- ThePlus Audio
تربية الأولاد وتحدياتها في هذا العصر
بسم الله الرحمن الرحيم
تحديات التربية في العصر الحاضر
لقد أصبحنا في زمان وضعنا فيه أمام اختبار صعب وهو تربية الأولاد. وليس الحل في تأخير الإنجاب أو الاكتفاء بولدين كما هو الشائع في الغرب وكأن الحل هو قلة الذرية. والحال أن الله سبحانه من على نبيه إبراهيم (ع) بأن جعل منه ذرية كثيرة طيبة ومباركة. فيقول سبحانه: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ)[١].
النظرة الاستراتيجية للأولاد
تكمن المشكلة في نظرتنا الاستراتيجية للأولاد. فقد ينظر بعض الآباء في القرى والأرياف إلى الأولاد نظرتهم إلى الدواب؛ فكما يرى أن إضافة بقرتين إلى بقراته يزيد الإنتاج لديه، كذلك يعتقد أن كثرة الأولاد يزيد لديه الإنتاج وسيجد من يعمل في أرضه الزراعية ويزيد من محصولها. أو يريد من الولد ما يريده من وديعته في المصرف أن يدر عليه الربح عند التقاعد، ولا يهتم لأجل ذلك لدين الولد وذهابه حيث شاء من البلاد الغربية المنحرفة إن كان يضمن له المورد المالي ويؤمن له معيشته. والقرآن الكريم يبين أن الأولاد هم زينة الحياة الدنيا والمهم هو ما يقدمه الإنسان لنفسه، قال سبحانه: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا)[٢].
الاهتمام بطلب الذرية الصالحة عند الأنبياء (عليهم السلام)
يذكر السيد الطباطبائي في تفسيره الميزان حوله هذه الآية: (أن المال والبنين وإن تعلقت بها القلوب وتاقت إليها النفوس تتوقع منها الانتفاع وتحف بها الآمال لكنها زينة سريعة الزوال)[٣]. فإن كان لك أمل فكر في الباقيات الصالحات ليوم يفر المرء فيه من أبيه ومن ذويه وحتى من أولاده فيحاول الإعراض عنهم لكيلا يورطوه. والقرآن الكريم قد تناول مسألة الذرية في كثير من آياته، وذكر أن الأنبياء بالرغم أنهم قد ضمنوا مقاعدهم عن مليك مقتدر إلا أنهم كانوا يبالغون في طلب للذرية الصالحة، وقد ذكر لنا القرآن الكريم أن عيسى بن مريم (ع) كان ببركة دعاء أم مريم (ع) ونذرها حين وضعتها وقالت: (وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)[٤]، ومعنى اسم مريم في لغتهم العابدة.
وهذا إبراهيم (ع) يشكر ربه ويقول: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)[٥] إلى قوله: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ)[٦]. وعندما أعطي مقام الإمامة شكر الله سبحانه بقلبه ولسانه ولكنه كان يطمح أن تكون في ذريته أيضا ولذلك قال سبحانه له: (قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)[٧].
والملجأ الوحيد والحضن الدافئ للأولاد هي الأسرة وحدها؛ فحتى المدارس لا يمكن الاعتماد عليها فليس القائمون عليها هم الملائكة وإنما هي خلاصة الشوارع وخلاصة المجتمع العادي. ويكفي وجود مراهق منحرف لانحراف جميع من في مدرسته. وكذلك هم بعض المدرسين، فليس جميعهم في المستوى المطلوب من التهذيب والأدب. ولا يوجد إلا القليل ممن عصمه التقوى وغير هؤلاء لا يهمهم إلا الراتب الذي يأخذونه آخر كل شهر وفيهم من يزيد الطين بلة والنار تأججا.
