- ThePlus Audio
النميمة؛ آثارها وعلاجها
بسم الله الرحمن الرحيم
مراقبة جوارح البدن أو جدوال الحوض الداخلي
إن من يريد قلباً مطمئناً ونفساً سليمة؛ لابد وأن يكون مراقباً لمنافذ بدنه. إن هذه الجوارح هي منافذ البدن وهي جداول الحوض الداخلي؛ فمن أراد أن يكون سليم الباطن لابد أن يسيطر عليها. واللسان من أهم هذه الجوارح التي تجر الإنسان إلى الخطيئة والمنكر. ولذلك يقال: لسانك حصانك إن صنته صانك. فالحصان الأهوج قد يرميك جانبا عندما تركبه.
إن حديثنا هو عن آفة من آفات هذا اللسان وهي النميمة. وهي نقل الكلام الباطل أو الوشاية والسعاية فكلها تدخل في النميمة. إن ما نعانيه اليوم من انتشار لوسائل التواصل الاجتماعي أن الخبر ينتشر بكبسة زر، ويصل إلى الآلاف والآلاف يرسلون الخبر للآلاف وإذا بالملايين يطلعون عليه. إننا نشاهد بعض المقاطع في وسائل التواصل مكتوب تحتها؛ شاهده كذا مليون من الأشخاص.
تخيل أن خبراً كاذباً، أو قل عيباً مستوراً ينشره أحدهم ويصل إلى الملايين. فماذا سيكون حكم هذا الرجل عند الله عز وجل؟ لقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (شِرَارُكُمُ اَلْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ اَلْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ اَلْأَحِبَّةِ)[١]. إننا لو راجعنا بعض صور الطلاق وسبب القطيعة بين المؤمنين وبين الأرحام؛ لوجدنا أن فلانا نقل كلاماً أثار به الزوج أو الزوجة، أو أثار به الرحم فوقعت الوقيعة بين المؤمنين. وما أقبح عمل حمال الحطب هذا. إن المرابي يربح مالاً، والزاني يستمتع متعة، وشارب الخمر يستفيد سكراً؛ أما هذا النمام ما الذي يحصل عليه؟ لا مالاً كسب، لا طعاماً أكل، لا متعة استمتع بها. إنه بحق شر خلق الله؛ لأنه ارتكب حراماً كبيرا من دون مسوغ.
النميمة في القرآن الكريم
لقد أشار القرآن الكريم لهذا الصنف في بعض آياته. إنك إذا أردت أن تصف إنسانا بالانحطاط؛ فإما أن تصرح بذلك وإما أن تلوح إلى ذلك بقولك: لا تقربوا من فلان ولا تأخذوا بكلامه؛ فلا وزن له ولا لكلامه. ألا تكون هذه العبارة أبلغ في الذم؟ لقد استعمل القرآن هذا الأسلوب في قوله: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ)[٢]. والهماز هو الذي يكثر من الهمز والعيب. فتأمر الآية بعدم إطاعته وأنه لا وزن له فهو ساقط عن الاعتبار. ثم تصف الآية عقوبته: (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ)[٣]؛ أي نجعل على أنفه علامة يوم القيامة يعرف أهل المحشر أن هذا هو النمام.
ما هو علاج النميمة؟
لقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه مر برجل يتكلم بفضول الكلام فوقف عليه ثم قال: (يَا هَذَا إِنَّكَ تُمْلِي عَلَى حَافِظَيْكَ كِتَاباً إِلَى رَبِّكَ فَتَكَلَّمْ بِمَا يَعْنِيكَ وَدَعْ مَا لاَ يَعْنِيكَ)[٤]؛ إن هذا الكلام يتحول إلى ملف يوم القيامة ولا بد أن تدافع عن نفسك. وهناك تقنيات حديثة هي في متناول البشر يعرفها الكثير وهي أن تتكلم ويحول الحاسوب صوتك إلى كلمات مكتوبة. ولذلك يقول سبحانه: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ)[٥]. إن النممام والمغتاب والمثرثر لا يعتقد بهذا المبدأ في مقام العمل وإن كان مسلماً ظاهرياً. هذا أولا.
كيف نتعامل مع النمام؟
ثم أنت المستمع ماذا عليك أن تفعله؟ أولا؛ كذبه وطالبه بالدليل؟ وقل له: هل رأيت فلان فعل كذا؟ فيقول: لا جائتني رسالة نصية قل له: ممن؟ قد يقول: لا أدري من موقع خبري فقل له أين قوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)[٦] فبعض وكالات الأنباء على رأس العاملين عليها أفسق الفسقة وأكفر الكفرة. فكيف تصدق الكافر والفاسق والمنافق؟ ولو أن كل من سمع خبرا طالب المتكلم بالدليل والسند لطأطأ الكاذب رأسه خجلاً. وكما روي عن النبي (ص): (حَسْبُكَ مِنَ اَلْكَذِبِ أَنْ تُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعْتَ)[٧]. وقد يقول لك: أنا لا أكذب وإنما أنقل الخبر. فقل له: إن ظاهر كلامك يوحي بالجزم أن فلانا فعل كذا وكذا فهل تقسم بالقرآن أن الخبر صادق؟ إذاً أنت كاذب إن قلت هذا واقع جزماً وأنت في قلبك غير جازم.
صدق أخيك وكذبهم حتى وإن أقسموا كلهم..!
