- ThePlus Audio
النفحات الإلهية
بسم الله الرحمن الرحيم
النفحات الإلهية
من المواضيع المهمة التي ينبغي للمؤمنين أن يلتفتوا إليها ويستوعبوها؛ هو موضوع النفحات الإلهية التي يمن الله عز وجل بها على المؤمنين. وقد كثر السؤال والاستفسار حولها، من وقتها وموانعها وكيفية التعرض لهذه النفحات وما شابه ذلك. وسنتاول في هذه السطور جانبا من هذه المفاهيم ونجيب على بعض هذه الأسئلة.
ما هو المقصود من النفحات الإلهية؟
هي عبارة عن نسمات وهبَّات من عالم الغيب، تعْرِض على القلب، فيعيش الإنسان بشكل فُجائي حالة من الإقبال على الله تعالى، بشكل لم يعهده من قبل. ومثال ذلك في عالم الأبدان، تلك القوة الخارقة التي يشعر بها الإنسان عندما يريد أن يعمل عملا عظيما أو يعترض له عدو لا قبل له به فيجد في نفسه قوة على الهرب لا تأتيه في الحالات الطبيعية. ويمكن تسمية هذه القوة الفجائية أو التغييرات الهرمونية التي تحصل في جسده هي نفحات بدنية إن صح التعبير. ويشبه ذلك النفحات التي تهب على العبد في عالم الأرواح؛ فقد يكون المؤمن غافلا مسترسلا في عالم الدنيا، فإذا به في لحظة من اللحظات يجد في نفسه شهوة وإقبالا على العبادة، وقد يكون نائما في منتصف الليل فيشعر وكأن هناك من يوقظه لنافلة الليل، ويعيش حالة من حالات الإقبال التي لم يكن يتوقعها من نفسه في تلك الليلة.
هل يمكن إثبات وجود هذه النفحات قرآنيا؟
لا ينبغي للمؤمن أن ينكر هذه الحقيقة في حياته، فهنالك عدة آيات تؤكد عليها، منها قوله تعالى: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ)[١]معنى ذلك أن هنالك فضل ورحمة تُسدد المؤمن وتجنبه وساوس الشيطان ونزغاته وقد قال سبحانه: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا)[٢]. وتتجلى هذه النفحات تتجلى على شكل إقبال في العبادة تارة وعلى شكل منع وصد عن الحرام تارة أخرى.
وقد ذكر سبحانه في آية أخرى ذلك بصورة أكثر وضوحا، فقال: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ)[٣]. وطالما لاحظنا بعض الشباب المراهقين المنغمسين في اللذائذ، في وقفة من وقفاته مع ربه في عبادة أو عمرة أو حج أو إحياء أو صلاة خاشعة يمجُ ويكره ويستقذر ما كان يألفهُ من قبل، وهذه نفحة خاصة من نفحات عالم الغيب، تهب على نفس وقلب المؤمن.
أنواع النفحات؛ النفحات العامة
إن لله عزوجل نفحات عامة. فهناك أمكنة وأزمنة يضاعف فيها الله تبارك وتعالى من نفحاته، كـ ليلة القدر وهي ليلة من ليالي السنة، ولكن الله جعل العمل في تلك الليلة خيرا من ألف شهر. وقد روي عن رسول الله (ص) أنه قال: (أَنَّ لِرَبِّكُمْ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ أَلاَ فَتَعَرَّضُوا لَهَا)[٤]، والمؤمن يترصد هذه الأماكن والأزمنة لينتفع بما خصه الله من نفحات بتلك الأمكنة والأزمنة، من قبيل الميزاب وفي أيام الحج والعمرة وغير ذلك.
ثانيا : النفحات الخاصة
ولكن الإنسان المؤمن بلباقته وبذكائه وبحسن مراقبته وبفراسته وبما أعطي من النور الإلهي، ينبغي له أن يكتشف النفحات الخاصة، إذ من الممكن أن يُعطى الإنسان هذه النفحة بعد برٍ بوالديه، فتراه يدخل عليهما السرور من جانب ويمنح النفحة من جانب آخر. وكذلك من له جار أو صديق مهموم ومشوش البال ثم يدخل عليه السرور تراه سرعان ما تأتيه حالة من الإقبال والرقة. ولا بأس أن يُسجل الأعمال التي توجب له مثل هذه النفحات، يترصدها ويُراقبها بكل دقة.
