- ThePlus Audio
الوضوء في كتاب والسنة النبوية الشريفة
بسم الله الرحمن الرحيم
الوضوء في كتاب والسنة النبوية الشريفة
إن الوضوء هو من المسائل الفقهية التي ارتبطت بالعقائد. فهو من المسائل الفقهية لأنه يبحث ضمن فروع الدين ومن المسائل العقائدية لأنه يرتبط بكيفية قرائتنا للكتاب والسنة النبوية الشريفة وذلك من خلال أهل البيت (ع) باعتبارهم الامتداد الطبيعي لسنة المصطفى (ص). وإذا حذفنا أهل البيت (ع) فإننا نحذف شطرا كبيرا من سنة النبي (ص) التي وصلت إلينا من خلالهم. وأهل البيت أدرى بما في البيت.
وأما آية الوضوء على قصرها ووضوحها أوقعت نزاعا بين المسلمين إلى يومنا هذا، وهو قوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)[١]. وقد وقع الخلاف أولا في غسل اليدين هل يكون من الأصابع إلى المرافق بصورة عكسية، ووقع الخلاف الثاني حول مسح الرجل أو غسلها.
هل الآية بصدد تحديد المساحة أو تحديد اتجاه الغسل؟
والآية مقبولة من قبل الطرفين فهي من كتاب الله عز وجل ولا خلاف حوله بين المسلمين. ولو تدبر المتدبر في قوله تعالى: (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) ويراجع المفهوم الواسع لليد في اللغة العربية يرى بوضوح أن الآية بصدد تحديد مساحة الغسل لا اتجاهه. فاليد تطلق على الكتف حتى الأصابع وتطلق على الأصابع فيقال: فلان أكل بيده؛ أي بأصابعه لا بيده كلها من الكتف إلى الأصابع. وقد بينت الآية الحد إلى المرافق حتى لايتوهم أحد أن الغسل يبدأ من الكتف انتهاء بأطراف الأصابع. ولو طلب أحدهم من الصباغ أن يصبغ له داره من الأرض حتى متر واحد؛ فهل يطلب منه أن يصبغ له الدار من التحت إلى الأعلى أو أنه بصدد تحديد المساحة؟
المسح عند الفريقين
وأما بالنسبة إلى قوله تعالى: (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) فالأمر واضح وبين ولا داعي لأن نخرج عن القواعد العربية والسليقة والسياق؛ بل نجعل قوله: (أرجلكم) معمولا لعامل سابق في الآية وهو قوله: (وامسحوا). وأما المفسرون الذين يعتقدون بغسل الرجل بدل مسحها فقرأوا الآية بهذه الصورة: (فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ)، ثم جاءت هذه الجملة معترضة: (وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ). ولا ندري لماذا يجب علينا الفصل بين (أرجلكم) وبين (فاغسلوا)؟
وطريقتنا في الوضوء هي طريقة أئمتنا (ع) والمستفاد من رواياتهم الشريفة. ولا يلزم أن نجعل أرجلكم مجرورة لكيلا نخالف القراءة القرآنية وإن كان لا مانع من ذلك لغويا؛ إذ يمكن العطف على اللفظ كما يمكن العطف على المعنى. ومحل الرؤوس من حيث الإعراب هنا، هو المفعول به وكأنه: امسحوا رؤوسكم وامسحوا أرجلكم. فكلمة رؤوسكم كلمة مجرورة وإذا أردنا العطف على اللفظ نقرأ أرجلِكم وأما العطف إذا كان على محل رؤوسَكم وهو النصب لأنه في مقام المفعول به؛ تقرأ الكلمة أرجلَكم.
الوضوء عند الصحابة والتابعين
وعندما نقول: علماء الإمامية لا نتحدث عن آرائهم الشخصية وإنما عن ما اقتبسوه من نمير الوحي. حتى أن الإمام الباقر عليه السلام، عندما كان يصف وضوء النبي (ص) كان يصرح بأنه كان يمسح على رجليه، ولم يكن يغسلهما. وكان ابن عباس كما ينقل في تفسير الطبري يعتقد بالمسح وقد وصف الوضوء بوصف مختصر وهو قوله: الوضوء غسلتان ومسحتان.
وكان الكثير من الصحابة يعتقدون بالمسح لا بالغسل، على رأسهم أمير المؤمنين (ع) وابن عباس، وأنس بن مالك – خادم النبي – وأبو مالك الأشعري وغيرهم، وكثير من التابعين أيضا. وينقل في بعض الروايات أن عثمان كان يعتقد بالمسح كذلك. والشريعة إنما هي مبنية على أساس التعبد لا على الذوق والآراء الفردية حتى لا يأتي من يقول أن الغسل هو أقرب للذوق والنظافة. وإذا أراد أحد أن يغسل رجليه فليغسلهما بعد الوضوء أو قبله، وينبغي تجفيف الرجلين في هذه الحالة ثم المسح عليهما.
فينبغي لنا أن نتبع النصوص من الآيات والسنة المحكمة؛ حتى لو كان هناك بديل أفضل. وهذه الأيام المطهرات الطبية متوفرة في كل مكان، وعلى فتوى علمائنا قديما وحديثا لو جرح أحدنا وهناك دم وتلوث، ولم يستعمل الماء في التطهير، وإنما استعمل المطهرات الطبية؛ فلا بد وأن يغسل بالماء، ولو بعد زوال الحرج. فلا يجوز له أن يضر بنفسه، ولكن عند ارتفاع المانع لا بد من الغسل بالماء، ولا يكفي التعقيم وما شابه ذلك، لأن الدين قد بُني على ذلك.
خلاصة المحاضرة
- لكل طائفة من المسلمين نظرتها للتاريخ وطريقتها في استنباط الأحكام الشرعية وإنما اتبع الشيعة أهل البيت (ع) باعتبارهم الامتداد الطبيعي لرسول الله (ص) فأخذوا منهم معالم الدين وتعلموا منهم الأحكام والتي منها الوضوء الذي اختلف المسلمون في مساحة الغسل أو المسح بدل الغسل.