- ThePlus Audio
حول قوله سبحانه: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ)
بسم الله الرحمن الرحیم
علاج النظر من القرآن الكريم؛ غض البصر
إن القرآن يقدم لنا حلا للخلاص من آفات النظر المحرم، بقوله: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ)[١]. وقد وقع بحث بين علماء التفسير حول المراد من غض البصر. ولا داعي للخوض في التفاصيل ولكن ما يفهمه هذا العبد الفقير – إننا عندما نصل إلى تفسير القرآن الكريم، نقول: هكذا نفهم احتياطاً لئلا نكون ممن فسر القرآن برأيه – أن الإنسان له ثلاثة مواقف أمام الحرام ينجي بها نفسه؛ سواء كان حقيقة أو إلكترونياً. أولا؛ إغماض العين. فأسهل شيء يمكنك فعله أن تطبق الجفن على الجفن. وهذا ممكن لك أن تغمض عينيك أمام التلفاز فيما لو ظهرت أمرأة كذائية أو صورة غير مناسبة.
وهذه الثواني الأولى لا حساب عليك فيها أبداً؛ بل أقول لك سراً: قد تمر أمام المؤمن إمرأة عارية أو صورة لها؛ فعندما يغض البصر سوف لن يجد في قلبه ظلمة بل سيجد نوراً. إنه رأى الحرام لثواني معدودة أو أقل من الثانية؛ فغض البصر وصرف وجهه ولذلك لا يرى كدورة في باطنه أبداً، وبعد لحظات سينسى تلك الصورة بفضل الله عز وجل؛ لئن الأولى لك ولكن الثانية عليك. فبمجرد أن تطلق النظر وتنظر الثانية والثالثة فسوف يزيغ قلبك وهذه من الألطاف الإلهية بالمؤمنين.
ثانيا؛ أن تطرق برأسك إلى الأرض. فإذا مرت أمامك امرأة ولم يمكنك غمض البصر لأن ذلك يلفت النظر وقد يتسائل الناس ما به؟ فاعلم أن رقبتك بيدك وجمجمتك طوع أمرك. فوجه هذا الرأس إلى الأرض وتنتهي المشكلة.
ثالثاً؛ غض البصر. لقد كنت أبحث عن كلمات العلماء فرأيت كلمة للمرجع الكبير السيد أبوالقاسم الخوئي حول هذه الآية يقول فيها: أن لا يبالي ولا يتفاعل قلبه مع ما يراه. فقد تكون في ظرف لا يمكنك فيه الإطراق ولا الإغماض؛ فوسع من زاوية البصر وانظر إلى المنظر عموماً ولا تحدق فيها ولا تركز عليها. بإمكانك أن تركز على شمالها فلا تلتفت. ولهذا قد يكون أحدنا مذهولاً في مصيبة أو في واقعة ألمت به؛ فيمر عليه من يسلم عليه فلا يجيب السلام؛ فيعاتبه لاحقا ويقول له: إنك لم ترد علي السلام في اليوم الفلاني، فيقول له: بالله والله وتالله ما رأيتك ولا سمعتك. إن بني آدم لهم هذه القدرة على غض البصر. إن الذي هو مذهول بالعالم الآخر وبالخوف من الله عز وجل وبحبه؛ لا يلتفت إلى امرأة تمر من أمامه.
إنني أنقل لكم قصة واقعية. كنا ذات يوم في سفرة إلى دولة من هذه الدول التي يغلب فيها الحرام، وقد اصطحبنا أحد المؤمنين معنا لظرف ما وكان يخرج من بلاد الإيمان لأول مرة، ومن مدينة محافظة إلى مدينة كذائية. قلت له: يا فلان كيف حالك وأنت ترى ما ترى؟ قال: إنني لم أر شيئا ملفتاً، إنني في عالم آخر. إن المؤمن قد يصل إلى هذه الدرجة حيث يرى العاصين فيها كالبهائم.
ما هو المراد من حفظ الفرج؟
إن الله سبحانه يقول: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)[٢]؛ وحفظ الفرج في القرآن الكريم كناية عن عدم ارتكاب الزنا، وتذكر الروايات أن حفظ الفرج يكون من النظر أيضاً؛ أي لا تنظروا إلى هذه العورة. قبل عشرات السنين لم يكن ممكناً أين يرى الإنسان عورة الأجنبي؛ ولكن في هذه الأيام قد وقعت الواقعة. إن هؤلاء أشباه بني آدم يخرجون كالبهائم بلا ساتر في يوم من أيام السنة، وعندما تنظر إليهم من بعيد كأنهم قطيع من الغنم وهذا ما وصلت إليه الحضارة الحديثة.
