- ThePlus Audio
المناجاة الشعبانية لكل زمان ومكان
بسم الله الرحمن الرحيم
هل المناجاة الشعبانية خاصة بهذا الشهر المبارك؟
إن المضامين الواردة في المناجاة الشعبانية؛ ليست فيها إشارة إلى شهر شعبان أبداً؛ بخلاف الصلوات الشعبانية التي ورد فيها: (وَهَذَا شَهْرُ نَبِيِّكَ سَيِّدُ رُسُلِكَ شَعْبَانُ اَلَّذِي حَفَفْتَهُ مِنْكَ بِالرَّحْمَةِ وَاَلرِّضْوَانِ)[١]. ولهذا يقول صاحب الكتاب الشريف مفاتيح الجنان: وهذه مناجاة جليلة القدر منسوبة إلى أئمتنا (ع)، مشتملة على مضامين عالية – والشاهد هنا – ويحسن أن يدعى بها عند حضور القلب متى ما كان. ويعني أن هذه المناجاة تناسب الأوقات التي يجد فيها الإنسان في قلبه رقة؛ سواء كان في منزله أو في الطواف أو في أسحار شهر رمضان أو في شهر شعبان التي وردت فيه. أما لماذا وردت هذه المضامين في شهر شعبان عن أمير المؤمنين (ع)؛ فهو أدرى بالأمر. إن شعبان هو شهر النبي (ص)؛ ولعل أمير المؤمنين (ع) أراد أن يربط هذا الشهر المنسوب إلى النبي (ص) بهذه المناجاة الرائعة البديعة.
سر تكرار كلمة (إلهي) في المناجاة الشعبانية؟
لو تأملنا في هذا الدعاء لوجدنا كلمة (إلهي) قد تكررت كثيرا. إن كلمة إلهي واللهم ويا الله ويا رب كلها في سياق واحد، وهي كلمات نداء لله عز وجل. فعندما تقول: إلهي، فأنت تنادي ربك وينبغي من أجل ذلك أن تكون ملتفتاً ولو قليلاً. إن إمامنا (ع) بين فقرة وأخرى يقول: إلهي، وكأنه يريد أن يوقظنا، وينبهنا إلى المخاطب. تارة تقول: سبحان الله والحمدلله وتلهج بالتسبيحات الأربعة وأنت ساه لاه وهنا يهون الأمر قليلا لأنك لا تخاطب الله عز وجل. فكلمة لا إله إلا الله ثناء، بخلاف لا إله إلا أنت الذي هو خطاب لله عز وجل.
ولكن تخيل إنسانا يتكلم مع أحد وعينه على الجهاز أو يراسل أحد في هاتفه؛ ألا يتأذى منه الطرف المقابل ويقول له: أين انتباهك؟ تخيل نفسك بين يدي مرجع من مراجع التقليد تحدثه وأنت تلعب في هاتفك. أليس هذا سوء أدب؟ فكيف إذا كنت في محضر الإمام؟ وكيف إذا كنت في محضر النبي (ص)؟ وكيف إذا كنت في محضر الله عز وجل؟ ولهذا إن قرأت دعاء كميل أو المناجاة الشعبانية بل حتى الصلاة على النبي وآله (ص)، وأنت تلعب بالجهاز أو ترسل رسالة أو تنظر إلى التلفاز؛ فاعلم أن هذا ليس من الأدب في شيء. ولعل الدعاء بهذه الحالة يوجب لك العقوبة؛ فكأنك مستهزئ. أليس القرآن الكريم يقول: (فَوَيۡلٞ لِّلۡمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ)[٢]؟ وكذلك قد روي: (رُبَّ تَالِ اَلْقُرْآنِ وَاَلْقُرْآنُ يَلْعَنُهُ)[٣].
