- ThePlus Audio
المحطات الثلاث لتقوية الارتباط بالإمام الحجة (عج)
بسم الله الرحمن الرحيم
توجد في السنة ثلاث محطات من المناسب أن نذكر بها إمام زماننا (صلوات الله وسلامه عليه)، من أجل تقوية أواصر الارتباط بالقائد الحي الذي يرعى شؤون هذه الأمة، وهو الذي ادخره الله (عزّ وجل) لإقامة الأمت والعوج، ولأحياء الدين وإحياء الكتاب وحدوده، وإقامة ما اندرس من سنن المرسلين، ومن هذه الليالي المنتصف من شهر شعبان، ومنها في اليوم التاسع أو العاشر من شهر ربيع الأول، حيث زمان استلام قياد الإمامة لهذه الأمة، ومنها يوم ميلاد أبيه (عليهما السلام)، ولكن علينا أن نذكر إمام زماننا دائماً، هو يذكر جده الحسين (عليه السلام) صباحاً ومساءً، ونحن نذكره صباحاً ومساءً على الأقل في دعاءٍ له بالفرج في قنوت صلواتنا وفي تعقيباتنا وفي جوف الليل وفي مظان الإجابة، فقضية الإمام (صلوات الله وسلامه عليه)، كما نعلم من مسلمات الإسلام والمسلمين، والاعتقاد بمسألة الإمام المهدي (صلوات الله وسلامه عليه)، اعتقاد ينسجم مع هدف الخلقة، فرب العالمين خلق هذا الوجود لهدف ولم يخلقه عبثا، تصور إنساناً حكيماً عاقلاً-لا بأس بالأمثال لأنها تضرب ولا تقاس- يبني بناءً في ضمن سنوات طويلة لإسكان أهله وذريته، ولكن يأتي ظالم غشوم ويسكن عنوة في هذا المنزل، سنوات طويلة وهو يرى عائلته مشردة في البراري وفي أعالي الجبال وأسافل الوديان، من الطبيعي هذا الأب الحكيم الشفيق أن يبرمج ويرتب الأمور لإعادة الأهل إلى أوطانهم وبيوتهم، هكذا نلاحظ في حياة الإنسان العاقل.
ما الحكمة من خلق هذا الوجود؟
رب العالمين خلق هذا الوجود لحكمة كبيرة، وهي أنّه خلق الوجود ليمكّن دينه في هذه الأرض: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)[١]، إذن فالهدف من ذلك أن يُحيي الله (عزّ وجل)، هذه الأرض كما قال في كتابه، رب العالمين يريد أن يُحقق أمل الأنبياء والأوصياء بإقامة تلك الدولة المهدوية العادلة والشاملة، فهذا الطريق لا بدّ له من نهاية، ونهايته إقامة العدل العالمي، يقول (سبحانه وتعالى) في سورة يس: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)[٢]، فالله (عزّ وجل) خلق هذه المجرات وهذه الكواكب في مسيرة ثابتة هادفة والحياة على الأرض من ضمن مظاهر هذا الوجود، ولا شك في أنّ الإنسان الذي يعتقد بنهاية سعيدة لطريقه تكون خطاه بثبات، يقول أحد العلماء الأجلاء في عالم التربية الأخلاقية كلمة جميلة وهي: أحدنا يكون تائهاً في البراري والقفار، خرج من منزله تاه في الصحاري ولم يجد مستقراً أو مدينة، فتراه يذهب من جبل إلى جبل ومن وادٍ إلى واد وإذا به يرى من بعيد بصيص نور في قرية من القرى، لا شك في أنّ هذا الإنسان يتنفس الصعداء لأنه رأى أملاً بعد يأس، والحال أنّه لم يصل بعد فهو ما زال بعيداً يحتاج إلى أيام وأشهر ليصل إلى تلك البلدة ولكنه قد خرج من حالة التيه واللا هدفية، وكذلك المسلمون إذا اعتقدوا أنّ نهاية هذا الطريق ستكون نهاية سعيدة، هذه النهاية التي بشّر بها الأنبياء والمرسلون، وكل مسلم يعتقد بهذه النتيجة، فمن الطبيعي أن يعيش حالة من حالات الأمل وعدم فقدان اليأس مهما ادلهمت الظروف، النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في حياته القصيرة كم مرَّ من الظروف التي ظن فيها المسلمون أنّ الإسلام قد انتهى، وكذلك ما مرّ على الكعبة بواسطة أبرهة الحبشي حيث جاء بأسطوله من الفيلة لهدم بيته، لكنّ رب العالمين بطائراته النفاثة المسماة بالطير الأبابيل عمل فيهم ما عمل، وسجل ذلك في سورة