Search
Close this search box.
  • تحليل المعصية ومعرفة آثارها السلبية التي قد تكون غافلا عنها
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

تحليل المعصية ومعرفة آثارها السلبية التي قد تكون غافلا عنها

بسم الله الرحمن الرحيم

ماهية المعصية وعناصرها الأولية

من الأمور التي تعيقنا في سفرنا إلى الله عز وجل، هي المعاصي. لو حللنا المعصية إلى عناصرها الأولية؛ لوجدنا أنها هتك حرمة رب العالمين. وكأن رب العالمين يقول لك: لا تفعل، و أنت تقول: لا أريد، ولكن باختلاف واحد وهو أنك لست في مقام التحدي. وكما يقول الإمام زين العابدين (ع): (إِلَهِي لَمْ أَعْصِكَ حِينَ عَصَيْتُكَ وَأَنَا بِرُبُوبِيَّتِكَ جَاحِدٌ وَلاَ بِأَمْرِكَ مُسْتَخِفٌّ وَلاَ لِعُقُوبَتِكَ مُتَعَرِّضٌ وَلاَ لِوَعِيدِكَ مُتَهَاوِنٌ وَلَكِنْ خَطِيئَةٌ عَرَضَتْ وَسَوَّلَتْ لِي نَفْسِي وَغَلَبَنِي هَوَايَ)[١].

إنك عندما تعصي الله سبحانه وكأنك تقول له: يا رب، إنني لا أستمع إلى نواهيك في مقام العمل. والحال أنك غافل عن أنك هتكت الحرمة، وتعديت حدود الله. لو تعديت الحدود إلى بلد؛ ماذا تفعل شرطة الحدود؟ من تسلل من أي بلد إلى بلد آخر؛ يُنبهونه، ويقولون له: قف، فإن لم يقف؛ أطلقوا عليه النار، لأنه متسلل، وقد تجاوز حدود البلد، ولو كان تجاوزه هذا متراً واحدا.

المعاصي السخيفة…!

إن الإنسان عندما ينظر نظرة محرمة؛ صحيح أنه لم يرتكب الزنا؛ إلا أنه هتك حداً من حدود الله عز وجل. والمرأة التي تحضر مجالس الحسين (ع) ولا تتقيد بالزي الشرع، وتتبرج فهي قد تعدت كذلك حدا من حدود الله عز وجل. إنها بتبرجها هذا تتحدى آية: (وَلَا تَبَرَّجۡنَ)[٢]. ثم إن التبرج هذا هو من أسخف أنواع الحرام.

تجد المرأة من الصباح واضعة مسحوقاً على وجهها تغوي به إلى الليل من الخلق ما شاءالله، وتوقعهم في النظر المحرم في مقابل لا شيء. فإذا ما نظر إليها شاب نظرة بريبة ثم انقدحت شهوته، فذهب وارتكب معصية؛ فهذه المرأة هي السبب في ذلك وستحاسب يوم القيامة، ويُقال لها: أنت الذي أوقعته في الحرام من خلال هذا الوجه المثير. وقد يكون هدف غير المتزوجة من تبرجها جلب الرجال إليها والزواج من أحدهم؛ ولكن ماذا نفعل بالمحصنة المتبرجة؟ بل الأنكى من ذلك أن تجد زوج وذريتها يمشون معها.

والغيبة حرام آخر لا يقل سخفا عن هذا التبرج. إن السارق يذهب إلى المصرف، ويكسر الصندوق، فيسرق الملايين، ويخرج وقد صار إنساناً ثرياً، والزاني يستمتع ليلة، وشارب الخمر يسكر ساعة، ولكل حرام أثر يغري؛ ولكن ما لذة الغيبة؟ ما طعم لحم الميتة الذي تأكله؟!

الحساسية من الحرام

لابد أن تكون لأحدنا حساسية من الحرام، وكما روي: (لاَ تَنْظُرْ إِلَى صِغَرِ اَلْخَطِيئَةِ وَلَكِنِ اُنْظُرْ إِلَى مَنْ عَصَيْتَ)[٣]. عندما يرى بعض الشباب في بلاد الغرب امرأة سافرة؛ يعرض بوجهه قهراً، وهذا يعني أن وجوده أصبح وجود لا يتحمل الحرام. وإذا سمع البعض غيبة يكاد يخرج من طوره. إن المغتاب قد يجد لنفسه مبرراً، ولكن ما هو مبرر من يستمع؟ قل للمغتاب: هذا العمل إن كان لك حلالا؛ فهو عندي حرام، وليس هذا عيباً متجاهراً به، وليس هذا من باب التظلم. وقل له: لا ترمي القاذورة في أذني. فما هو ذنبي أن دعوتك إلى المنزل، وفرشت لك المائدة، وأتعبت نفسي وأهلي ليكون جزائي أن ترمي القاذورة في أذني؟ ازجره ولا تخف في الله لومته. إن بعض الناس أيام الرطوبة والغبار؛ يكون حبيس البيت لأن لديه حساسية في رئتيه؛ فكذلك لتكن لديك حساسية من الحرام، حتى تبتعد من أجل ذلك عن مواطن الحرام جميعها. فالمعصية تورثك قسوة القلب، وهذا ما ينبغي أن تحذر منه أولا.

