الولاية لعلي
خلال هذا الأسبوع نمر بمحطات متعلقة بالولاية: .. محطة الغدير .. المباهلة .. التصدق بالخاتم ونزول آية الولاية …. نزول سورة هل آتى ؟ بين ١٨ من ذي الحجة – ٢٥ من ذي الحجة
ورد عن الإمام (ع) : ( ما نودي بشيء مثل مانودي بالولاية ) النبي (ص) من اليوم الأول .. وهو يؤكد على هذه النقطة المصيرية في حياة الأمة الإسلامية ، ونفهم ذلك جليا من خلال ملابسات مسألة الغدير .
إن قضية غدير خم تختلف عن المسائل الأخرى في فضائل الإمام علي (ع) . النبي (ص) ماترك من مناسبة أو فرصة إلا وذكر عليا بما يفهم منه كل صحابي .. وكل مُراقب للأحداث .. أن لعلي شأن عظيم ، من طرق الباب عليهم وندائهم بأهل البيت .. و استخلاف الإمام علي (ع) عندما ذهب إلى غزوة تبوك على المدينة .. مبيته على فراشه .. قضائه لدينه بعد هجرته .. أداء أماناته .. والنبي يريد أن يُكرس هذا الامتداد بعد وفاته (ص) .
الخلافة لماذا ؟
من الغريب أن النبي (ص) يغيب أياما في غزوة فيجعل عليا أميرا عليهم من بعده . يبعث سرية ويجعل عليا أميرا عليهم . ومسألة الاستخلاف أمرٌ متعارف عليه .. نبي الله موسى (ع) يذهب إلى ميقات ربه ثلاثين ليلة ، ويتمها بعشر﴿ وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ – الأعراف ١٤٢ ﴾ وإذا به يقول لأخيه هارون : ﴿ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ – الأعراف ١٤٢ ﴾ لا أعرف كيف أصبح النبي نشازا في هذه الحركة الطبيعية في حياة الأمم قديما وحديثا ؟!.. أحدنا لا يذهب إلى بلد قريب إلا ويستخلف أحدا على زوجته وعلى أولاده ، لا أدري كيف تحمل النبي (ص) أن يفارق هذه الأمة ، التي تحتوشها الأعداء من كل صوب ولا يشير من قريب ولا بعيد إلى هذه المسألة المصيرية .
المناسبة الأولى : الغدير 18 ذي الحجة
آية الغدير لا يمكن أن ُتنْكَر مناسبتُها .. العلامة الأميني يؤلف سِفرا مفصلا في إثبات واقعة الغدير ، وسياق الآيات تثبت الواقعة : ﴿ يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ – المائدة ٦٧ ﴾ ماهو هذا الحكم الذي إذا لم يُبَلَّغْ فما بُلِّغَتْ الرسالة ؟.. فإذا قلنا بأن المقصود هو الدين بتمامه ، فمعنى ذلك : يا أيها الرسول بلغ الدين وإن لم تبلغ الدين فما بلغت الدين !!.. ما الجديد في هذا الخبر؟!.. الإنسان العاقل لا يتكلم بهذا المنطق…فهذا يعني أن هناك عنصرٌ من الدين .. هنالك قضية محدَّدَة غير عموم الدين .. وهو الذي تؤكد عليه الآية.
﴿ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ – المائدة ٦٧ ﴾ النبي (ع) حارب اليهود وهم أشدُّ الناس عداوة للمسلمين والإسلام .. ولكن ما نزل من الآيات مافيه هذا المعنى من الخشية من الناس .. وحارب قريش منذ بدء الدعوة رغم صلافتها وعنادها وبغضها .. وما نزل مثل هذا المعنى فيهم .. وهذه الآية تشيرُ إلى خوف رسالي في قلب النبي (ص) .. وخوف النبي (ص) لم يكن على نفسه .. كان النبي يخاف على هذه الأمة ، يخاف من ملابسات الأمر ، يخاف من تهم الناس بأنه حابى عليا، فجعل ابن عمه أميرا على المسلمين ، النبي (ص) كان يترقب الأحداث وينظر إلى ملابسات هذا الموضوع ،ولكن يأتي الوحي من السماء : ﴿ يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ – المائدة ٦٧ ﴾ .. ونحن هذا اليوم نرى بركات هذا الخط الذي كان في مد وجزر .. ومحاربة طوال القرون الماضية .. يزداد نصاعة يوما فيوما .