من سور القرآن الكريم[٣]، ليطمئن أحدنا أنّ للبيت صاحب، وأنّ للدين صاحب، إذن هذا الاعتقاد يجعل أحدنا يعيش حالة الأمل وعدم الاستسلام واليأس، النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) يقول في كلمته المعروفة: (إنّما بُعثت لأُتمم مكارم الأخلاق)[٤]، هذا هو هدف النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) يقول بعثت لأتمم، ولكنه لم يتمم بلا شك ولا ريب، فالمسلمون بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) هل كانوا خير أُمةٍ أُخرجت للناس؟ ونحن نعلم كما ورد في صحاح العامة أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) في عرصات القيامة يقول أصحابي فيقال له: لا تدري أو لا تعلم ماذا أحدثوا بعدك[٥]، فالنبي (صلى الله عليه وآله) بعث ليتمم ولكنه ما تمم، وذلك لأنّ الموانع كثيرة، فلا بد أن يأتي ذلك اليوم الذي تتمم فيه مكارم الأخلاق وهو اليوم الموعود الذي ستُملأ به الأرض قسطاً وعدلاً.
ضريبة الاعتقاد بالمهدوية
هناك سؤال مهم لا بد من الإجابة عليه وهو: ما هي ضريبة الاعتقاد بالمهدوية؟ أحدنا يترنم بذكر إمام زمانه ويكتفي بقراءة دعاء العهد أربعين صباحاً ليكون بذلك من أعوانه وأنصاره، لكنّ المسألة أرقى من عالم الألفاظ والتلاوة، فلا بد من وجود سعي عملي من أن يكون الإنسان على مستوى نصرة إمامه وانتظاره، فالإنسان عندما ينتظر ضيفاً يجلس في منزله مثلاً ويأخذ سبحة ويبدي أشواقه للضيف يأتي الضيف على حين غفلة ولا يجد طعاماً ولا شراباً ولا فراشاً، فيقول له الضيف: أنت محب ولكنك لستَ صادقاً في حبك، ولو كنتَ صادقاً في انتظاري لماذا لا أرى معالم الضيافة في منزلك، فانتظار الفرج هو خير أعمال الأُمة ولكن لهذا الانتظار آداب وضريبة.
من الذي في فسطاط القائم (عجل الله تعالى فرجه الشريف)
روي في الحديث الشريف: (من مات منكم على هذا الأمر منتظراً كان كمن في الفسطاط الذي للقائم (عجل الله فرجه))[٦]، إذن هنالك سنخيّة بين الأجر وبين هذه المقدمة، هذا الفسطاط فيه من؟ فيه الأصحاب فيه الأنصار فيه هؤلاء الذين هم على أهبة النصر وعلى أهبة التأييد لأمام زمانهم، إذن المنتظر في زمان ما قبل الظهور له سمات الأصحاب الذين هم مع الإمام (عجل الله فرجه)، ولا بدّ من معرفة كيفية التسليم على إمام الزمان (عجل الله فرجه) وذلك بأن نقول: السلام على المهدي الذي وعد الله به الأمم أن يجمع به الكلم ويلم به الشعث ويملأ به الأرض عدلاً وقسطاً، وعد الله به الاُمم أي جميع الخلق من آدم إلى زمان ظهوره (صلوات الله وسلامه عليه).
امتلاء الأرض ظلما لا يعني امتلاءها من الظالمين
وهنا نكتة جميلة لا بد أن أشير إليها: وهي أنّه قد يقول البعض إذا امتلأت الأرض بالظلم والجور فأين الأصحاب؟ أين الأنصار؟ أين القاعدة الشعبية؟
يقول العلماء في هذا المجال إنّ امتلاء الأرض ظلماً لا يلازم امتلاء الأرض من الظالمين، الظلم ممتلئ ولكن من قبل عدة قليلة، من قبل دول ظالمة، من قبل دولٍ مستكبرة. هذا هو معنى امتلاء الأرض بالظلم، فعندما نقول امتلأت الأرض ظلماً يعني هناك ظلم مطبق ولكن هذا لا يلازم أن يكون الغالبية هم من الظالمين، ويأتون بمثل على ذلك وهو أنّه لو جاء إنسانٌ إلى المسجد المبارك وأشعل إطاراً في هذا المكان المبارك، والمكان كله أسوّد وأمتلئ بالظلمة، ولكن من فرد واحد، فلا يصح أن نتهم الجميع بذلك، ومن هنا لا نستبعد وجود قاعدة شعبية عريضة في شرق الأرض وغربها لنصرة الإمام (عجل الله فرجه)، أمّا من المسلمين أو حتى من المستضعفين الذين ينتظرون ذلك المخلص.
