• ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

بهذه الخطوات تنال مقام حداث الحسين (عليه السلام)

بسم الله الرحمن الرحيم

مقام يبحث عنه كل زائر للحسين (عليه السلام)

كثيرة هي الروايات التي تحدثت عن فضل زيارة الحسين (ع) وما يترتب على هذه الزيارة من آثار وهي روايات معروفة في أوساط المؤمنين. من الروايات التي تذكر مقاما يُمكن أن يصل إليه زائر الحسين (ع) ونحن نطمع أن نصل إليه في دار الدنيا قبل الآخرة، مقام حداث الحسين (ع). أي نريد الوصول إلى درجة لو كنا في أقصى بلاد العالم في القطب الشمالي مثلا، أن نغمض عينينا ونتحدث مع الحسين (ع). إننا نتفاعل عادة من خلال النظر، فنرى القبة السامية والضريح المطهر، فإذا أغمضنا عينينا فسيان أن نكون عند الضريح أو في البلاد النائية.

والأمر يُشبه تماما ما يحدث في الصلاة. نحن لا نرى في الصلاة شيئا ولكن هل يمنعنا ذلك من التفاعل والإقبال والخشوع؟ ولهذا يُغمض البعض عينيه في الصلاة وإن كان ثمة اختلاف بين العلماء في كراهة إغماض العين، ولكن ذهب البعض إلى أن الكراهة ترتفع إن كانت يعينك الإغماض على الإقبال. فهذه الكراهة مجبورة بالإقبال.

هكذا خاطب الحسين (عليه السلام)

ماذا نفعل نحن في الصلاة؟ إننا نفكر في جهة عليا ونخاطبها من دون أن نراها من خلال قراءة الفاتحة وفي القنوت وفي جميع أركان الصلاة. فالمطلوب منك التجرد من عالم المادة لا في الصلاة فحسب؛ بل في كل عمل عبادي تقوم به كالحج مثلا. في الحج لا ترى إلا بيتا من حجر والصفا والمروة أحجار وكل ما تراه من حولك حجر ينبغي أن تتجرد منه وتتوجه إلى الله سبحانه. والتجرد يعني أن تكون قادرا على الأنس بالحديث بربك في سجودك؟ وهذا ما ينبغي أن تصل إليه في علاقتك مع الحسين (ع). أن تغمض عينيك وتزور الحسين (ع) بقلبك وإن لم تكن حاضرا في كربلاء وإن لم تكن عند الضريح المقدس. وهذا هو المعنى الذي أشارت إليه الرواية بحداث الحسين (ع).

أن تحدث الإمام (ع) فهذا أمر ممكن؛ فالبعض يُتقن فن الحديث النفسي، فيتحدث مع الإمام (ع) بقلبه فتجري عبرته من دون أن ينبس ببنت شفة. تسأله: يا فلان، ما بك؟ يقول: تذكر الأمر الفلاني أو المصيبة الفلانية فجرت عبرتي وهاج حزني. ولكن الأعظم من الحديث مع الحسين (ع) الاستماع إلى الحسين (ع)…! سل الله عز وجل أن يعطيك هذه المرتبة التي تستلم فيها الجواب بقلبك وتشعر بالأنس والارتياح بعد الخروج من عند الضريح المقدس وكأن الإمام (ع) قد مسح على قلبك وعقلك. فإن وصلت يوما إلى هذه المرتبة، فأنت زائر مثالي.

كيف نصل إلى هذه المرتبة؟

لابد وأن يكتشف الإنسان نفسه أولا؛ فكما روي: (مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ عَرَفَ رَبَّهُ)[١]. إن في كل واحد منا مثلث ينبغي أن يُتقن صنع أضلاعه. الضلع الأول هو ضلع الفكر والاعتقاد. كن متفكرا متأملا دائما؛ فقد كان لقمان الحكيم كثير التفكر وكان أبوذر رضوان الله عليه كثير التفكر أيضا، فقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (كَانَ أَكْثَرُ عِبَادَةِ أَبِي ذَرٍّ رَحِمَهُ اَللَّهُ اَلتَّفَكُّرُ وَاَلاِعْتِبَارُ)[٢]. وهؤلاء لم يكونوا من الأنبياء ولا من الأوصيا حتى يقول قائل: أنى لنا التأسي بهم؟!

