– إن العواطف سريعة التبخر.. هي بمثابة المياه، التي تصب حول النبات، فإذا لم يصل إلى الجذور؛ فإن النبات لا يستفيد من المياه التي تصل إليه، إذ لابد من إيصال الماء إلى الجذور.. وظاهر الإنسان هو: قلبه، وعواطفه.. أما الجذور، فهي عبارة عن ذلك الرسول الباطني.. إن لله حجتين: حجة ظاهرة، وحجة باطنة.. الحجة الظاهرة: متمثلة في الأنبياء والرسل.. والحجة الباطنة: هو ذلك العقل الذي أودع في الإنسان.. في أيام العزاء باعتبار القلب متحرك، فإن العين تدمع.. وهنالك مظاهر حزن حتى على ظاهر البدن، فالإنسان يلبس السواد مثلاً.. كل هذه الأجواء أجواء مرطبة ومهيئة لتلقي الفكرة، ورب العالمين استعمل هذه السياسة في موسم الحج.. في الحج هنالك معانٍ توحيدية، وهنالك حركات شعورية.. في يوم عرفة الإنسان يرطب وجوده الباطني، من خلال الدعاء والالتجاء إلى الله -عز وجل-.. ولكن رمي الجمرات هو مظهر البراءة، والطواف حول البيت هو مظهر التوحيد.. هذه المعاني الفكرية، تتمازج مع المعاني الباطنية.
– إن عليا (ع) لم يختر كميلا على أنه كميل، بل على أنه فرد من أفراد شيعته.. فقال له: اكتب يا كميل!.. ولم يقل له: هذا سر بيني وبينك؛ أي لك أن تروجه في صفوف إخوانك.. قال كميل: ثم قال: (يا كميل، إن هذه القلوب أوعية، فخيرها أوعاها.. فأحفظ عني ما أقوله لك: الناس ثلاثة: فعالم رباني.. ومتعلم على سبيل نجاة.. وهمج رعاع، أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لا يستضيئون بنور العلم؛ فيهتدوا، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق؛ فينجو).
– إن عليا (ع) في هذه الكلمة، عندما يقول: (الناس ثلاثة)؛ معنى ذلك أنه ليس هنالك شق رابع.. إنه حديث مخيف، لأن علي (ع) وزع ثلاث شهادات: شهادة ربانية، وشهادة المتعلم على سبيل النجاة، وشهادة الهمج الرعاع.. والإنسان بسلوكه يحدد أنه من أي صنف من هذه الأصناف الثلاثة!..
– عالم رباني: كلمة العالم الرباني معنى عظيم، ومعنى دقيق، ورفيع جداً.. يقولون: العالم الرباني، هو ذلك الإنسان العالم الذي يربي العباد، أو يربي العلم.. وكلاهما ممكن!.. أي العالم الرباني، هو ذلك العالم الذي ينقل نوره الباطني إلى الأمة.. والعالم المثالي، هو ذلك العالم الذي له قدرة نقل نوره الباطني إلى ساحة الحياة كالأنبياء (ع).. وطبعاً هذا النقل يحتاج إلى عنصرين أساسين:
العنصر الأول: وجود نور العلم.. ليس العلم بكثرة التعلم، وإنما هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء.. هذه الأيام البعض من خريجي كليات الشريعة، يمارسون أرقى المنكرات، شأنهم شأن الآخرين؛ أي ذهب إلى كلية الشريعة، ودرس: أصول الاستنباط، وعلم الحديث، وعلم الرجال، وعلم التفسير.. ولكن شأنه شأن من يدرس في أي كلية من الكليات الأخرى.. فإذن، إن العلم ليس جمع المعلومات.. فالأسطوانات المدمجة وزنها غرامات، ولكن فيها قرابة أكثر من ثلاثة آلاف كتاب من كتب الإمامية وغيرهم.. وعليه، فإنه هو أعلم العلماء!..
وبالتالي، فإنه يجب أن يقترن العلم بنور.. فالعلم عندما يقترن بالعمل، يساوي إلقاء ذلك النور، {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ}.. والعالم الرباني هو ذلك الذي يستحصل على هذا النور.. ومن موجبات اكتساب هذا النور جوف الليل، والنهار هو لإشعاع هذا النور.. إذا أراد الإنسان أن يوقد سراج القلب، فعليه بالليل!.. وما أدراك ما جوف الليل!.. الإمام العسكري (ع) يقول: (إن الوصول إلى الله -عزّ وجلّ- سفر، لا يدرك إلاّ بامتطاء الليل).. ولهذا عندما يصل الحديث إلى نافلة الليل، فإن القرآن الكريم يذكر جائزة مهمة، {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} وكأن الآية تقول: قد تقيم الليل على أتم ما يكون، والله -عز وجل- لا يبعثك مقاماً محموداً؛ وذلك بسبب ظلمك في النهار، فإنه يبطل أثر صلاة الليل.. فالقضية قضية مركبة، والكمالات المعنوية هي بمثابة العناصر الغذائية، فالذي يكتفي بنوع واحد من الطعام، لا ينمو بدنه.. إذ لابد له من التنويع.
