س١/ في هذه الأيام نحن نعيش أسبوع الولاية والإمامة، حيث عيد الغدير الأغر يوم الثامن عشر من ذي الحجة، ومناسبة المباهلة في الرابع والعشرين، وأيضاً مناسبة سورة الدهر في الخامس والعشرين.. فما هي أهمية الولاية والإمامة في البناء العقائدي للإنسان المؤمن؟..
بحث الولاية والإمامة له صفتان:
الأولى: أنه لم تقع حادثة في تاريخ المسلمين كحادثة الغدير، من حيث الاشتهار في المجاميع الروائية.. رحم الله العلامة الأميني فيما جمعه في كتابيه: (الغدير، وعبقات الولاية).. هؤلاء بحق نسميهما بطلا الأبحاث الروائية، وهما يكفيان في عالم البحث والتحقيق؛ لإعطاء أهمية قصوى لهذا البحث، وإثباتاً أكيداً لهذه الواقعة.
الثانية: أن هذه الواقعة على اشتهارها، وعلى بداهتها في تاريخ المسلمين؛ وقع فيها ما وقع من الإنكار، وتنكب الطريق، ومخالفة النص السماوي!.. مما جعل (ع) في أقواله المتناثرة هنا وهناك، يبرز ألمه الشديد؛ لما رأى من الحق الإلهي المهتضم (فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجى.. أرى تراثي نهبا).
ولهذا من الضروري أن يبادر كل إنسان مسلم بمعرفة هذه المسألة، ولا سيما أن مسألة العقيدة، نسأل عنها في أول ساعات نزول القبر.. حيث الحفرة الموحشة، ولا شفيع ولا مدافع، ولا تنفعنا شفاعة الآباء والأجداد.. يأتي السؤال: (من ربك؟.. من نبيك؟.. من إمامك؟.. ما قبلتك؟.. ما كتابك؟..).. فالإنسان الذي يموت وهو لا يعرف إمام زمانه، يموت ميتة الجاهلية.. فحري بكل مسلم أن يقف موقفاً واضحاً، ولا يحاول أن يعبر الموضوع عبوراً؛ لأنه قد يكلفه شيئاً.. إذ أن من الطبيعي أن الإنسان الذي يسلك مسلكاً في الحياة، ثم يريد أن يختار المسلك الأصح، لا بد وأن يكون للأمر تبعاته وضرائبه.. ولكن لا شك أن العدول عن المسلك، إلى المسلك الحق في الدنيا، أهون بكثير من تبعاته في الآخرة.
ثم أن مسألة الإمامة مسألة، متفرعة على مسألة التوحيد: الحاكمية لله، وهو الإله المتصرف في الوجود، وهو الإله الحاكم، وهو الرب المهيمن، وهو الأول، وهو الآخر.. ولا ولاية لأحد على أحد -حتى لو كان نبياً- إذا لم يكن هنالك تفويض إلهي.
في مقابل مدرسة النص -وهي المدرسة الواضحة في معالمها – هنالك مدارس ، نذكر منها:
* مدرسة السيف: وهي تنص على أن الإمام من الممكن أن يتغلب بالسيف، وهذا النص منقول عن أحمد بن حنبل في رواية عبدوس: (ومن غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة، وسُمِّيَ أمير المومنين.. فلا يحلّ لأحد يؤمن بالله، واليوم الآخر، أن يـبـيت ولا يراه إماما، بَرّاً كان أو فاجراً)!.. طبعاً هذه لا يمكن القبول بها؛ في حين أنّا مشبعون بالثقافة الإسلامية والشرعية المبتنية على أصالة التوحيد.
* مدرسية الأكثرية (العقل الاجتماعي): أو أهل الحل والعقد، واجتماع الأمة على شيء، ولو أبعاض الأمة، كالذي ذهب إليه المنتصرين في الثورة الفرنسية، وما ترتب عليها من مدارس سياسية في هذا المجال.
والكلام هنا هو نفس الكلام: أي من أعطى هذا التفويض؟!.. فكما أنه لا سلطان لأحد على أحد، أيضاً لا سلطان لجماعة على أحد، مهما كانت هذه الجماعة.. فإذن، في النظرية الإسلامية إعطاء السلطنة والولاية: لأحد، أو لمجموعة، أو لأهل الحل والعقد؛ يحتاج إلى دليل من القرآن والسنة القطعية.. ولو كان هذا الدليل موجوداً؛ لطرح في أوساط هذه المدرسة، وغاية ما يقال آية الشورى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}.. والولاية ليس من أمر الأمة، وليس من أمر عامة الأفراد، والشورى في تدبير شؤون المعيشة وفي جزئيات الأمور.