على المؤمن في عصر الانتظار أن يعيش الهم الحقيقي
من المهام التي تقع على عاتق المؤمن في زمان الغيبة هو أن يعيش الهم الحقيقي، فلو أنّ الإنسان عاش هذا الهم سوف لن يهدأ له طرف وهو يرى ما تمر بهذه الأمة من أحداث، وهناك عدة أحاديث وردت عن أهل بيت العصمة والطهارة(عليهم السلام)، في هذا الصدد لا بأس بذكر بعضها، فقد ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام) -والغريب أن الإمام المهدي (عجل الله فرجه) لم يولد بعد ولكنّ آبائه المعصومين (صلوات الله عليهم) يبدون شوقهم وأيما شوق- قوله: (بأبي وأمي سميُّ جدي وشبيهي وشبيه موسى بن عمران (عليه السلام)، عليه جيوب النور تتوقد بشعاع ضياء القدس كم من حرّى مؤمنة وكم من مؤمن متأسف حيران حزين عند فقدان الماء المعين)[٧]، فعلى المؤمن في زمان الغيبة أن يعيش هذه الحرقة لفراقه (صلوات الله وسلامه عليه)، وما ورد كذلك عن إمامنا الصادق (عليه السلام) -وهذه من الروايات المليئة بشحنة عاطفية في مسألة إبداء شوق الأئمة (عليهم السلام) للإمام المهدي (عجل الله فرجه) -حيث يقول سدير الصيرفي: دخلت أنا والمفضل بن عمر وداود بن كثير الرقي وأبو بصير وأبان بن تغلب -وهم من عيون أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام)- على الإمام الصادق (عليه السلام)، فرأيناه جالساً على التراب وعليه مسح خيبري مطوق بلا جيب، مقصر الكُمين وهو يبكي بكاء الواله الثكلى -عجيب إمامنا الصادق ما دهاه ما الذي جرى عليه يجلس على التراب هيئة الحزين وهو يبكي بكاء الواله الثكلى ذات الكبد الحرى- قد نال الحزن من وجنتيه وشاع التغيير في عارضيه وأبلى الدموع محجريه وهو يقول: (سيدي غيبتك نفت رُقادي) عجباً الإمام المهدي (عجل الله فرجه) لم يولد بعد ومع ذلك يقول (عليه السلام): (سيدي غيبتك نفت رُقادي وضيّقت عليّ معادي وابتزت مني راحة فؤادي سيدي غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد)[٨]، هكذا هم والحال إنّ الإمام (عليه السلام)، لم يبتلى بأحداث زمان الغيبة، فما الذي يجري على قلبه الشريف هذه الأيام؟ الله أعلم، ثم الإمام الصادق (عليه السلام)، يذكر غيبة الإمام وبلوى المؤمنين في ذلك العصر، على كل حال فالإنسان إذا وصل إلى درجة من الرقة والشفافية الروحية لا يمكن أن يهدأ له قرار وهو يرى هذه المآسي على أمته ومحبيه.
