- ThePlus Audio
خصوصيات يوم عيد الفطر المبارك
بسم الله الرحمن الرحيم
وأفضل الصلاة وأتم الصلاة على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين
لماذا أصبح يوم العيد الفطر يوم متميزاً من بين سائر أيام السنة؟
إنَّ دعاء يوم العيد دعاء بليغ، ولهذا اليوم حقٌ عند الله عز وجل، وقد اكتسب وجاهة عند الله سبحانه لأنه اليوم الذي توزع فيه الجوائز على من صام شهر رمضان، وأصبح يوماً مباركاً لأنه قد جاور شهراً مباركاً، وهو كذلك يوم متميز من أيام السنة، وعلينا أن ننتبه إلى أنَّنا حرمنا من امتيازات هذا الشهر الكثيرة، لقد كان نومنا في هذا الشهر عبادة وأنفاسنا كانت تسبيحاً والشياطين كانت مغلولة؛ ولكن في يوم العيد تفتح أيادي الشيطانين لتنتقم من كل صائم وقائم في هذا الشهر المبارك، وستقف الشياطين على أبواب المساجد ليوقعوا المصلين والمؤمنين في شباكهم من أول خطوة، لا ليصادروا منهم مكتسبات شهر رمضان فحسب؛ بل ليصادروا مكتسبات ما قبل هذا الشر أيضاً.
إنَّ هذا اليوم هو يوم فرح وسرور، ولكن مع ذلك على المؤمن الحذر والاحتياط والانتباه؛ إذ أنَّ المؤمن فيه كمن خرج من الحمام وهو في غاية النظافة، ولا تحبذ الشياطين هذه الحالة؛ فتطلب غرته[١] ليرجعوه إلى فخاخها وشباكها.
هل علينا أن نفرح في يوم العيد؟!
وينبغي للإنسان أن يفرح في هذا اليوم بمقدار ما أحرز من تقدم إلى الله سبحانه وتعالى، وبمقدار ما اكتسب من النور في شهر رمضان، ومثل هذا النور كالنور الذي يكتسبه الحاج؛ إذ يبقى عليه هذا النور ما لم يحدث ذنباً، فإذا أذنب سلب من ذلك النور بمقدار ما أذنب، ثم يتقلص هذا النور بمقدار الذنوب حتى لا يبقى عليه من ذلك النور شيئاً، وكذلك الأمر في شهر رمضان، وقد عاش الجميع هذا النور ورأوا كيف كانوا يحيون ليالي القدر الثلاث إلى مطلع الفجر بالعبادة والصلاة وتلاوة القرآن وهم يستثقلون ركعتين مستحبتين في غيره من الشهور، ولم يكن ذلك إلا بفضل النور الذي رزقوه في هذا الشهر، وقد يحاول أحدنا أن يأتي بالأعمال التي كان يأتيها في شهر رمضان فلا يفلح؛ إذ أنه كان في ضيافة الله عز وجل، ولكن ينبغي لنا أن لا نيأس أبداً ونستعين بهذا النور لأيامنا القادمة في معركة الحياة.
وينبغي لنا أن نعيد صياغة أنفسنا من جديد منذ اليوم الأول من شهر شوال وحتى اليوم الثلاثين من شهر شعبان وليكن ذلك شعارنا، وكما قلنا في شهر رمضان: (اللهم اجعله خير شهر رمضان مر علينا)، وقد سمعنا من بعض المؤمنين أن شهرهم الأخير كان خيراً من الشهور التي سبقته، وهذه نعمة من الله عز وجل، وإنما نريد أيضاً أن تكون سنتنا الحالية خيراً من السنوات التي مرت علينا؛ بعداً عن الذنوب واقتراباً من الطاعة.
إنَّ المؤمنون يباركون لبعضهم البعض يوم العيد، وهذا أمر جيد، ولكن علينا أن نقف وقفة مع أنفسنا لنرى من أين أكلنا في السنة الماضية، أ من باب الشهوة أم من باب الغضب أم من باب البخل أم من أي باب آخر؟ لقد ارتكبنا في العام الماضي الذنوب العظام والصغار؛ فلنحاول في عامنا هذا أن نجتنب المعاصي بفضله ومنه.