* مدرسة الإهمال: وهي التي تذهب على أن النبي (ص) لم يذكر شيئاً، بل ترك فراغاً في هذا المجال؛ ليملأه ما يملأه.. وهذا ما لا يصدقه عاقل، فأحدنا لا يترك منزله، أو حانوته من دون وصي!..
فإذن، إن ملخص ما ذكر: بأن الحَكَم في هذا المجال قوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ} و{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ}.. فهذه الأولوية جاءت من قبل الله عز وجل، والإمامة متفرعة على هذا الذي قلناه من هذه المقدمة على إيجازها.. ومن أراد التفصيل، فليراجع الكتب المعمقة، ولا سيما ونحن في عصر من أكثر العصور ثراء في الأبحاث العقائدية.
س٢ / هنالك بعض المستحبات في يوم عيد الغدير.. ما هو الدرس العملي من ذلك؟..
إن من المستحبات في عيد الغدير، مسألة المآخاة، وهي صورة من صور التآلف الاجتماعي.. حيث أن الإسلام هو دين الفردية ودين الاجتماعية، ودين البدن والروح، والدنيا الآخرة.. والمؤاخاة هي أن يختار الإنسان ممن حوله من الصالحين؛ ليجعله أخاً له، إذ أن من الواضح أن هذه الأخوة، هي نِعم العون للإنسان على إدامة طريق العبودية لله عز وجل.. وهذا ما قام به النبي المصطفى (ص) عندما دخل المدينة، ورأى بذور الاختلاف فيها، حيث آخى بين الأوس، والخزرج.. والمهاجرين، والأنصار؛ لتقريب قلوبهم.. وبلا شك أن أفضل ما يستفيده الإنسان في هذه الحياة الدنيا -بعد الإيمان- هو الصديق الموافق، أو الأنيس الذي يكون عوناً له.
وأنا أدعو بمراجعة مستحبات يوم الغدير: من نظافة للبدن، والغسل، إلى كف عن الملذات، والصوم فيه يعدل صيام الدهر.
س٣ / من الآيات التي تطرح بقوة مسألة الوِلاية والعصمة: هذه الآية المباركة {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}.. نرجو منكم التوضيح؟..
من أراد أن يستوعب بعض دروس الإمامة، لابد أن يتأمل في هذه الآية المباركة:
من الواضح أن إبراهيم (ع) هو موضوع هذه الآية، وهي تتحدث عنه في كبر سنه، وبعد أن كان نبياً، وأعطي الذرية، وابتلاه الله بعدة ابتلاءات، ومنها مسألة الذبح.. فلما نجح في تلك الابتلاءات، جعله الله تعالى للناس إماماً.
ونحن لا ندّعي أبداً بعض خصوصيات النبوة كالوحي لأئمتنا (ع).. ولكن نقول: بأن صفة الإمامة، التي أعطيت لإبراهيم الخليل (ع)، لا تُعطى إلا لمن هو قد تزيى بزي وبحلية العصمة.. ومن المناسب أن نذكر كلمة للعلامة الطباطبائي -صاحب الميزان- في إثبات أمر العصمة للإمام:
يقول بأن هنالك صنوف أربعة من الناس:
* صنف ظلم نفسه طوال عمره.
* وصنف لم يظلم نفسه في أول عمره، وظلمها في آخره.
* وصنف ظلم نفسه في أول عمره، ولم يظلمها في آخره.
* وصنف لم يظلم نفسه طوال عمره.
فالصنف الأول والثاني، طبعاً لا يكون مؤهلاً للإمامة.. والثالث، قد نفته الآية الكريمة {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}.. فإذن، لم يبقَ إلا الذي لم يظلم نفسه طوال عمره، ومن هنا نقول بضرورة العصمة للإمام.
س٤ / لكل نعمة ضريبة.. فما هي ضريبة الولاية، والاعتقاد بالإمامة؟..