علة قلة الطلاق بين المؤمنين الحقيقيين
ثم يقول سبحانه: (ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ)[٣]؛ فليس الحديث عن العقوبة وإنما هذا الغض هو أزكى لك وسيبقى قلبك نظيفاً. لماذا المؤمن لا يطلق؟ أعني المؤمن الذي له وزنه. إن من موجبات عدم الانصراف عن الزوجة أنه لم تكن له علاقة بالأخريات من النساء بخلاف الفاسق الفاجر الذي رأى العشرات وتذوق العشرات قبل الزواج. وذلك عندما يتزوج لا يرى شيئا جديداً، فهو قد رأى من هي أجمل وعاشر من هي أجمل بالحلال أو الحرام، ولهذا لا يعجب بهذه المسكينة. فإن زوجت ابنتك مؤمناً فقد ضمنته لأن له قلب زكي.
إن الذكور هم نصف المجتمع والإناث هن النصف الآخر. والمثير بينهم هي الأنثى؛ فهي الطرف التي تثير الرجال؛ ولهذا الآية تكرر الأمر بالغض وحفظ الفرج بصيغة الأنثى، وهو قوله سبحانه: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)[٤]؛ فلابد من إلتزام من الطرفين.
أيتها المرأة العاقلة..!
ثم تقول الآية: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ)، وهذا حديث ذو شجون. إنني أوجه كلامي إلى النساء العاقلات لا المؤمنات فحسب. وما أجمل أن تتزين المرأة لزوجها فتعينه على العفة. وقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى اِمْرَأَةٍ تُعْجِبُهُ فَلْيَلْمَسْ أَهْلَهُ فَإِنَّمَا هِيَ اِمْرَأَةٌ كَامْرَأَةٍ)[٥]. والمرأة عندما تزين وجهها في المرآة فهي في حال عبادة؛ فكأنها تصلي ولو استغرق ذلك ساعة وهي ترتب نفسها أو تستحم وتتزين وتلبس الحلي إلى آخر ذلك؛ فبعض أنواع الزينة بحاجة إلى مدة طويلة.
طرد طالبة من الصف بسبب زيها غير المحتشم
ولكن أيتها العاقلة، لماذا تتزينين للأجنبي؟ وخاصة المتزوجة. إنك قد تزوجتي وأنجبتي وأنت صاحبة أسرة فما الحكمة في هذه الحركة أي إغراء الرجال؟ إن هذا الرجل إذا أعجب بك وثارت غريزته ثم نظر إليك نظرة شهوية على ماذا ستحصلين؟ لقد سمعت أحد المتخصصين من أساتذة الجامعة في دولة أجنبية طرد من الصف طالبة في زي غير لائق ومبالغ فيه في عدم الاحتشام، فذهبت واشكت عليه عند الإدارة. وعادة في الدول الأجنبية يكون هذا الأمر طبيعي حيث لا يعد ذلك حراماً بل مرغوباً. فقالت لهم: إن هذا الأستاذ طردني من الحصة لهذا الزي.
فاستجوب وسئل عن علة فعله ذلك؟ فأجاب بجواب مقنع خلصه من المسائلة. إنه لم يتل عليهم قوله سبحانه: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ)، وإنما قال: أن هذه المرأة منذ أن دخلت إلى الصف وعين هؤلاء الشباب عليها فنزل مستوى التحصيل وتضرر الجانب العلمي الأكاديمي، فطردتها لذلك.
جرائم يرتكبها السافرات كل يوم
إن المرأة الفاتنة السافرة المتزينة؛ ترتكب جريمة علمية في الجامعة وجريمة أخلاقية في الأسواق. إن الشاب الأعزب يرى هذه المناظر المثيرة فلا يجد طريقا إلى الحلال فيرتكب الفاحشة. ثم تأتي هذه المسكينة يوم القيامة، ويقال لها: خذي سهمك من زنى فلان وفلان. كما روي ما يشبه ذلك عن الباقر (ع) حيث قال: (يُحْشَرُ اَلْعَبْدُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ وَمَا نَدَا دَماً فَيُدْفَعُ إِلَيْهِ شِبْهُ اَلْمِحْجَمَةِ أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ فَيُقَالُ لَهُ هَذَا سَهْمُكَ مِنْ دَمِ فُلاَنٍ فَيَقُولُ يَا رَبِّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّكَ قَبَضْتَنِي وَمَا سَفَكْتُ دَماً فَيَقُولُ بَلَى وَلَكِنَّكَ سَمِعْتَ مِنْ فُلاَنٍ رِوَايَةَ كَذَا وَكَذَا فَرَوَيْتَهَا عَلَيْهِ فَنَقَلْتَ عَلَيْهِ حَتَّى صَارَتْ إِلَى فُلاَنٍ اَلْجَبَّارِ فَقَتَلَهُ عَلَيْهَا وَهَذَا سَهْمُكَ مِنْ دَمِهِ)[٦]
ولذلك تأتي هذه المرأة يوم القيامة وتقول: يا رب، إنني محصنة وما زنيت قط. فيقال لها: نعم ما زنيت ولكن بهذا التبرج أثرت شهوة الرجل فارتكب حراماً وهذا سهمك. والمتبرجة عشرين أو ثلاثين عاماً كم تجمع من الوزر على ظهرها؟
ثم يقول سبحانه: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)[٧]؛ وعندما يصل البعض إلى هذه الآية، يقول: انظروا إلى دين الواقعية. إن ما ظهر منها مفسر بالوجه والكفين. وأجمل الزينة في المرأة وجهها وإلا فأين زينة الوجه من ساعة على اليد؟ والفتاوى المعروفة عندنا تستثنى الوجه والكفين. بالطبع إن المرأة غير ملزمة بذلك، وقد خفف عنها رب العالمين؛ إلا أن على الرجل أن يغض بصره ولا ينظر بشهوة أو بريبة.وهناك بعض الفتاوى التي تستثني الكحل والخاتم من باب أنها زينة ظاهرة.
