Search
Close this search box.
  • المجالس الحسينية أم الدورات التربوية؟
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

المجالس الحسينية أم الدورات التربوية؟

بسم الله الرحمن الرحيم

لبس السواد إقامة للشعائر

من الشعائر التي يُحييها المؤمنون في كل عام؛ لبس السواد في أيام حزن أهل البيت (ع) وخصوصا في شهري محرم وصفر. إن منظر السواد يوحي بأن المؤمنين في عزاء وحزن. إن القماش في نفسه لا قيمة له أما إذا خيط على شكل علم وأصبح علم من أعلام إحدى الدول، فستبصح له قدسية ويُعاقب كل من يهتكه.

إن لبس السواد عمل رمزي يوجب التقرب إلى الله عز وجل. لماذا ألزمنا بثوبي الإحرام؟ ولو لم يلزمنا بثوبي الإحرام أي ثوب كنا نختار؟ إن رب العالمين يحب هذه المظاهر، وهذه الشعائر وهي تزداد رونقا في كل عام ووصلت إلى مستويات لم تكن قد وصلت إليها في الماضي. فإن زماننا هذا وإن كان الغالب عليه الفساد والإفساد؛ إلا أننا نرى تطورا في إقامة الشعائر والمناسبات التي ترتبط بالأئمة (ع).

ازدهار المجالس الحسينية في كل عام

فقبل نصف قرن أو أكثر من كان يُقيم مثلا ذكرى وفاة مثلا السيدة زينب (س) أو الأيام الفاطمية وحتى زيارة الأربعين؟ هل كان النظام البائد في العراق يسمح بهذه الممارسات التي انتشرت اليوم كالنار في الهشيم؟ ومما يزيد الأمل في الإنسان أن نرى أفئدة من الناس تهوي إلى أئمتنا (ع) في كل عام ويزداد هذا العدد مع مرور الأعوام. إنني أسمع كثيرا من خدمة المجالس الحسينية؛ أنهم يرون في كل عام ازديادا ملحوظا في عدد المشاركين في هذه المجالس. إننا لا نملك إحصائية دقيقة ولكن يبدو لنا أنه كلما امتد الزمان، ازداد انتشار خطين موازيين؛ خط الفساد وخط الصلاح.

ولكن كيف نحول أنفسنا من مجرد مقيمي شعائر الحسين (ع) إلى وجودات حسينية؟ إن من أهم تلك العوامل الدعاء. خاطب صاحب المجلس قائلا: يا مولاي، لقد أقمت لك العزاء شهرين كاملين، فاجعل في قلبي تلك الحرارة التي تحدث عنها جدك النبي (ص) والتي لا تبرد أبدا. فإن أحسست بهذه الحرقة عند ذكر الحسين (ع) فاعلم أنك على خير.

ينقلب حاله عند سماعه اسم الحسين (عليه السلام)

لقد التقيت في سفرة إلى أحد البلدان برجل قد ملك ذكر الحسين (ع) فؤاده؛ فلا يُذكر اسم الحسين (ع) عنده إلا استعبر، وقد جلست معه فوجدته يملك رقة عجيبة. إن أحدنا يسمع المقتل كاملا حتى يبكي وصاحبنا يبكي لسماع اسم الحسين (ع). إنه في قمة التوجه إلى الله عز وجل وهكذا كان حاله مع ذكر إمام زماننا (عج). وإنني أعرف رجلا طلب من الله سبحانه أن يرزقه العبرة عند قراءة دعاء: اللهم كن لوليك. وهذا مظهر من مظاهر عشق هذه الذوات الطاهرة. إن هذا الطلب هو خير مما طلعت عليه الشمس، وهو طلب معنوي لذيذ وعلامة من علامات القرب. فلابد للمؤمن البحث عن هذه المقامات فهي خير له من المال والبنين، وهي الباقيات الصالحات التي قال عنها سبحانه: (ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِينَةُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱلۡبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّـٰلِحَٰتُ خَيۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابࣰا وَخَيۡرٌ أَمَلࣰا)[١]. ماذا يصنع الإمام الحجة (عج) لرجل يبكي عند الدعاء له ب: اللهم كن لوليك؟

السر العظيم في دعاء: اللهم كن لوليك

إن لهذا الدعاء: اللهم كن لوليك سر عظيم، وهو من الأدعية التي نلهج بها كثيرا في ليالي القدر ويتضمن معاني سامية؛ ولكننا حولناه إلى أنشودة أو شعار بوزن رتيب نقرأه من دون تدبر وفهم.

