- ThePlus Audio
تعرف على موجبات الاستجابة وموانعها
بسم الله الرحمن الرحيم
أماكن الاستجابة وأزمنتها
من الأمور التي نهتم بها جميعا هي التعرف على موجبات استجابة الدعاء والأماكن والأزمنة المناسبة لطلب الحاجة. وكل واحد منا له حوائجه للدنيا أو للآخرة أو لكليهما. من هذه الساعات؛ ساعة نزول المطر، ومنها ساعة قُبيل المغرب ومنها الدعاء جماعيا. ولهذا نطلب من المؤمنين عندما ندعو الله بأمن يجيب وبدعاء الفرج، أن يقولوا: يا الله، عشر مرات بتوجه؛ فمن الممكن أن يستجاب دعائنا بوجاهة أحدنا، وننعم بالاستجابة ببركته، ونحن لا نعلم من هو ذلك الوجيه عند الله. لقد أخفى الله الوجيه بين عباده، ولهذا أُمرنا أن لا نحتقر أحداً من العباد، فلعله هو الولي وأنت لا تعلم.
ونرى حثا على التواجد في مواطن الاستجابة وفي أزمنة خاصة كليلة القدر، وليلة الإحياء في عرفة، وصلاة العيدين، وصلاة الجماعة؛ لأنها من مضان الاستجابه. وقد روي عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: (إِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ اَلْمُؤْمِنِينَ كُلَّ عَبْدٍ دَعَّاءٍ فَعَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ فِي اَلسَّحَرِ إِلَى طُلُوعِ اَلشَّمْسِ فَإِنَّهَا سَاعَةٌ تُفَتَّحُ فِيهَا أَبْوَابُ اَلسَّمَاءِ وَتُقَسَّمُ فِيهَا اَلْأَرْزَاقُ وَتُقْضَى فِيهَا اَلْحَوَائِجُ اَلْعِظَامُ)[١].
ساعة بين الطلوعين وأهميتها
ومن الساعات؛ ساعة بين الطلوعين التي تُقسم فيها الأرزاق. وقد يقول قائل: إنني استيقظت بين الطلوعين فما استجيب لي. فأقول: أولاً، ينبغي المداومة على العمل، فلا تتوقع النتائج ليوم من الأيام قُمت بالعمل تأثر بحديث سمعته؛ فجلست بين الطلوعين. إن بعض الأمور متوقفة على الاستمرارية وأن يكون ديدنك الاستيقاظ بين الطلوعين.
الولد والزوجة الصالحة من أعظم الرزق
ثانيا: عندما تتحدث الروايات عن الرزق؛ ينصرف بال الكثير من الناس إلى جيبوبهم وما يحملونهم من هذه الأوراق النقدية، والحال أنها أدون الرزق وأقله. إن من أعظم الرزق الذرية الصالحة. هل ينفعك مالك في القبر؟ هل ينفعك أنك تملك رصيدا في المصارف يقدر بالملايين؟ ولكنك تنتفع بدعوات ولدك الصالح؛ فهو الرصيد المستمر والصدقة الجارية بعد موتك. ومن الرزق الحسن الزوجة الصالحة.
إن أمير المؤمنين (ع) على عظمته كان الذي يكشف عنه الهموم؛ نظره إلى الزهراء (ع) عندما كان يأتي إلى المنزل. إن النبي الأعظم (ص) كان يجلس مع السيدة أم المؤمنين خديجة (س) فتخفف آلامه. ومن الطبيعي أن يطلب المؤمن الزوجة الصالحة التي تريحه وتكون على شاكلته وعلى هواه؛ لا أن يلوذ من أذى الخلق إلى المنزل؛ فتزيده زوجته عذاباً إلى عذابه.
ومن الرزق التوفيق في العبادة. إنني عندما أزور حرما ولا أرى فيه إقبالاً؛ فذلك اليوم يوم حزين. فيبدو أن الإمام ما استقبلك استقبالاً حاراً، والشاهد أنك دخلت منغلق القلب وخرجت كما دخلت. إنك لم تزر في تلك الحالة وإنما زار جسدك؛ فهو الذي لامس الضريح وأصبح تحت القبة. إن زيارة الحسين (ع) مقترنة بالإقبال والراحة الباطنية؛ فإن حرمتهما فقد حُرمت الزيارة. إنك إن خسرت مالا وفيراً في يوم من الأيام ودخلت الحرم وتوجهت بالزيارة؛ فأنت مرزوقٌ في ذلك اليوم ولا تقل: اليوم خسرت شيئا، او توقفت معاملتي، فمعاملتك مع الإمام قد مشت، وهذا يكفي.
