- ThePlus Audio
تأمل في الركوع والسجود وفيما يُستحب من الأذكار فيهما
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير ذكر الركوع
ماذا يقول أحدنا في ركوعه؟ إن من الأذكار المرتبطة بالركوع قولنا: سبحان ربي العظيم وبحمده. إن هذه الجملة، هي من أكثر الجمل إبهاماً. وأظن أن معظم المصلين تقريبا لا يعرفون معنى هذه الجملة. بإمكانك أن تسأل أي مصل، وتقول له: ما معنى سبحان ربي الأعلي أو العظيم وبحمده؟ لتقف على صدق ما ادعيناه. نعم، قد يقول لك: سبحان الله هو تنزيهه عن كل نقص وعيب، ولكن المشكلة تكمن في الجملة الثانية: وبحمده. كيف أسبح الله بحمده؟ ما معنى الباء هنا؟ إن هذه الباء حيرت العلماء.
إن المعاني المتعلقة بهذه الجملة هي معان متعددة؛ فلو كان المعنى واحداً، لأرحنا واسترحنا. لقد وردت وجوه متعددة في تفسير هذه الباء. أولا: قيل: إن الباء هنا باء المعية، أي بمعنى معك. إن بعض الحروف في اللغة العربية تتضمن معنى حرف آخر. يعني: يا رب، أسبحك تسبيحاً مع حمدي إياك تحميداً؛ فهما معنيان مستقلان. وقيل أنها باء الاستعانة؛ أي يا رب، أسبحك، ولكني أستعين بحمدك. فأنا لا أدري كيف أنزهك يا رب؛ فعلمني ذلك. فيأتيك الجواب مثلا: أحمدني، وأنت تقول: يا رب، أنت قادر، وأنت عالم، وأنت قوي؛ ففي كل حمد تنزيه لله عن صفة النقص. فعندما تقول: يا رب، أنت قوي؛ فيعني ذلك تنزيه الله عن الضعف. وعندما تقول: يا رب، أنت حي، فأنت تنزهه عن الموت. وعندما تقول: يا رب، أنت عالم، فأنت تنزهه عن الجهل وهكذا الأمر في كل تحميدة. ويُمكن القول: أن في باطن كل تحميدة تسبيحة ضمنية، وهذا معنى من معاني (وبحمده).
يا رب، أنا متلبس بالحمد والثناء…!
والمعنى الثالث: هو أن هذه الباء هي باء التلبس؛ أي إننا نقول: يا رب، أنا متلبس بالحمد حال كوني منزهاً إياك. بعبارة أخرى نقول: إنني أنزهك وأنا متلبس بهذا المقام وهو مقام التحميد. وهذا الذي نفهمه نحن. فلعلنا لو رأينا المعصوم لأضاف إلى هذه المعاني عشرات المعاني. ولماذا قال: سبحان ربي، ولم يقل: سبحان الله العظيم وبحمده؟ إنني ما رأيت تفسيرا لذلك عند العلماء؛ ولكنني أعتقد أن إضافة الرب إلى نفسك، فيها إشعار بعاطفة العبودية .
إنك عندما تمشي مع ولدك لمتميز في دينهه وفي علمه، وسألوك عنه؛ لا تقول: هذا فلان بن فلان وإنما تقول مفتخرا بانتسابه إليك: هذا ولدي. وأنت هنا تفتخر بأنه منتسب إليك بمعنى أنه ربك وكما ورد عن الأمير (ع): (كَفَى بِي عِزّاً أَنْ تَكُونَ لِي رَبّاً)[١]. وقد تشعر بهذه الحالة بعد أن تعدد صفات الله سبحانه في سورة الفاتحة وتذكر أنه الرحمن الرحيم ثم تقول: يا رب، أنت صاحب هذه الأوصاف وأنا منتسب إليك، وأنت لي وأنا لك، ويا لها من عاطفة جياشة.
لماذا نقول العظيم في الركوع ونقول الأعلى في السجود؟
ذهب البعض إلى أن العبد في السجود أقرب ما يكون إلى الله ولذلك هو مرتبة أعلى من مرتبة الركوع. ومن المفروض أن يكون ذكر السجود أعلى من ذكر الركوع. وليس في قولنا: سبحان ربي العظيم؛ صفة التفضيل؛ ولكن ذكر السجود يتضمن صفة التفضيل فنقول: سبحان ربي الأعلى؛ أي هو سبحانه أعلى من كل عال، وعلوه لا يقاس بعلو آخر. لقد ذكر أحد العلماء كلاما جميلاً، فقال: إن رب العالمين عندما بعث موسى وهارون (ع) إلى فرعون قال لهما: (فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلٗا لَّيِّنٗا)[٢]، وقد كان فرعون يقول: (أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ)[٣]. فإذا كان سبحانه يأمر نيه بالتعامل الإيجابي والقول اللين لطاغية يدعي الربوبية؛ فيكف الأمر بالعبد المسكين الذي يقول في السجود: سبحان ربي الأعلى؛ لا أنا ربكم الأعلى؟ لماذا تُخشن في النصيحة لمن يقول: سبحان ربي الأعلى؟ طالما قطعنا العلاقة بالزوجة والأولاد؛ لأننا لم نقل لهم قولاً ليناً.