الظروف الموضوعية التي اكتنفت قضية الغدير :
حجة الوداع : النبي (ص) دخل من منطلق عاطفي في قلوب المسلمين ، عندما قال : ( قد دُعيت ويوشكُ أن أُجيب ، وقد حان مني خُفوقٌ من بين أظهركم ) فأنا أودعكم .. أنا أريد أن أُعلن أني ملاق ربي ، أراد أن يستدر عطف المسلمين .
المسلمون كانوا في وضعية غير طبيعية ، الحر شديد ، وتذكر بعض النصوص أن المسلمين كانوا يلفون أقدامهم بثيابهم من شدة الرمضاء ، نودى للصلاة جامعة ، بعد ذلك تُنصبُ خيمةً بحذاء خيمته (ص) .. ثم يقول : اذهبوا إلى هذه الخيمة التي فيها علي (ع) وبايعوه .. تقول بعض النصوص : إن الرسول (ص) وصََى زوجاتَه ونساء المؤمنين بأن يذهبن إلى تلك الخيمة لمبايعة علي (ع) .
التنصيب والتوثيق الشعري : رفع الرسول (ص) يد أمير المؤمنين علي (ع) حتى بان بياض إبطيهما .. حتى لا تبقى شبهةٌ في ذلك أبدا ، ويصور هذا المشهد شاعر الرسول (ص) حسان بن ثابت في نص ، ضمن النصوص التي لها قيمةٌ تاريخية .. والناس أدركوا أن النبي (ص) وضع النقاط على الحروف ، خاصة وأن النبي (ص) قد بين ما كان يُخشى من إهماله من أمر الأمة .
فيقول حسان للرسول (ص) : أتأذن لي أن أقول في هذا المقام ما يرضاه الله ، فقال له النبي (ص) : قل يا حسان على اسم الله .. وقف حسان على نشز من الأرض ، و تطاول المسلمون لسماعه ، وقد قالها ارتجالا ، وقد دعا له الرسول : ( ماتزال مؤيدا بروح القدس ما أيدتنا بلسانك ) فتَأْيِيْد الله لك مشروطا :
يناديهم يوم الغدير نبيهم بـخم وأسمع بـالنبي مناديا
وقد جاءه جبريل عن أمر ربه بأنك معصوم فلا تك وانيا
وبلغهم ما أنزل الله ربهم إليك ولا تخش هناك الأعاديا
فقام به إذ ذاك رافع كفه بكف علي معلن الصوت عاليا
فقال فمن موالاكم ووليكم فقالوا ولم يبدوا هناك تعاميا
إلهك مولانا و أنت ولين ولن تجدن فينا لك اليوم عاصيا
فقال له قم يا علي فإنني رضيتك من بعدي إماما وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليه فكونوا له أنصار صدق مواليا
هناك دعا اللهم وال وليه وكن للذي عادى عليا معاديا
فيا رب أنصر ناصريه لنصرهم إمام هدى كالبدر يجلو الدياجيا
لطائف قرآنية حول الغدير : فالنبي (ص) أوصل ما يريده رب العالمين ، ومن الجميل أن آيات الولاية .. آيات الغدير مكتنفة بإشارات خفية يعلم بها أهل الإشارات .. وأهل اللطائف القرآنية :
١. ﴿ قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ – المائدة ٦٨ ﴾ أن يأخذ الإنسان قطعا من الدين ويلصقها لصقا في صلاته ، في حجه ، في صومه ، هذا لا يكفي ، الدين كلٌ متكاملٌ ، فلستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل بكل أبعاده ، فالذي ما أقام آية الولاية ما أقام القرآن الكريم .. وهو ليس على شيء ، لا يُغر بأنه أقام بعض مظاهر الدين ، الدين كلٌ متكامل بنص القرآن الكريم .
٢. ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم– المائدة ٦٦ ﴾ نعم ما أصابكم أيها المسلمون بعد النبي (ص) من هذا التشرذم ، مما نسمعه من التاريخ ، عندما نقرأ بعض المستشرقين ومؤاخذاتهم على حياة المسلمين ، وعلى الذين حكموا باسم الإسلام حقيقة يندى الجبين خجلا من أن هؤلاء تشبثوا بأفعال البعض الذين تأمَّروا على المسلمين ، وجعلوه حجة علينا ، نعم ( لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم )، ولكن هذه عقوبة مخالفة أمر رب العالمين ، في اتباع كلمات نبيه المصطفى (ص) .
