- ThePlus Audio
الولادة الميمونة لأمير المؤمنين (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
من آداب الصلاة على محمد وآل محمد (عليهم الصلاة والسلام)
هناك أمران لابد من الالتفات إليهما عند الصلاة على النبي وآله؛ أولا: رفع الصوت بالصلاة على محمد وآل محمد وهو مطلوب شرعاً؛ لأنها شعار أهل البيت (ع). ونحن عندما نرفع أصواتنا بالصلاة على النبي وآله؛ نفهم القوم المخالفين أننا على نهج أهل البيت (ع). الأمر الثاني: وهو الذي ينقصنا جميعا هو أن نحول الصلاة على النبي من شعار إلى التفات وإلى شعور. إن قولنا: (اللهم) دعاء كأي دعاء. فأهل اللغة العربية يقولون: أصل اللهم هو: يا الله، فحذفت الياء وعُوض عنها الميم في الأخير. وعادة في اللغة العربية يحذفون شيئا ويعوضونه بشيء آخر. فحتى عندما تقول: اللهم، لابد وأن تكون ملتفتاً إلى الله عز وجل بأدنى درجات الالتفات. لو أن أحدكم كلم أحداً وأدار وجهه أو ظهره للغير ألا يقول له: يا فلان، ما بالك معرض عني؟ أ عندك مشكلة معي؟ إذا حدثتني واجهني بوجهك، وهذا هو مقتضى الأدب.
إن الذي ينادي ربه بلفظ: اللهم أو يا الله، وهو ساه لاه غير ملتفت إلى الله عز وجل؛ لم يؤد حق الدعاء. إنني لا أقول أن فيه توهيناً؛ لأنه لا يقصد ذلك، وبعض المؤمنين عندما يصلي على النبي وآله يغير من هيئته قليلاً؛ فما المانع عندما تصلي على النبي أن ترفع يديك قليلاً وتتخذ هيئة الدعاء. طأطأ برأسك أو توجه إلى السماء وخذ هيئة الدعاء. هذه الهيئة مطلوبة.
لقد رأيت أحدهم في حرم الرضا (ع) كان له مريض وقد طلب من أحد العلماء أن يدعو له. ولعل حاجته كانت أنه كان عقيما ولم يرزق بذرية. ومن يطلب الذرية يدعو ليلاً نهاراً ويذهب للمستشفيات لما يسمى بالتلقيح الصناعي وإلى آخره. فقال له العالم: سأدعو لك إن شاء الله وفي نفس الوقت أنذر لك نذراً احتياطاً. رحم الله الشيخ بهجت، كان يقول: إذا وعدت أحداً بالدعا؛ فادع له ولا تقل: إن شاء الله ندعوا لكم وتنساه، فهذا خلاف العهد. إذا وعدته الدعاء له؛ كن صادقاً واجع له إما في المزل أو في الحرم بالتخصيص. بعد فترة قضيت الحاجة، فقال الرجل للعالم: يا فلان، ما هو نذرك؟ أنت نذرت لأجلي وظن الرجل أنه نذر له مبلغاً كبيراً. قال العالم: لا، الأمر هين. أنا سأفي بنذري. لقد نذرت لله عز وجل إذا قضيت حاجتك أن أصلي على النبي (ص) ثلاث مرات أو مرة واحدة والتردد مني.
خصوصية ليالي البيض من الأشهر الثلاثة؛ رجب وشعبان ورمضان
ماذا نقول عن علي (ع) هذه الليلة[١]؟ أولا: إن رب العالمين قد جعل في الأشهر الثلاث – رجب وشعبان ورمضان – ثلاث مواليد مهمة أو ثلاث محطات ولائية في الليالي البيض من هذه الأشهر. وهذه الليلة هي أول ليالي البيض ولها أعمالها. إن الله قد جعل هذه الليلة متوجة بميلاد أمير المؤمنين (ع)، وهو أول الأوصياء من الأئمة الاثني عشر (ع). وأما في شهر شعبان في ليلة النصف منه هو ميلاد خاتم الأوصياء الربانيين، وطاووس أهل الجنة، وفي ليلة النصف من شهر رمضان المبارك؛ شاء الله عز وجل أن يخلد ذكر المجتبى (ع). والإمام المجتبى (ع) ذكره غريب؛ فلا يُذكر كثيراً. إن رب العالمين قد اختار أفضل الشهور وأفضل الليالي وهي الليالي البيض ليجعلها ليلة ميلاد المجتبى (ع). إن العطايا تُبذل في ليالي مواليد الأئمة (ع).