وكذلك الأمر في تكبيراتنا التي نأتي بها في صلواتنا اليومية. إن الواجب مرة واحدة؛ ولكننا بين كل فقرة من فقرات الصلاة نكبر. فقبل الركوع، وقبل السجود، وبعد السجود، وبعد الانتهاء من الصلاة نكبر الله عز وجل. وهذا الذكر هو بمثابة مذكر للإنسان إن سهى. فإن سهوت في الحمد والسورة، قل: الله أكبر – الله أكبر من أن يوصف – وإن سهوت في الركوع، قل: الله أكبر، وإن سهوت في السجود، قل: الله أكبر، وإن سهوت في التشهد أو التسليم، قل: الله أكبر. إن الصلاة هي بين تكبيرتين؛ واجبة ومستحبة. وإننا عندما ننهي الصلاة نكبر أيضا. إن التكبير في الصلاة بحكم الجهاز المنبه، وكلمة (إلهي) في المناجاة هي كذلك بحكم هذا الجهاز المنبه. ونلاحظ في دعاء أبي حمزة الثمالي إكثارنا من كلمة: إلهي، إلهي.
لماذا لا تُستجاب دعواتنا؟
يقول (ع) في هذه المناجاة: (إِلَهِي إِنَّ مَنْ تَعَرَّفَ بِكَ غَيْرُ مَجْهُولٍ)[٤]، ونحن نقرأ في زيارة أمين الله التي نزور بها أمير المؤمنين (ع): (اَللَّهُمَّ فَاجْعَلْ نَفْسِي مُطْمَئِنَّةً بِقَدَرِكَ….مَحْبُوبَةً فِي أَرْضِكَ وَسَمَائِكَ)[٥]، فهل تُرد للمحبوب في السماء دعوة؟ لماذا لا يُستجاب لك؟ لأنك غير محبوب. هل يُعقل أن يحب رب العالمين أحداً فيهمل حاجته؟ هل رأيت أماً تهمل طلب ولدها السهل عليها؟ تخيل ولدا يموت عطشاً؛ فيقول لأمه: أعطني شربة، وبيدها كأس؛ فهل يُعقل أنها تمتنع عن تقديم الماء لولدها؟ إن كانت لك حاجة ملحة؛ فهي عند رب العالمين أهون من أن تعطي أم لولدها كأساً من الماء. فإن كنت محبوباً؛ فإشارة منك تكفي.
وقد ورد في الروايات الشريفة أن الإنسان الذي يُكثر من الدعاء في الشدة والرخاء يكون صوته مألوفا تعرفه الملائكة. فهو عندما يكون في الشدة ويدعو الله سبحانه، تقول الملائكة: هذا صوت معروف، ولعل الإمام يُشير إلى ذلك في دعائه: (إِنَّ مَنْ تَعَرَّفَ بِكَ غَيْرُ مَجْهُولٍ).
المؤمن لا يمله الناس
ويقول (ع) في هذه المناجاة: (وَمَنْ أَقْبَلْتَ عَلَيْهِ غَيْرُ مَمْلُولٍ)[٦]، وفي بعض النسخ: غير مملوك؛ أي حرٌ من أسر الهوى. فليس إلهه هواه، ولا يضع رقبته في أيدي الآخرين. أما إذا كانت العبارة غير مملول؛ فإنها تعني والله العالم: أن الذي يُقبل عليه سبحانه وينظر إليه؛ لا يمله الآخرون، ويأنس به المؤمنين ويكون إلفا مألوفا. لماذا لا تُحب بعض الزوجات أزواجهن؟ لماذا يعق الولد والده؟ لأنه يُمل. إن الذي هو غير مملول، والذي يُؤنس به؛ تكون حياته العائلية على أحسن حال، ويحبه ولده؛ بل يعشقه.
خلاصة المحاضرة
- إن تكرار كلمة إلهي في المناجاة الشعبانية تُشبه تكرار التكبير في الصلوات اليومية. وهي بمثابة ذلك الجهاز المنبه الذي ينبه الإنسان إن سهى أو غفل في أثناء الدعاء أو الصلاة عمن يخاطبه وهو الرب جل جلاله.