تأمل في التسبيحات الأربع وما لها من الفضل عند الله

بسم الله الرحمن الرحيم

فضل التسبيحات الأربع والتخيير بينها وبين الفاتحة

إننا نُلاحظ في الصلاة؛ أن تسبيحات الأربع جعلت عدلاً للفاتحة، والمرء مخير بينهما؛ فإما أن يقرأ الفاتحة أو السبع المثاني وإما أن يقرأ التسبيحات الأربع ثلاث مرات. إن بعض الفتاوى تُجيز لك الإتيان بالتسبيحات مرة واحدة، ولكن من الأفضل ألا يختصر المؤمن في تمجيد ربه.

ولو لاحظنا التسبيحات الأربع؛ لوجدنا في كل فقرة من هذه التسبيحة لفظ الجلالة: سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر. إنك تذكر الله أربع مرات، فإن قلتها ثلاثاً، فأنت تذكر الله اثني عشر مرة. ثم كن مؤدباً ولا تتلفظ بلفظ الجلالة إلا وأنت مقبل، كما أنك لا تمس لفظ الجلالة إلا بوضوء. طهر فكرك عند ذكر الله عز وجل. فكما أنك لا تلمس لفظ الجلالة إلا على وضوء؛ فلا تذكر الله إلا وأنت متوضأ فكريا. لا تقل: الله، وفكرك في طعام الغداء أو في معركة مع زوجتك أو في صعود الأسهم ونزولها. قل: سبحان الله، وتذكر رب العزة والجلال. إن المؤمن كلما ذكر لفظ الجلالة؛ أقبل بفكره. فهو يذكر الله سبحانه اثني عشر مرة، وهو مُقبل عليه في أثناء ذلك.

أعظم متعة في الوجود لأولياء الله الصالحين

إن أعظم متعة في الوجود لأولياء الله الصالحين؛ هو أن يجلس أحدهم في خلوة ويكرر لفظ الجلالة مئات المرات، ولا يعرف متعة هذا الذكر إلا أهله. اذكر الله بالتهليل وبالتحميد وبالتسبيح، وأدم ذكره في سجودك ومن دون عدد معين؛ بل اذكر الله عز وجل ما دمت مقبلا. إن الذي يذكر الله من دون إقبال هو كمن يضع الطعام على فمه المغلق. لو وضعت أشهى أنواع الحلاوة في العالم على فمك وأنت مطبق فمك، فلن تستلذ بهذه الحلاوة، إنما تستلذ بها عندما تدخل فمك.

ولفظ الجلالة فيها من الأسرار ما فيها. يقول البعض: إن كل حرف من حروف لفظ الجلالة لها معنى. فاحذف الألف لتُصبح الكلمة (لله) وهي لفظة لها ذكر في القرآن. وإذا حذفت اللام أصبحت (له) وفي القرآن لها ذكر أيضا. ولو حذفت اللام الثالثة لأصبحت (هو) وهو الضمير الذي يعود إليه سبحانه. إن لفظ الجلالة هي أرقى كلمة في الوجود.

لقد روي عن أحد أصحاب الإمام الصادق (ع) أنه قال: (وُلِدَ لِي غُلاَمٌ فَقَالَ بَارَكَ اَللَّهُ لَكَ فَمَا سَمَّيْتَهُ قُلْتُ سَمَّيْتُهُ مُحَمَّداً ، فَأَقْبَلَ بِخَدِّهِ نَحْوَ اَلْأَرْضِ وَ هُوَ يَقُولُ مُحَمَّدٌ مُحَمَّدٌ مُحَمَّدٌ ، حَتَّى كَادَ يَلْصَقُ خَدُّهُ بِالْأَرْضِ)[١]؛ إن الإمام الصادق (ع) يسمع اسم محمد تتغير حاله بهذه الصورة؛ فكيف إذا ذكر الله عز وجل؟ كن كإمامك بدرجة من الدرجات، وأين نحن من أئمة أهل البيت (ع).

سل الله أن يُجمل روحك كما جمل صورتك

ولكن الذي لا يرى الله عز وجل في قلبه؛ يثقل عليه ذكره. إن الحديث هذا حديث نظري؛ ولكن الذي يبحث ويقرأ ويستمع، سيرى مع الأيام شيئاً. إن جمال النساء والطبيعة رشحة من جماله. إن رب العالمين سبحانه ينحت في هذه المضغة التي هي قطعة من اللحم المتشوه القبيح الذي يُشبه الضفدع ما تُصبح بعد خروجها من بطن أمها ملكة جمال العالم. إنها ريشة الصانع الذي يصورنا في الأرحام كيف يشاء. فإذا كان تصويره في رحم صغير بحجم فاكهة صغيرة هكذا؛ فكيف إذا أراد أن يجملك في روحك.

سل الله عز وجل أن يحول مضغة الأرواح إلى جمال الأرواح. إن أرواحنا في عالم الأجنة لازالت في مرحلة البويضة الملقحة، والخلية الواحدة، وقد تحول البعض إلى خليتين أو أربع، والبعض إلى قطعة من اللحم، والبعض له عظم ولكن لم يكسى لحماً أو العكس. فلنسأل الله عز وجل أن يُعمل خلاقيته في عالم الأرواح؛ فعندئذ تعلم معنى: سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر.

تعرف على المواد الأولية لبناء صلاة خاشعة

واعلم أن التسبيحات الأربع هي ملخص الصلاة. فقولك: سبحان الله والحمد لله رجوعك إلى الركوع والسجود الذين قواهما التسبيح والتحميد. وأول آية في سورة الحمد هي: الحمدلله. وتبدأ الأذان والإقامة بلا إله إلا الله، وفي التسبيحات تكون قد رجعت إلى التهليل. والله أكبر هو الرجوع إلى تكبيرة الإحرام. وبتكبيرة الإحرام أذن لك في الدخول على ساحة العز الإلهي. إن التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير بمثابة الطوابيق التي منها بنيت الصلاة. فإن خشعت في التسبيحات الأربع؛ فقد هيأت المادة الأولى لبناء صلاة خاشعة.