٣. القرآن الكريم يصف المبلغين بشكل عام ، فكيف برسول الله ؟..﴿ ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ ٱللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ ٱللَّهَ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً – الأحزاب ٣٩ ﴾ المبلغ لا يخاف أحدا إلا الله ، والرسول (ص) يخاف من الناس ، حتى تأتي الآية والله يعصمك من الناس ، و النبي (ص) لا يخاف على نفسه أبدا ، و يبدو أن ما كان يخشى منه النبي (ص) قد وقع لما كان يراه بنور الله عزوجل .
المناسبة الثانية : المباهلة ٢٤ ذي الحجة
المباهلة حركة غريبة غير معهودة في حياة الأنبياء السلف ، يأتي النبي (ص) مع نصارى نجران ، وهذه القضية حدثت في المدينة وليست في مكة ، الحجج قد أُقيمت ﴿ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ – البقرة ٢٥٦ ﴾ فما كان إلا أن يتكلم النبي يقول : هذه دعوانا ، الإسلام قد بيَّنَّا معالمَه ، أين الإسلام الذي جاء بالقرآن ؟.. وأين الإنجيل والتوراة المحرفة ؟..
الإمام (ع) نفس النبي : بعد أن تمت الحجج ينزل قوله تعالى : ﴿ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ – آل عمران ١٦ ﴾ هل يدعو الإنسان نفسه ؟ .. النفس تأتي .. الإنسان يدعو الغير .. وهذا هو المنطق في البيان .. والروايات تذكر أن المراد بنفس النبي هو الإمام علي (ع) ، في مقام العمل عندما أراد أن يجسد الآية من خلال بشر ، أخذ بيد فاطمة التي تمثل النساء ، وأخذ بيد الحسنيين اللذين يمثلان الأبناء ، وأخذ معه الإمام علي (ع) على أنه نفس النبي (ص) . ووصف الإمام علي (ع) بأنه نفس النبي (ص) من أرقى الأوصاف .. لم يقل خليفة .. ولم يقل ولي .. ولم يقل وارث … وإنما قال أنت نفسي .. هو نفس النبي (ص) .
كيف يصف الإمام نفسه أمام النبي (ص) ؟ والإمام علي (ع) الذي تعطى له هذه المزايا العظام … ولكنه عندما يصف نفسه أمام المصطفى (ص) ، ماذا كان يقول ؟.. ( إنما أنا عبدٌ من عبيد محمد ) عبد الطاعة ، لا عبد العبادة المتعارفة ، أي أنا أكثر الناس طاعة للنبي (ص) ، لأنه أعرف الناس بالله عزوجل وبنبيه ، كما أن النبي (ص) هو أعرف الناس بالله عزوجل وبوصيه من بعده .
هؤلاء النصارى على نصرانيتهم ، كبار القوم ، رأوا آيات العذاب ، فرجعوا خائبين ، بعد ما رأوا الآية الكبرى ، ماذا يفعل النبي (ص) ؟ ماذا يمكن أن يقع من السماء بعد ذلك ، آيات صريحة في القرآن ، المباهلة .
السلوك العملي للإمام (ع) يبين مكانته ، استقرؤا حياة المسلمين .. من أعلمهم ؟.. من أقضاهم ؟.. من أشجعهم ؟.. من أقربهم ؟.. من أكثرهم مواساة ؟.. من أكثرهم إيثارا ؟.. من أقدمهم في الإسلام ؟.. كل هذه المزايا اجتمعن في هذا الرجل فلماذا هذه الظلامة في حقه ؟!!.. انظروا إلى سلوكه (ع) صورة للقرآن الكريم .