لا تنفر النعم لأنها وحشية…!

ثانيا: كفران النعمة. فلقد روي: (أَحْسِنُوا جِوَارَ اَلنِّعَمِ فَإِنَّهَا وَحْشِيَّةٌ مَا نَأَتْ عَنْ قَوْمٍ فَعَادَتْ إِلَيْهِمْ)[٤]. ومن النعم التي ينبغي أن نحرص على بقاءها بالشكر؛ نعمة الإقبال. إياكم والمخالفة بعد الإقبال. فإذا وصلت بعد اللتيا والتي إلى كربلاء وأصبحت تحت القبة، أو ذهبت إلى العمرة والحج ثم رجعت إلى أرض الوطن، حذار من ارتكاب المخالفة، فإنها ستكون القشة التي تقصم ظهر البعير. طالما رب العالمين أعطاك من نفحاته القدسية في المجالس وغيرها؛ فاحذر المعصية الأولى بعد كل نفحة إقبال. ولهذا نرى بعض المؤمنين عندما يُقبل ويخشع ويبكي ويزور، تكون يده على قلبه مخافة اختبار يسلبه ما هو فيه، ومخافة الشياطين التي تحوم حول قلبه للانتقام.

الآثار السلبية لإضاعة الحقوق وإدخال الحزن على الآخرين

ثالثا: من موجبات قسوة القلب إضاعة الحقوق وإدخال الحزن على الآخرين. فمن المفترض أن تزور هذه الليلة والديك؛ وهما ينتظرانك، فلن ترتكب حراما لو لم تزرهما الليلة، وزرتهما غداً؛ ولكن ينتابهما شيء من الضيق والوهن سينعكس عليك. ولو راجعنا روايات أهل البيت (ع) لوجدنا دقة كبيرة في التعامل مع من حولهم. تقول الرواية: (أَنَّهُ دَخَلَ سُفْيَانُ اَلثَّوْرِيُّ عَلَى اَلصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَرَآهُ مُتَغَيِّرَ اَللَّوْنِ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ كُنْتُ نَهَيْتُ أَنْ يَصْعَدُوا فَوْقَ اَلْبَيْتِ فَدَخَلْتُ فَإِذَا جَارِيَةٌ مِنْ جَوَارِيَّ مِمَّنْ تُرَبِّي بَعْضَ وُلْدِي قَدْ صَعِدَتْ فِي سُلَّمٍ وَاَلصَّبِيُّ مَعَهَا فَلَمَّا بَصُرَتْ بِي اِرْتَعَدَتْ وَتَحَيَّرَتْ وَسَقَطَ اَلصَّبِيُّ إِلَى اَلْأَرْضِ فَمَاتَ فَمَا تَغَيَّرَ لَوْنِي لِمَوْتِ اَلصَّبِيِّ – وَإِنَّمَا تَغَيَّرَ لَوْنِي لِمَا أَدْخَلْتُ عَلَيْهَا مِنَ اَلرُّعْبِ)[٥].

في تلك الأيام كانت البيوت متقاربة؛ فلم يكن ثمة أبراج كما اليوم، فصعدت الجارية إلى السطح وكان بذلك تنكشف للجيران أو ما شابه ذلك من الأسباب التي من أجلها نهى الإمام (ع) عن الصعود إلى السطح. هذه الجارية غير المنضبطة – إن بعض نساء الأئمة (ع) لم يكن منضبطات كما ينبغي – كان بيدها ولد للإمام (ع) سقط منها عندما رأت الإمام (ع) خوفا؛ فقد ارتعدت فرائصها وارتخت عضلاتها، فمات الصبي. ولكن الإمام (ع) بدل أن يبوخها أحسن إليها وأعتقها؛ إلا أنه حزن لما أدخل عليها من الخوف ليس إلا.

هذه هي رأفة الأئمة (ع) التي ينبغي لنا أن نتذكرها عندما نزورهم. أين الذين يحاربون الإرهاب ليشاهدوا عظمة أئمتنا (ع). لقد جعل الامام (ع) موت الصبي في كفة والرعب الذي دخل في نفس الجارية في كفة. فكر في نفسك؛ فقد تكون منذ بلوغك قد أدخلت الرعب على قلوب الكثيرين من الخادمة والزوجة والوالدين ومن شابههم. فالبعض يحزن والديه، وهو لا يعلم أن ذلك من العقوق.

