تعرف على المغضوب عليهم حتى لا تكون منهم

بسم الله الرحمن الرحيم

كيف لا نكون من المغضوب عليهم؟

لقد ورد في سورة الفاتحة التي تُعرف بسبع المثاني قوله تعالى: (ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ * صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ)[١]. لم تُحدد الآية أن هذا الصراط هو صراط العلماء أو صراط الذين تعلموا وقرأوا الكتب؛ وإنما تذكر لنا أنه صراط الذين أنعم الله عليهم. وقد يُنعم الله عليك ويفتح لك باب من العلم إما بالطرق العادية كأن يسهل لك سبيل الذهاب إلى حوزات العلم، وإما بالطرق غير الطبيعية كأن يؤتيك الحكمة. هذا ونحن نرى في بعض المجتمعات إن وقع نزاع بين اثنين – ولو عالمين – يقال: اذهبوا إلى فلان الحكيم لأن كلامه مؤثر، ويعلم كيف يتكلم. وما ذلك إلا لأنه قد أعطي شيئا في هذا الباب: (وَمَن يُؤۡتَ ٱلۡحِكۡمَةَ فَقَدۡ أُوتِيَ خَيۡرٗا كَثِيرٗا)[٢].

فإن لم ينعم الله عليك؛ فثق أنك في خانة هؤلاء الضالون المغضوب عليهم. ولكن من هو الضال ومن هو المغضوب عليه؟ لقد ورد في بعض التفاسير؛ أن الضالين هم النصارى واليهود هم المغضوب عليهم الذين وصفهم الله سبحانه بأنهم أشد الناس عداوة للمؤمنين. ثم إن عذاب الضال أقل من عذاب المغضوب عليه؛ فالضال قد يمن الله عليه بالنجاة لأنه تائه، ولكن لا أمل في الشفاعة لمن غضب الله عليه. والمغضوب عليه هو الذي يسوق الناس إلى الضلالة. إن الشاب المراهق الذي يبحث في جوف الليل في المواقع الفاسدة والمفسدة هو تائه؛ ولكن مؤسس هذه المواقع والمروج لها، وكل من يسن سنة باطلة هو مغضوب عليه.

كيف نعرف أن درجة المغضوب عليهم أسوء من درجة الضالين؟

يقول سبحانه: (وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِٱلۡكُفۡرِ صَدۡرٗا فَعَلَيۡهِمۡ غَضَبٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ)[٣]. إن من لم ينعم الله عز وجل عليه؛ يُصبح تائهاً، واستمرار التيه والضلال يُحوله إلى إنسان مغضوب عليه ومن حل عليه الغضب الإلهي فقد هوى، وهذه درجة ينبغي أن يخشى منها حتى العلماء. إن من كان في أعلى درجات الصلاح ومن أمضى خمسين سنة في الخير ومن آتاه الله الاسم الأعظم كبلعم بن باعورا هو معرض للغضب الإلهي إن ما عن الصراط المستقيم. يقول سبحانه: (وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱلَّذِيٓ ءَاتَيۡنَٰهُ ءَايَٰتِنَا فَٱنسَلَخَ مِنۡهَا فَأَتۡبَعَهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ)[٤].

وليس بلعمٌ هذا ببدع من العلماء؛ ففي التأريخ نجد الكثير من أشابهه. إن بعض من شهد صفين في ركاب أمير المؤمنين (ع)؛ أصبح فيما بعد من قتلة سيد الشهداء (ع). ونحن في عمرنا القصير هذا؛ قد رأينا النماذج ممن كان لا يُحتمل في حقه أي خطأ وإذا به يصبح في زمرة الكفر والكفار والمنافقين. فينبغي أن ننتبه إلى هذه القضية الخطيرة.

هل تعلم أن الله يتحدث معك أثناء قراءتك الفاتحة في الصلاة؟

لقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال في حديث قدسي: (قَالَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَسَمْتُ فَاتِحَةَ اَلْكِتَابِ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي فَنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي)[٥]. ولكن كيف تكون الفاتحة مقسمة؟ إذا كشف لك الغطاء لرأيت عجباً. ولكن ليس كل من يتلو الفاتحة له هذه المزية؛ وإنما هذه مزية لمن يقرأها بشرطها وشروطها. فمن فعل ذلك وقرأ الآيات بالشروط المطلوبة علق الله سبحانه له على كل آية. تقول الرواية: (إِذَا قَالَ اَلْعَبْدُ بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ قَالَ اَللَّهُ جَلَّ جَلاَلُهُ بَدَأَ عَبْدِي بِاسْمِي وَحَقٌّ عَلَيَّ أَنْ أُتَمِّمَ لَهُ أُمُورَهُ وَأُبَارِكَ لَهُ فِي أَحْوَالِهِ)[٦] أليس هذا من المغريات؟