المناسبة الثالثة : هل أتى ……….؟٢٥ ذي الحجة
سورة من القرآن الكريم تُكرسُ قضية صوم وجوع أهل بيت النبي (ص) .. يأتيهم الأسير والفقير واليتيم .. فلئن كان الفقير واليتيم مسلما ، فما بال الأسير في زمان المصطفى (ص) وفي حكومة رسول الله (ص) ؟… هل يكون مسلما في حكومة النبي (ص) وهو أسير الأغلال ؟!.. أبدا ، كان أسيرا مشركا ، والإمام (ع) يؤْثِر بقُوْتِه لتأتي الآية وتبين سر عظمة علي وفاطمة (ع) عندما تقول : ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً – الإنسان ٩ ﴾ أيها المسلمون اعتبروا ، عندما تريدون خلود علي (ع).. وموالاة علي(ع) .. وتبعية علي(ع) في هذا المجال تأَسَّوا بعلي (ع) .. أطعموا طعاما ماديا .. معنويا .. ثقافيا .. قضاء حاجة .. تفريج كربة .. لا لأمر إلا لرضا رب العالمين .
فالإنسان يفرح إذا شُكر ، والبعض يستنكر على المؤمن إذا قدم إليه إحسانا ولم يشكره ، ولكن علي وفاطمة (ع) هكذا: ﴿ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً – الإنسان ٩ ﴾ هذا هو سرُ خلود علي (ع) ، ومن يريد أن يكون معهم لابد أن يتأسى بهم (ع) في هذه الصفة أيضا .
المناسبة الرابعة :التصدق بالخاتم 24 ذي الحجة
الآية ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ – المائدة 55 ﴾ هي كالشمس في رابعة النهار ، جعل الولاية في سياق واحد الولاية الإلهية والنبوية ، من هو ذلك المؤمن الذي يستحق أن يكون في جانب الله والرسول في الولاية ؟.. من هو الذي يصلي وهو يُنفق ؟.. القضية واضحة بأنها إشارة إلى حدث معين ، ذكره المسلمون خاصة وعامة ، أنه (ع) كان يصلي فتصدق بخاتمه للفقير أثناء صلاته.
أراد الإمام (ع) أن يسجل درسا ، علي (ع) الذي يصلي وهو لا يشعر بجراحه في الحروب .. ولكن عندما يسمع استغاثة الفقير وهو في صلاته يعمل بتلك الاستغاثة ، وهو في قمة التشاغل مع الخالق ، لا ينسى شؤون المخلوقين ، الإمام (ع) أراد أن يؤسس درسا أخلاقيا بليغا : أن لا رهبانية في الإسلام ، علي (ع) يصلي ويزكي وهو راكع .. هو مع رب العالمين .. ولكن قلبه أيضا مع الفقراء والمساكين .. وهنا العظمة التي جمعها علي(ع) في العالمين ، عالم الأنس برب العالمين .. وخلوات مسجد الكوفة .. وغشواته تحت النخيل ، وبين عمله في ميادين القتال .. وفي الاهتمام بأمور المسلمين ..
ضريبة الولاية :
ما هي ضريبة الولاية ؟ أيكفي أن نذكرهم ؟ .. نلقي القصائد الرنانة في مدحهم ؟.. نفتخر بموالاتهم فقط ؟.. هنالك ضريبة .. هذه الضريبة يذكرها أحد أولاده الميامين (ع) :
روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) : يا جابر !.. أيكتفي من ينتحل التشيّع أن يقول بحبنا أهل البيت ؟!.. فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه ، وما كانوا يُعرفون يا جابر إلا بالتواضع والتخشع و الأمانة ، وكثرة ذكر الله ، والصوم ، والصلاة ، والبرّ بالوالدين ، والتعهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة ، والغارمين ، والأيتام ، وصدق الحديث ، وتلاوة القرآن ، وكفّ الألسن عن الناس ، إلا من خير ، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء.
قال جابر : فقلت : يا بن رسول الله!.. ما نعرف اليوم أحداً بهذه الصفة ، فقال (ع) : يا جابر!.. لا تذهبنّ المذاهب ، حَسْب الرجل أن يقول : أحب علياً وأتولاه ، ثم لا يكون مع ذلك فعّالاً ؟ أي كثير الفعل يستغل ليله ونهاره في التقرب إلى ربه .. فلو قال : إني أحب رسول الله (ص) – فرسول الله (ص) خير من علي (ع) – ثم لا يتبع سيرته ، ولا يعمل بسنته ما نفعه حبه إياه شيئاً ، فاتقوا الله واعملوا لما عند الله ، ليس بين الله وبين أحد قرابة ، أحب العباد إلى الله عزّ وجلّ وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته.