ثم يأتي الطفل ويجلس أمام التلفاز الذي أصبح بجميع ما فيه من مسلسلات وأفلام وكرتون وسيلة بيد المستعمر لتحريف الناس. ويتفصح كذلك مواقع الإنترنت من موقع إلى آخر وفيها ما فيها، ثم يخرج إلى النوادي وإلى السوق وإلى الشوارع التي تتنامى فيها الفساد يوما بعد يوم وكما قال سبحانه: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ)[٨] ولو كان يستوعب أهل ذلك الزمان لقال: في البر والبحر والفضاء. فلا يبقى أمام الولد غير والديه يعصمونه من هذه الأجواء، فإذا كان الوالدان في عالمها الخاص فمن لهذه الذرية؟
الوسطية في التربية
وينبغي للوالدين اتباع الوسطية في تربيتهم فيعتمدون الدلال والشدة معا. لا أن ينفعل الوالد لأمر تافه والوالدة لانكسار زجاجة مثلا ويصبان جام غضبهما على الولد المسكين، ثم لا يكترثان لما يستمع إليه من الغناء ومن يصاحب من الأصدقاء، وما يترك من الواجبات كالصلاة.
ثم إن الأب والأم إذا غضبا لكل صغيرة وكبيرة، يفقد غضبهما قيمته وتأثيره حتى إذا ما غضبا لأمر مهم كالحجاب مثلا لم يكترث الأولاد لهذا الغضب. ولذلك يقال: اتقوا غضب الحليم.
الأسلوب الشرعي في التربية
وأما الضرب فهو أسلوب فاشل قديم لا ينبغي أن يعتمده الوالدان في تربية الأولاد إلا نادرا. والولد لا ينسى هذه الطريقة العنيفة في التربية حتة وأن كبر وتخرج وأصبح مهندسا أو طبيبا يبقى يتذكر الضرب خصوصا إن كان الضرب قد ترك عليه آثاره. والشرع يبين لنا أهم الأساليب في التربية وهو الهجران. فيقول سبحانه في تأديب الزوجة: (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ)[٩] والهجر يثقل على المرأة كثيرا، وهو أسلوب نافع مع الأولاد أيضا. وكان النبي (ص) يعرف رضاه وغضبه في وجهه، فإذا لم يرضه أمر أعرض بوجهه وقد أعرض عن قاتل عمه حمزة (ع).
وللأسف الشديد أن أحدنا يقرأ في السياسة والاقتصاد وغيرها من المواضع ولا يكلف نفسه قراءة كتاب تربوي.
اختلاف الرأي بين الوالدين
ومن عوامل التفكك الأسري اختلاف الرأي بين الوالدين. فقد يكون للوالد موقف تجاه ولده لارتكابه فعلا محرما وإذا بالولد يرتمي في أحضان والدته ويذرف الدموع، والأم لأنها كيان عاطفي سرعان ما يتأثر وبدل أن تلوم الولد على فعله تصب جام الغضب على زوجها وتتهمه بسوء التربية وما شابه ذلك، فكيف يكون حال الولد الذي ينشأ في هذه الأسرة؟ وإذا كان هناك خلاف بينهما فليقفلا على أنفسهما الباب ويجلسا في خلوة ويناقشا الأمور حتى لا تصبح الأم مظهر العطف والحنان ويصبح الأب مظهر الشدة والقسوة وإلا فمن الطبيعي أن ينتج الخلاف هذه الحالة المتأزمة.
الولد المنحرف في الأسرة الصالحة
ويسأل البعض عن علة انحراف الأولاد في البيوتات الصالحة، وفي البيوت التي تصلي الأم صلاة الليل والأب ممن يعتكف في المساجد ولكن الأولاد من كوكب آخر، وهذا من أشد ما يعانيه الأبوان المؤمنان، فما هو الحل؟ إذ ليس الولد كالصديق الذي يستطيع أن بقطع به العلاقة ولا الموظف الذي يستطيع أن يسرحه من عمله متى شاء وإنما هو ولده الذي يحمل اسمه ويرثه في أمواله. وينبغي أن يفكر الوالدان في النتيجة هذه قبل فوات الأوان.
من أسباب انحراف الأولاد انحراف الوالدين. فإذا رأى الولد في يوم من الأيام أباه عاكفا على الأفلام المحرمة ويرى الأم ترتكب بعض المحرمات بلا هوادة، أو يرى والده لا زال ينظر إلى النساء في الشوارع وهما بحسب الظاهر من المتدينين، وهو لا يفرق بين الشريعة وحاملها، فيرى الدين من خلال أبويه وبالتالي يقول: على الإسلام السلام..!
