. واذكر مثلا من مكارم أخلاق النبي (ص)، أنه لم يعب طعاما قط، واذكر علاقته مع زوجاته. وعند الحديث عن موسى بن جعفر (ع)، اذكر صبره وكظمه للغيظ وإلى آخر ذلك.
كيف أتحدث عن الإمام الجواد (عليه السلام) في ولادته أو استشهاده؟
لتكن هذه السيرة العملية الأخلاقية للأئمة (ع) محور الحديث في مناسبات الولادة أو الشهادة. ففي شهادة الإمام الجواد (ع) مثلا، لا داعي للانشغال كثيرا في مقدمة البحث ومنتهاه بالنصوص الدالة على إمامته مثلا، وتحدث بدل ذلك عن جوده وصبره على أم الفضل قاتلته، وصبره على ما كان يقاسي من صنوف المحن والبلاء وهو شاب في ريعان الشباب. تحدث عن تأثيره العظيم في الأمة وهو صبي في التاسعة من عمره الشريف ودوره في إدارة الأمة في صغر سنه بعد شهادة أبيه الرضا (ع). ثم ابن على ذلك لتوجيه غيبة الإمام الحجة (عج) في صغر سنه مع الاستفادة من سيرة عيسى (ع) الذي آتاه الله النبوة صغيرا.
تأثير الروايات التكويني على النفوس
لقد سمعت ذات يوم من الشيخ بهجت رحمه الله يتحدث عن خطيب في سامراء قائلا: إنني لم أر مثله قبله ولا بعده، فمنذ أن صعد المنبر وإلى أن انتهى ونزل لم يخرج عن روايات أهل البيت (ع)، إلى درجة أنه كان يشرح الحديث المشكل بحديث آخر. وإنني لا أحث الخطباء على أن التأسي به تماما ولكن ليجتنبوا العكس من هذا، وهو خلو المنبر من أوله إلى آخره من آية أو حديث عن أئمة أهل البيت (ع). ترى الخطيب يخوض في كل شيء ويحلل يمينا وشمالا ويتحدث عن المستشرق الفلاني والعالم الكذائي ولا يأتي على ذكر آية أو رواية. إنني أعتقد أن لروايات أهل البيت (ع) أثر تكويني في نفوس المستمعين. فمثلا لو تحدثت عن صلاة الليل ساعة كاملة لا تؤثر في النفوس تأثير رواية نبوية كقول النبي (ص) لعلي (ع): (اَللَّهُمَّ أَعِنْهُ… عَلَيْكَ بِصَلاَةِ اَللَّيْلِ)[١]؛ أي أنها ثقيلة بحاجة إلى إعانة وتوفيق من الله.
التضبع بالروايات وميزان الحكمة…!
ولا يستطيع الخطيب إلا أن يكون متضلعا بالروايات، قد قرأها وفهمها جيدا. ويكفي أن يقرأ الخطيب دورة أو دورتين كتاب ميزان الحكمة إن استثقل كتاب البحار. فهو كتاب قيم ومن الكتب الخالدة في تاريخ الإمامية كالمفاتيح في الدعاء، وكالسفينة البحار. وهو يفوق السفينة بإجادة التبويب والفهرسة في مختلف الموضوعات.
خلاصة المحاضرة
- لتكن السيرة العملية الأخلاقية للأئمة (ع) محور الحديث في مناسبات الولادة أو الشهادة. ففي شهادة الإمام الجواد (ع) مثلا، لا داعي للانشغال كثيرا في مقدمة البحث بالنصوص الدالة على إمامته مثلا، وتحدث بدل ذلك عن جوده وصبره على أم الفضل قاتلته، وصبره على ما كان يقاسي من صنوف المحن