هل الإمام حي؟
سل أمير المؤمنين (ع) في ليلة ميلاد أن ينظر إليك نظرة ولائية. فروح أمير المؤمنين (ع) روح حية وروحه محيطة بهذا الوجود، وكل أئمتنا (ع) وكل المعصومين هم كذلك. إن لي تعبيرا ذكرته في بعض كتبي وأظنه تعبير صحيح لا إشكال فيه، أقول: إن الفرق بين الإمام الشهيد والإمام الحي هو كالفرق بين الراكب والراجل. هل الراكب إذا ترجل عن دابه؛ يقال: إنه قد أصبح إنسانا آخر؟ هو هو. وإنما كان راكباً فنزل عن دابته. إن هذه الأبدان هي دواب الأرواح. إن الإمام كان حياً مع بدنه والآن قد نزل من هذا البدن وذهب للملكوت الأعلى. فلم يتغير شيء والحقيقة هي هي. إنما هي سفرة من عالم الأرض إلى عالم العرش. ألسنا نقول: خلقكم الله أنواراً فجعلكم بعرشه محدقين ؟
إن هذه الذوات قد رجعت إلى أصله وهذه الحقائق موجودة؛ فتوسل بهم كما تتوسل بالحي. إن البعض يبحث عن طي الأرض، ويقول: لو كنت أعلم طي الأرض الليلة خرجت من هذا الموكب خطوتين ووصلت إلى النجف إلى شارع الرسول، وزرت أمير المؤمنين (ع) مثلا. إن طي الأرض شيء جيد، وقد يتمنى البعض طي السماء مثلا، وما شابه ذلك من هذه الأمور. إنني لا أقول هذا ولا ذاك. إنك قد لا تنال ذلك، ولكن عليك بطي النفس، وأن تتجاوز شهواتك وهواك. أ ليس هو القائل: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ)[٢]. إن هذا السفر هو بحاجة إلى معين وهذا ممكن.
طي السماء..!
باستطاعتك في ليلة واحدة أن تطير إلى الملأ الأعلى. ألم ينتقل في ليلة واحدة إلى الملأ الأعلى ذلك اللص الذي كان ينتقل من سطح إلى سطح سارقاً فسمع في إحدى سرقاته تالياً يتلو قوله تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ)[٣]، فقال: بلى قد آن؟ ثم نزل وتاب إلى الله عز وجل وصار من كبار العارفين؟ وقد قرأتم وسمعتم قصة بشر الحافي الذي قال عنه الإمام موسى بن جعفر (ع) في موقف واحد: هل صاحب البيت حر أم عبد؟ فقالوا: حر. فقال: لو كان عبداً لأطاع مولاه. فركض خلف الإمام موسى بن جعفر (ع) وسمي بشر الحافي وبقي خالدا.
سلوا الله عز وجل أن يغير من مزاجكم
وفوق هؤلاء جميعا الحر؛ ذلك الذي نغبطه على مقامه. إنها لحظات لعلها أقل من ساعة عاشها مع الحسين (ع) فعملت ب ما عملت. فهذه الليالي في النصف من شعبان وليلة القدر وأيام المبعث الشريف؛ محطات شريفة. فسل الله عز وجل أن يغير من مزاجك. إن الشاب الذي يشتكي من العين؛ إذا نظر إليه المولى نظرة ولائية فسوف يرى الجميل من المعاصي قبيحاً، وإذا عُرض عليه لحم غير مذكى؛ يشم رائحة النتن، ويقول: ليس هذا بطعام شهي وهذا لحم حرام. إن هذا الإنسان قد وصل إلى ما يريد ولا يحتاج إلى أمر ولا إلى نهي لأن ذائقته اختلفت. ولهذا عندما تقول الزوجة لزوجها: إنني اليوم أشتهي أن آكل الرماد، يقول: زوجتي حامل والرماد لا يؤكل والذي يشتهي الرماد إنما فيه مرض وهناك انحراف في مزاجه. سلوا الله عز وجل أن يغير من مزاجكم. وكذلك إذا نمت الليل فسوف يكون أنسك في قيام الليل والصلاة بين يدي الله عز وجل.
