تأملات في سورة الناس 2

أعوذ بالله من الشیطان الرجیم
بسم الله الرحمن الرحیم
وأفضل الصلاة وأتم السلام علی أشرف الخلق وسید المرسلین محمد المصطفی وآله الطیبین الطاهرین
لازلنا علی مائدة سورة الناس هذه السورة التي نعود بها انفسنا لو بحثنا في القرآن الکریم من اوله إلی آخره لا نجد سورة فیها هذا التأکید علی الإستعاذة من شر الشیطان الرجیم، قلنا هذه السورة فیها إستعاذات متکررة ثلاث إستعاذات الاستعاذة بالرب الاستعاذة بالملك الإستعاذة بإله الناس وفي کل آیة کلمة الناس متکررة، یعني کل جهة من هذه الجهات مستقلة في التأثیر؛ الآن لماذا هذا التأکید علی الإستعاذة بالله عزوجل من الشیطان الرجیم؟ قلنا في سورة الفلق استعاذة واحدة قل أعوذ برب الفلق انتهی؛ الآن من شر ما خلق إلی آخره، الإستعاذة بالله عزوجل من الشیطان لجهاتٍ؛ اولا الوسوسة فيه خفیة من منا رأی الشیطان؟ بینما العدو الخارجي بالإمکان دفعه؛ سارق قاطع طریق انسان یرید أن یخدعك یتکلم معك تراه وتراه دفعه ممکن ولهذا قیل بأن الجهاد جهاد النفس هو الجهاد الأکبر لأنك تجاهد في مجال لا تراه لا النفس تراها ولا الشیطان الموسوس تراه؛ شغلك في غیب مع غیب، نحن قلنا في مکانه تخیل انسان جراحاً تدخله غرفة العملیات نقول یا فلان أجري عملیةً، لمن؟ تقول لجسم لا یری؛ یقول کیف أستئصل ورماً من جسم لا یری؟ ترید أن تعالج نفساً لا تری بجهاز ایضا لا یری والذي یمنعك من ذلك شیطان لا یری کله غیب في غیب في غیب! ولهذا الاستعاذة بالله عزوجل من کید الشیطان الرجیم حقیقتا استعاذة في محلها.
ثانیاً هذه الوسوسة تأتي من مصدرین مختلفین من شر الجنة والناس یعني الشیطان تارة یوسوس لك في باطنك وتارة عبر أولیائه من البشر یوحون إلی اولیائهم زخرف القول ولهذا نری بعض کبار المنحرفین فکریاً الذي یدعوا إلی الإلحاد والکفر تری کلامه کلاماً لا یتناسب معه کأن هنالك من یُلقي علیه قولاً باطلاً، اذاً الوسوسة من مصدرین.
في اللغة العربیة ثالثا الفعل المضارع یدل علی الإستمرار یأتي للقاضي من یشتکي یقول فلان ضربني یعني ضربني في مورد اما تأتي الخادمة وتقول فلانة تضربني یعني هذا دأبه هذا دیدنه، الشیطان لو وسوس لآدم مرة واحدة وانتهی لقلنا الشیطان وسوس ولکن الشیطان شغله یوسوس، منذ أن تبلغ إلی أن تموت وهو یلقنك الباطل بل قبل البلوغ ایضا لماذا نری بعض الاطفال یرتکب حرام الکبار؟ یعمل المنکرات التي یرتکبها الکبار الشیطان یوسوس حتی لغیر البالغ؛ العدوا المتربص مرة عدو یشهر سلاحا في وجهك هکذا مباشرة وتارة عدو یختبئ خلف جدار هکذا الإغتیالات في الدول؛ لیرید أن یغتال أحداً یأخذ زاویة فإذا مررت من خلالها هجم علیك وإن رأيته هذا الانسان الشریر یختبئ مرة ثانیة حتی یظهر لك مرة أخری هذا یسمی الخناس یعني یظهر ثم یتراجع لئلا تکتشفَ.