على الإنسان المنتظر أنْ يبتعد عن كل ما يجرح قلب الإمام (عجل الله فرجه)
من لوازم الاعتقاد بالمهدوية واحترام هذا الخط المبارك أن يبتعد المؤمن عما يجرح فؤاد إمامه، ولكن ما الذي يؤدي إلى هذه الحرقة في قلب إمام عصرنا (صلوات الله وسلامه عليه)؟ هذه الحالة من التشرذم والتفرق رغم الاعتقاد بهذا الخط والأركان الأساسية منه، الحسين بن علي (عليهما السلام) سيد الشهداء يقول: (لا يكون الأمر الذي تنتظرونه حتى يبرأ بعضكم من بعض)[٩]، نعم هم (عليهم السلام) توقعوا هذه النتيجة لنا ولكن مع ذلك (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)[١٠]، إذا حاولنا أن نكون صادقين في نصرة الإمام لنأخذ بالمسلمات المشتركة والخطوط العريضة، يقول الإمام في حديثه: (ويتفل بعضكم في وجوه بعض ويشهد بعضكم على بعض بالكفر ويلعن بعضكم بعضاً)[١١]، نعم هذه العاقبة مخيفة عندما يذكر الإمام الحسين (عليه السلام)، أنّه هكذا يصل الأمر بمحبيه، يقول الراوي فقلت -أي تعليقاً على كلام الإمام(عليه السلام): ما في ذلك الزمان من خير:؟ فقال الإمام الحسين(عليه السلام): (الخير كله في ذلك الزمان)[١٢]، نعم الخير كله في ذلك الزمان لماذا؟ يقول: (يقوم قائمنا ويدفع ذلك كله)[١٣]، لماذا نكلف إمامنا أن يعيش هذا الهم والغم؟ لماذا نجعله يعيش هذه الحرقة القاتلة؟
المهم الإمام الصادق (عليه السلام)، أيضاً في رواية أخرى يقول: (والله لتكسرن تكسر الزجاج وإن الزجاج ليعاد فيعود، والله لتكسرن تكسر الفخار فإنّ الفخار ليتكسر فلا يعود كما كان، والله لتغربلن والله لتميزن)[١٤]، علينا أن نكون حذرين، فإنّ الإنسان في حياته مخير ليس بمسير.
ما الفائدة من دعاء الفرج؟
البعض يسأل ويقول ما الفائدة من دعاء الفرج؟ إذا كان الفرج مكتوباً في سنة كذا وكذا في علم الله (عزّ وجل) فما الفائدة من دعائي بالفرج؟ هذا الكلام لا وجه له، فقد عثرت اليوم على هذا الحديث المروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، عندما كان إمامنا أمير المؤمنين (عليه السلام)، في فراش الاحتضار وكان على وشك مغادرة هذه الأمة، قال: (لعمري إني لمفارقكم)، بكت أم كلثوم، فلما أفاق قال: (لا تؤذيني يا أُمّ كلثوم) ثم إنّ الإمام (عليه السلام)، بشّر ببشارة وقال: (إنّ بعد سنة السبعين من الهجرة هنالك فرج هنالك رخاء) يقول قلت: يا أمير المؤمنين إنك قلت إلى السبعين بلاء فهل بعد السبعين رخاء؟ قال: (نعم وإن بعد البلاء رخاء)[١٥]، الامام يبشر بالرخاء في السبعين من الهجرة يقول بعد هذه الرواية قلت لابي جعفر(عليه السلام): هكذا قال إمامنا، طبعاً هذه الرواية دونت عند المحبين في كتبهم وفي صدورهم، قلت لأبي جعفر(عليه السلام): إنّ علياً كان يقول إلى السبعين بلاء، وكان يقول بعد البلاء رخاء، وقد مضت السبعون ولم نرَ رخاءً فكيف بشّر علي (عليه السلام) بالفرج؟ قال أبو جعفر(عليه السلام): يا ثابت – أبو حمزة الثمالي هو راوي الحديث- يقول: (يا ثابت إنّ الله كان وقّت هذا الأمر في السبعين فلما قتل الحسين(عليه السلام) اشتد غضب الله على أهل الأرض فأخره إلى أربعين ومائة سنة)[١٦]، وكما نعرف بأن سنة مئة وأربعون لم يحدث فرج أيضاً وإلى يومنا هذا، ما يعني أنّ الدعاء يؤثر في تعجيل الفرج، فرب العالمين له بدائه عندما يرى بأن الأُمة لا تستحق الفرج، يؤخّر الفرج الإمام (عليه السلام) ذكر هذه الآية بعد ذلك، (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)[١٧].
فمسألة الفرج مرهونة بأعمالنا، بسلوكنا بتصرفاتنا، يوم القيامة لو أحضر أحدُنا وقيل له أنت بعملك وأنت بسلوكك أخرّت الفرج مائة سنة ماذا يجيب ربه؟ عندما يتأخر الفرج مئة سنة كم من المآسي ستقع على هذه الأُمة؟ كم من الدماء تسفك؟ كم من الأعراض تنتهك؟ فيقال له هذا سهمك في دفتر أعمالك أنت بعملك قمت بما يوجب تأخير الظهور، فتحمل تلك الأوزار، هذه حقيقة علينا أن نعتقد بها.
