- ThePlus Audio
تقوية المناعة الروحية في شهر رمضان المبارك
بسم الله الرحمن الرحيم
الحلال صار حراما في هذا الشهر
هنالك تعابير مشتركة في ثلاثة أبواب من أبواب الفقه؛ في الحج، وفي الصلاة، وفي الصيام. فهناك تروك الإحرام التي ينبغي أن يعلمها الحاج، وهي: أن يترك الأمور الني كانت محللة عليه من الطيب والنساء والادهان وقلع الشجر والصيد، وإلى آخره من الأمور المعروفة. أما إذا كبر المؤمن تكبيرة الإحرام؛ فينبغي أن يراعي المبطلات أكلاً وشرباً والتفاتا عن القبلة، وإلى آخره من الأمور الماحية لصورة الصلاة، وهي أمور مفصلة في كتب الفقه.
أما بالنسبة إلى الصيام فهناك المفطرات التي يعرفها الصائمون. ففي الصلاة والصيام والحج؛ نجد أن الله سبحانه قيدنا بمجموعة من القيود التي قد تكون محلل الإتيان بها في غير هذه الحالات والأيام. فالاستمناء مثلا محرم دائما؛ ولكن الأكل والشرب هما قوام الحياة. فما كان حلالاً في غير شهر رمضان صار حراما فيه. والتطيب مستحب عند الصلوات وغيرها؛ ولكنه في الإحرام حرام عليك؛ حتى لو كنت في حال الصلاة. فما كان حلالاً صار حراماً، وما كان مستحباً صار حراماً، وما كان حراماً ازدادت حرمته وأصبح يترتب عليه كفارة في شهر رمضان المبارك.
فرملة النفس في شهر رمضان
ويُمكن القول أن الترك والمبطل والمفطر اصطلاحات مؤداها أمر واحد وهو: فرملة النفس. إن الإسلام يريد من الحاج والمعتمر أن يمتلك القدرة، وأن يقول لنفسه: لا، فلا يحك جلده، ولا يتدهن وهو بحاجة إلى ذلك، ولا ينظر في المرآت إلى وجهه. إنه يريد أن يقول لك أيها الحاج: كن بطلاً، وكن قوياً؟ فأنت عندما تقول في مسجد الشجرة: لبيك اللهم لبيك؛ فلابد أن تكون على مستوى هذه التلبية. كن شجاعاً ومقاوماً إلى أن تتحلل من ثوبي الإحرام.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى المصلي؛ فهو يقول: الله أكبر ويبتعد عن جميع المبطلات الصلاتية؛ بل إن البعض من العلماء لا يجيز ترك الصلاة اختياراً بلا سبب؛ فعليك أن تكمل الصلاة. وهو الأمر نفسه في شهر رمضان المبارك حيث يجاهد المرء نفسه ويغالب هواه.
إن رب العالمين يريد منا أن نأخذ دورة تربوية، وأن يقول كل واحد منا لنفسه: لا. إنني أسأل بعض المدخنين ممن يدخن بشراهة، وأقول له: كيف تصوم وهذا حالك؟ يقول: إنه أمر الله عز وجل أولا، وثانيا: إنني منصرف عنه طوال النهار، فإذا حل وقت الإفطار يعود إلى عادته. ما هذه القدرة التي يمتلكها الصائم؟
الصيام طوال السنة
إنه لولا اللطف الإلهي بعباده لأمرنا بالصيام طوال العام. إنه رب الأرباب والأمر بيده وكما أن أحدنا لا يموت في شهر رمضان المبارك من الصيام؛ فلن يموت طوال السنة، وقد روي: (صُومُوا تَصِحُّوا)[١]. إلا أن رب العالمين يريد منا أن نتدرب، وأن نأخذ دورة تربوية قصيرة؛ فأنت في موسم الحج الذي ليس إلا أياما معدودة، وفي العمرة من المدينة إلى مكة وأنت محرم، وفي شهر رمضان من الصباح إلى الليل، وفي الصلوات في هذه الدقائق الصلاتية قد صرت بطلاً قوياً، واستطعت أن تمنع نفسك من أقرب الأمور إلى وجودك كالطعام والشراب بغض النظر عن سائر الأمور التي قد لا تبتلى بها كالكذب على الله ورسوله. إن الطعام والشراب أمر لصيق بوجود الإنسان؛ فإذا لم يأكل الإنسان لأيام يموت.
استثمار الشهر لما بعده
ولكن لماذا لا تستثمر هذه القوة الباطنية بعد شهر رمضان؟ لماذا ترجع إلى حالة الضعف والانهيار؟ لقد دخلت إلى مشهد من المشاهد التي كانت تكتظ بالمحيين لليالي القدر؛ فقلت في نفسي: أين الذين كانوا يحيون ليالي القدر في هذه الليلة؟ ترى الجميع يلهج بالدعاء من الليل إلى الصباح في الليلة الثالثة والعشرين؛ ولكنهم في الليلة اللاحقة ليلة الرابع والعشرين يتراجعون تدريجيا؛ بل فجائيا عند البعض، وكأنه لم يحي ليلة القدر. بل البعض ينتهي شهر رمضان المبارك؛ فيبيع جميع جواهره في اليوم الأول من العيد. إنه يخسر كلما أعطي طوال الشهر من الجواهر واليواقيت. ففي اليوم الأول من العيد تخرج المرأة متبرجة والرجل ينظر إلى الحرام وكأنه تخلص من ثقل كان على كاهله. سل الله عز وجل أن يبقي لك هذه القوة المستفادة من الحج والعمرة والصيام ومن الصلاة؛ فأنت بحاجة إلى هذه القوة دائما.
الصيان هو المضاد الحيوي المعنوي
إذا أعطي الإنسان جرعة من المضاد الحيوي أو كمية من الكريات البيضاء المانعة من الأمراض؛ فعليه أن يبقي ذلك في بدنه ولا يفرط بها. إن شهر رمضان المبارك هو شهر المقاومة وشهر اكتساب هذه المناعة الروحية الباطنية كما نأخذ مضاداً حيوياً لتقوية الجسم في عالم الأبدان. إن هذا الشهر هو الجرعة التي تعيننا على مقاومة الحرام.
والأغرب والأنكى من ذلك أن يفقد الإنسان هذه الجرعة في شهر رمضان. فهو ممن من الصباح إلى المغرب ملتزم صائم؛ ولكنه في الليل الطويل يسهر، وإذا بيده تزيغ ويذهب إلى مشاهدة المناظر والمواقع المحرمة. أليس هذا من موجبات الحسرة والأسف؟ فهو في كل يوم يبني بناء وفي الليل يهدمه، كما قال سبحانه: (كَٱلَّتِي نَقَضَتۡ غَزۡلَهَا مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٍ أَنكَٰثٗا)[٢].
خلاصة المحاضرة
- من المؤسف أن البعض بدل أن يجمع المكتسبات المعنوية في شهر رمضان المبارك ليتقوى بها على سائر الشهور؛ نراه يفقدها في الشهر نفسه. فتراه صائما في النهار وزائغا في الليل يتقلب بين المواقع والقنوات المحرمة بحثا عن الصور والأفلام.