ثانيا؛ أن تحسن الظن بأخيك. فإن قال قائل قولاً في أخيك أحسن به الظن واحمله على سبيعن محمل. إن هذه الرواية هي من الروايات الملفتة وهي رواية معروفة في أوساط المجتهدين وفيها بحث مفصل في الأصول؛ لا في الفقه فقط. لقد روي عن أحد أصحاب الإمام الكاظم (ع) أنه قال للإمام: (قُلْتُ لَهُ اَلرَّجُلُ مِنْ إِخْوَانِي يَبْلُغُنِي عَنْهُ اَلشَّيْءُ اَلَّذِي أَكْرَهُهُ فَأَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَيُنْكِرُهُ وَقَدْ أَخْبَرَنِي عَنْهُ قَوْمٌ ثِقَاتٌ فَقَالَ لِي يَا مُحَمَّدُ كَذِّبْ سَمْعَكَ وَبَصَرَكَ عَنْ أَخِيكَ وَإِنْ شَهِدَ عِنْدَكَ خَمْسُونَ قَسَامَةً وَقَالَ لَكَ قَوْلاً فَصَدِّقْهُ وَكَذِّبْهُمْ وَلاَ تُذِيعَنَّ عَنْهُ شَيْئاً يَشِينُهُ)[٨].
وهنا هو البحث الأصولي حيث يسأل الإمام (ع): كيف يجمع بين الإنكار من جهة وإخبار الثقة من جهة أخرى؟ وهنا يعلمه الإمام (ع) أن الرجل هو أعلم بنفسه فقد قال كلاماً عنى به شيء غير الذي وصلك والثقة الذي أقسم لك قد فهم خطأ. ولأجل إيجاد جو الألفة والمحبة والثقة؛ كذب الخمسين وصدق هذا المؤمن المنكر، وقل له: نعم. أنت الصادق وهم مشتبهون.
سورة الأخلاق
وثالثا: كما قال سبحانه: (وَلَا تَجَسَّسُوا)[٩] وهذه الآية هي من سورة الحجرات وهي سورة معروفة بسورة الأخلاق الاجتماعية؛ ففيها آية الغيبة وفيها آية حسن الظن وفيها آية النهي عن التجسس. إننا منهيون عن التفحص والتجسس في حياة الآخرين الشخصية. وهناك مسألة معروفة؛ ذهبت ألى بيت الخلاء ورأيت على رجلك رطوبة فلا تتجسس أ هذا بول أم ماء. قل في نفسك: إن شاءالله ماء، فكيف بالتعامل مع الآخرين؟
مواجهة أمير المؤمنين (عليه السلام) للنمام
إن أمير المؤمنين (ع) يعلمنا كيف نواجه النمامين؛ فإن أهل البيت (ع) هم قادة الخلق وأمناء الله على أهل الدنيا. تقول الرواية: (أَنَّ رَجُلاً أَتَاهُ يَسْعَى إِلَيْهِ بِرَجُلٍ فَقَالَ يَا هَذَا نَحْنُ نَسْأَلُ عَمَّا قُلْتَ فَإِنْ كُنْتَ صَادِقاً مَقَّتْنَاكَ وَإِنْ كُنْتَ كَاذِباً عَاقَبْنَاكَ وَإِنْ شِئْتَ أَنْ نُقِيلَكَ أَقَلْنَاكَ قَالَ أَقِلْنِي يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ)[١٠]. وكم كان لعلي (ع) من الأعداء ونرى قسما من هذه الظلامات في دعاء الندبة، من إنكار وصايته وسبي ذريته وقتل أولاده. ولعل هذا الساعي كان من أصحابه ولعل من سعى به كان من أعدائه ولكن بين له خطأه بهذه الطريقة وقال له في النهاية: إن أردت الاعتذار قبلنا منك لينزع عما كان عليه.
تدارك ما أفسدت بالنميمة
إن وقعت في ما وقعت واغتبت أخاك وقمت بالنميمة؛ استغفر الله في جوف الليل أولا بتضرع، وثانيا: قدم له الأعمال الصالحة وقل: يا رب إن صلاتي الليلة لمن اغتبته. وثالثا: أصلح ما أفسدته. إذهب وقل لمن سعيت به إليهم: إن ما نقلته عن أخي هو خطأ فلا تسيئوا به الظن. وكما روي عن الصادق (ع): (مَنْ كَسَرَ مُؤْمِناً فَعَلَيْهِ جَبْرُهُ)[١١]. وإن العاقل لايدخل فيما يوجب له هذا كله. فهنيئا لمن أطلق ما بين كفيه وحبس ما بين فكيه.
خلاصة المحاضرة
- إن من يريد قلباً مطمئناً ونفساً سليمة؛ لابد وأن يكون مراقباً لمنافذ بدنه. إن هذه الجوارح هي منافذ البدن وهي جداول الحوض الداخلي؛ فمن أراد أن يكون سليم الباطن لابد أن يسيطر عليها. واللسان من أهم هذه الجوارح التي تجر الإنسان إلى الخطيئة والمنكر. ويقال: لسانك حصانك إن صنته صانك.
- لقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (شِرَارُكُم اَلْمَشَّاءُون بِالنَّمِيمة المُفَرِّقُونَ بين اَلأَحِبَّة). إننا لو راجعنا بعض صور الطلاق وسبب القطيعة بين المؤمنين وبين الأرحام؛ لوجدنا أن فلانا نقل كلاماً أثار به الزوج أو الزوجة، أو أثار به الرحم فوقعت الوقيعة بين المؤمنين.