إن في روايات أهل البيت (ع) هناك باباً بعنوان: “المحقرات من الذنوب”.. فالإنسان عادة يحسب حساب الكبائر، وإذا ارتكب كبيرة، يعيش حالة الخوف والوخذ الباطني؛ لأنه ارتكب كبيرة: كالزنا، والقتل مثلاً.. ولكن المشكلة بالصغائر، أو ما يسمى بـ”المحقرات من الذنوب”؛ لأن الإنسان يقول: هذا ذنب صغير لا وزن له، عن الإمام العسكري (ع) قال: (من الذنوب التي لا تغفر، قول الرجل: ليتني لا أُؤاخذ إلاّ بهذا)؛ نفس هذا الاعتقاد وهذا الكلام من المهلكات؛ لأن هذا الكلام يدل على استصغار الذنب، وعدم الندامة عليه، وهو جرأة على الله -سبحانه-، قال أبو الحسن (ع): (لا تستقلوا قليل الذنوب)، وقال أبو عبد الله (ع): (اتقوا المحقرات من الذنوب؛ فإنها لا تغفر).
لماذا هذا التخويف من المحقرات من الذنوب؟..
أولاً: إن تحقير الذنب فيه إهانة، وتحدٍّ مبطن لله -سبحانه وتعالى-.. روي عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: «لا تنظروا إلى صغير الذنب، ولكن انظروا إلى ما اجترأتم».. وفي رواية أخرى أوحى الله -عز وجل- إلى عُزير (ع): (يا عُزير!.. إذا وقعت في معصية، فلا تنظر إلى صِغَرها، ولكن انظر مَن عصيت).
ثانياً: إن الذنوب الصغيرة، وتعدي حدود الله -عز وجل- بمثابة إنسان تسلل حدود دولة أجنبية، وحرس الحدود لهم الصلاحيات في إطلاق النار على كل متسلل، ولو على شبر واحد.. لأنه ليس هناك فرق بين أن يجتاز متراً من هذه الحدود، أو كيلومترات؛ فهو إنسان متعدٍّ.. ولهذا القرآن الكريم يقول: {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.. وعليه، فإن هذا حد لا ينبغي للإنسان أن يتجاوزه.
روي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (إنّ الله كتم ثلاثة في ثلاثة: كتم رضاه في طاعته، وكتم سخطه في معصيته، وكتم وليه في خلقه.. فلا يستخفن أحدكم شيئاً من الطاعات، فإنّه لا يدري في أيها رضا الله.. ولا يستقلن أحدكم شيئاً من المعاصي؛ فإنّه لا يدري في أيها سخط الله.. ولا يزرين أحدكم بأحد من خلق الله؛ فإنه لا يدري أيهم ولي الله).
ثلاثة تحذيرات:
التحذير الأول: (كتم رضاه في طاعته).. إن الإنسان لا يعلم ما هي الطاعة المقبولة عند الله عز وجل، قد يقوم الإنسان بعمل كبير يعوّل عليه، فيأتي يوم القيامة وهذا العمل لم يقبل منه، وقد يكون بناء مشروع عظيم!.. وقد يقوم بعمل لا يلتفت إليه؛ ولكن هذا العمل وقع في موقعه.. فنحن لا نعلم ما هي موازين القبول وعدم القبول!..
التحذير الثاني: (وكتم سخطه في معصيته).. قد يقوم إنسان بمعصية، في ظرف لا يتوقع منه ذلك، مثلاً: النظر إلى أجنبية بشهوة أو بريبة، هذا من الصغائر؛ ولكن تارة يكون هذا النظر في الأسواق، وتارة يكون أثناء الطواف.. فهذا نظر محرم، وهذا نظر محرم؛ ولكن في المرة الثانية، رب العالمين لا يسامح على هذا العمل.. مثلاً: هناك إنسان دخل المسجد، وصلى صلاة خاشعة، ثم خرج وإذا به يرتكب حرام النظر.. وعليه، فإن هذا الخشوع الذي كان في الصلاة كان خشوعاً شيطانياً.. فالشيطان يلقي على البعض البكاء والخشوع؛ كي يصطاده في مرحلة لاحقة، فيرتكب الحرام الصغير بعد الإقبال على الله -عز وجل-.. فمن الممكن أن هذه المعصية توقعه في الداهية!..
التحذير الثالث: (وكتم وليه في خلقه).. بعض الناس يحكم على الظاهر، مثلاً: يرى إنساناً فقيراً، مجهولاً، لا يعتد بشخصيته، ولعل له بعض الذنوب.. فيقول: أنا خير منه!.. من أين علم أنه أفضل منه؟.. ولهذا إذا أراد الإنسان أن يتعالى على أحد، ويرى نفسه خيراً منه: فليتذكر أن الأعمال بخواتيمها!.. فلعله هو صاحب عاقبة سيئة، وهذا الذي يزدريه صاحب عاقبة حميدة، فالتاريخ مليء بالنماذج، من أين للإنسان أن يعلم؟.. هو رأى عملاً أو عملين قبيحين من ذلك الشخص، ولكنه لا يعلم طيب باطنه، فهذا إنسان: كريم الطبع، سريع التجاوز، عفيف النفس؛ فكل هذه ملكات راقية!.. لذا ينبغي التوقف في هذا المجال.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.