كيف نتعرض للنفحات الخاصة؟
إن النفحات العامة أسبابها خارجية – وهي التي تتعلق بليالٍ معهودة وأيام معهودة وأماكن معهودة – هي ليست بأيدينا ، ففي السنة ليلة قدر واحدة والمسجد الحرام في الواقع بعيدٌ عنا والذهاب إليه يحتاج إلى استطاعة وقدرة مالية .
أما النفحات الخاصة – الداخلية – فتأتي إما من بعض الأعمال، وإما من المجاهدة المستمرة.
النقطة الأولى: أن تقوم بعمل بطولي واحد فيه مجاهدة كبيرة للنفس: كما قام به يوسف (ص)، معاناة واحدة مهمة مع زليخا ومجاهدة النفس في لحظات قليلة أُعطي عليها من النفحات ما بقي أثره إلى يومنا هذا من الذكر الجميل والإكبار في نفوس المؤمنين. وسحرة فرعون وقفوا موقفا واحدا تجاه فرعون وآمنوا بنبي الله موسى (ع)، وهو عملٌ بطولي واحد أكسبهم الخلود. وعندما نقلب صفحات تاريخ المسلمين كم يا ترى هم الشهداء الذين قُتلوا في ركاب النبي (ص)؟ لماذا يُسجلَ هذا الخلود بحق حنظلة غسيل الملائكة؟ لأنه في ليلة زفافة، وهي ليلة عادة يغلبها الغفلة والاسترسال في المُتَع، يهب وهو مُجنب للقتال مع النبي (ص). حقيقة لو امتلك الإنسان في حياته عدة محطات من قبيل من هذه المحطات، لاكتسب من خلالها سعادة الأبد.
فلو تعرض أحدنا لعروض مغرية من قبيل مال حرام أو شهوة حرام أو منصب لا يستحقه، ثم جاهد نفسه بدل الانقياد لها، لاكتسب بذلك فرصة العمر، ولفتح لنفسه بابا منه تنهمر عليه النفحات وتفيض عليه المنح والهبات. فلو جاهد الشاب نفسه لحظات مع فتاة لا تحل له، كما فعل ذلك يوسف (ع) من قبل لاكتسب لذة الأبد. وقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (شَتَّانَ بَيْنَ عَمَلَيْنِ عَمَلٍ تَذْهَبُ لَذَّتُهُ وَيَبْقَى تَبِعَتُهُ وَعَمَلٍ تَذْهَبُ مَئُونَتُهُ وَتَبْقَى أَجْرُهُ)[٥]. وينبغي للمؤمن أن يبحث عن هذه الفرصا بحثا. فالبعض يخشى من من الامتحانات والإغراءات خوفا من الفشل وهذا أمر لا بأس به، ولكن البعض يتمنى أن يقع في هذه الامتحانات ليثبت تفوقه، كالأبطال الذين يبحثون عن أقران ليجدلوهم[٦] فيثبتوا جدارتهم ويأخذوا الجوائز الكبيرة على ذلك.
ومن أهم هذه الفرص، كظم الغيظ. فقد يثار المرء من قبل أبناءه وأزواجه وخدمه أو غيرهم، ولكنه يتذكر غضب الله عز وجل فيمسك. وقد روي عن الإمام (ع): أنه قال: (مَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى إِنْفَاذِهِ مَلَأَ اَللَّهُ قَلْبَهُ أَمْناً وَإِيمَاناً إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ)[٧]، وما قيمة أن تنفذ غضبك على هذه الزوجة المسكينة، أو تلك الخادمة المستضعفة، وأنت بإمكانك أن تعيش حلاوة الإيمان وتزيل عن كاهل جبال الذنوب بهذه الجرعة التي تتجرعها؟ وقد يابهي الله سبحانه ملائكته بمن يعرض عن شهوة أو غضب بتعرض له.