التفكير وحل مشاكل الأسرة

قد يقول قائل: إنني أخشى من التفكير لأنني أخاف من أن أصاب بالهلوسة أو أصاب بمرض نفسي. ليس الأمر كذلك؛ فكر وسل الله عز وجل أن يعينك على التفكير. واعلم أن أضل وقت للتفكير والتأمل، بعد الصلوات الواجبة. إن كنت محيرا في تربية ولدك أو في التعامل مع زوجتك المشاكسة أو الزوجة متحيرة في التعامل مع زوجها، فمن تسأل؟ قد تسأل إنسانا لا يعلوك في فكره، فيشيرك عليك بمشورة خاطئة.

فبدل أن يقول لك: اصبر على أذاها وتحملها، فهي أم أطفالك وعاملها بالحسنى وادفع بالتي هي أحسن عسى أن تتغير وتعود إلى رشدها، يختصر على نفسه الطريق ويقول لك: طلقها وارتح من شرها…! أو يشير عليك في ما يتعلق بولدك المتمرد عليك: أعطه ما يريد ودلله وأشبعه ودعه ينطلق في الحياة. هذا المستشار غير مؤمن ولا عقل له، وما يصفه لك خطير للغاية. إن هذا الولد آخذ طريقه في الحرية المحرمة وأنت تعينه على ارتكابها. ولكن بدل ذلك اجلس بعد الصلاة على مصلاك وفكر في أمورهم وإصلاح شئونهم. ولهذا نرى للمؤمن أنسا بالتعقيب إلى درجة يكون تعقيبه أضعاف صلاته. ومن الأمور التي تصب في خانة التفكير؛ الاستماع إلى الخطب والكتب القيمة.

أما الضلع الثاني فهو ضلع المشاعر والحب. امرر على المواكب الحسينية وانظر كيف تطفع بالحب الذي يتجلى في وجه الزائر وأصحاب المواكب من خلال تكريم الزائرين والسعي في قضاء حوائجهم وتخفيف معناة المشي عنهم. وانظر إلى الشعراء وما ينظمونه من القصائد كل عام في حب الحسين (ع) وحب زيارته.

حاول أن تقترب من هذه الذوات لا من خلال العاطفة المجردة، بل من خلال الالتزام بالشريعة والعمل بما روي عنهم. قد تجد البعض يقول: إنني مستعد للمشي مئات الأميال حبا بالحسين (ع) وزيارته ولكنه غير مستعد لكي يصلي صلاة الصبح في أول وقتها. نعم قد يتحفز في أجواء الزيارة فيصلي في أول الوقت، ولكنه يرجع إلى الوطن فيرجع إلى ما كان عليه. العبرة كل العبرة في الاستمرار بعد الزيارة بهذا الالتزام. كن حسينيا في كل المواسم وفي جميع أبعاد حياتك.

عفت عن قاتل ولدها لحظة الإعدام

من الفقرات التي وردت في الزيارة الجامعة في وصف الأئمة (ع): (اَلْأَدِلاَّءِ عَلَى مَرْضَاةِ اَللَّهِ)[٣]. وهذه من الصفات التي ينبغي أن نتصف بها نحن أيضا. لتكن بوصلتنا في الحياة رضا الله عز وجل لا رضا النفس وشهواتها. يُقال: أن امرأة عفت عن قاتل ولدها في لحظة الإعدام، فقيل لها: ولم عفوت عنه وقد كنت تصرين على القصاص؟ قالت: فكرت في نفسي أن في القصاص رضا نفسي وفي العفو رضا ربي، فلا أختار على رضاه شيئا. لقد لان قلب هذه المرأة رأفة بذريته وشفقة بزوجته واكتسابا لرضا ربها. فليكن هذا شعارك في الحياة. فإن نازعتك نفسك إلى النظر إلى أجنبية، فتذكر الشعار: ما هو الأرضى؟ ولذا روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (وَاَللَّهِ مَا عَرَضَ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَمْرَانِ قَطُّ كِلاَهُمَا لِلَّهِ طَاعَةٌ إِلاَّ عَمِلَ بِأَشَدِّهِمَا وَأَشَقِّهِمَا عَلَيْهِ)[٤].