إن بعض أرباب الفن والاختصاص، يعبّر عن هذه الآية {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}: بأنها حاكمة على آيات المحبة.. نعم، هذه الآية توضح لنا المحبة الحقيقية.. إذ أن من أحب أحداً وتولاه؛ عليه بطاعته واتباعه:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه *** هذا محالٌ في القياس بديع!..
وليس من الصحيح أن نجعل فضائل الأئمة (ع) بمثابة لوحة زيتية نعلقها على جدران المنزل، وننظر إليها ونفتخر بها!.. نعم، نحن نفتخر بهذه الوجودات الطاهرة، ونتمنى أن يأتي ذلك اليوم الموحش في عرصات القيامة، حيث ينادى كل جماعة بإمامهم، فنجتمع تحت راية أمير المؤمنين (ع)؛ ليسوقنا إلى الحوض عند النبي المصطفى (ص).. فإذن، جواب هذه السؤال بأن ضريبة الولاية، هو الاتباع الصادق.
س٥ / هل تقترحون طريقة بالنسبة لدعوة الناس إلى هذا المنهج الإلهي، والذي يمثل النظرة الصحيحة؟..
أنا أدعو إلى نبذ طريقة الجدل، حيث أنه -مع الأسف- هنالك بعض القنوات -هذه الأيام- تعرض العقيدة الإسلامية والمذاهب الإسلامية، بطريقة يتألم الإنسان لها، عندما يرى أسلوب المهاترة والمجادلة، والخوض في العقيدة لا بالتي هي أحسن.. هنالك رواية فيها عبارة جميلة بهذا المضمون: (فانبذوه إليهم نبذا)؛ أي جس النبض، وارمِ الفكرة.. فإذا طلب المزيد أعطه، أما إذا رفض اتركه، ولا تدخل في نقاشات عقيمة.. ولا تدخل في الفروع، قبل إثبات الأصول.. حيث أن المناقشة في الزواج المنقطع، والتربة الحسينية، وما شابه ذلك.. لإنسان ينكر أصل الإمامة مثلاً، لا يعد نقاشاً علمياً.
س٦ / إذا أراد الله بعبد خيراً قذف في قلبه محبة هذه الوجودات الطاهرة.. فكيف يمكن أن نزيد هذا الحب؟..
طريقة إثبات هذا الحب تأتي من:
أولاً: الاطلاع التفصيلي على سيرتهم العطرة، قال الإمام الرضا (ع): (فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا، لاتبعونا).
ثانياً: الإئتمار بأوامرهم، والانتهاء عن نواهيهم.
فإن هذا قطعاً مما يوجب شرح الصدر، وتغلغل هذا الحب إلى أعماق الوجود.. رزقنا الله تعالى هذه المحبة، بحق محمد وآل محمد!..
س٧ / نريد منكم تعليقاً على خطبة النبي الأكرم (ص) يوم الغدير؟..
في عودة النبي (ص) من حجة الوداع، وهو في طريقه إلى المدينة، نزل إلى الموضع المعروف بغدير خم.. وليس بموضع إذ ذاك يصلح للمنزل، لعدم الماء فيه والمرعى، وكان في يوم صائف شديد الحر، في الثامن عشر من ذي الحجة.. فأذّن مؤذّن رسول الله بمن تقدّم من الناس، وحثّ من تأخر عنهم في ذلك اليوم.. ولا شك بأن هذا الحثّ في مثل هذا المكان الحار له دلالته، ثم قام النبي (ص) خطيباً فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ فأبلغ في الموعظة، ونعى إلى الأمة نفسه، ثم أخذ بيد علي (ع) فرفعها حتى بان بياض إبطيهما، وقال: (من كنتُ مولاه فهذا عليٌ مولاه.. اللهم!.. والِ مَن والاه، وعادِ من عاداه، وانصُر من نصره، واخذُل من خذله).. ثم نزل فصلى بالناس الظهر، وكان يوماً هاجراً يضع الرجل بعض ردائه على رأسه، وبعضا تحت قدميه من شدة الرمضاء.. ثم أمر الناس أن يهنئوا علي (ع) ويسلموا عليه بإمرة المؤمنين.
وبهذا فإن النبي (ص) لم يدع شبهة في هذا المجال، وقام بما أمكنه من المؤثرات الصوتية والإعلامية، وما شابه ذلك؛ لإثبات هذه الحقيقة الكبرى في حياة المسلمين.
س٨ / يا حبذا لو ذكرتم لنا بعض ما قاله الكاتب المسيحي جورج جرداق في حق علي(ع)؟..