لماذا جعل الله عز وجل يوم العيد، يوم شرف وكرامة لمحمد وآل محمد (عليهم السلام)؟
إنَّ يوم العيد مرتبط بالنبي محمد (ص) وآل محمد (ع)، وقد يسأل البعض عن سبب جعل العيد ذخراً وشرفاً وكرامة ومزيداً لمحمد وآل محمد (ع)، والجواب على ذلك: أنَّه لولا تضحيات الذين ذبوا عن شريعة النبي (ص) بداية من أمير المؤمنين (ع) وانتهاءً بولد المهدي (عج)؛ لما اجتمعنا اليوم في مسجد جدهم (ص)، إن صلاة عيدنا وصيامنا وحجنا وجميع عبادتنا؛ مرهونة ببركة محمد وآل محمد (ع)، وعلينا أن نعترف بحقهم في حفظ الدين وإيصاله إلينا، وإنَّ هذا اليوم هو ببركة دم الإمام الحسين (ع)؛ إذ لولا دمه الشريف ولولا حادثة عاشوراء لما بقي من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه، كما أنَّ هذا اليوم هو ببركة المبعث النبوي ومقتل أمير المؤمنين (ع) في محراب عبادته وتعذيب الإمام موسى بن جعفر (ع) في غياهب السجون، وكذلك سائر ببركة مجاهدة سائر الأئمة (ع).
ما أجمله ذلك اليوم!!
وليته يأتي ذلك اليوم الذي يأتي إمام العصر (عج) ويخطب بنا خطبة العيد بدل أن يخطب عبد عاص مثلي ويقف في مقام هو مقام الإمامة، وخطبة العيد التي تليق بإمام العصر (عج)، وعسى الله عز وجل أن يرينا تلك الطلعة الرشيدة، ونحن ننتظر ذلك اليوم الذي يأم فيه جموع المسلمين في المسجد الحرام.
محاولة الإمام الرضا (ع) إقامة صلاة العيد وفزع المأمون من ذلك..!
إنَّ معصوم من المعصومين وهو الإمام الرضا (ع) حاول أن يقيم صلاة العيد، وقد طلب المأمون منه ذلك؛ إذ أنَّه لم يكن يعلم كيفية صلاة العيد التي سيقيمها الإمام الرضا (ع)، تقول الرواية: (فَخَرَجَ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ قَصِيرٌ أَبْيَضُ وَعِمَامَةٌ بَيْضَاءُ لَطِيفَةٌ وَهُمَا مِنْ قُطْنٍ وفِي يَدِهِ قَضِيبٌ فَأَقْبَلَ مَاشِياً يَؤُمُّ اَلْمُصَلَّى وَهُوَ يَقُولُ اَلسَّلاَمُ عَلَى أَبَوَيَّ آدَمَ وَنُوحٍ اَلسَّلاَمُ عَلَى أَبَوَيَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ اَلسَّلاَمُ عَلَى أَبَوَيَّ مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ اَلسَّلاَمُ عَلَى عِبَادِ اَللَّهِ اَلصَّالِحِينَ فَلَمَّا رَآهُ اَلنَّاسُ أَهْرَعُوا إِلَيْهِ وَاِنْثَالُوا عَلَيْهِ لِتَقْبِيلِ يَدَيْهِ فَأَسْرَعَ بَعْضُ اَلْحَاشِيَةِ إِلَى اَلْخَلِيفَةِ اَلْمَأْمُونِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ تَدَارَكِ اَلنَّاسَ وَاُخْرُجْ وصَلِّ بِهِمْ وَإِلاَّ خَرَجَتِ اَلْخِلاَفَةُ مِنْكَ اَلْآنَ)[٢]، وكان الإمام الرضا (ع) ينسب نفسه للرسالات قلباً وقالبا.
إنَّ صلاة عيدٍ واحدة يقيمها المعصوم تهدد الخليفة بزوال ملكه، ثم تكمل الرواية: (فَحَمَلَهُ عَلَى أَنْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَجَاءَ مُسْرِعاً وَ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَعْدُ مِنْ كَثْرَةِ زِحَامِ اَلنَّاسِ عَلَيْهِ لَمْ يَخْلُصْ إِلَى اَلْمُصَلَّى)[٣]، لقد انكب الناس على مولانا أبي الحسن الرضا (ع)، ولو كان الإمام (ع) يغير الأمة بصلاة واحدة؛ فكيف به إذا أقام حدود الله عز وجل في الأرض، وأقام القصاص وأخذ الديات، وحكم بسيرة الأنبياء والمعصومين (ع).
إنَّ محنة زمان الغيبة من أشد المحن، ولابد للمؤمنين بالإكثار من الدعاء بتعجيل الفرج، فإن ذلك فرجهم لا فرجه فحسب، والدعاء للفرج ليست مسألة شخصية لكي يتمتع المرء بجمال الإمام (عج) وإنما الفرج فرج للأمة التي تعاني في غيبته من فقدان القائد.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- ينبغي للمؤمن أن يفرح في يوم عيد الفطر بمقدار ما أحرز من تقدم إلى الله سبحانه وتعالى، وبمقدار ما اكتسب من النور في شهر رمضان، ومثل هذا النور كالنور الذي يكتسبه الحاج؛ إذ يبقى عليه هذا النور ما لم يحدث ذنباً، فإذا أذنب سلب من ذلك النور بمقدار ما أذنب.