أيهما أشق عليك المشي أم التنقل في السيارة؟

لقد سمعت أحد العلماء يقول: أنت من النجف إلى كربلاء لك سبيلان؛ أن تركب دابة وتصل في ساعتين، أو تمشي في يومين، فأيهما أشق عليك؟ اختر ما هو الأشق وما هو الأرضى لله عز وجل.

وإننا نصف الأئمة (ع) كذلك في زيارة الجامعة فنقول: (اَلَّذِينَ لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ)[٥]. وهذه الصفة هي من الصفات المشتركة بينهم (ع) وبين الملائكة. ولكن شتان بين الملك والإمام؟ ألم ينشد في مدحهم الشاعر:

قلت: لا أستطيع مدح إمام
كان جبريل خادماً لأبيه[٦]

المنتظر الحسيني هذه صفته…!

فإن وقع نزاع بينك وبين انسان في مال أو في دار أو في عقار أو وقع خلاف بينك وبين زوجتك؛ فلا تذهب إلى المحاكم، وقل: بيني وبينك الرسالة العملية وقول المجتهد. إن المجتهد في زمان الغيبة وكيل الإمام بالمعنى العام، ولا يسبقونه بالقول يشمل المجتهد أيضا؛ فخذ الفتوى ولو عليك، ووقع على بياض وكن مستسلما لما قاله الحاكم الشرعي. لماذا تجعل لنفسك محامياً يدافع عنك بالباطل، فتأخذ المال وأنت تعلم أنه ليس من حقك؟ أين هذا من قولك في الزيارة: (اَلَّذِينَ لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ)؟ إن المنتظر الواقعي والحسيني الواقعي هو الذي تكون عينه على التكليف وعلى ما يقوله رب العزة والجلال.

مشاية إلى القبر؟!

ومما ورد في وصفهم في الجامعة: (أَدَمْتُمْ ذِكْرَهُ)[٧]. فهل نحن كذلك؟ إننا نشاهد المشاية منذ الخروج من المنزل حتى الوصول إلى كربلاء في أجواء إيجابية وفي ذكر متواصل. فهم يصلون في أول الوقت ويلهجون بذكر الله عز وجل طوال الطريق. ولكن لا يكفي ذلك، فينبغي أن يستمر الإنسان بهذه الحالة طوال العمر لا في المشاية فحسب. إذا وصلت إلى الضريح خاطب الحسين (ع) قائلا: اجعلني من مشايتك إلى الأبد واجعل سعيي في طاعتك لا في الوصول إلى كربلاء فقط.

إن الوصول إلى كربلاء لا يعني انتهاء المسيرة، وإنما ينبغي أن تكون من الساعين بعد ذلك إلى كسب مرضاة الله عز وجل. وبعبارة أخرى: مشاية الأرض تنتهي بالوصول إلى كربلاء ومشاية النفس لا تنتهي إلا بالموت. ابدأ مسيرة أخرى من كربلاء إلى القبر، وقل: يا مولاي، أريد أن أكون من السائرين إلى الله عز وجل إلى يوم لقائه وتذكر قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ)[٨].

الغيرة بين النفس والجسد

إن الكدح في طريق يا حسين كدح مطلوب؛ ولكن الكدح الأرقى أن تكون في كدح باطني إلى يوم لقائه. كلنا يعلم ما تفعله غيرة النساء؛ فالغيرة هذه تشتعل عندما ينوي الرجل الزواج من ثانية. ولكن المطلوب أن تجعل الغيرة بين بدنك وبين روحك. خاطب الروح قائلا: لقد تعب الجسم في الزيارة ونحل، فما هو نصيبك أنت؟

ثم نخاطبهم قائلين: (وَصَبَرْتُمْ عَلَى مَا أَصَابَكُمْ فِي جَنْبِهِ)[٩]. إن من المعاني التي لمستها بنفسي؛ أن الإنسان كلما ازداد قربا من سيد الشهداء (ع) سواء من خلال المنبر أو الشعر أو الخدمة، ازداد ابتلائه. إن من الظواهر الغريبة أنك ترى الحسينيون مبتلون عادة. فما رأيت خطيبا إلا وهو مبتلى. بعبارة أخرى: إذا أردت أن تكون حسينيا تحمل كما تحمل الحسين (ع) الذي كان مجمع المصائب. فلا تستغرب من الأذى الذي يصيبك في هذا الطريق فقد روي: (مَثَلُ اَلْمُؤْمِنِ مَثَلُ كِفَّتَيِ اَلْمِيزَانِ، كُلَّمَا زِيدَ فِي إِيمَانِهِ زِيدَ فِي بَلاَئِهِ، لِيَلْقَى اَللَّهَ (عَزَّ وَجَلَّ) وَلاَ خَطِيئَةَ لَهُ)[١٠] والبلاء للولاء والأمثل فالأمثل.