ساعة رقة القلب وقربها من الاستجابة
ومن ساعات الاستجابة التي لا ترتبط بمكان ولا زمان خاص؛ هي الساعة التي تعتريك رقة في القلب. وقد تكون عندها في الحمام مثلا أو في ليلة الزواج أو ما شابه ذلك من الأمكنة والأزمنة؛ فإذا رق قلبك وجرت دمعتك فدونك دونك فقد قصد قصدك. وبين القلب والعين علاقة تفاعلية؛ فإذا رق قلبك؛ جرت دمعتك. يتفق أن تكون لبعض المؤمنين دمعة غزيرة؛ فتجري دموعه على خديه، وتتجاوز الخدين إلى العنق ومن ثم إلى القلب إن كان له ثوب فضفاض مثلا. ماذا تفعل هذه الدمعة التي وصلت إلى القلب الظاهري؛ بقلبك الباطني؟ إنها رقة مغتنمة.
اغتنم فرصة حضورك في المجلس الحسيني
ومن الأماكن التي يرق فيها القلب أكثر من غيرها؛ الجلوس تحت منبر الحسين (ع). فإذا سمعت المصيبة، وجرت دمعتك في نهاية المجلس وقال الخطيب على عجالة وإدبار منه: أمن يجيب؛ لا تكن أنت من المستعجلين واغتنم هذه الساعة. خذ زاوية بعد المنبر واسجد لله سبحانه وإذا كنت في مسجد، صل لله ركعتين، وإذا كنت في حرم الحسين (ع) بادر إلى الضريح واشك بثك وحزنك عند الإمام (ع)، وفرغ عنده همومك وما يعتلج في صدرك. اقلب هذه الدمعة الولائية الحسينية إلى دمعة إلهية وناج الله عز وجل، ولا تحرق هذه البطاقة التي لن تحصل عليها بسهولة.
لو جمعت دموعك التي جرت طوال السنة في قارورة؛ لملأت تلك القارورة. متى يبكي الناس عادة؟ إنهم يبكون عندما يموت لهم ولد أو يقعون في مصيبة، ولكننا بحمدالله طوال العام لنا دمعة ثرية يُمكن استثمارها في القرب إلى الله عز وجل ونيل الجوائز منه.
ساعة الإدبار بعد الإقبال وآثارها المخيفة
ولكن هناك موانع للاستجابة لا بأس أن نقف على بعض منها. من هذه الساعات؛ ساعة الإدبار بعد الإقبال. فإذا زرت الإمام الحسين (ع) مثلا بتوجه ثم خرجت من الحرم ونظرت نظرة مريبة على باب الحرم، ألا تستحق العتاب والعقاب؟ أما تستحي من المولى الذي كنت في حرمه قبل قليل وأنت الآن تنظر نظرة مريبة محرمة؟ إنها مضان الانتقام الإلهي. ولكن كيف ينتقم منك؟ قد ينتقم منك بسلب حب الزيارة منك. إن بعض الناس هم قريبون إلى كربلاء ولكنهم لم يزوروا الإمام (ع) منذ سنوات، وكلما أراد أن يزور يرى في قلبه إعراضاً.
من مدعي المقامات إلى تارك الصلاة…!
لقد سمعت عن أحد الشباب، أن الله أنعم عليه فصار صاحب إقبال وتوجه، ووصل إلى بعض المقامات التي كنت شاهداً لها. إلا أنني فقدته بعد فترة وغاب عني مدة من الزمن، فاتصلت به ذات يوم وقلت له: يا فلان، أين أنت؟ فقال: الأفضل ألا تراني؛ فأنا أصبحت سيئا جداً. أثار بذلك عندي الفضول، وقلت له: أريد أن أراك لتخبرني بما جرى. وعندما التقيته، قال لي: يا فلان، بعد هذا الإقبال، وهذا التوفيق، والمجاهدات؛ ارتكبت بعض المعاصي؛ فأنا الآن أقف على السجادة لأقول: الله أكبر، فأشعر كأن يدا تدفعني عن الصلاة.
