س١/ إن من الأمور الضرورية للسالك: المشارطة، والمراقبة، والمحاسبة، والمعاقبة.. فما هو المقصود من كل منها؟..
أولا: المشارطة: هي حالة من معاهدة النفس على أن لا ترتكب ما لا يرضي الله تعالى عموما، وخصوصا في الأجواء التي تغلب عليها الغفلة.. فمن يذهب إلى مجالس الأعراس والأفراح أو مجالس البطالين، فإنه يحتاج إلى مشارطة إضافية عن أصل المشارطة؛ لأنه قد يأنس بهذه الأجواء، فيتجاوز الحدود.
من المعلوم في جبهات القتال أن المقاتل قبل الخوض في القتال يدرس أرضية المعركة: هل أنها أرضية قوية أو هشة، جبلية أو غير جبلية.. وإن الحياة حقيقتها عراك مع الشياطين!.. فالشيطان أعدى الأعداء، ويوسوس في صدور الناس في كل لحظة؛ فلابد للإنسان أن يدرس أرضية نفسه، قبل أن يتورط في مجالس الغافلين!.
ثانيا: المراقبة: هي أن يتحول الإنسان-الموجود الواحد الحقيقي- إلى موجودين-حكما لا حقيقة- وهما: المراقِب، والمراقَب.. وكأن الإنسان وهو في أماكن البطالين، يرى نفسه أنه هو المشارك.. ويرى نفسا أخرى، أنها هي النفس المراقِبة والمشارطة، وتحصي الزلات والثغرات.
ثالثا: المحاسبة: هي أن يحاسب نفسه، على ما اشترطه عليها، في أول النهار.. فبعد أن ينتهي النهار بصخبه، وبما فيه من أعمال كثيرة، فإن الإنسان يحتاج إلى أن ينظر إلى ما كسبه في ذلك اليوم.
إلا إن البعض في عملية المحاسبة، ينظر إلى الجهة السلبية فقط، فيقول أنه في النهار لم يرتكب حراما: العين لم تنظر إلى حرام، والأذن لم تسمع شيئا محرما، واللسان لم ينطق بالحرام…؛ فينام وهو قرير العين!.. ولكن الحقيقة أن المحاسبة أعمق وأشمل، من النظر في عدم السلبيات، بل من اللازم تقديم الإيجابيات أيضا.. فالإنسان عليه أن ينظر إلى ما كسب في هذا اليوم، وإلى ما قدم لآخرته؛ والقرآن الكريم يأمرنا بذلك، قال تعالى: {وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}.. فالمحاسبة ينبغي أن تكون في حقلين: في حقل الخسائر: هل هو خسر شيئا؟.. وفي حقل المكاسب: هل هو كسب شيئا؟.
رابعا: المعاقبة: هي أن يعاقب نفسه، بشيء مناسب؛ لترويضها؛ لعدم تقيدها بالمشارطة.. وينبغي أن تكون المعاقبة بحذر؛ لأن بعض العقوبات قد تؤدي إلى نفور النفس.. وأن تكون المعاقبة لا تتجاوز دائرة الشريعة.. فمثلا من المناسب الصيام، فهو عمل عبادي، وفيه شيء من الحرمان والمشقة.. فلو أن إنسانا ارتكب خطأ كبيرا في الليل، أو نظر إلى برنامج محرم في التلفاز؛ فمن المناسب لما يصبح الصباح أن ينوي صيام ذلك اليوم، من باب تأديب النفس على الاسترسال فيما لا يرضي الله سبحانه وتعالى.
س٢/ ذكر في الوصية هذا المعنى: إن الشيطان لا يتوقع الغفلة المطبقة من الإنسان، إنما تكفيه الغفلة الجزئية.. فما هو المقصود من ذلك؟..
إننا لو أردنا عمل مقارنة بين كل الموجودات، من حيث الخبرة، فإن الشيطان يأتي في الرتبة الأولى!.. فإن خبرته في الإغواء لها تاريخ طويل، وتجاربه كانت حتى مع الأنبياء والمرسلين، فله سجل حافل بالإغراءات!.. ومن المعلوم أن نبينا آدم (ع)، أول من وسوس له الشيطان اللعين.
إن من المتعارف في جبهات القتال أنهم يعتمدون على طريقة للكشف عن الثغرات في الطرف المقابل، وقديما كان ذلك من خلال الأبراج، وهذه الأيام عبر الرصد بالأقمار الفضائية.. ومن ثم يستغلون هذه الثغرات لتحقيق مآربهم، والقضاء على العدو بسهولة.
إن الشيطان اللعين أيضا يعتمد على هذه الطريقة، في إغواء الإنسان!.. إذ يقوم بدراسة الثغرات التي في وجود الإنسان، واستغلالها أيما استغلال!.. وغني عن القول أن الشيطان أخبر بالإنسان من نفسه، فهو يعرف أصله وأصل أصله، يعرف سلسلة الآباء والأمهات من لدن أبينا آدم، ويعرف الصفات الوراثية التي يمكن استغلالها، وهل فيه ميل للحدة، أو للغضب، أو للشهوة.. ولا ينتظر منه إلا ساعة غفلة، ليدخل ويعشعش في مملكة وجوده!..
وإن الشيطان يدخل إلى مملكة الإنسان، من خلال هذه الثغرات الثلاث المعروفة:
ثغرة الغضب وتوابعه، وثغرة الشهوة وتوابعها، وثغرة الأوهام وتوابعها..
فالإنسان عندما يغضب، عليه أن ينتبه أن هذه ساعة هجوم الشياطين من ثغرة الغضب.. وعندما يشتهي-الشهوة أعم من شهوة البطن والفرج- عليه أن يعلم أن الشياطين على أهبة الدخول والهجوم!.. وغلبة الوهم، وسوء الظن، والوسوسة، هذه من ثغر الوهم وتوابعه.
فعليه، إن الإنسان يحتاج إلى مراقبة نفسه دائما، وعلى الخصوص في الثغرات الثلاث.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.