النقطة الثانية: المجاهدة البسيطة المستمرة. فالإنسان قد لا يقوم بجهاد عظيم كحنظلة وكيوسف وكسحرة فرعون – مع فارق الدرجات بينهم – ولكن الإنسان الذي يُراقب نفسه، ويترك الذنوب صغيرها وكبيرها، يُعطى هذه المنحة بين فترة وأخرى. ولهذا في صلاة الليل ندعو: (وَلَكَ فِي هَذَا اَللَّيْلِ نَفَحَاتٌ وَجَوَائِزُ وَعَطَايَا وَمَوَاهِبُ تَمُنُّ بِهَا عَلَى مَنْ تَشَاءُ مِنْ عِبَادِكَ وَتَمْنَعُهَا مَنْ لَمْ تَسْبِقْ لَهُ اَلْعِنَايَةُ مِنْكَ وَهَا أَنَا ذَا عَبْدُكَ اَلْفَقِيرُ إِلَيْكَ اَلْمُؤَمِّلُ فَضْلَكَ وَمَعْرُوفَكَ فَإِنْ كُنْتَ يَا مَوْلاَيَ تَفَضَّلْتَ فِي هَذِهِ اَللَّيْلَةِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ وَعُدْتَ عَلَيْهِ بِعَائِدَةٍ مِنْ عَطْفِكَ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ اَلطَّيِّبِينَ اَلطَّاهِرِينَ اَلْخَيِّرِينَ اَلْفَاضِلِينَ وَجُدْ عَلَيَّ بِفَضْلِكَ وَمَعْرُوفِكَ وَكَرَمِكَ يَا رَبَّ اَلْعَالَمِينَ)[٨]. وقد يقيم الليل سنة كاملة، فلا يُعطى نفحة من تلك النفحات، ولكنه في ليلة وبلا مناسبة، وإذا به يعيش عالما من السير نحو الله سبحانه وتعالى.
الاشتياق إلى النفحات
وهذه النفخات بمثابة الجوائز التي تجعل الإنسان يحن إليها دائما ويعد الأيام والليالي لمجيئها. فلو كُشف لك الغطاء في ليلة من الليالي وتجلى لك رب العالمين بتجلياته الجلالية أوالجمالية، لتحولت إلى عاشق، لا تفوته ليلة من الليالي عسى أن يوفق للقاء بمحبوبه، وعسى أن يصل إلى ذلك التجلي الذي وقع له في ليلة من الليالي. وما الذي جعل موسى (ع) يعيش حالة الشوق لله عزوجل؟ لولا هذه القابلية في نفس موسى (ع) لما تكلم اللهُ معه، ولقد أوجد في قلبه حُرقة وشوقا لم تنطفئ عندما تجلى له في طور سيناء. وهي الحُرقة والشوق نفسها التي كانت تغلي في قلب يوسف (ع).
علامة اليقين
ولو فتح للباب للمؤمن فلا يحتاج إلى كثير وعظ وإرشاد، وإلى حث أو ردع، وإلى ذكر الحور والغلمان والقصور، بل هو يتنعم بالدنيا ويعيش وكأنه في الجنان، وحاله في ذلك حال الشاب الذي سأله النبي (ص) كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت موقنا. فقد روي عن الإمام الصادق (ع) أمه قال: (إِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ صَلَّى بِالنَّاسِ اَلصُّبْحَ فَنَظَرَ إِلَى شَابٍّ فِي اَلْمَسْجِدِ وَهُوَ يَخْفِقُ وَيَهْوِي بِرَأْسِهِ مُصْفَرّاً لَوْنُهُ قَدْ نَحِفَ جِسْمُهُ وَغَارَتْ عَيْنَاهُ فِي رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا فُلاَنُ قَالَ أَصْبَحْتُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ مُوقِناً فَعَجِبَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مِنْ قَوْلِهِ وَقَالَ إِنَّ لِكُلِّ يَقِينٍ حَقِيقَةً فَمَا حَقِيقَةُ يَقِينِكَ فَقَالَ إِنَّ يَقِينِي يَا رَسُولَ اَللَّهِ هُوَ اَلَّذِي أَحْزَنَنِي وَأَسْهَرَ لَيْلِي وَأَظْمَأَ هَوَاجِرِي فَعَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ اَلدُّنْيَا وَمَا فِيهَا حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي وَقَدْ نُصِبَ لِلْحِسَابِ وَ حُشِرَ اَلْخَلاَئِقُ لِذَلِكَ وَأَنَا فِيهِمْ وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ اَلْجَنَّةِ يَتَنَعَّمُونَ فِي اَلْجَنَّةِ وَيَتَعَارَفُونَ وَعَلَى اَلْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ اَلنَّارِ وَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ مُصْطَرِخُونَ وَكَأَنِّي اَلْآنَ أَسْمَعُ زَفِيرَ اَلنَّارِ يَدُورُ فِي مَسَامِعِي)[٩].