إننا نطلب ست مزايا لإمام زماننا (عج) في هذا الدعاء، وهو أن يكون الله سبحانه له: وليا وحافظا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا. فإذا كان هذا الدعاء وردك؛ ألا تحتمل في يوم من الأيام أن يرد لك الإمام (عج) الجميل؟ تصور أن يقول الإمام (عج) مشيرا إليك: اللهم كن له ولياً وحافظاً وقائدا وناصراً ودليلاً وعينا؟ إنها مشتركة بين الإمام والمأموم. فلولا استجاب الله سبحانه في حقك دعاء الإمام (عج) بأن يكون لك دليلا، فهل تبقى حيرة في حياتك؟

المجالس الحسينية أم الدورات التربوية

ولابد أن تكون المجالس الحسينية بالنسبة لنا دورات نتخرج فيها، وتتغير سلوكنا من خلال الحضور فيها. لابد وأن يلاحظ الآخرون ممن نعيش معهم أن سلوكنا بعد محرم يختلف عنه قبله. فتقول الزوجة مثلا لزوجها: كنت سريع الغضب، وأراك بعد محرم كالجبل الراسخ لا تزعزعه العواصف. وطلاب الجامعة الذين يشتكون من فتنة النظر، لابد وأن يشعروا بعد هذه الأيام بقوة تعينهم على غض البصر؛ بل يصلوا إلى درجة لا يرغبون النظر إطلاقا، وذلك لأنه وصل إلى قناعة هي: أن هذه المرأة قد انتهكت حدا من حدود الله عز وجل من خلال نزع الحجاب، ولذلك يشمئز من النظر إليها. ثم إن هذه العين هي أمانة ونعمة من أعظم النعم الإلهية.

العين أرق أجزاء البدن وأسرعها تحللا

إن العين هي من أرق أجزاء البدن وهي تشبه المادة الهلامية، ولها قوامه الزجاجي وهي أول ما يتحلل من الإنسان بعد موته. ومع ذلك فإن هذه العين هي أرقى من الكاميرات التي اخترعها البشر والتي تحتاج إلى صيانة دائما؛ فقد نرى البعض من الناس يتجاوز عمره المائة ولا زالت أعينهم تعمل بشكل طبيعي وقوي. ولابد أن تكون هذه العين مسخرة لما خُلقت له. تصور إنسانا يُعطيك كاميرة ويقول لك: صور لي الطبيعة الجميلة؛ فإذا بك تصور له المزابل والخرابات. ألا تكون في هذه الحالة خائنا؟!

دور الصبر في إقامة الشعائر

من الأمور التي ترسخ الشعائر وتوصلها إلى مرحلة تقوى القلوب؛ الصبر. وليس الصبر بالأمر الهين؛ فهو كما ورد في الروايات الشريفة: (اَلصَّبْرُ مِنَ اَلْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ اَلرَّأْسِ مِنَ اَلْجَسَدِ وَلاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ صَبْرَ لَهُ)[٢]. فالمتبرم الذي لا صبر له، والذي يبحث عن الحياة المخملية، ويعيش في الأبراج العاجية، يتفاجئ بالمفاجئات التي لا تخلو منها الحياة. وقد يكفر في قلبه من دون أن يشعر. فتارة تكون المصائب مما كسبته يد الإنسان؛ فيشرب الخمر فيصاب كبده أو يُسرع في دابته فتنقلب ويُصاب بجروح وكسور وهو غير مأجور لأنها صنع يده. وتارة لا يكون للبلاء أو المصائب للإنسان فيها أي تقصير كالذي يصيبه في بدنه أو في زوجته أو في ذريته أو في عمله أو في دابته، وهي ابتلاءات يُؤجر عليها الإنسان إن صبر عليها. وما أحسن قول الشاعر وهو يصف من لا صبر له على مضض الحياة والذي طلب الراحة في هذه الدنيا:

ومكلف الأيام ضد طباعها
متطلب في الماء جذوة نار

هل رأيت أحداً يطلب النار في الماء؟ وقد يقول: ليتني لم أذهب إلى كربلاء التي تعرضت فيها إلى حادث سير؛ فهو يظن أن الذي حصل له مصيبة ونقمة. أو يرزقه الله ولدا معوقا أو مريضا، فيقول بلسان الحال: لماذا يا رب؟ أنت على العين والرأس ولكن لماذا ابتليتني بهذه البلية؟ وكأنه يظن أن الله سبحانه لم يكن حكيما فيما قدر له. من نحن لكلي نرضى أو لا نرضى؟ إن الأمر بيده سبحانه ولابد أن نصبر على ما يبتلينا.