أصدقاء السوء
وينبغي أن ينتبه الوالدان إلى أصدقاء الأولاد ومن يعاشرونهم. فإذا ما وجد وباء في المدرسة ترى الأب يسارع إلى إخراج ولده من تلك المدرسة ولكنه لا يكترث للأوبئة النفسية. وعلى أقل التقادير ينبغي أن يحيط الوالد علما بمن يهذب الولد إلى منازلهم. لماذا يدع الوالد ابنته أن تذهب إلى بيت صديقتها وهو لا يعلم من هو والد هذه الصديقة ولا والدتها ولا من هم إخوتها ولا أي بيت هم. كيف يمكن للأب أن يجعل عرضه في هذه المظان المشبوهة. وما دام الزمان زمان سوء ويغلب عليه الفساد، ينبغي أن يشك الوالد في كل شخص وفي كل بيت وفي كل قناة وفضائية وكتاب وموقع إلا ما خرج بالدليل.
اهتمام الشريعة بالتربية المبكرة
إن الإسلام اهتم بمسألة التربية وبين لنا بعض الخطوات العلمية التي ينبغي أن نتبعها حتى قبل ولادة الطفل؛ فهذا الدين متين ومتقن كإتقان السماوات والأرض. منها: الدعاء الذي يستحب قراءتها ليلة الزواج حيث تصلي ركعتين ثم تأخذ ناصية العروس وتطلب من الله عز وجل الذرية. وإذا رزقك الله بمولود تسميه محمدا وهو جنين في بطن أمه تطلب بذلك من الله البركة. ثم إذا ولد أذنت في أذنه اليمنى وأقمت في اليسرى عصمة من الشيطان. وبإمكانك أن تضيف إلى الأذان والإقامة سورة الفاتحة وآية الكرسي وآخر سورة الحشر بدءا من قوله تعالى: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ الله)[١٠]، فليس هذا المولود بأقل من الجبل، ثم تقرأ المعوذتين وتحنكه بماء الفرات وتربة الحسين (ع) ولتجري دموعك على خديك تذكرا لرضيع الحسين (ع) الذي قتل عطشانا بشط الفرات. ولهذه الأعمال آثارها على الطفل وإن لم يكن يشعر بها عند ولادته.
ويقال: أن من السنة السؤال عن استواء خلقة الطفل قبل السؤال عن جنسه. ثم تشكر رب العالمين وتسجد بين يديه شكرا على استواء خلقته. وينبغي أن تسميه قبل الولادة، فقد يقف السقط يوم القيامة ويعاتبك على عدم تسميته خصوصا إذا سقط الطفل بعد ولوج الروح فيه. وقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (اِسْتَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ فَإِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ بِهَا يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ)[١١].
تسمية الأولاد
ولذلك يجدر بالوالد أن لا يسميه بالأسماء الغربية السخيفة أو الأسماء الشاعرية التي لا معنى لها، وعندما تسأله عن معنى الاسم في اللغة العربية لا يحير جوابا. لماذا يحرم البعض من الآباء أبنائهم من الأسماء الصالحة التي يمكن أن يأتي بها يوم القيامة ويقول للنبي (ص): أنا سميك يا رسول الله فانظر إلي أو يقول لأمير المؤمنين: يا أبا الحسن أنا سميك فانظر إلى أو تقول الفتاة للزهراء (س): أنا سميتك فانظري إلي. وقد يكون الاسم جميلا في صغر الطفل ولكن لا يناسبه في الكبر بعد أن أصبح مؤمنا وقورا ولذلك نرى بعض الأبناء يبادرون إلى تغيير أسمائهم رغما عن آبائهم. وقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (مَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ فِيهِمُ اِسْمُ نَبِيٍّ إِلاَّ بَعَثَ اَللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) إِلَيْهِمْ مَلَكاً يُقَدِّسُهُمْ مِنْ صَلاَةِ اَلْغَدَاةِ إِلَى اَلْعِشَاءِ)[١٢].