على الفرد المنتظر أن يحمل هم الإمام (عجل الله تعالى فرجه)
علينا أن نحمل هم صاحب الزمان (عجل الله فرجه) كما نحمل همومنا، عندما تدفع صدقة عن نفسك كم من الجميل تلقائيا ومن دون تذكير ومن دون موعظة تقدم إمامك (صلوات الله عليه) على نفسك، عندما تأتيك حالة الرقة في جوف الليل قبل أن تدعو لولدك وزوجتك وتوسعة أموالك وقضاء ديونك وشفاء مرضاك قدم حوائج إمامك، يقول النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): (لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه، وأهلي أحب إليه من أهله وعترتي أحب إليه من عترته)[١٨]، هنيئاً لمن يعيش هذا الهاجس، الحمد لله هنالك صنف من الناس يعيش هذا الجو الروحاني، قلت لأحد المؤمنين اللذين لديهم هذا الجو من التوجه إلى صاحب الزمان (عجل الله فرجه): كم من الجميل أن يدعو المؤمن لفرج إمامه في كل ساعة مثلاً عندما تقول اللهم كن لوليك الحجة في هذه الساعة وفي كل ساعة حقيقةً يدعو له بالفرج في كل ساعة، فقال: أنا التزمت -وهذه طبعاً كانت أخت حتى يكون النقل دقيقا- تقول: أنا التزمت بهذا الدعاء إلى درجة في بعض الأوقات أنا لا أدري في كل ليلة أو في بعض الأوقات تقوم من فراشها لأنها فاتها هذا الدعاء في تلك الساعة، فهذا الهاجس يصل بالمؤمن إلى أن يستيقظ من النوم لأنه ما دعا في أثناء نومه، طبعاً هذه مرحلة راقية من حمل هذا الهم، أين نحن وهذه الدرجات، ولكنّ الجميل أن يقدم المؤمن ذكر إمامه في كل مناسبة وهو يرد الجميل بأضعاف مضاعفة، النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) عندما جاءه ذلك الصحابي وأعان النبي (صلى الله عليه وآله) على أمر، حيث أصلح جداراً أو شيء من هذا القبيل ثم طلب من النبي (صلى الله عليه وآله) الأجرة، ولكنه ماذا طلب؟ قال: يا رسول الله طلبي منك أن أكون معك في درجتك من الجنة. تأمل النبي (صلى الله عليه وآله) فقبل الشرط، قبل هذا الطلب، هؤلاء الأئمة (صلوات الله تعالى عليهم) ذرية من ذلك الجد العظيم الذي لا يرُد إحساناً ويرد الجميل بأضعاف ذلك.
الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) يحيط علما بأنبائنا
ورد عن إمامنا (عجل الله فرجه) أنه يقول: (فإنّا نحيط علماً بأنبائكم)[١٩]، وكالات الأنباء هي التي تعرف الأخبار، لكنّ الإمام (عجل الله فرجه) يقول هذا الكلام، ويعبّر بهذا التعبير كما هو منسوب إليه، حقيقةً هو تعبير ملكي سلطاني، السلطان يتكلم بهذا النفس يقول: فإنّا لا يقول أنا يقول: (فإنّا نحيط علما بأنبائكم، ولا يعزب عنا شيء من أخباركم) [٢٠]، وهذا القول مطلق، ولا يعزب عنا شيء من أخباركم ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم، فهل هذه المعرفة معرفة نظرية فقط؟ أم إنّ الإمام عندما يحيط علماً بأنبائنا يتألم ويبكي ويندب نفسه، هذا هو الإمام الذي من أحفاد جده علي (عليه السلام)، الذي عندما ينزع الخلخال أو شيء من هذا القبيل، كما إذا انتهكت حرمة ذميّه ولعلها يهودية في بلاد المسلمين، الإمام (عليه السلام)، يرى أنّ المؤمن إذا تمنى الموت كان به جديراً، إمامنا علي (عليه السلام)، هكذا يفكر بنساء أهل الذمة، بحيث يرى أنّ تمني الموت في محله عندما تنتهك حرمة ذميه في بلاد المسلمين، فعلينا في هذا العصر أن نعيش هذه الحالة من معايشة همومه (عجل الله فرجه)، والإكثار من الدعاء بتعجيل فرجه، لا لقلقةً على شكل شعار متعارف وإنما بحرقة في يوم الجمعة، الإنسان يندب إمامه بتعابير بليغة: (ليت شعري أين استقرت بك النوى عزيز عليّ أن تحيط بك دونيَ البلوى عزيز علي بأن أرى الخلق ولا ترى ولا ينالك مني ضجيج ولا شكوى، بنفسي أنت من مغيب لم يخلو منا، بنفسي أنت من نازح ما نزح عنّا، هل من معين فأطيل معه العويل والبكاء، هل قذيت عين فساعدتها عيني على القذى؟ هل إليك يا ابن أحمد سبيل فتلقى؟ متى يتصل يومنا منك بعدةٍ فنحظى؟ متى ترانا ونراك …) هذه التعابير إذا قرأها الإنسان بالشهر مرة ودموعه على وجنتيه، الإمام (صلوات الله وسلامه عليه)، حاشا أن يهمله، يرعاه في نفسه، يرعاه في فكره، إذا أراد أن ينزل في مقام العمل والخيال والتصميم والاعتقاد والرؤى، الإمام له طرقه، يسأل الله (عزّ وجل) أن يثبت فؤادك، يسأل الله (عزّ وجل)، أن يلهمك التكليف الصحيح، فمن طرق الاستلهام والاستمداد هو إكثار الدعاء لهذا الإمام الغريب المظلوم (صلوات الله وسلامه عليه).