إن الله -عز وجل- يقول في كتابه الكريم: {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}.. في اللغة العربية عندما يذكر الشيء من دون (أل) يسمى نكرة، والنكرة مجهول.. وكلمة المقام هنا مجهولة، لأن المقام غير معلوم ما هو؟.. وأضف إلى ذلك أنه نكرة، فإبهام في إبهام في إبهام!.. وهذا هو طريق من طرق اكتساب النور، لكل من يريد هذا النور.. فالعالم الرباني، هو العلم زائداً هذا النور، يجعل الإنسان من قادة الأمة.. ولكن بما أن الإنسان هو من الرعية، فعليه بشيء من العلم، وشيء من هذا النور؛ ليكون متميزاً في الطبقة الثانية: المتعلم على سبيل النجاة.
فإذن، إن العالم الرباني هو هذا العالم الذي له قدرة على إشاعة النور في المجتمع.. ويقال: العالم الرباني له معنى آخر: أنه يربي العلم، ويوسع العلم؛ لأن العالم إذا اتصل بعالم الغيب، صار هنالك قناة اتصال بينه وبين عالم الغيب.. وهذا المعنى من لا يستوعبه، على الأقل لا يستنكره.. فالذي ينكر هذه المقامات العالية، سوف لن يصل إليها في يوم من الأيام.
العنصر الثاني: الإشرافية اللدنية.. إن عالم المعرفة يكون من خلال المحاضرة، ومن خلال الكتاب، ومن خلال التلفاز والقنوات الفضائية الهادفة.. ولكن هنالك سبيلا آخر للمعرفة، هذا السبيل لا يتوقف على القرطاس، ولا يتوقف على الكلمات، ولا على الخطب.. ومثاله في القرآن الكريم أم موسى: فأم موسى لا يقاس بها عظماء التاريخ، أم لها ولد كموسى -أولاد الأنبياء في صغرهم متميزون، لا كالأطفال- تجعله في المهد وترمي به في البحر على بركة الله، مفوضة أمرها إلى الله -عز وجل-.. من أين جاءت بهذا اليقين، وبهذا النور؟.. {وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}.. {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}.. هذه التعابير ما جاءت من خلال دراستها في جامعة، أم موسى لم تذهب إلى الحوزات العلمية المتعارفة -مثلاً- ولم يكن زوجها أحد الأنبياء، ولكن وصلت إلى هذه الدرجة، لأنها تلقت المعرفة التسديدية.. وهكذا الأمر في مريم (ع)، رب العالمين يطهرها ويصطفيها على نساء العالمين، إلى درجة إثارة غيرة نبي الله زكريا (ع)، {دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ * هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء}.
إن هذا الطريق من المعرفة الإشرافية اللدنية التوحيدية الغيبية، طريق مفتوح؛ ولكن هذا الطريق يحتاج إلى قابلية.. قد يقول البعض: هل هنالك في كلام الأئمة (ع) إشارة لهذا النور من المعرفة؟.. نعم، هنالك إشارات.. فالمعصوم (ع) يشير إلى ذلك إشارة، كما ذكر صاحب كتاب تحف العقول -مضمون الرواية-: (ترى الرجل فصيحاً مصقعاً، لا يخطئ بلام ولا ميم، وقلبه كالليل المظلم.. وترى الرجل عكس هذا، لا يكاد يبين ما في نفسه، ولكن قلبه يزهر كالمصباح).. هذا الذي كان في جوف ميثم التمار، الذي لم يتخرج من دورة، ولا من جامعة.. ولكن أشرق هذا النور في قلبه، إلى درجة أنه كان لا يفتر عن ذكر محاسن علي (ع)، وهو مصلوب على الخشبة؛ مما اضطر القوم للجمه، فكان أول خلق الله ألجم في الإسلام.. هذا النور من أين جاء؟..
