س١/ ما هي نظرتكم تجاه عمل المرأة؟..
إن هذه المسألة من المسائل التي تثير الجدل كثيرا في الأوساط، فهناك من يتكلم بشيء من الحذر والمجاملة للعنصر النسائي، وهناك من له مزاج ونظرة ويتكلم وفق متطلبات ذاته.. والحال أننا نريد أن نبين ما نفهمه من مذاق الشريعة في هذا المجال.. ونتكلم أولا من منطلق العقل لا الشرع، لنقول بأن هذه القضية قضية عقلائية ومنطقية ومن لوازم الفطرة السليمة.. إن المرأة خلقت لأجل مهمة، أعلى بكثير مما يتصور هذه الأيام، بأن المرأة بإمكانها أن تدير مصنعا أو مؤسسة أو حتى تدير وزارة من الوزارات.. لأن كل هذه الهيكليات الإدارية لا ترقى إلى مستوى تربية الجيل والنشء، الذي سيكون نواة لبناء المجتمع.. فالمرأة التي تنجح في تربية الجيل تربية صالحة، بكل معاني الصلاح الذاتي والفطري والشرعي، فإن هؤلاء سيديرون دفة المجتمع بكل مؤسساته، سواء كان مصنعا أو جامعة أو وزارة أو بلدا بأكمله.
ومن المعلوم-كما تشير الدراسات التربوية- أن قسما كبيرا من شخصية الرجل، يتشكل في السنوات الخمس الأولى من عمره، وليس كما يظن البعض بأن الطفل بمثابة الجماد إلى سن البلوغ تقريبا، فالدراسات تشير إلى أن ما يمر به الإنسان في مرحلة الطفولة، يعتبر ركيزة لكثير من الانعكاسات اللاشعورية وهو في سن الثلاثين أو الأربعين أو الخمسين.
وعليه، فإننا نجزم ونقطع بأن الذوق الاجتماعي، وضرورة الحياة المدنية، والتعاليم الشرعية منذ أن خلق الله تعالى آدم إلى يومنا هذا، تقضي بأن للمرأة دور أساسي، وهو تربية الذين سيديرون دفة المجتمع لاحقا.
أما إذا اضطرت المرأة لأن تخرج من إطار تربية الأولاد، والدخول في المعترك الاجتماعي أو الاقتصادي، فهنا كلام آخر، ولكن كما يقال: (إن الضرورات لها أحاكمها إلا أنها تتقدر بقدرها).. فمثلا: من المعلوم أن هناك مواضع في جسم الرجل والمرأة لا يجوز إبداؤها حتى للمماثل، ولكن إذا كان للعلاج والضرورة الطبية فإنه يجوز..
والقرآن الكريم ذكر لنا مثالا ملفتا، وهو عمل بنات شعيب بسقي الأغنام.. ومن الممكن أن يقال أن هذا العمل خلاف المذاق الاجتماعي، فالمتعارف بأن المرأة تعمل طبيبة أو ممرضة أو مدرسة.. أما أن تعمل المرأة راعية غنم، فهذا شيء غير متعارف جدا، وظاهرة غريبة.. ولهذا لما سألهما موسى (ع): {قَالَ مَا خَطْبُكُمَا}، {قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}، وكأنهما تريدان الإفهام بمعنى ضمني، أن الذي أخرجنا من المنزل الضرورة، وإلا فما لبنات شعيب والخروج في هذا المعترك!.
س٢/ إن البعض يرى أن مكوث المرأة في المنزل، من موجبات التقوقع والانعزال وعدم الترقي ثقافيا.. فما هو تعليقكم على ذلك؟..
إن هذا رأي غير صحيح؛ فإن عالم الثقافة والمعرفة عالم واسع، ومنه عالم الكتب النافعة، ومنه عالم التفكر الذاتي، وما يسمى بالواردات غيبية كانت أم عقلية وثقافية.. ومن المعلوم أن المرأة التي تربي هذا الجيل، لها احتكاكها وتواصلها بنظيراتها وبنات جنسها، في دائرة همومها وتربية أولادها.. إن هذا ليس من موجبات التقوقع أبدا، إنما الكلام في العمل الذي يخرج المرأة من أنوثتها.
والملاحظ أن بعض النساء الحوزويات التي عاشت في المنزل وتحركها من المنزل إلى الحوزوات العلمية، عندما تجلس في مجتمع نسائي، وفيهن الأكاديميات من الطبيبات والمهندسات وغيرهن، فهذه المرأة لا ينقصها شيء، بل إنها من تستولي على الجو وتتفوق عليهن.