ثم تقول الآية الشريفة في نهايتها: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[٨]؛ فلا تقل:
أَنا الغَريقُ فَما خَوفي مِنَ البَلَلِ
إنني لا أريد أن أبشر العاصين ولكنني أبعث الأمل في نفوسهم؛ إن القاتل عليه دفع الدية والسارق عليه إرجاع المال والهاتك عليه جبر الأمر، ولكن الذي نظر إلى الحرام عشرين سنة لم يقتل إنساناً ولا سرق مالاً ولا هتك أحداً؛ فلو قال في جوف الليل: يا رب أستغفرك وأتوب إليك مرة واحدة لكانت تكفيف. طبعا بشرط عدم الاستهزاء بالتوبة. إن سورة النور هي سورة العفاف والتقوى، ولذلك تقول الآية التي تلي هذه الآية: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى)[٩]؛ فالذي يخاف على ولده من الحرام ليستعجل في تزويجه، ولا يتذرع بالجامعة أو بالدراسة أو بقلة المال، إن الله سبحانه يقول: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه). ولو أن حاكم البلد ضمن رزقهما هل كنت تتردد؟ بالطبع لا. إن رب الأرباب ضمن لك ذلك فلا تتردد في هذا الأمر أبداً. وهنيئا لمن خرج من الدنيا وقد سلمت عينه، وكا يروى: (غُضُّوا أَبْصَارَكُمْ تَرَوْنَ اَلْعَجَائِبَ)[١٠].
أختم حديثي هذا بوقفة إيمانية: إن من غض بصره يرجى أن يرى بعين الله وبنور الله، فقد يرى هذا الإنسان شيئا من أسرار ما وراء الطبيعة كما كشف الله لبعض الصالحين من أوليائه.
خلاصة المحاضرة
- قد تمر أمام المؤمن إمرأة عارية أو صورة لها؛ فعندما يغض البصر سوف لن يجد في قلبه ظلمة بل سيجد نوراً. إنه رأى الحرام لثواني معدودة أو أقل من الثانية؛ فغض البصر وصرف وجهه ولذلك لا يرى كدورة في باطنه أبداً، وبعد لحظات سينسى تلك الصورة بفضل الله عز وجل.
- إذا مرت أمامك امرأة ولم يمكنك غمض البصر لأن ذلك يلفت النظر وقد يتسائل الناس ما به؟ فاعلم أن رقبتك بيدك وجمجمتك طوع أمرك. فوجه هذا الرأس إلى الأرض وتنتهي المشكلة..!
- قبل عشرات السنين لم يكن ممكناً أين يرى الإنسان عورة الأجنبي كما اليوم؛ إن في زماننا هذا قد وقعت الواقعة. إن هؤلاء أشباه بني آدم يخرجون كالبهائم بلا ساتر في يوم من أيام السنة، وعندما تنظر إليهم من بعيد كأنهم قطيع من الغنم وهذا ما وصلت إليه الحضارة الحديثة.
- أيتها العاقلة..! لماذا تتزينين للأجنبي؟ وخاصة المتزوجة منكن. إنك قد تزوجتي وأنجبتي وأنت صاحبة أسرة فما الحكمة من إغراء الرجال وإثارتهم؟ إن هذا الرجل إذا أعجب بك وثارت غريزته ثم نظر إليك نظرة شهوية على ماذا ستحصلين؟
- إن المرأة الفاتنة السافرة المتزينة؛ ترتكب جريمة علمية في الجامعة وجريمة أخلاقية في الأسواق. إن الشاب الأعزب يرى هذه المناظر المثيرة فلا يجد طريقا إلى الحلال فيرتكب الفاحشة. ثم تأتي هذه المسكينة يوم القيامة، ويقال لها: خذي سهمك من زنى فلان وفلان.