س١/ من المعلوم أن الروايات تشدد على ضرورة حسن اختيار الزوجة، وتحذر من خضراء الدمن.. فكيف يعرف الإنسان المؤمن الزوجة التي تناسب له؟..
إن هذا السؤال يعتبر سؤال استراتيجي ومهم؛ لأن كل السلبيات المترتبة في الحياة الزوجية، إنما هي نتيجة لعدم اختيار الزوجة الفضلى والأقرب للمثالية.. ونقول الأقرب للمثالية؛ لأن الزوجة المثالية غير موجودة في الحياة الدنيا، كما أن الزوج المثالي غير موجود في الدنيا أيضا.. فالزوج الذي يشتكي من عدم زوجة مثالية له، لو سئلت زوجته لكانت هي أيضا تشتكي من عدم زوج مثالي لها أيضا!..
هناك سبيلان لاختيار الزوجة التي هي أقرب للمثالية:
الأول: تحكيم الضوابط الشرعية بعد مراجعة أهل الحل والعقد والخبرة في هذا المجال:
إن التشديد على ذات الدين، وعندما نقول: (عليك بذات الدين تربت يداك)، قضية ليس فيها مجاملة ولا روحانية، وإنما هي قضية واقعية؛ لأن ذات الدين هي خير من يعين الإنسان في دينه ودنياه، ولا يُخاف منها، فذات دين يعني ذات خلق وعفة وأمانة، ولا تخرج من طورها، ولا تطالب الزوج بما لا يجوز شرعا..
وقد قلنا في حلقات السابقة بأن المطلوب في الجهات الشكلية والجمالية، هو الحد الأدنى.. وإلا لو كانت المرأة حائزة على معظم الدين وبشيء من الجمال المقبول، فهذه لا تقاس بامرأة حائزة على درجات الجمال، وملكة جمال الأرض-كما يقال- ولكنها بشيء من الدين لا يعتد به.
وينبغي أن تكون الزوجة تقبل بالحكمية الشرعية، بالمعنى التي تشير إليه الآية الكريمة: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}.. فإذا كان الدين هو الحكم فيما يحصل بين الزوجين من خلاف، فإن الخلافات تذوب في بوتقة الحكم الشرعي، وكأن الشرع بمثابة جهاز يصهر كل خلاف يوضع فيه.
والثاني: الدعاء الحثيث:
لو أن الشاب في أيام المراهقة كان مستقيما في سلوكه، بدلا من الانشغال بالأباطيل والانحرافات الأخلاقية في مجال النساء، وألح في الطلب من ربه-لكونه مستقيما ويعبد ربه في خضم فوران الشهوات- فلو أن هذا الشاب المراهق المواظب على الصلاة في المسجد، دعا ربه قائلا: يا رب أنا لم أنظر إلى الحرام البليغ، ولم ألمس امرأة قط بحرام، يا رب عوضني خيرا بزوجة صالحة مناسبة، {رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء}؛ فإن هذا دعاؤه قطعا مستجاب. ومن المعلوم أن طلب الذرية الطيبة يستبطن طلب الزوجة الصالحة؛ لأن الذرية الطيبة هي من الزوجة الصالحة، ومن طلب الأثر طلب المؤثر.
ومن الأدعية التي يستفاد منها لقضاء الحوائج الكبيرة ومما يخاف منه، هو دعاء: (يا من تحل به عقد المكاره).
والإكثار من هذه الآية: {رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ}، في مواطن الاستجابة، كالسجود والقنوت.
وكذلك-كما ينقل عن بعض العلماء الكبار- إن الالتزام بصلاة جعفر الطيار، من المجربات أيضا لأجل حل هذه المشكلة.