يا جابر!.. فوالله ما يُتقرّب إلى الله تبارك وتعالى إلا بالطاعة ، وما معنا براءة من النار ، ولا على الله لأحد من حجة يأتي بعض الناس ويتكلم بما لا يُرضي أئمة أهل البيت (ع) ، يتولون أهل البيت (ع) شعرا كلاما قولا ، ولكن في مقام العمل هم أعداؤهم ، يمثلون الخط المعادي لعلي (ع) ، ثم ختم الإمام (ع) بيانه بقوله: من كان لله مطيعاً فهو لنا وليُّ هذا معنى الولاية والاتباع ، بعض الناس يتبجح بأنه موالي ، ولكن الموالي من عرَّفه الإمام الباقر (ع) وهو الطاعة لله ، ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدوّ لم يقل هذا إنسانٌ غير موالي ، لم يقل هذا محب مستضعف فقير ، بل هو لنا عدو ولا تنال ولايتنا إلاّ بالعمل والورع منهجٌ متكامل أساسه الغدير ، نعم ، سلوك أئمة البيت (ع) مواقفهم ثمرة الغدير . الإمام الباقر والصادق (ع) يعيشون في عهد هؤلاء الخلفاء من بني العباس .. أين هذا الخط ؟.. وأين ذلك الخط الذي خالف الغدير ؟.. يعلم الله عزوجل ، ما هي النكبات التي أصابتنا من وراء مخالفة قول النبي (ص) في وصيه من بعده ؟!..
الخلاصة:
١. نبي الله موسى (ع) يذهب إلى ميقات ربه ثلاثين ليلة ، وإذا به يقول لأخيه هارون : ﴿ ٱخْلُفْنِي ﴾ لا أعرف كيف أصبح النبي نشازا في هذه الحركة الطبيعية في حياة الأمم قديما وحديثا ؟!.. أحدنا لا يذهب إلى بلد قريب إلا ويستخلف أحدا على زوجته وعلى أولاده ، لا أدري كيف تحمل النبي (ص) أن يفارق هذه الأمة ، التي تستحوشها الأعداء من كل صوب ولا يشير من قريب ولا بعيد إلى هذه المسألة المصيرية ؟!..
٢. نعم ما أصابكم أيها المسلمون بعد النبي (ص) من هذا التشرذم ، وما نسمعه من التاريخ ، عندما نقرأ بعض المستشرقين ومؤاخذاتهم على حياة المسلمين ، وعلى الذين حكموا باسم الإسلام حقيقة يندى الجبين خجلا من أن هؤلاء تشبثوا ببعض الذين تأمَّروا على المسلمين ، وجعلوه حجة علينا ، نعم ( لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم )، ولكن هذه عقوبة مخالفة أمر رب العالمين ، في اتباع كلمات نبيه المصطفى (ص) .
٣.إن وصف الإمام علي (ع) بأنه نفس النبي (ص) من أرقى الأوصاف .. لم يقل خليفة .. ولم يقل ولي .. ولم يقل وارث … وإنما قال أنت نفسي هو نفس النبي (ص).
٤. الإمام علي (ع) عندما يصف نفسه أمام المصطفى (ص) ، كان يقول : ( إنما أنا عبدٌ من عبيد محمد ) عبد الطاعة ، لا عبد العبادة المتعارفة ، أي أنا أكثر الناس طاعة للنبي (ص) .
٥. أيها المسلمون اعتبروا ، عندما تريدون خلود علي (ع).. وموالاة علي(ع) .. وتبعية علي(ع) في هذا المجال تأَسَّوا بعلي (ع) .. أطعموا طعاما ماديا .. معنويا .. ثقافيا .. قضاء حاجة .. تفريج كربة .. لا لأمر إلا لرضا رب العالمين .
٦.علي (ع) الذي يصلي وهو لا يشعر بجراحه في الحروب .. ولكن عندما يسمع استغاثة الفقير وهو في صلاته يعمل بتلك الاستغاثة ، وهو في قمة التشاغل مع الخالق ، لا ينسى شؤون المخلوقين ، أراد أن يؤسس درسا أخلاقيا بليغا : أن لا رهبانية في الإسلام. وهنا العظمة التي جمعها علي(ع) في العالمين ، عالم الأنس برب العالمين .. وخلوات مسجد الكوفة .. وغشواته تحت النخيل ، وبين عمله في ميادين القتال .. وفي الاهتمام بأمور المسلمين ..
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.