ولهذا قد ترجع من زيارة الأربعين في شهر ربيع الأول فتبتلى ببلية؛ فلا تتبرم ولا تقل: إنني مشيت إلى الحسين (ع)، فكيف ابتليت بما ابتليت به؟ هل المشي إلى الحسين (ع) يعفيك من البلاء؟ فقل بدل ذلك: اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا. إن المرض الذي يصيب الجسم هين قياسا بما يصيب الدين والروح. المصيبة ألا تستطيع صلاة خاشعة، وإلا فالبلاء مكتوب على الناس جميعا: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)[١١].

أثر الصلاة على النبي وآله (عليهم السلام) على أخلاقنا

ثم تقول في الزيارة: (وَجَعَلَ صَلَوَاتِنَا عَلَيْكُمْ وَمَا خَصَّنَا بِهِ مِنْ وَلاَيَتِكُمْ طِيباً لِخَلْقِنَا وَطَهَارَةً لِأَنْفُسِنَا وَتَزْكِيَةً لَنَا)[١٢]، وقد رأيت في بعض النسخ من الجامعة: طيباً لخُلقنا لا لخَلقنا. فإن أكثرت من الصلاة على محمد وآل محمد لن يتغير خَلقك ولكن يتغير خُلقك وتزداد مع مرور الليالي والايام نقاءً باطنياً. بل إننا بالصلاة عليهم نتشبه برب العالمين وبملائكته، فقد قال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[١٣].

بابك إلى القرب المتميز

ومن أراد القرب المتميز فليدخل البيوت من أبوابها. عندما استأذن عنوان البصري للدخول على الإمام الصادق (ع) قال له الإمام (ع): (لاَ تُفْسِدْ عَلَيَّ وِرْدِي)[١٤]. وكان عنوان البصري قد ذهب إلى رسول الله (ص) يطلب منه أن يلين قلب ولده الصادق (ع) له. فإذا وصلت إلى الضريح في زيارة الأربعين بعد أن مشيت الأميال، فقل: يا أبا عبدالله، سل ولدك المهدي (عج) أن يلين قلبه لي وأن يجعلني في دائرة اهتمامه.

[١] عیون الحکم  ج١ ص٤٣٠.
[٢] وسائل الشیعة  ج١٥ ص١٩٧.
[٣] مفاتيح الجنان.
[٤] بحار الأنوار  ج٣٤ ص٣٣٥.
[٥] مفاتيح الجنان.
[٦] أبو نواس.
[٧] مفاتيح الجنان.
[٨] سورة الانشقاق: ٨.
[٩] مفاتيح الجنان.
[١٠] الأمالي (للطوسی) ج١ ص٦٣١.
[١١] سورة البقرة: ١٥٥.
[١٢] مفاتيح الجنان.
[١٣] سورة الأحزاب: ٥٦.
[١٤] بحار الأنوار ج١ ص٢٢٤.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن من المعاني التي لمستها بنفسي؛ أن الإنسان كلما ازداد قربا من سيد الشهداء (ع) سواء من خلال المنبر أو الشعر أو الخدمة، ازداد ابتلائه. إن من الظواهر الغريبة أنك ترى الحسينيون مبتلون عادة. فما رأيت خطيبا إلا وهو مبتلى.
  • إن الوصول إلى كربلاء لا يعني انتهاء المسيرة، وإنما ينبغي أن تكون من الساعين بعد ذلك إلى كسب مرضاة الله؛ فمشاية الأرض تنتهي بالوصول إلى كربلاء ومشاية النفس لا تنتهي إلا بالموت. ابدأ مسيرة أخرى من كربلاء إلى القبر، وقل: يا مولاي، أريد أن أكون من السائرين إلى الله إلى يوم لقائه.
Layer-5.png