قد يصبر الإنسان في الامتحانات والمحن ولا ينبس ببنت شفة ويقول الناس: ما أثبر فلانا على البلاء ولكنه في الواقع لا خيار له غير الصبر. إنه يقول: وما عساي أن أفعل غير أن أصبر؟ هل أتشاجر مع الله سبحانه؟ إن صمته ذلك لا ينفع قلبه فهو صابر ولكنه يغلي من الداخل. نعم، إنه صبر حسن ولا يقول فيه إلا حقا ولكنه بحسب التصنيف صبر العوام، لأن هناك ما هو أرقى من هذا الصبر.

التسليم أرقى من الصبر

ما هو الأرقى من الصبر؟ التسليم. وهو أن تعتقد أن الذي أصابك هو الخير، لأنك لا تعلم ما ينفعك مما يضرك. إن عمر الإنسان بالنسبة إلى الآخرة لا يعد ميلي مترا مقابل مليارات الكيلومترات من حياة الأبد. فأن تصيبك مصيبة في هذه الفترة التي لا تكاد تُحصى قياسا بتلك الأبدية؛ هي بالتأكيد خير لما تستبع من الخير في ذلك العالم. إن هذا المليمتر الواحد يحدد الطريق اللانهائي وجنة عرضها السماوات والأرض. إن هذا البلاء الصغير في هذا المليمتر متر الصغير كالجرثومة الصغيرة لا تُرى، ولكن لها أثر كبير يظهر في ذلك العالم. للعباس (ع) ولجعفر الطيار جناحان يطيران بهما في الجنة ولو تأملنا لوجدنا أنهما لم يكابدا في الدنيا إلا ساعات قبل الشهادة فحازا هذه الدرجة الرفيعة وخلد ذكرهما إلى أبد الآبدين.

لقد نال العباس (ع) شيئا من أجره في هذه الدنيا، حيث تهذب إلى ضريحه الشريف فلا تسمع إلا نادبا ونادبة وهم يطوفون حوله ويستذكرون أيامه. إننا نقف أمام قبره الشريف قائلين: أشهد لك بالتسليم؛ فقد كان مسلماً لأخيه الحسين (ع) الذي كان يراه الدين المتمثل في شخصه، ولذلك قال في أرجوزته الشهيرة:

إني أحامي أبدا عن ديني
وعن إمام صادق اليقين

وهذه هي البصيرة التي وُصف من أجلها بنافذ البصيرة، صلب الإيمان. يقول علماء الأخلاق عن التسليم: كن مسلماً كالميت بين يدي الغسال. إن الميت الذي مات جراء حادث وأصيب بدنه بجروح كثيرة، لا يشتكي إذا غسله المغسل وضغط على جروحه. لا أن يكون كالمستلقي بين يدي من يدلك بدنه، فهو يشتكي لأقل ألم يصيبه. قد تكون الأمور مستتبة للإنسان، وله زوجة مطيعة ومال ودار وسيعة ودابة سريعة، فيقول: إنني مستسلم بحمدالله…! عن أي استسلام تتحدث؟ عن الأمور التي هي كلها على مزاجك؟ إن التسليم يكون أمام أمر يخالف المزاج تماما.

التأسي بالسيدة زينب (سلام الله عليها) في التسليم

كل الفخر عندما تقع في مصيبة أن تقول كما قالت زينب (س): ما رأيت إلا جميلا. كان في موسم الحج ذات سنة ولي من أولياء الله أدركت تلامذته، صدرت منه كلمة تنم عن عظم الصبر والتسليم. لقد طلب من الله في مكة طلبا ثقيلا لا يصدر إلا عن ولي مثله حيث قال: يا رب، أعطني مقام القرب منك وخذ مني ما شئت. وهذا بالطبع طلب عظيم؛ فالكثير يتراجع عنه عند أول مصيبة أو فقد. عندما رجع هذا الولي إلى وطنه أُخبر بوفاة ولده حرقا، فقال في نفسه: الحمدلله، تمت الصفقة. لقد أخذ الله منه ولدا وأعطاه ما أعطاه حتى صار مشعل هداية وحتى كان العلماء يحضرون في مجلسه فينقلهم إلى عالم آخر بحسب تعبير من كان يحضر في تلك المجالس، مع أنه لم يكن من العلماء بصورة رسمية.

