- ThePlus Audio
تأملات في سورة العلق
بسم الله الرحمن الرحيم
من المعروف أنّ أول الآيات التي نزلت في القرآن الكريم هي الآيات الأولى من سورة العلق وهي قوله تعالى: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ..)[١].
وفي هذه الآيات دروس بليغة لكيفية التعلم وما الذي نتعلم، ورغم أنّها آيات قصيرة، إلا أنّ في كل آية إشارة لطيفة، ففي قوله: (اقرأ باسم ربك) القراءة هنا ليست هدفاً في حد نفسها، بل القراءة ينبغي أن تكون مباركة من الله (عزّ وجل)، فعندما نريد أن نقرأ متبركاً ببسم الله تعالى، من الطبيعي أن لا نقرأ الباطل الذي فيه ابتعاد عن الحق، ولا ننظر إلى صورة محرمة، وكذلك لا نقرأ كتاباً قد يوجب لنا الانحراف في العقيدة، فعند ما نريد أن نقرأ بسم الله الرحمن الرحيم نبتعد عن كل باطل؛ لأنّ الباطل لا يبدأ ببسم الله أبداً.
القراءة الهادفة
هنالك تنافر بين الحق والباطل، وماذا بعد الحق إلا الضلال، الشيطان في جانب والرحمن في جانب آخر، فلا بد من أن نقرأ قراءة هادفة وذات جدوى، ولكن ماذا نقرأ والعلوم كثيرة فمن أي علم نبدأ وماذا؛ لأنّ العمر لا يفي بكل علوم هذا الوجود مع وجود تشعبات كثيرة في كل علم؟ لا بد أن نقرأ ذلك العلم الذي يكون في مسير حركتنا إلى الله (عز وجل)، العلم الذي ينفعنا في الحياة الدنيا، ويستمر معنا إلى الآخرة (اقرأ باسم ربك الذي خلق*خلق الإنسان من علق) [٢]، خُلقا من نطفة فكانت هذه هي البداية، وهناك أيضاً نهاية لهذه الحياة، فما بين البداية والنهاية لابدّ أن نقرأ ما يُعيننا في هذا الطريق، فالعلم الذي لا ينفعنا لا في الدنيا ولا الآخرة، الحركة التي لا تصب في تحقيق أهدافنا الدينية ولا الدنيوية تكون عبثية، فتكون مصداقاً لقول الله (عزّ وجل): (وَالْعَصْرِ*إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ)[٣]، فلا بد من اختيار العلم الذي يحقق الغاية المنشودة من الخلق.
الاستعانة بالقلم والكتاب طريقاً للوصول إلى الكمال
(اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ*الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ*عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)[٤]، هو علمٌ لكن بوسيلة هذه الباء التي تسمى (باء الوسيلة أو باء السببية) لا بد من القلم لينتقل هذا العلم إلى العبد، إذا كنّا نريد أن نصل إلى العلوم الربانية؛ لا بد وأن نستعين بالقلم إرشادا تارة، وبالكتاب استرشاداً تارة أخرى، فالذي يطلب العلم الرباني وهو يريد أن يقطع صلته بالقلم وبالكتاب ويكتفي بالتأملات والتخيلات وطلب المكاشفات ونزول الفيوضات وهبوب الواردات، كل ذلك خلاف المنطق في هذه الآية.
كيفية حفظ العلم
كيف نحفظ العلم، هناك من يشتكي ويقول قرأنا الكثير والكثير، وما بقي منه إلا اليسير، إن لم نقل لم يبق منه شيء، فما هي الفائدة في القراءة؟ جوابنا عن هذا التساؤل بعدة نقاط:
أولاً: إنّ القراءة مثل الدعاء والصلاة، فعند ما نصلي هل نحصل على شيءٍ نقدي، أم أننا مأمورون بالصلاة الواجبة والمستحبة فنستيقظ في جوف الليل ونتهجد لمدة ساعة أو أقل أو أكثر، وفي النهار نكون كباقي أفراد البشر ليس هنالك جائزة معجلة، فلا بد أن نقرأ بداعي التقرب إلى الله عبادةً بين يديه (تبارك وتعالى).
ثانياً: هذا العلم مخزون في لا شعورنا فعندما نقرأ المسألة الشرعية من الرسالة العملية مثلاً بعد فترة نعتقد أنّها صارت في دائرة النسيان، لكن مجرد حدوث حادثة ترتبط بما قرأنا نستحضر المسألة، فإذا قرأنا مسألة في أحكام الحج مثلاً وبعد سنوات نذهب إلى الحج وإذا بهذه المسألة المدفونة في الباطن تطفو على السطح فنتذكّر المسألة التي قد نسيناها، هذه طبيعة العلم، فليس على الإنسان أن يعيش حالة اليأس لمجرد أنه ينسى ما يقرأ.
ثالثاً: من المعروف هذا المجال إن ترك المعاصي أيضاً من موجبات انفتاح الأبواب الباطنية، وتقوية الذاكرة لأنّ تشتت الفكر من تشتت الصور الواردة، فإذا قَلّت هذه الصور تحقق التركيز الذي يتمناه كل مؤمن في عباداته أو في تأملاته.
خلاصة المحاضرة
- من المعروف أنّ أول الآيات التي نزلت في القرآن الكريم هي الآيات الأول من سورة العلق وهي قوله تعالى: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ..).
- وفي هذه الآيات دروس بليغة لكيفية التعلم وما الذي نتعلم، ورغم أنّها آيات قصيرة إلا أنّ فيها دروس لطيفة.
- ففي قوله: أقرأ باسم ربك* القراءة هنا ليست هدف في حد نفسها، بل القراءة ينبغي أن تكون فيها مباركة من الله عزّ وجل، فعندما نريد أن نقرأ بسم الله متبركين باسمه سبحانه وتعالى، ومن الطبيعي والحال هذه أن نترك قراءة الباطل وما فيه ابتعاد عن الحق.
- وفي قوله تعالى: (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) هو علمٌ بوسيلة، وهذه الباء التي تسمى (باء الوسيلة أو باء السببية) تعني الاستعانة، فلا بد وأن نستعين بالقلم إرشادا تارة، وبالكتاب استرشاداً تارة أخرى للوصول للعلم الحقيقي، ومن يريد أن يقطع صلته بالقلم وبالكتاب ويكتفي بالتأملات والتخيلات وطلب المكاشفات فكل ذلك وأمثاله لا يوصله للعلم الربان بمقتضى الآية والمنطق..