هناك روایة اخواني من الروایات المخیفة في بیان وسوسة الشیطان الروایة عن النبي الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم، إن الشیطان واضع خطمهُ علی قلب بني آدم! تخیل الشیطان له خرطوم هذا الخرطوم علی قلب بني آدم فإن ذکر الله خنس یعني الأصل أن یوسوس، إن ذکر الله خنس وإن نسي إلتغم قلبه تخیل انسان رأسه في فم التمساح هذا ماذا سیجري علیه؟ یعني کما یقال تحت رحمته وإن نسي التغم قلبه فذلك الوسواس الخناس؛ اذاً إن کنت الشیطان یکفي أن یکون غافلاً عن الله عزوجل بمجرد أن تغفل أنت وقعت في جوفه اذاً هو خناس ایضاً، الآن تخیل هذه الأمثلة تنفع؛ لو أن دولةً معادیة تهجم علی مدینة في كل آنٍ هذه الدولة المعادیة تهجم بطائراتها مثلا؛ من علی الأرض له ما یسمی بالمضادات الجویة لابد في کل آنٍ یواجه هذه المضادات إن هدأت أصحابها ناموا هذا العدو یعمل عمله! ماذا نرید أن نقول؟ یوسوس فعل مضارع أعوذ اجعله مضارعاً ایضاً الطائرات لا تنقطع المضادات ایضا لابد أن لا تنقطع، اخواني المشکلة الشیطان عینه علی مواطن التوجه فإذا قرأت القرآن فأستعذ، لماذا دائما نبدأ تلاوة القرآن بالإستعاذة والبسملة؟ حتی في الصلاة الواجبة یُستحب لك أن تستعیذ ایضاً ما دمت غافلا الشیطان لا یطمع فیك كثيراً تفتح القرآن یأتيك الشیطان ولهذا بعض الأخوة یقول کلما أفتح القرآن یأتيني النعاس لم؟ لأنك في حال طاعة، دخلت المسجد إستعذ ترید أن تصلي إستعذ ترید أن تزكي إستعذ کلما أردت خیرا استعذ بالله عزوجل اذاً الأمر بحاجة إلی استعاذةٍ مستمرة.
ایضا من مواطن الالتفات والتوجه کلامنا في الإشارات واللطائف؛ من شر السواس الخناس الذي یسوس في صدور الناس من الجنة والناس؛ یعني حقیقتا بعض البشر یصل إلی درجة من الدرجات الانحراف یکون عدیلاً لإبلیس ولهذا في شهر رمضان الشیاطین مغلولة ولکن صاحبك قد تکون الصاحبة زوجة توسوس لك في حکم الشیطان! قد تکون أنت في حکم الشیطان لها ایضاً لا نرجح أحد الطرفین صدیق السوء في حکم الشیطان یوسوس لك؛ اذاً کما تستعیذ بالله عزوجل من الشیطان إستعذ بالله من هذا الموسوس البشري، طبعا الاستعاذة من الموسوس البشري أهون؛ الشیطان کیف تقاطعه؟ یجري في إبن آدم مجری الدم في العروق هل یمکنك أن تستغني عن دمك؟ ولکن صدیق السوء قاطعه الأمر هین، انسان دینه تأثر بزوجته زوجة غیر صالحة كإمرأة نوح ولوط في الروایة إن سألت الله عزوجل أن یخلصك منها دعائك لا یستجاب یقول جعلنا الطلاق بیدك طلقها وأسترح منها؛ طبعا اذا بلغت مبلغاً من الشر، اذاً في الموسوس البشري اذا رأيت هذا الانسان زوجاً زوجةً إلی آخره حتی الأبوین! قلنا للأخوة إن کان لك أبوان منحرفان کلما تذهب یقعان في الغیبة حاول أن تصلهما من دون أن تشارکهما في الأثم القرآن ماذا یقول؟ وإن جاهداك علی أن تشرك بي ما لیس لك به علم فلا تطعهما ولکن ما النتیجة؟ وصاحبهما في الدنیا معروفا المصاحبة في المعروف لا تنافي أن تجعل نفسك في حرزٍ من شر الشیطان الرجیم.
کلمة أخيرة أحدنا عندما یقرأ هذه السورة تقریبا یکاد ینتابه الیأس اولا یوسوس مضارع ثانیا خناس خبیث کلما ترید أن تکتشفه یهرب منك یذهب ثم یعود له أصدقاء من البشر؛ من الجنة والناس اذاً وخبرته طویلة منذ زمان أبينا آدم أين الخلاص؟ رب العالمین في آیات أخری یطمئننا هذه الآیات مخیفة وغیر مطمئنة؛ منها قوله تعالی وأعلموا أن الله یحول بین المرء وقلبه الشیطان یوسوس رب العالمین یُلهم مقابل الوسوسة الإلهام، في آیة أخری یقول إن الذین إتقوا اذا مسهم طائف من الشیطان تذکروا هذا التذکر یأتي بفضل الله عزوجل إذ أوحینا إلی أمك ما یوحی أم مریم أم موسی لیست بنبیة ولکن الله عزوجل أوحی لها بالإلهام، إنهم فتیة آمنوا بربهم وزدناهم هدیً اذاً رب العالمین ایضا له دوره في تسدید عباده المؤمنین إن قلوب العباد بین اصبعین من أصابع الرحمن الشیطان یوسوس ورب العالمین یُلهم ویحول بین المرء وقلبه.

إلهي بفاطمة وابیها وبعلها وبنیها والسر المستودع فیها عجل لولیك الفرج أبلغه عنا تحیة وسلاما بلغ أرواح المؤمنین والمؤمنات ثواب الفاتحة مع الصلوات.