أعظم ذكر نقوله في سجودنا وركوعنا
ونقول في الركوع والسجود: اللهم صل على محمد وآل محمد. إن الصلاة على النبي وآله (ص) هي بموازات التكبير في الصلاة. إنك كما تُكبر الله في كل مرحلة تذكر المصطفى وآله كذلك. فأنت في الركوع وفي السجود وفي التشهد وفي الأذان والإقامة تذكر محمدا وآل محمد وتصلي عليهم. إنك تشهد للنبي (ص) بالرسالة وقد رفع الله ذكره وجعل ذكره ممزوجاً بذكره. ولهذا ينبغي أن نتقن الصلاة على النبي وآله (ص) وخاصة في الصلاة. فعندما تقول: اللهم، كن ملتفناً ومتوجهاً؛ لا ذاهلاً. وطالما صليت على النبي وآله (ص) في كل ركعة وسجدة، وفي كل قنوت وتشهد ولكنك كنت ذاهلاً. إن الصلاة على النبي وآله (ص) دعاء؛ فإن كنت مقبلا، قُبل الدعاء وإلا فهو لقلقة قد تُعطى عليها شيئا من الثواب. ولكن أين ثواب اللقلقة وأين ثواب الدعاء؟ حاول أن تجعل الصلاة على النبي وآله (ص) – على الأقل – في الركوع والسجود صلاة لها معنى وفيها طلب.
وما المانع من أن تكرر الصلاة على النبي وآله في الركوع والسجود إلى أن تطمئن أنك صليت على النبي وآله صلاة مرضية مقبولة؟ وهنيئاً لمن استجاب الله دعائه في ركوعه وسجوده بالصلاة على النبي وآله (ص). إن من موجبات الخشوع في الصلاة أن تتقن الصلاة على النبي وآله (ص)؛ فالنبي يراك في عالم البرزخ وأنت ساجد تصلي عليه وأنت تشتكي في قلبك من الإدبار والذهول؛ أفلا تحتمل أن يسأل النبي وآله (ص) الله عز وجل في أن تُعطى مدداً في ركوعك وسجودك وصلاتك؟
لماذا العجلة؟
وللأسف الشديد نرى البعض يصلي وفي أول الوقت؛ ولكنه يبدو وكأنه كاره للقاء الله عز وجل؛ فلا يؤذن ولا يقيم ولا يصلي على النبي وآله (ص) ويكتفي من التسليمات بتسليمة واحدة، ثم يجلس مع أقرانه يقهقه. كيف نصف أمثال هؤلاء؟ نعم، إن الأذان والإقامة والقنوت والصلاة على النبي وآله (ص) أمور مستحبة ولكنك تخسر بتركها خسرانا عظيما. ولماذا توفر هذه الدقائق من وقت الصلاة؟ هل توفرها لتصرفها أمام التلفاز لمشاهدة كل ما هب ودب؟ أو تصرفها للقهقة والضحك والمسامرة مع الأصدقاء؟ إن الإنسان يستطيع هو أن يميز؛ هل كان ضيفا ثقيلا أو خفيفا. فلو كان ضيفا خفيفا لتشب به صاحب المنزل وأصر عليه بالبقاء فترة أطول ولقال له مثلا: بالله عليك…! أطل قليلاً فما قمنا بعد بالضيافة وقد بقيت الحلوى مثلا. فهو يُماطل بهذه الطريقة وأمثالها لكي يستبقيك فترة أطول. وهنا يشعر الشيف أنه عزيز عند المضيف.
لا تقف بين يدي الله وقوف من يقول بلسان الحال: يا رب، أنا مستثقل بالصلاة بين يديك. فإذا كنت كذلك؛ كيف تستفيد من صلاتك؟ إنك في هذه الحالة لا تزداد من الله إلا بعداً لا تستعجل في الصلاة؛ وخذ وقتك الكافي في الصلاة على النبي وآله في كل ركوع وسجدة ويُستحب لك أن تُكرر ذكر الركوع والسجود وترا ثلاثاً أو خمساً أو إلى آخره، وكن مؤدباً بين يدي الله عز وجل.
الركوع الحقيقي
لقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (لاَ يَرْكَعُ عَبْدٌ لِلَّهِ رُكُوعاً عَلَى اَلْحَقِيقَةِ إِلاَّ زَيَّنَهُ اَللَّهُ بِنُورِ بَهَائِهِ وَ أَظَلَّهُ فِي ظِلاَلِ كِبْرِيَائِهِ وَ كَسَاهُ كِسْوَةَ أَصْفِيَائِهِ)[٤]؛ أي أن هناك ركوع مجازي شكلي، وهناك ركوع على الحقيقة، حاول أن تكون ممن ينال هذه الحقيقة في ركوعه ويعرف هذا السر في صلاته.
خلاصة المحاضرة
- إننا نرى البعض يصلي وفي أول الوقت؛ ولكنه يبدو وكأنه كاره للقاء الله فلا يؤذن ولا يقيم ولا يصلي على النبي (ص) ويكتفي من التسليمات بتسليمة واحدة، ثم يجلس مع أقرانه يقهقه. نعم، إن الأذان والإقامة والقنوت والصلاة على النبي وآله (ص) أمور مستحبة ولكنك تخسر بتركها خسرانا عظيما.
- إن الصلاة على النبي وآله (ص) هي بموازات التكبير في الصلاة. إنك كما تُكبر الله في كل مرحلة تذكر المصطفى وآله كذلك. فأنت في الركوع وفي السجود وفي التشهد وفي الأذان والإقامة تذكر محمدا وآل محمد وتصلي عليهم، وهذا سبب من أسباب الخضوع وقبول الصلاة.