[٢] سورة يس ٣٨.
[٣] سورة الفيل ٥-١.
[٤] مکارم الأخلاق ج١ ص٨.
[٥] الأمالي للمفید ج١ ص٣٧.
[٦] الغيبة (للنعمانی) ج١ ص٢٠٠.
[٧] عيون أخبار الرضا (ع) للشيخ الصدوق ج١ ص١٠.
[٨] الغيبة للشيخ الطوسي ج١ ص١٦٧.
[٩] الغيبة للنعماني ج١ ص٢٠٥.
[١٠] سورة الرعد ٣٩.
[١١] الغيبة للشيخ الطوسي ج١ ص٤٣٧.
[١٢] الغيبة للنعماني ج١ ص٢٠٥.
[١٣] الغيبة للنعماني ج١ ص٢٠٥.
[١٤] الغيبة للطوسي ج١ ص٣٤٠.
[١٥] بحار الأنوار ج٤٢ ص٢٢٣.
[١٦] بحار الأنوار ج٤ ص١٢٠.
[١٧] سورة الرعد ٣٩.
[١٨] بحار الأنوار ج٢٧ ص٨٦.
[١٩] الاحتجاج ج٢ ص٤٩٥.
[٢٠] الاحتجاج ج٢ ص٤٩٥.
خلاصة المحاضرة
- توجد في السنة ثلاث محطات من المناسب أن نذكر بها امام زماننا(عليه السلام)، من أجل تقوية أواصر الارتباط بالقائد الحي الذي يرعى شؤون هذه الاُمة، فمن تلك المحطات المنتصف من شهر شعبان، ومنها في اليوم التاسع أو العاشر من شهر ربيع الأول حيث زمان استلام قياد الامامة لهذه الامة، ومنها يوم ميلاد أبيه(عليه السلام)، ولكن علينا ان نذكر إمام زماننا دائماً.
- أحدنا يترنم بذكر امام زمانه ويكتفي بقراءة دعاء العهد أربعين صباحاً ليكون بذلك من أعوانه وأنصاره، لكنّ المسألة أرقى من عالم الألفاظ والتلاوة، فلا بد من وجود سعي عملي من أن يكون الإنسان على مستوى نصرة امامه وانتظاره، فانتظار الفرج هو خير أعمال الأُمة.
- فقد روي في الحديث الشريف: (من مات منكم على هذا الأمر منتظراً كان كمن في الفسطاط الذي للقائم(عليه السلام)) هذا الفسطاط الذي فيه الأصحاب فيه الأنصار فيه هؤلاء الذين هم على اهبّة النصر والتأييد لأمام زمانهم(عليه السلام).
- ومن لوازم الاعتقاد بالمهدوية واحترام هذا الخط المبارك أن يبتعد المؤمن عما يجرح فؤاد إمامه، هذه الحالة من التشرذم والتفرق رغم الاعتقاد بهذا الخط والأركان الأساسية منه، التفرق يجرح قلب الإمام(عليه السلام)، وما ورد عن أهل البيت(عليهم السلام) حول تفرق الشيعة يمكن ان يخضع لقوله تعالى: (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)، فينبغي عدم اليأس والدعاء لإبعاد هذا البلاء.