فإذن، إن الدعاء الحثيث في هذا المجال، أيضا من موجبات الوقوع على فرد صالح.. وقد سمعنا بعض القصص عن بعض الزيجات، وكيف أنها توفيقات واضحة جدا، وكأن رب العالمين نسق فيما بينهما، وساقهما عبر قنوات عجيبة وغريبة، إلى أن وصلا إلى ما يريدان.. كما أن رب العالمين يوفق بين الزوجين، وهما مختلفان على وشك الانفصال، إذا كانا يريدان الإصلاح، فبطريق أولى أن يكون هذا التوفيق قبل الخلاف.
س٢/ لو ارتبط الإنسان بزوجة لها ملكات سيئة، فهل يمكن تغيير هذه الملكات؟..
إن البعض له نظرية، يمكن أن نعبر عنها بأنها مؤيسة، حيث يقول بأن الملكات لا تتغير.. فمثلا: إذا كان إنسان قد جبل على البخل، فعليه أن لا يتمنى أن يكون في يوم من الأيام إنسانا كريما، وهكذا الجبان وبقية الصفات السلبية..
ونحن لا نقبل بهذه النظرية، ونقول إن الملكات يمكن أن تتغير، وذلك بدليل وجود من كان على ملكات غير طيبة وانقلب وتحول عنها، فهذا أولا..
وثانيا: إن الملكة تترسخ من تكرار الممارسة.. فالإنسان عندما يولد لا يولد بخيلا ولا جبانا ولا مجرما ولا كذا، وإنما هو لتكرار الممارسة أو لمعايشة الغافلين من الذين لهم هذا الجو، جعله يعيش هذه الملكة.. وكما أن الملكة السيئة جاءت من الأفعال السيئة، فإن من الممكن التغيير بالعمل بما يخالفها.. ومن المعلوم في عالم الفقه بأن الحيوان الجلال الذي تربى على أكل النجاسة، إذا استبرئ فترة وأطعم حلالا، ترتفع عنه صفة الجلل المسببة للحرمة، ويخرج من كونه حيوانا جلالا..
فإذن، إن الملكات أيضا يمكن أن تتغير إذا عمل الإنسان بعكس ما تقتضيه الملكة السلبية، فإذا خالفها فمن الممكن أن يصل إلى مرحلة الملكات الطيبة.
س٣/ هل إن مستوى الزوجة الروحي والفكري، له تأثير على تربية الأولاد؟..
بلا شك، وإن التأثير تأثير حاسم.. ومن المعروف أن المرأة المرضع إذا كانت في حالة غير طبيعية، كأن تكون في حالة غضب أو حزن أو أذى، فإن ذلك ينتقل إلى الرضيع من خلال اللبن.. فإذا كان اللبن الذي هو عنصر من عناصر هذا الوجود، ينقل بعض الصفات، فكيف بسلوك الأم، وكيف بنظرة الأم، وكيف بجيناتها الوراثية؟!.. فبلا شك إن الذي يريد الذرية الصالحة، فقبل ذلك لابد أن يهيئ لنفسه المرأة التي تكون حضنا مربيا لأولاده.. ونحن نعتقد بأن أنفاس الأم الصالحة ووجودها ونظرتها، مؤثر ومن الممكن أن تربي الولد، ولو أن الأم لم تباشر الولد كثيرا.
ولهذا نقول للبعض عندما يتزوج بامرأة صالحة ولكنها فقيرة، أو غير جميلة بالمعنى الدقيق للكلمة، أو يعير من قبل البعض بأنك لم تأخذ من عائلة غنية ومتمكنة: إن من الأشياء التي تطمئنه أو تهدئ من روعه، هو أنه تزوج بمن تكون مصنعا لذرية صالحة.. فهذا ألا يطمئن الرجل، بأن ينظر للزوجة على أنها أداة تخريج أولاد صالحين، بدلا من أن تكون أداة للاستمتاع؟!.. لأن الجمال من موجبات الاستمتاع الزائد، والعائلة المترفة أو الغنية من موجبات أن يقتنص من ثروتها، أو إذا هي ماتت يأخذ من إرثها.. ولكنه عندما يأخذ امرأة مؤمنة، فقد أحرز من تنتج له الأجيال الصالحة، وهذا خير مكسب في هذا المجال.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.