الأمور السالبة للنفحات؛ عدم تقدير هذه النعمة
النفحة الإلهية بمثابة الضيف الإلهي الذي حلَّ عليك فإذا لم تُكرمه غادر، ولذا يُقال: أن الإدبار بعد الإقبال مباشرة يكسر المؤمنَ كسرا بليغا. فلو كنت في المسجد وفي حالة روحية راقية أو كنت قد أقمت الليل بالعبادة، وإذا بك بعد ذلك مباشرة تخرج إلى الشارع، فتنظر نظرة محرمة، يُقال لك: أنت كنت في ضيافتي وقد وهبتك شيئا من إقبالي ومن نفحاتي فلماذا تقدر هذه النعمة؟ فعندئذ يُبتلى بقسوة شديدة، لا ترتفع عنه إلا بالبكاء الشديد، والإنابة إلى الله عزوجل. ومع عدم الاستغفار يبقى فيما هو عليه من الإدبار إلى ما شاء الله.
عدم تحويل النفحة إلى عمل
البعض يتحول إلى عاشق للنفحات، يحب دائما أن يعيش حالة الهيام والغرام والتحليق، دون أن يحول النفحات إلى عمل وسعي. فتراه يحيي الليل بالبكاء والخشوع، وفي النهار يعيش حالة الغفلة والسهو. لا تبحث عن النفحة وراء النفحة ولكن ابحث عن العمل وراء النفحة وحول هذه النفحة إلى حالة من التقوى والورع، بل قل: يا رب، منحتني هذه النفحة، أعاهدك على ترك معصية من المعاصي وإذا وفيت بهذا الوعد؛ أي كلما منحت نفحة تركت حراما، سترى عليك النفحات وهذا مقتضى قوله تعالى: (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ)[١٠].
يذهب إلى الحج فيمنحه الله عز وجل بمناسكه وأعماله شيئا من هذه النفحات، ثم هو يفرح بهذه النفحات ويكتفي بها وله ما له من السيئات والذنوب والمعاصي، فقد توجب له هذه النفحة إعجابا بنفسه تمنعه من استصلاح ما فسد منه بالذنوب إن رضي بها بدلا عن العمل والجد والاجتهاد.
كيف تستبقي النفحة ؟
إذا جاءت النفحة حاول أن تستبقيها قدر الإمكان، لأنها حالة ثمينة لم تأت إلا بعد فترة من الإدبار، حتى قال بعض علماء الأخلاق: إذا رُزقت الإقبال في موقف من مواقف الصلاة، حاول أن تبقى في ذلك الموقف، ففي السجود – مثلا – جاءتك نفحةٌ إلهية أو حالة من حالات الرقة، لا تتجاوزها، فلعلك لو تحولت إلى أمر آخر فقدتها. كنت تقرأ القرآن الكريم جاءتك نفحة إلهية، استمر في قراءة القرآن، فلعلك إذا حوَّلت القرآن إلى دعاء تفقد هذه النفحة. حتى أن البعض منهم ينصح بالبقاء في المكان الذي أتتك النفحة تلك، فأنت في المنزل وتعيش حالة من حالات القرب والشفافية الروحية، فإذا خرجت من المنزل ورأيت ما رأيت من الممكن أن تفقد هذه الحالة.