رواية في فضل أمير المؤمنين (عليه السلام)
ولا بأس في نهاية الحديث أن نذكر رواية تتعلق بصاحب هذه الليلة. تقول الرواية: (بَيْنَا رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ فِي مَلَأٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وإِذَا أَسْوَدُ تَحْمِلُهُ أَرْبَعَةٌ مِنَ اَلزُّنُوجِ مَلْفُوفٌ فِي كِسَاءٍ يَمْضُونَ بِهِ إِلَى قَبْرِهِ فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ عَلَيَّ بِالْأَسْوَدِ فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَكُشِفَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَا عَلِيُّ هَذَا رَبَاحٌ غُلاَمُ آلِ اَلنَّجَّارِ فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ واَللَّهِ مَا رَآنِي قَطُّ إِلاَّ وحُجِلَ فِي قُيُودِهِ وقَالَ يَا عَلِيُّ إِنِّي أُحِبُّكَ قَالَ فَأَمَرَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ بِغُسْلِهِ وكَفَّنَهُ فِي ثَوْبٍ مِنْ ثِيَابِهِ وصَلَّى عَلَيْهِ وشَيَّعَهُ واَلْمُسْلِمُونَ إِلَى قَبْرِهِ وسَمِعَ اَلنَّاسُ دَوِيّاً شَدِيداً فِي اَلسَّمَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ إِنَّهُ قَدْ شَيَّعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ قَبِيلٍ مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ كُلُّ قَبِيلٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ واَللَّهِ مَا نَالَ ذَلِكَ إِلاَّ بِحُبِّكَ يَا عَلِيُّ قَالَ ونَزَلَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ فِي لَحْدِهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ سَوَّى عَلَيْهِ اَللَّبِنَ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ رَأَيْنَاكَ قَدْ أَعْرَضْتَ عَنِ اَلْأَسْوَدِ سَاعَةَ سَوَّيْتَ عَلَيْهِ اَللَّبِنَ فَقَالَ نَعَمْ إِنَّ وَلِيَّ اَللَّهِ خَرَجَ مِنَ اَلدُّنْيَا عَطْشَاناً فَتَبَادَرَ إِلَيْهِ أَزْوَاجُهُ مِنَ اَلْحُورِ اَلْعِينِ بِشَرَابٍ مِنَ اَلْجَنَّةِ ووَلِيُّ اَللَّهِ غَيُورٌ فَكَرِهْتُ أَنْ أَحْزُنَهُ بِالنَّظَرِ إِلَى أَزْوَاجِهِ فَأَعْرَضْتُ عَنْهُ)[٤].
وما الذي صنعه الغلام؟ إن النبي (ص) لم يقل: أن الغلام حارب في بدر وأحد ولم يقل: أنه قد تصدق بمال وفير، وإنما قال: (مَا نَالَ ذَلِكَ إِلاَّ بِحُبِّكَ يَا عَلِيُّ). ماذا يصنع هذا الحب؟ فكيف إذا أضيف إليه العمل؟ فكيف إذا قتل صاحبه في سبيل الله؟
خلاصة المحاضرة
- باستطاعتك في ليلة واحدة أن تطير إلى الملأ الأعلى. ألم ينتقل في ليلة واحدة إلى الملأ الأعلى ذلك اللص الذي كان ينتقل من سطح إلى سطح سارقاً فسمع في إحدى سرقاته تالياً يتلو قوله تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ) فقال: بلى قد آن؟ ثم نزل وتاب إلى الله عز وجل وصار من كبار العارفين؟
- إن الشاب الذي يشتكي من العين؛ إذا نظر إليه المولى نظرة ولائية فسوف يرى الجميل من المعاصي قبيحاً، وإذا عُرض عليه لحم غير مذكى؛ يشم رائحة النتن، ويقول: ليس هذا بطعام شهي وهذا لحم حرام. إن هذا الإنسان قد وصل إلى ما يريد ولا يحتاج إلى أمر ولا إلى نهي لأن ذائقته اختلفت.
- هناك أمران لابد من الالتفات إليهما عند الصلوات؛ أولا: رفع الصوت بالصلاة على محمد وآل محمد وهو مطلوب شرعاً؛ لأنها شعار أهل البيت (ع). ونحن عندما نرفع أصواتنا بالصلاة على النبي وآله؛ نفهم القوم المخالفين أننا على نهج أهل البيت. ثانيا: تحويل الصلاة من شعار إلى شعور.