لماذا خرج نور النبوة من صلب يوسف (عليه السلام)؟

يُروى: أنه لما جاء يوسف لاستقبال أبيه بعد طول فراق وبعد أن ابيضت عينا والده من الحزن عليه؛ خرجت النبوة من صلبه. تقول الرواية: (فَنَزَلَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ فَقَالَ لَهُ يَا يُوسُفُ أَخْرِجْ يَدَكَ فَأَخْرَجَهَا فَخَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ نُورٌ فَقَالَ يُوسُفُ مَا هَذَا يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ هَذِهِ اَلنُّبُوَّةُ أَخْرَجَهَا اَللَّهُ مِنْ صُلْبِكَ لِأَنَّكَ لَمْ تَقُمْ إِلَى أَبِيكَ فَحَطَّ اَللَّهُ نُورَهُ وَ مَحَا اَلنُّبُوَّةَ مِنْ صُلْبِهِ)[٦]، ولذلك لم يكن بعد يوسف نبي من صلبه. إن يوسف (ع) لم يعص الله سبحانه ولكنه ترك الأولى، ولم يستقبله كما ينبغي أدبا وأخلاقا؛ لأن الأنبياء معصومون من الزلل. فعلى سبيل المثال: كان من المفروض أن يترجل في نقطة؛ إلا أنه ترجل في نقطة أقرب، وهذا المقدار من الممكن أنه هو الذي أوجب له ذلك.

إن الشجرة المنهية لم تكن محرمة على أبينا آدم (ع)؛ إلا أنه كان منهيا عنها ولكنه أكل من الشجرة، فوقع له ما وقع، وكذلك الأمر في يونس (ع) حيث ذهب مغاضباً، وصار في بطن الحوت. فإذا كان هكذا تعامل رب العالمين مع الأنبياء (ع)؛ فكيف بي وبأمثالي؟ كن دقيقاً، فمن الممكن أن تُسلب مزية عظمى لخطأ غير محرم. قد تأتي يوم القيامة وتقول: يا رب، لم ابتليتني بالعقم؟ فيقول لك رب العالمين: الذرية تفضل منا ونحن لم نشأ أن نتفض عليك، فهل تحاسبنا؟ هل تطالبنا بما ليس لك فيه حق؟ لقد تزوجت واستمتعت عمراً، وانتهى الأمر. وقد يُقال لك: السبب هو أنك ما وقرت والدك في موقف من المواقف، وقمت بخلاف الأولى، ونحن منعنا عنك الهبة. إننا إن كنا نجهل في دار الدنيا الأسباب؛ إلا أنها ستتضح لنا يوم القيامة، ولكن ولات حين مناص، لأنك ستعلم السبب بعد خراب البصرة.

طلب البراءة من الوالدين

قد يقول قائل: يا ويلتاه، لطالما آذيت والدي من دون قصد. لا ضير في ذلك؛ فاطلب منهما بين وقت وآخر براءة الذمة، فإن كنت ممن يستحي أو يخشى أن تسوء الأمور عند طلب البراءة؛ فليقل لهما: إن أموري متعسرة، فادع الله لي بتيسير أمري. إن من الأماكن التي يستجيب الله الدعاء عندها بالإضافة إلى المشاهد المشرفة؛ قبر الوالدين. إن أباك قد ذهب إلى عالم البرزخ؛ فاجعله وسيلة وواسطة لك في قضاء حوائجك. بإمكانك كذلك وأنت في المنزل أن تقرأ له الفاتحة، وتطلب منه الحاجة. ، وليس هذا العمل شركا، وكذلك لم تنقطع عاطفتهما عنك حتى بعد مماتهما. بل إن البعض في عالم البرزخ يدهم مبسوطة أكثر مما كانت في دار الدنيا؛ فهما لا يحتاجان إلى واسطة في عالم البرزخ؛ وإنما قد يستطعيان الذهاب عند أئمة أهل البيت (ع) مباشرة.

[١] البلد الأمین  ج١ ص٢٠٥.
[٢] سورة الأحزاب: ٣٣.
[٣] مستدرك الوسائل  ج١١ ص٣٢٩.
[٤] تحف العقول  ج١ ص٤٤٨.
[٥] بحار الأنوار  ج٤٧ ص٢٤.
[٦] بحار الأنوار  ج١٢ ص٢٥١.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • من الأمور التي تعيقنا في سفرنا إلى الله عز وجل، هي المعاصي. لو حللنا المعصية إلى عناصرها الأولية؛ لوجدنا أنها هتك حرمة رب العالمين. وكأن رب العالمين يقول لك: لا تفعل، و أنت تقول: لا أريد، ولكن باختلاف واحد وهو أنك لست في مقام التحدي.
  • لو تعديت الحدود إلى بلد؛ ماذا تفعل شرطة الحدود؟ من تسلل من أي بلد إلى بلد آخر؛ يُنبهونه، ويقولون له: قف، فإن لم يقف؛ أطلقوا عليه النار، لأنه متسلل، وقد تجاوز حدود البلد، ولو كان تجاوزه هذا متراً واحدا. وكذلك الأمر في المعاصي الصغيرة…!
Layer-5.png