ثم تقول الرواية: (فَإِذَا قَالَ اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ اَلْعٰالَمِينَ  قَالَ اَللَّهُ جَلَّ جَلاَلُهُ حَمِدَنِي عَبْدِي وَعَلِمَ أَنَّ اَلنِّعَمَ اَلَّتِي لَهُ مِنْ عِنْدِي وَأَنَّ اَلْبَلاَيَا اَلَّتِي دَفَعْتُ عَنْهُ فَبِطَوْلِي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي أُضِيفُ لَهُ إِلَى نِعَمِ اَلدُّنْيَا نِعَمَ اَلْآخِرَةِ وَأَدْفَعُ عَنْهُ بَلاَيَا اَلْآخِرَةِ كَمَا دَفَعْتُ عَنْهُ بَلاَيَا اَلدُّنْيَا، فَإِذَا قَالَ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ  قَالَ اَللَّهُ جَلَّ جَلاَلُهُ شَهِدَ لِي عَبْدِي أَنِّي اَلرَّحْمَنُ اَلرَّحِيمُ أُشْهِدُكُمْ لَأُوَفِّرَنَّ مِنْ رَحْمَتِي حَظَّهُ وَلَأُجْزِلَنَّ مِنْ عَطَائِي نَصِيبَهُ)[٧]. والخطاب في أشهدكم للملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين.

ثم تقول الرواية: (فَإِذَا قَالَ مٰالِكِ يَوْمِ اَلدِّينِ  قَالَ اَللَّهُ جَلَّ جَلاَلُهُ أُشْهِدُكُمْ كَمَا اِعْتَرَفَ أَنِّي أَنَا مَالِكُ يَوْمِ اَلدِّينِ لَأُسَهِّلَنَّ يَوْمَ اَلْحِسَابِ حِسَابَهُ وَلَأَتَجَاوَزَنَّ عَنْ سَيِّئَاتِهِ)[٨]. ماذا نريد من الله أحسن من هذا؟ ثم يقول: (فَإِذَا قَالَ إِيّٰاكَ نَعْبُدُ  قَالَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَدَقَ عَبْدِي إِيَّايَ يَعْبُدُ أُشْهِدُكُمْ لَأُثِيبَنَّهُ عَلَى عِبَادَتِهِ ثَوَاباً يَغْبِطُهُ كُلُّ مَنْ خَالَفَهُ فِي عِبَادَتِهِ لِي فَإِذَا قَالَ وَإِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ  قَالَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِيَ اِسْتَعَانَ عَبْدِي وَاِلْتَجَأَ إِلَيَّ أُشْهِدُكُمْ لَأُعِينَنَّهُ عَلَى أَمْرِهِ وَلَأُغِيثَنَّهُ فِي شَدَائِدِهِ وَلَآخُذَنَّ بِيَدِهِ يَوْمَ نَوَائِبِهِ فَإِذَا قَالَ اِهْدِنَا اَلصِّرٰاطَ اَلْمُسْتَقِيمَ  إِلَى آخِرِ اَلسُّورَةِ قَالَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَقَدِ اِسْتَجَبْتُ لِعَبْدِي وَأَعْطَيْتُهُ مَا أَمَّلَ وَآمَنْتُهُ مِمَّا مِنْهُ وَجِلَ)[٩]. ويا لها من معاشقة بين الحبيب ومحبوبه؛ فأنت تتكلم وتقرأ القرآن الكريم، فيقوم رب العالمين بالتعليق على كلامك.

ديننا أفضل الأديان

إن هذه الرواية وأمثالها تجعلنا نقف على عظمة ديننا. إن الله من علينا بسورة الحمد؛ فماذا يملك النصارى وماذا يقولون في صلاتهم؟ ماذا يوجد في إنجيلهم ما يضاهي ما في قرآننا؟ أيها المسلمون حق لكم أن تفتخروا بهذا الدين. يُقال في الإنجيل الذي عندنا: (أبانا الذي في السماوات، ليتقدس اسمك، ليأتي ملكوتك، لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض، خبزنا كفافنا).