Search
Close this search box.
  • ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

النصر والهزيمة في المفهوم الإسلامي

بسم الله الرحمن الرحيم

النصر الحقيقي

إن البعض يحصر مفهوم النصر بالقضاء على الخصم عند المواجهة، والحال أن للنصر مفهوما أوسع من ذلك بكثير. إن بقاء القيم التي من أجلها ضحى صاحبها؛ لهو أكبر دليل على النصر. وهذه هي رسالات الأنبياء والأوصياء نابضة بشعار التوحيد؛ رغم ما جرى عليهم من صنوف الأذى. وها هو الحسين (ع) قد خلد وخلدت قيمه وتشابهت نهاية حياته الكريمة؛ مع نهاية حياة يحيى بن زكريا (ع)، فقد قال الحسين (ع): (مِنْ هَوَانِ اَلدُّنْيَا عَلَى اَللَّهِ أَنَّ رَأْسَ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا أُهْدِيَ إِلَى بَغِيٍّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ)[١] ولكن الله كرمه فى القرآن بتكريم منقطع النظير حينما قال : (وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا)[٢].

قد يبتلي الله سبحانه عباده ببعض الانتكاسات بعد تحقيقهم لبعض الانتصارات؛ وذلك تأديب منه سبحانه لكي لا يغتروا بقوتهم ولا يركنوا إليها وليوقنوا بقوله سبحانه: (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)[٣]. وذلك ما وقع في معركة أحد حين أقبلوا على عاجل الدنيا وزالوا عن أماكنهم التي حددها لهم رسول الله (ص)؛ فحبس الله عز وجل عنهم النصر بمعصيتهم الرسول (ص). بالإضافة إلى ما وقع فيهم من القتل والجرح البليغ وأصابهم القرح كما وصف ذلك القرآن الكريم. ويتبين من ذلك أن النصر الإلهي للعباد متوقف على نصرة العباد له سبحانه، وذلك بإقامة حدوده وشرائعه.

موجبات النصر الإلهي

إن من موجبات النصر في حياة النبي (ص) وأصحابه الميامين هى: تلك الحالة من الوضوح العقائدي، والثبات الفكري الذي كان يبث فيهم روح الشجاعة والاستقامة. فهذا أحد الصحابة ينادي قومه بعدما أشاع الكفار بأن النبي (ص) قد قتل في معركة أحد: (يا قوم ! إن كان محمد قد قتل، فرب محمد لم يقتل! وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله (ص)؟! فقاتلوا على ما قاتل عليه رسول الله (ص)، وموتوا على ما مات عليه ثم قاتل حتى قتل رضوان الله عليه). وهكذا عرف هؤلاء المسلمون نبيهم العظيم (ص) من خلال شريعته التي ضحى الرسول (ص) من أجلها بالنفس والنفيس ، وهكذا هم الأوصياء من عترته (ع) .

الصحابية العظيمة؛ نسيبة بنت كعب المازنية

وعلى الرغم من أن الشريعة أعفت النساء من الجهاد في الظروف العادية؛ إلا أن ذلك لا يعني اعفاؤهن عن نصرة الدين فيما أمكنهن ذلك – وخاصة فى ظروف الطارئة – للقيام بدور مساند للرسالة الإلهية، فدورها أكبر من أن تكون عنصر إغراء للرجال كما يظن البعض. فهذه نسيبة بنت كعب المازنية، كانت تخرج مع رسول الله (ص) لتداوي الجرحى، وكان ابنها معها في غزوة أحد، فأراد أن ينهزم فقالت: (يَا بُنَيَّ، إِلَى أَيْنَ تَفِرُّ عَنِ اَللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ فَرَدَّتْهُ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَتَلَهُ، فَأَخَذَتْ سَيْفَ اِبْنِهَا فَحَمَلَتْ عَلَى اَلرَّجُلِ، َضَرَبَتْهُ عَلَى فَخِذِهِ فَقَتَلَتْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بَارَكَ اَللَّهُ عَلَيْكِ يَا نَسِيبَةُ، وَكَانَتْ تَقِي رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِصَدْرِهَا وَثَدْيَيْهَا وَيَدَيْهَا، حَتَّى أَصَابَتْهَا جِرَاحَاتٌ كَثِيرَةٌ.. فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ «لَمَقَامُ نَسِيْبَةَ أَفْضَلُ مِنْ مَقَامِ فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ»)[٤]

تضحيات أمير المؤمنين (عليه السلام) في معركة أحد

لقد تجلت تضحيات علي (ع) في مواطن كثيرة منها هذه المعركة؛ إذ كان سيفه يدفع الكروب عن وجه المصطفى (ص). وقد سمع المسلمون مناديا ينادي من السماء: (لاَ سَيْفَ إِلاَّ ذُو اَلْفَقَارِ وَ لاَ فَتَى إِلاَّ عَلِيٌّ. فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَقَالَ: «هَذِهِ وَ اَللَّهِ اَلْمُوَاسَاةُ يَا مُحَمَّدُ» فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: «لِأَنِّي مِنْهُ وَ هُوَ مِنِّي» وَقَالَ جَبْرَئِيلُ «وَأَنَا مِنْكُمَا»)[٥] ومن المعلوم أن كونه منه – كما كان الحسين (ع) كذلك – بمعنى أن قوة الشريعة وثباتها بعده؛ إنما هي بجهوده وجهاده، كما يشهد التاريخ والمنصفون بذلك.