إبراز الحب وإظهار الحنان
ويعتقد البعض أن إبراز العاطفة للأولاد نوع من الاسترسال في أمور الدنيا والحال أنه روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (مَنْ قَبَّلَ وَلَدَهُ كَتَبَ اَللَّهُ لَهُ حَسَنَةً)[١٣]، لعلم الله سبحانه بأن لهذه القبلة أثر كبير في قلب الطفل. ومع ذلك نرى البعض لا يقبل ولده ويسلم عليه من بعيد كما يسلم على علماء الدين. فقد روي عنه (ص) أيضا أنه قال: (قَبِّلُوا أَوْلاَدَكُمْ فَإِنَّ لَكُمْ بِكُلِّ قُبْلَةٍ دَرَجَةً فِي اَلْجَنَّةِ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ)[١٤]. وقال (ص): (إِذَا نَظَرَ اَلْوَالِدُ إِلَى وَلَدِهِ فَسَرَّهُ كَانَ لِلْوَالِدِ عِتْقُ نَسَمَةٍ)[١٥]، فبر الأولاد كذلك من البر؛ فقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (مَنْ أَبَرُّ قَالَ وَالِدَيْكَ قَالَ قَدْ مَضَيَا قَالَ بَرَّ وُلْدَكَ)[١٦]. وعنه: (إِنَّ اَللَّهَ لَيَرْحَمُ اَلْعَبْدَ لِشِدَّةِ حُبِّهِ لِوُلْدِهِ)[١٧].
وقد أكدت الروايات الشريفة على الرحمة بالنساء والصبيان، والوفاء بما يعدون الصبيان لأنهم يؤملون فيهم وحدهم، فقد روي عنه (ص) أنه قال: (إِذَا وَعَدْتُمُ اَلصِّبْيَانَ فَفُوا لَهُمْ فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّكُمُ اَلَّذِينَ تَرْزُقُونَهُمْ إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ يَغْضَبُ لِشَيْءٍ كَغَضَبِهِ لِلنِّسَاءِ وَاَلصِّبْيَانِ)[١٨].
والنبي (ص) وأهل بيته (ع) الذين كانت الصلاة معراجا لهم وكان ينزع السهم من رجل الإمام (ع) في الصلاة من دون أن يشعر بذلك كان لهم شأن آخر مع الأطفال. فقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (صَلَّى رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِالنَّاسِ اَلظُّهْرَ فَخَفَّفَ فِي اَلرَّكْعَتَيْنِ اَلْأَخِيرَتَيْنِ فَلَمَّا اِنْصَرَفَ قَالَ لَهُ اَلنَّاسُ هَلْ حَدَثَ فِي اَلصَّلاَةِ حَدَثٌ قَالَ وَمَا ذَاكَ قَالُوا خَفَّفْتَ فِي اَلرَّكْعَتَيْنِ اَلْأَخِيرَتَيْنِ فَقَالَ لَهُمْ أَمَا سَمِعْتُمْ صُرَاخَ اَلصَّبِيِّ)[١٩].
ومما يدل على عطفهم وشدة اهتماهم بالأولاد ما روي عن أحد أصحاب الإمام الصادق (ع) حيث قال: (دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَأَنَا مَغْمُومٌ مَكْرُوبٌ فَقَالَ لِي يَا سَكُونِيُّ مَا غَمُّكَ فَقُلْتُ وُلِدَتْ لِي اِبْنَةٌ فَقَالَ يَا سَكُونِيُّ عَلَى اَلْأَرْضِ ثِقْلُهَا وَعَلَى اَللَّهِ رِزْقُهَا تَعِيشُ فِي غَيْرِ أَجَلِكَ وَتَأْكُلُ مِنْ غَيْرِ رِزْقِكَ فَسَرَّى وَاَللَّهِ عَنِّي فَقَالَ مَا سَمَّيْتَهَا قُلْتُ فَاطِمَةَ قَالَ آهِ آهِ آهِ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ إِلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ قَالَ: قَالَ لِي أَمَا إِذَا سَمَّيْتَهَا فَاطِمَةَ، فَلاَ تَسُبَّهَا وَلاَ تَلْعَنْهَا وَلاَ تَضْرِبْهَا)[٢٠].