ومن المعلوم أن الذين يتعمقون في الثقافة الدينية، فإنهم عندما يخرجون إلى أي مجال من مجالات الثقافة، فلهم عبقريتهم وتميزهم.. فعلى سبيل المثال: إن السيد محمد باقر الصدر (قده)، لم يتخرج من جامعة اقتصادية، وهو رجل لم يخرج من دائرة النجف الأشرف إلى بنوك أو غيرها.. ولكن كتابه (اقتصادنا)، يعتبر مصدر من مصادر الثقافة الاقتصادية الشرعية والبنك اللاربوي إلى اليوم.. فالعقلية الدقيقة المتعمقة عندما تعملها في مجال، فإنها تبدع.. فالمرأة التي تثقفت بهذا المعنى، فإنها عندما تدلي بدلوها في أي مجال تربوي أو نفسي أو اجتماعي، فإنها تبدع في هذا المجال.
وإن المرأة التي تطور نفسها، فهذا أولا خدمة لنفسها، ثم خدمة لزوجها.. وإن الحياة الزوجية تكون أكثر سعادة، فالرجل عندما يرجع من العمل وهو مرهق ومشحون باطنه بسلبيات العمل، وفي المقابل يرى أمامه زوجة هادئة نفسيا، لم تتعرض إلى أجواء موترة ومرهقة نفسيا، وتبادر بامتصاص ما به من تعب.. فهي بمثابة إنسان جالس في الظل وبيده شربة باردة من الماء، ويسقيها إنسان يأتي من الشمس، شربة هنيئة لا يظمأ بعدها.
إن المرأة التي تعيش في إطار المنزل، وتهذب نفسها، وتراقب سلوكها، وتثقف نفسها، وتهتم بشؤون أولادها، وعندما يأتي الرجل تكون له حضنا دافئا؛ فإن هذه المرأة لها دور كبير في عطاء الرجل وتميزه، ومن هنا قيل: (إن وراء كل رجل عظيم امرأة).. وهذه مقولة صحيحة، ومن الممكن أن نستشف من روايات أهل البيت (ع) ما يدعم ذلك.. لأن المرأة المراقبة والمهذبة، هي التي لها دور في تهذيب الرجل، إن أراد ذلك.
س٣/ حثت الشريعة المقدسة من خلال تشريعات كثيرة، على عزل الرجل عن المرأة في التعامل.. فما هو السبب في ذلك؟..
إن مما يفهم من وضع الشريعة للضوابط والحدود في العلاقة بين الرجل والمرأة، أنها تريد تطبيق هذه المقولة-التي نراها هذه الأيام معلقة في قاعات المستشفيات- وهي: (إن الوقاية خير من العلاج).. فالحكمة من هذه التشريعات، هي منع التأثر السلبي للرجل من المرأة، لئلا يقع في الحفرة.. فإن وقع في الحفرة، فإننا نحتاج إلى جهد جهيد لإخراجه.. لو أن هناك طريقا مليء بالحفر، فأيهما أفضل من حيث الأمن والسلامة: أن تجعل فرق إنقاذ، وكلما وقع إنسان في حفرة تخرجه منها.. أو أن توضع علامات تحذيرية بعدم الاقتراب من أماكن الخطر، بالإضافة إلى فرق الإنقاذ، ولو سقط أحد في الحفرة، تخرجه؟..
فإن الشريعة تريد من الرجل أن لا يقترب من مواطن الخطر، فالنظرة حفرة، وبتعبير الروايات: (النظرة سهم من سهام إبليس).. ومصافحة المرأة الأجنبية حفرة.. وإن الذي يقع في هذه الحفرة، فإنه يتورط بالتعلق القلبي، والتفكير الشهوي، والعلاقات المحرمة..
فعدم النظرة، وعدم المصافحة وعدم الخلوة بالأجنبية، ومراعاة الحدود في التعامل، كما قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ}، وقال تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}، حتى عدم الجلوس في مكان قد جلست فيه امرأة، ويحس فيه بحرارة بدنها، وإن كان هذا ليس محرما، ولكنه من موجبات الاحتراز.. فمجموع هذه التشريعات، يفهم منها أن الشريعة لا تريد من الرجل أن يقترب من دائرة الخطر، لا أن يقع في الخطر ثم يطبق عليه الحكم الشرعي، بأن من زنا بامرأة فعقوبته كذا وكذا.. إنما الشريعة جاءت، لتمنعك من الاقتراب.. ولهذا قال تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى}.. وعدم الاقتراب من الزنا، يكون بعدم الاقتراب من الأجواء المثيرة لهذه العملية.. ومن المعلوم أن من حام حول الحمى، أوشك أن يقع فيه.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.