المحطات اليومية لنزول النفحات
قد يكون المؤمن مؤهلا للنفحات إلا أن طبيعة عمله وبيئته لا تسمح له بذلك، فينبغي أن يستغل محطة الصلاة التي تستبطن النفحات الكثيرة وهي سلم للعروج إلى الله سبحانه، ومتسعا للمؤمن من هموم الحياة ومتاعبها. فالغواص الذي يغوص في البحر عندما يشعر بالاختناق يصعد إلى سطح البحر ليستنشق الهواء قليلا ثم يكمل غوصه، ونحن نغوص في كثير من الظلمات في حياتنا ولا بد أن نتخذ من الصلاة والقرآن والدعاء متنفسا ومحطة تبعدنا شيء عن صخب الحياة.
حالة الإدبار
إن الإعراض الإلهي عن العبد من أسوأ صور التعذيب، ولا ينفك المؤمن في ليله ونهاره من الدعاء والتضرع للخلاص من قسوة القلب. ولذلك نرى من أعظم العقوبات في يوم القيامة قوله تعالى: (وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[١١]، وإذا كان المؤمن في حالة من الإدبار ثم لم يهتم فليعلم أنه مريض. وإلا فإن المؤمن يجأر إلى الله عز وجل من مثل هذه الحال، ومن أشباهها من الحالات التي يفقد فيها ما كان عليه من لذة في العبادة. إن النبي الأكرم (ص) عندما تأخر عليه الوحي فترة من الزمن ضاق عليه الأمر حتى نزل قوله سبحانه: (وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى)[١٢].
النفحات الدائمة
لقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (إِنَّ لِلَّهِ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ أَلاَ فَتَرَصَّدُوا لَهَا)[١٣]، والبعض له نصيب من هذه النفحات في كل يوم وليلة والبعض في دهره قد تأتيه بعض هذه النفحات، وبحسب الروايات الشريفة فإن المؤمن ينتظر هذه النفحات، وقد يصل الأمر بالمؤمن أن تأتيه النفحات كلما شاء. فإذا ما أراد ذلك افترش الأرض وأخذ في الدعاء والتلاوة وإذا بالدموع تنهمر على خديه وبالقلب قد خشع ولان، ولا يحصل ذلك إلا بالمجاهدات الطويلة المستمرة.
[٢] سورة النساء: ٨٣.
[٣] سورة الحجرات: ٧.
[٤] بحار الأنوار ج٨٠ ص٣٥٢.
[٥] بحار الأنوار ج٧٥ ص٦٧.
[٦] جَدَّلَهُ: صَرَعَهُ. وفي حديث أمير المؤمنين (ع) عندما وقفَ على طلحة وهو قتيل، فقال: أَعْزِزْ عَلَيَّ أَبا مُحَمَّدٍ أَنْ أَرَاكَ مُجَدَّلاً تَحْتَ نجوم السَّمَاءِ.
[٧] مشکاة الأنوار ج١ ص٢١٧.
[٨] مصباح المتهجد ج١ ص١٥٢.
[٩] بحار الأنوار ج٦٧ ص١٧٤.
[١٠] سورة إبراهيم: ٧.
[١١] سورة آل عمران: ٧٧.
[١٢] سورة الضحى: ١-٣.
[١٣] عوالي اللئالي ج١ ص٢٩٦.
خلاصة المحاضرة
- إن النفحات الإلهية، هي عبارة عن نسمات وهبَّات من عالم الغيب، تعْرِض على القلب، فيعيش الإنسان بشكل فُجائي حالة من الإقبال على الله تعالى، بشكل لم يعهده من قبل.
- إن المؤمن بلباقته وبذكائه وبحسن مراقبته وبفراسته وبما أعطي من النور الإلهي، ينبغي له أن يكتشف النفحات الخاصة، إذ من الممكن أن يُعطى الإنسان هذه النفحة بعد برٍ بوالديه، فتراه يدخل عليهما السرور من جانب ويمنح النفحة من جانب آخر.
- قد يذهب المؤمن إلى الحج فيمنحه الله عز وجل بمناسكه وأعماله بعض النفحات، ثم هو يفرح بهذه النفحات ويكتفي بها وله ما له من السيئات والذنوب والمعاصي، فقد توجب له هذه النفحة إعجابا بنفسه تمنعه من استصلاح ما فسد منه بالذنوب إن رضي بها بدلا عن العمل والجد والاجتهاد.