ومن موجبات تخفيف العذاب والتكفير عن ذنوب الإنسان مرض أولاده؛ كالذي ابتلاه الله بولد معاق أو دائم المرض.
تخفيف العذاب بركة الولد الصالح
وقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (مَرَّ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِقَبْرٍ يُعَذَّبُ صَاحِبُهُ ثُمَّ مَرَّ بِهِ مِنْ قَابِلٍ فَإِذَا هُوَ لاَ يُعَذَّبُ فَقَالَ يَا رَبِّ مَرَرْتُ بِهَذَا اَلْقَبْرِ عَامَ أَوَّلَ (وَهُوَ) يُعَذَّبُ وَمَرَرْتُ بِهِ اَلْعَامَ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ يُعَذَّبُ فَأَوْحَى اَللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّهُ أَدْرَكَ لَهُ وَلَدٌ صَالِحٌ فَأَصْلَحَ طَرِيقاً وَآوَى يَتِيماً فَلِهَذَا غَفَرْتُ لَهُ بِمَا عَمِلَ اِبْنُهُ)[٢١].
وليعلم الوالدان أن الولد مسئولية لا وسيلة للتفاخر والتباهي كما قال سبحانه: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ)[٢٢]. ولذلك علينا أن نتحمل هذه المسئولية ولا نبيح لهم المحرمات ولا نجعل في متناول أيديهم أدوات الفساد، ولذلك ذكرت الروايات الشريفة أن الأب مسئول عن تزويج ابنه عند بلوغه إن كان قادرا على ذلك، وإن لم يفعل فقد شكره في كل إثم يرتكبه الولد.
والولد هو الصدقة الجارية للإنسان بعد موته، فقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (إِذَا مَاتَ اَلرَّجُلُ اِنْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)[٢٣].
[٢] سورة الكهف: ٤٦.
[٣] الميزان ج١٣ ص٣١٩.
[٤] سورة آل عمران: ٣٦.
[٥] سورة إبراهيم: ٣٧.
[٦] سورة إبراهيم: ٣٩.
[٧] سورة البقرة: ١٢٤.
[٨] سورة الروم: ٤١.
[٩] سورة النساء: ٣٤.
[١٠] سورة الحشر: ٢١.
[١١] الكافي ج٦ ص١٩.
[١٢] الأمالي (للطوسي) ج١ ص٥١١.
[١٣] عوالي اللئالي ج٣ ص٢٨٣.
[١٤] مکارم الأخلاق ج١ ص٢٢٠.
[١٥] مستدرك الوسائل ج١٥ ص١٦٩.
[١٦] بحار الأنوار ج١٠١ ص٩٨.
[١٧] الكافي ج٦ ص٥٠.
[١٨] الكافي ج٦ ص٥٠.
[١٩] الكافي ج٦ ص٤٨.
[٢٠] وسائل الشیعة ج٢١ ص٤٨٢.
[٢١] الکافي ج٦ ص٣.
[٢٢] سورة التكاثر: ١-٢.
[٢٣] إرشاد القلوب ج١ ص١٤.
خلاصة المحاضرة
- الملجأ الوحيد والحضن الدافئ للأولاد هي الأسرة وحدها؛ فحتى المدارس لا يمكن الاعتماد عليها فليس القائمون عليها هم الملائكة وإنما هي خلاصة الشوارع والمجتمع. ويكفي وجود مراهق منحرف لانحراف جميع من في مدرسته. وكذلك هم بعض المدرسين، فليس جميعهم في المستوى المطلوب من التهذيب.
- من أسباب انحراف الأولاد انحراف الوالدين. فإذا رأى الولد في يوم من الأيام أباه عاكفا على الأفلام المحرمة أو لاهيا في النظر إلى النساء ويرى الأم ترتكب بعض المحرمات بلا هوادة وهما بحسب الظاهر من المتدينين، وهو يرى الدين من خلال أبويه سيقول: على الإسلام السلام..!