– ومتعلم على سبيل نجاة: إن أغلب الناس من الممكن أن يكونوا من هذا القسم.. فالعالم الرباني له رجاله، وما عدا هؤلاء هم همج رعاع.. وعلي (ع) لاذع في تعابيره، إذ يشبههم بالبهائم التي ترعى في الأرض، كما ذكر القرآن الكريم {إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا}.. وهناك عبارة للإمام الحسن (ع) يقول فيها: (ما أعرف أحدا، إلا وهو أحمق فيما بينه وبين ربه).. إن الناس في الدنيا أذكى الأذكياء!.. أما في التعامل مع رب العالمين، فإنهم حمقى!.. والأحمق ليس مجنون، الأحمق إنسان عاقل، ولكن لا يعلم كيف يتصرف!.. نعم نحن كلنا كذلك، من منا أحسن التعامل مع ربه!.. من منا استغل كل يوم من حياته!.. من منا قطف ثمار شهر رمضان حق قطافه!.. من منا حج حجة إبراهيمية!.. كلنا في هذا المعنى على حد سواء!.. وهناك شرطان لهذا المتعلم، هما:
أولاً: ألم الفراغ الباطني.. مهم جداً أن يعيش الإنسان ألم الفراغ الباطني، بعض الناس همه أن يكثر النسل، والآخر أن يبني عمارة رائعة، أو أن يركب سيارة فارهة، أو أن يكثر رصيده في البنوك؛ هذا همه في الحياة!.. وكل هذه أشياء فانية!.. ثمانين سنة من الحياة، يساوي: بيت، وعدد من الأولاد، ورصيد في البنك.. وهذا كله يأتي مع الإنسان إلى باب القبر، ثم يودعه ليخلو بعمله!.. كما في دعاء أبي حمزة: (ما لي لا أبكي؟.. أبكي لخروج نفسي)، (وارحم في ذلك البيت الجديد غربتي)، هذا هو البيت الأبدي، وإلا فبيوتنا الدنيا نعيش فيها أربعين أو خمسين سنة، ثم نتركها قهراً.
وعليه، لابد للإنسان أن يعيش هذا الهاجس الباطني، الذي يسمى في علم الأخلاق والعرفان: مرحلة اليقظة؛ أي يستيقظ الإنسان على واقعه.. يقول علماء الأخلاق: إن الإنسان في مسيرته الحياتية، بدلاً من الذهاب إلى البساتين، يخطئ الطريق؛ فيقف على مزبلة منتنة.. وعندها يغلب عليه النوم، فيستيقظ بعد عمر طويل، فإذا به يرى نفسه على المزبلة.. هذا الإنسان عندما يستيقظ، فإن أول خطوة يقوم بها هو أن يهرب من الرائحة النتنة؛ فيهرب إلى مرحلة الوسط: لا هو بستان، ولا هو مزبلة، ويحتاج إلى وقت كي ينظر أين ضل الطريق؟.. إذا لم يصل الإنسان إلى هذه المرحلة من اليقظة في شهر رمضان، فشهر رمضان عقيم لا ثمرة فيه.. وإذا شجرته في شهر رمضان لم تثمر ثمرة اليقظة، فهذه الشجرة شجرة لا ثمرة لها.. والدليل على ذلك أن رمضانياتنا نسخة مكررة: سحور، وإفطار، ومجالس، وثم عيد، وصلاة العيد.. هذا الشهر أو ليالي القدر، إذا لم توقظ الإنسان من نومة الغفلة، هذا إنسان خسر شهره.. نلاحظ في حياة العلماء أو المتقين من الأبرار، هؤلاء بيقظة غيروا مجرى حياتهم.
إن بشر الحافي ما التقى بالإمام موسى بن جعفر في تلك اللحظة.. فقد كان بشـر الحافي أوّل أمـره يتعاطى الخمـر، ومشـغولاً بصـحبة الغواني، واستماع الأغاني والطرب والمجون، حتى اتّفق يوماً -كما يذكر العلاّمة الحلّيّ في كتاب «منهاج الكرامة» كان الإمام الكاظم: موسي بن جعفر -عليهما السلام- يجتاز علی داره ببغداد، فسمع الملاهي وأصوات الغناء والرقص والناي تعلو من داره، وخرجت أثناء ذلك جارية بالقُمامة تريد إلقاءها خارج الدار، فسألها الإمام:
يَا جَارِيَةٌ!.. صَاحِبُ هَذَا الدَّارِ حُرٌّ أَمْ عَبْدٌ؟!..
فَقَالَتْ: بَلْ حُرٌّ.
فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: صَدَقْتِ لَوْ كَانَ عَبْداً، خَافَ مِنْ مَوْلاَهُ.
فدخلت الجارية الدار، وكان مولاها علی مائدة السُّكْر، فقال لها: ما أبطأك؟..
فقالت: حدّثني رجل بكذا وكذا.
فخرج بشر مُسـرعاً حافياً حتى لحـق بمولانا الإمـام الكاظـم علیه السلام، فاعتذر منه وبكي وتاب علی يده.
وذلك السارق الذي كان يذهب من بيت إلى بيت، وإذا به يسمع صوت القرآن يتلو: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}.. فما كان من هذا اللص إلا أن يقول: بلى قد آن!.. وإذا بهذا الإنسان في جوف الليل، وفي حال السرقة، يتحول إلى أعبد العابدين.