الإمام علي(ع) –وبلا مجاملة- شخصية عالمية، بل من ألمع الشخصيات في التراث الإنساني، حيث أن أحد المستشرقين كان يقول عن نهج البلاغة: بأنه تراث بشري، وليس وقفاً على المسلمين فحسب!.. ومن المعلوم أن من روائع ما قيل في علي (ع) هو ما قاله الأديب المسيحي، بولس سلامة في ملحمته الغديرية.
من الطريف أن أحدهم -لعله جورج جرداق، أو من المسيحين الذين كتبوا في هذا المجال- ذهب إلى أرض العراق، فتهافت عليه الناس يسألونه عن سبب تقديسه وترويجه لشخصية لا تتفق مع عقيدته!.. فطلب إمهاله حتى يجتمعوا في مكان واحد، ثم أردف يقول: بأن مدحه ودفاعه عن علي (ع)، إنما هو إرضاء وجداني؛ لما يشعر به من الظلامة في حق هذه الشخصية العظيمة، التي غبط حقها طوال التاريخ.
هذه الكلمة لجورج جرداق نقلاً عن مجلة المنبر: (إن الإنسان عندما يبلغ درجة عالية من الإدراك، يصبح موضوعياً، أياً كان المعتقد الفلسفي أو الاجتماعي أو الديني الذي نشأ عليه.. وعلى هذا، ليس في أصحاب المعرفة من لا يوالي القيم الحقيقة حيث كانت ومن حيث أتت).
فإذا كان هذا المسيحي يحترق لظلامة علي (ع) ، فكيف بالموالين، بل كيف بأئمة الهدى(ع)!..
س٩ / نرجو منكم إخبارنا عن موقع الغدير؟..
حسب تحقيق بعض المحققين الذين عاينوا هذا الموقع: بأن هذا الغدير لا زال نابعاً بالماء، وهو قريب من الجحفة.. ثم إن طبيعة تركيب هذه المنطقة غريبة، تنشر صوت الخطيب أو المتكلم -حتى لو كان هامساً!- إلى مدى بعيد جداً.. وكأن الله تعالى ورسوله المصطفى (ص) ووصيه علي (ع) أرادوا إكمال الحجة على المنكرين لهذه القضية العظيمة.
س١٠/ ما هو الدرس العملي الذي يمكن أن نستفيده من قول علي (ع): (يا دنيا يا دنيا!.. غرّي غيري، طلقتك ثلاث، طلقتك ثلاث)؟!..
إن الإمام علي (ع) هو أزهد الناس جميعاً، لا تغريه هذه الدنيا، وما فيها من متاع أو مناصب.. فقد أراد أن يسجل هذا الدرس؛ بأن الحاكم الإسلامي إذا كان مولعاً بالدنيا، فمن الطبيعي أن يقع في الانحرافات في هذا المجال.. ومن المناسب أن نذكر هذه القصيدة الجميلة:
لعلع ببابِ عليٍ أيها الذهبُ وأخطفِ بأبصارِمن سَروا ومَن غضِبوا
وقـل لمن كان قد أقصاكَ عن يدهِ عفواً إذا جئت منك اليوم اقتربُ
أي أن هذا الذهب الذي قد أقصي وطلق بالثلاث، الآن يرجع إلى باب علي (ع) يستأذنه في الدخول عليه!..
س١١/ هل أن التبرك بأضرحة الأئمة (ع) شرك؟..
أنا أدعو لانتقاء الألفاظ المناسبة.. لا شك أننا عندما نزور أئمة الهدى (ع) نتبرك بوجوداتهم الطاهرة، ونتملى سيرتهم العطرة، ونتذكر كلماتهم الجميلة.. نعم، هذا الضريح هو بناء قد بني على ذلك القبر، والزائر بحركته المعهودة يريد أن يصل إلى روح المعصوم.. وبالتالي، فإن الضريح هو أبسط نقطة إلى بدن المعصوم المرتبط بروحه (ع).. وعليه، فنحن نتبرك بهذه الأضرحة؛ ارتكازاً وباطنياً، بينما هذا الضريح كان قبل ذلك خارج الحرم الشريف، عبارة عن قطع معدنية أو ذهبية، لا يعتنى به أبداً.
س١٢/ ما هو الفرق بين لفظ الوِلاية، ولفظ الوَلاية؟..