الشهيد حنظلة بن أبي عامر؛ غسيل الملائكة

ومن الصحابة العظماء الذين أبلوا بلاء حسنا في معركة أحد؛ حنظلة بن أبي عامر. وقد ضرب أروع مثال للشباب في كل العصور. فقد سمع في صباح التالي لليلة زفافه منادي الجهاد، ورأى أن أبواب الجنة مفتحة للجهاد جنبا إلى جنب رسول الله (ص)؛ فخرج إلى القتال وهو جنب، وقاتل حتى استشهد رضوان الله عليه. وقد شاء الله عز وجل أن لا يدع وليه الشهيد يبقى على جنابته؛ فقد روي عن النبي (ص) أنه قال: (رَأَيْتُ اَلْمَلاَئِكَةَ يُغَسِّلُونَ حَنْظَلَةَ بَيْنَ اَلسَّمَاءِ وَاَلْأَرْضِ، بِمَاءِ اَلْمُزْنِ فِي صَحَائِفَ مِنْ ذَهَبٍ، فَكَانَ يُسَمَّى غَسِيلَ اَلْمَلاَئِكَةِ)[٦].

ولم يمر على رسول الله (ص) موقفا في حياته أغاضه بمثل ذلك الموقف الذي وقف فيه على جثمان عمه حمزة سيد الشهداء رضوان الله عليه، وقد مثل به ذلك التمثيل الذي نترفع عن ذكره لقبحه ووحشيته. وقد ورد في الروايات أن: (خَرَجَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ تَعْدُو عَلَى قَدَمَيْهَا حَتَّى وَافَتْ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَقَعَدَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَكَانَ إِذَا بَكَى رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بَكَتْ وَإِذَا اِنْتَحَبَ اِنْتَحَبَتْ)[٧]. وهذه من المواقف النادرة التى تعكس شدة تأثر رسول الله (ص) بما جرى يوم أحد. ومع ذلك، لم يرفض الرسول الأكرم إسلام قاتل عمه المسمى بـ (الوحشي) عندما أعلن إسلامه؛ فكيف يتحمل البعض مسؤولية تكفير المسلمين الملتزمين بأصول الدين، وفروعه؟

هم المعصومين (عليهم السلام) في دعوة الناس إلى الله عز وجل في جميع المواقف

إن من الملفت حقا في حياة المعصومين (ع) هو استغلال كل موقف في سبيل دعوة الناس إلى التقوى، حتى في جبهات القتال؛ إذ أنهم لم يقاتلوا إلا من أجل الترويج لعبودية الله تعالى في كل شأن من شؤون الحياة. وهذه خطب علي (ع) ووولديه الحسن والحسين (ع) مسجلة في معاركهم المختلفة، والتي تركز على التوحيد وربط الشؤون كلها بالله الواحد الأحد، وذلك تأسيا بالمصطفى (ص) الذي عندما سوى صفوف المسلمين في معركة أحد، خطب فيهم ودعاهم إلى ترك المشتبهات، قائلا: (قَدْ بَيَّنَ لَكُمُ اَلْحَلاَلَ وَ اَلْحَرَامَ غَيْرَ أَنَّ بَيْنَهُمَا شَبَهاً مِنَ اَلْأَمْرِ لَمْ يَعْلَمْهَا كَثِيرٌ مِنَ اَلنَّاسِ إِلاَّ مَنْ عُصِمَ فَمَنْ تَرَكَهَا حَفِظَ عِرْضَهُ وَ دِينَهُ وَ مَنْ وَقَعَ فِيهَا كَانَ كَالرَّاعِي إِلَى جَنْبِ اَلْحِمَى أَوْشَكَ أَنْ يَقَعَ فِيهِ وَ مَا مِنْ مَلَكٍ إِلاَّ وَ لَهُ حِمًى أَلاَ وَ إِنَّ حِمَى اَللَّهِ مَحَارِمُهُ)[٨].

التصرف الإلهي في قلوب الكافرين..!

إن من الغريب حقا أن الكفار عندما رجعوا منتصرين من غزوة أحد، استفاقوا على حقيقة غابت عن أذهانهم في تلك الساعات عندما كانوا فى ضواحى المدينة؛ أنهم لم يرجعوا بطائل؛ فلم يقتلوا محمدا (ص) ولم يأسروا النساء؟ وهذه نقطة ملفتة؛ وهي تعكس التصرف الإلهى فى القلوب حتى الكفار منهم؛ إذا ما أراد سبحانه صرف الأذى عن المؤمنين فى كل عصر وزمان.

[١] عوالي اللئالي  ج٤ ص٨١.
[٢] سورة مريم: ١٥.
[٣] سورة آل عمران: ١٢٦.
[٤] تفسير القمي  ج١ ص١١٤.
[٥] تفسير القمي ج١ ص١١٤.
[٦] تفسير القمي  ج١ ص١١٤.
[٧] بحار الأنوار  ج٢٠ ص٦٢.
[٨] بحار الأنوار  ج٢٠ ص١٢٤.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن الله سبحانه ينصر المؤمنين من عباده في أحلك الظروف وأصعبها وقد يؤخر عنهم النصر وهم ذوي عدد وعدة لاغترارهم بقوتهم والركون إليها ونسيانهم أن النصر إنما هو من الله سبحانه. فإن رجعوا إلى رشدهم ووقفوا على خطأ رأيهم أمدهم بالنصر وأعز بهم دينه الذي ارتضى لهم.
  • إن النبي الأكرم (ص) والأئمة (ع) لم يألوا جهدا ولم يدخروا وسعا وهم في أحلك الظروف وأكثرها ضراوة وفي وسط المعارك أن يدعوا إلى الله عز وجل ويحثو على العبودية لله سبحانه؛ فهذه خطب أمير المؤمنين (ع) والحسن والحسين (ع) شاهدة على صدق هذه الدعوى.
Layer-5.png