لقد حُرم بإدبار بعد إقبال حتى الصلاة الواجبة، بعد أن كان يدعي المكاشفات. وهذه سوء العاقبة أجارنا الله من مثلها؛ ناهيك عن الانحراف العقائدي الذي يصيب البعض من المؤمنين. وليس الإنسان في أمان أبداً، وينبغي أن يسأل الله حسن العاقبة كثيرا، وخاصة في زماننا هذا؛ حيث الانتكاسات الكثيرة.
ألسنا نقرأ في التاريخ؛ أن بعض أصحاب أمير المؤمنين (ع) الذين قاتلوا في ركابه وجُرحوا في بعض حروبه؛ شركوا في قتل الحسين (ع). لقد كان منهم من كان في صفين مع أمير المؤمنين (ع) وأصبح من قتلة الحسين (ع) في يوم عاشوراء. فلا تغتر بما أنت عليه الآن من الخير، فلست بضامن غدك وما بعده.
من موجبات عدم العجب
ولهذا يُقال: أن من موجبات عدم العجب؛ الجهل بالخواتيم. فإن جائك الشيطان يوسوس لك ويقول: ما شاء الله، أنت موفق، وأنت كذا وكذا، فقل له: يا أبا مرة، إنني لا أعلم خواتيم عملي، فاغرب عن وجهي. ألم يمنح الله سبحانه بلعم بن باعورا ما منحه ووصل إلى مقام عظيم، وصار آية الله في الأرض، ولكن كان عاقبته أن وصفه الله سبحانه في كتابه قائلا: (فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ ٱلۡكَلۡبِ إِن تَحۡمِلۡ عَلَيۡهِ يَلۡهَثۡ أَوۡ تَتۡرُكۡهُ يَلۡهَث)[٢].
ليكن خوفك من الإدبار؛ كفرحك بالإقبال…!
والمؤمن بمقدار ما يفرح بالإقبال؛ يخاف من الإدبار أيضا. ولهذا عندما تزور الحسين (ع) وتجري دمعتك، قل عند وداعه: يا أبا عبدالله، احفظ لي حالتي هذه، فأنا لست فرحاً بهذا الإقبال وبهذه الدمعة على باب الحرم؛ لأنني لا أدري الشيطان ماذا قد دبر لي من المكائد، ولا ننسى ما نقرأ في الدعاء: (وَأَشَدُّ اَلْمُعَاقِبِينَ فِي مَوْضِعِ اَلنَّكَالِ وَاَلنَّقِمَةِ)[٣].
اجتنب الانتقام بكثرة الاستغفار وعدم الإصرار
وابتعد عن المعاصي جميعها خصوصا في شهر رمضان المبارك التي تُحصى فيه كل معصية وكذلك الأمر في العمرة وفي الطواف، وإلى آخره. واعلم أن تكرار المعصية؛ معصية كبيرة؛ فكما روي عن النبي الأكرم (ص): (لاَ كَبِيرَةَ مَعَ اِسْتِغْفَارٍ وَلاَ صَغِيرَةَ مَعَ إِصْرَارٍ)[٤]. إن الإصرار على الصغائر يجعل الإنسان في مضان الانتقام. فقد يأتينا شاب ويقول: إنني لا أشرب الخمر، ولا أزني؛ ولكنني مدمن على المواقع الكذائية[٥]، وهذا يوجب الانتقام. ولذلك ينبغي أن تكون ألسنتنا دائما لهجة بالاستغفار؛ لئلا يحل علينا الانتقام.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- عندما تتحدث الروايات عن الرزق؛ ينصرف بال الكثير من الناس إلى جيبوبهم وما يحملونهم من هذه الأوراق النقدية، والحال أنها أدون الرزق وأقله. إن من أعظم الرزق الذرية الصالحة. هل ينفعك مالك في القبر؟ هل ينفعك أنك تملك رصيدا في المصارف يقدر بالملايين؟ ولكنك تنتفع بدعوات ولدك الصالح.
- اعلم أن تكرار المعصية؛ معصية كبيرة؛ فكما روي عن النبي الأكرم (ص): (لاَ كَبِيرَة مَع اِستِغفار وَلا صَغيرة مَع إِصرار). إن الإصرار يجعل الإنسان في مضان الانتقام. يأتينا شاب ويقول: إنني لا أشرب الخمر، ولا أزني؛ ولكنني مدمن على المواقع الإباحية وهو غافل عن أن هذا يوجب الانتقام.