فإذن، إن الخطوة الأولى أن نعيش ألم الفراغ الباطني.. الذين لا يعيشون في ليلة القدر الرقة الروحية، فهذا مرض!.. لأن ليلة القدر هي ليلة التعالي، وليلة التصافي، وليلة الهجرة إلى الله عز وجل.. إذا كان هناك إنسان طوال السنة، لا يبكي من خشية الله، إنه أمر عادي.. أما ليلة القدر لا يبكي، فهذا مريض، أو فيه شبهة المرض، كعدم البكاء في ليلة عاشوراء.
ثانياً: العلم المنجي.. إن العلم الذي نريد أن نتعلمه، لابد أن يكون علماً منجِّياً أو علماً منجًّياً.. حيث أنه ليس كل علم ينجي الإنسان؛ إنما العلم الذي ينجي، هو ذلك العلم الذي يوصل بالمبدأ والمعاد.. ولكن هناك كتابا باسم “الطريق إلى الله” للشيخ البحراني، كتاب في الأخلاق والسير والسلوك من أجمل الكتب!.. الإنسان بإمكانه أن يخط حياته من خلال منهجية واضحة ومربية.. والحذار الحذار من التطرف في هذا المجال!.. فالجاهل: إما مفرِط، أو مفرّط.. إذا أراد الإنسان أن يبني نفسه سلوكياً وروحياً، عليه أن لا يقوم بحركات مبعثرة: يوم أوراد، ويوم ولائيات، ويوم عقائديات.. المهم أن نبدأ بداية صحيحة، والبداية أن نبدأ من هذه النقطة: ترك المعاصي بكل صورها.. فالذي يريد الكمال الأخلاقي، لا يمكنه أن يرتكب معصية من المعاصي.. صحيح أن المعصية الصغيرة لا تدخل نار جهنم، {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا}، هذا وعد إلهي.. ولكن القرب من المولى، لا يمكن مع وجود معصية صغيرة.. وعلماء الأخلاق يقولون: إذا أردت أن تزور السلطان، وكان على ظهرك قطعة نجاسة، ولو قطعة صغيرة، وأنت لا تدري بها.. -أنت غير مقصر- ولكنهم يقولون لك: ارجع!.. هذا بيت السلطان، ولا يمكنك الدخول عليه بهذا الزي!.. فكيف إذا كنت متعمداًً هذا التلوث؟.. هو تلوث سهوي، يمنعك من لقاء السلطان، فكيف إذا كان تلوثاً عمدياً، ولو كان تلوثا بسيطا الذي ذنبه النظر!..
إن بعض الناس يفتخر ويقول: أنا بحمد الله في مقام العمل ليس لدي معصية، فقط انظر في التلفاز، في جوف الليل أفتح بعض الفضائيات أو الإنترنت، وأنظر إلى الصور المحرمة؛ وهذا عمل بسيط!.. ولكن الإمام علي (ع) يقول في الشعر المنسوب إليه:
إلهي حليف الحب في الليل ساهر *** يناجي ويدعو والمغفّل يهجع
إلهي وهذا الخلـق مـا بين نائـم *** ومنتبه في ليلــه يتضرع
وهنا المغفل ليس يهجع، بل المغفل مشغول بالقنوات الإباحية.. وهذا يريد أن يصل إلى درجات القرب!..
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له: إياك إياك أن تبتلَّ بالماء
هو يقول: أنا بحمد الله لا أشرب الخمر، ولا أرتكب الفواحش خارجياً، ولكن آخر الليل أقوم بجولة سريعة في بعض الأمور.. هذه القضية تسقط الإنسان إلى أسفل سافلين، وخاصة رواد المآتم والمساجد.. فالإنسان الذي له سمته وصيته وسمعته الإيمانية، إذا ارتكب مخالفة في هذا المجال.. فإن رب العالمين سريع الانتقام منه.. لماذا؟.. لأنه منسوب إلى جماعة المؤمنين، ولأن رب العالمين أعطاه صفة إيمانية.. فهل شكر هذه السمعة وهذا الموقع الاجتماعي، أن يعمل المعاصي في جوف الليل؟!..
– إن على الإنسان أن يكتب هذه الآية {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} فوق التلفاز، هذا التلفاز الذي يبث ما يبث من الحلال والحرام.. وكلما أراد أن يفتح هذا الجهاز، ويتنقل عبر المحطات؛ ينظر إلى هذه الآية!..
– الخلاصة، إن الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع.. هذا أيضاً مخيف، أن يتحول الإنسان إلى بهيمة تمشي على وجه الأرض، كما يقول علي (ع): (كالبهيمة المربوطة همها علفها، أو المرسلة شغلها تقممها).. علي (ع) لاذع في وصفه!.. إذا أنت لست من العالم الرباني، ولم تكن الثاني.. فالأمر منحصر بالثالث.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.