* الوِلاية: بمعنى السلطان: أي الحاكمية الإلهية، حيث تكون هنا الحاكمية، أو السلطنة من العالي على السافل.
* الوَلاية: بمعنى النصرة: أي التأييد، والاتباع من العبد للمعبود.. وهنا يكون الاتباع والتأييد من السافل للأعلى.
س١٣/هنالك إشكال مطروح في أن النبي (ص) خاف يوم الغدير أن يبلغ بأمر الإمامة، بمقتضى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}.. فما هو تعليقكم على ذلك؟..
خوف الأنبياء ليس خوفاً على ذواتهم الشخصية، إنما خوف رسالي.. نحن نرى بأن القرآن الكريم، قد نسب الخوف إلى أحد الأنبياء السلف، وهو من أولي العزم، نبي الله موسى (ع)، حيث قال الله تعالى عنه: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ}.. حتى أن الحسين (ع) خرج من المدينة خائفاً يترقب.. فالنبي (ص) كان يحتمل بأن تبليغ موضوع الولاية فيه تبعات كثيرة، حيث أن بعض النفوس محقونة بالأحقاد البدرية والحنينية والخيبرية ضد علي(ع).. وبالتالي، بمقتضى الأمور يرى أن المسألة صعبة جداً.. ولكن الله تعالى قوّى قلبه، ووعده بالعصمة من الناس.. وما حديثنا اليوم بعد ألف وأربعمائة سنة، إلا برهان على أن ذكر علي (ع) لن يخبو أبدا.
س١٤/ في هذه الأيام هناك بعض المغرضين الذين يُشكِلون في كتاباتهم بمسألة تصريح النبي(ع) بالولاية من بعده؟..
نعم، توجد بعض الطباعات الحديثة، لبعض الكتب المتسمة بالخيانة العلمية في هذا المجال.. ولكن على كلٍّ مهما أصبحت هنالك خيانة في المجال العلمي، فإن ما ذكره العلامة الأميني في موسوعته الغديرية، وكتابه عبقات الولاية فيه الكفاية.
لو تأمل البعض في كلمة النبي (ص) في غدير خم: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه).. في وحدة السياق، واستعمال النبي (ص) لكلمة (المولى) له، وللإمام علي (ع).. بالإضافة إلى استفسار النبي (ص) وسؤاله المسلمين: (ألست أولى بكم منكم بأنفسكم)؟.. لوجد أن النبي كان في صدد إثبات حقيقة وإعلان بأن خط النبوة ممتدة في ضمن خط الوصاية.. ومن المناسب أن نذكر هذه الرواية التي تدل على أن الرسول (ص) كان حريصاً على إثبات هذه الحقيقة الكبرى من بداية دعوته المباركة: في حديث إنذار العشيرة، أنه لما نزل قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} جمع رسول الله (ص)، بني عبد المطلب مرتين، وفي الثانية قال لهم: (يا بني عبد المطلب!.. إني والله ما أعلم شاباً في العرب، جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه.. فأيكم يؤازرني على أمري هذا، على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟.. فأحجم القوم عنها غير علي (عليه السلام) وكان أصغرهم إذ قام فقال: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) برقبته وقال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا).
س١٥/ لماذا هذا التغييب لهذه المناسبة العظيمة، ولماذا لم تكن خطابات النبي وتوصياته حجة قوية على البعض؟..
عدم التزام المسلمين الذين شهدوا الغدير، يذكرنا بما وقع في التاريخ، في قضية موسى (ع) مع قومه، لما رجع من لقاء ربه.. وهو كان قد ترك فيهم أخوه هارون، والذي كان نبياً وشريكاً له في تبليغ الدعوة الإلهية.. وإذا بهم قد انحرفوا عن المسير، واستبدلوا رب موسى بالعجل!.. وكذلك الأمر بالنسبة للأمة الخاتمة.. ومن المعلوم أن في روايات العامة عن النبي (ص): (ألا وإنه يجاء برجال من أمتي، فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا ربِّ أصحابي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك).. ثم أن القرآن الكريم يبين مبدأ أن الأغلبية: أنها لا تشكر، ولا تعقل، ولا تتبع الحق.. وعليه، فإنا نقول: {أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ}؟!.. وكما قال علي(ع): (لا تستوحشوا طريق الهدى لقلة سالكيه).
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.