هل فكرت في نيل هذا المقام في حياتك؟

الأعلى من كل ذلك مقام الرضى بما قدر الله لك. أن تصل إلى مرحلة تحمد الله فيها على البلاء وترى البلاء هبة منه سبحانه. وهذا ما نهلج به في سجودنا بعد زيارة عاشوراء: حمد الشاكرين لك على مصابهم. لو أن الإمام الحسين (ع) مات حتف أنفه في المدينة ألم نكن قد حُرمنا هذه المجالس؟ نعم، لقد كابد الحسين (ع) لكن تنعمنا نحن طوال التاريخ، ومن مصاديق هذا التنعم: البكاء الذي يحط الذنوب العظام. وما أجدرنا أن نستذكر هذا المعنى عند زيارته ونشكره على هذه النعمة في محضره. إن أحدنا ليضيق صدره فيذهب إلى كربلاء؛ فيرجع منتعشاً. بل قال لي أحدهم: ذهبت إلى زيارة الحسين (ع) لحاجة، فنسيت همي وغمي وكأنه رُبط على قلبي وعلى صدري من السرور الذي شعرت به هناك. فيُمكن القول: أن الصبر للمبتدأين والتسليم للمتوسطين ومقام الرضى هو للعالين وهو مقام سيدتنا زينب (س) التي قالت قولتها المشهورة في محضر الطاغية ابن زياد: ما رأيت إلا جميلاً.

خابت آماله عندما علم أنه ورمه حميد…!

لقد كان أحد أساتذتنا رحمهم الله من تلاميذ الشهيد الصدر الأول وكان من خيار طلابه إلا أنه عاش بعيدا عن الأضواء إلى مات في غربة. رأيته ذات يوم حزينا فسألته عن حاله فقال: ظهر لي ورم في البدن ظننته ذلك الورم القاتل؛ فذهبت إلى المختبر ليتبين لي أنه ورم حميد، فزاد حزني أنني كنت على وشك السفر إلى عالم الآخرة فتأجل سفري…! وهذا وقوله سبحانه: (إِن زَعَمۡتُمۡ أَنَّكُمۡ أَوۡلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ)[٣]. إنه لم يكتسب هذا المقام في يوم وليلة، بل قضى عمرا من التربية حتى وصل إلى هذا المقام.

لقد ورد عن النبي الأكرم (ص) حديث لو تأمل الإنسان فيه لاستحيى من خالقه، وهو حديث قدسي: (أَهْلُ طَاعَتِي فِي ضِيَافَتِي)[٤]. ما هي هذه الكرامة؟ إنها الضيافة الإلهية التي تتجلى في موسم الحج تارة وفي شهر رمضان تارة وفي مجالس الحسين (ع). كيف لا يكون مجلس الحسين (ع) ضيافة الله وهو مجلس حجة الله في الورى، وسفير الله وحبيبه، والذي وصفه النبي (ص) بقوله: (حُسَيْنٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنِ أَحَبَّ اَللَّهَ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْناً)[٥].

أهل الشكر في زيادة الله

ثم يقول: (وَأَهْلُ شُكْرِي فِي زِيَادَتِي)[٦]، وقد قال سبحانه: (لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡ)[٧]. فالمؤمن يشكر ربه بمناسبة وبغير مناسبة؛ فما الضير في أن يسجد لله سبحانه عند تذكر النعمة؟ وقد ترى الرجل بعد سنوات من الانتظار يرزقه الله سبحانه ولدا وبدل أن يسجد لله شكرا، تراه يقفز في الهواء. ثم إننا لو تدبرنا هذه الآية لوجدنا أن الله سبحانه لم يؤكد على شكرتم وإنما أكد على أزيدنكم. لام التأكيد ونون التأكيد الثقيلة في أزيدنكم يدلان على أنه وعد من الله مثقل ومؤكد. ويقول: (وَأَهْلُ ذِكْرِي فِي نِعْمَتِي)[٨]؛ أي أنهم محاطون بالنعم الإلهية.

ماذا يفعل سبحانه بالتائب؟

ويقول: (وَأَهْلُ مَعْصِيَتِي أُويِسُهُمْ مِنْ رَحْمَتِي إِنْ تَابُوا فَأَنَا حَبِيبُهُمْ)[٩]. أليست هذه العبارة من العبارات المبكية؟ إن أنين المذنبين أحب إليه من دعاء الداعين، وإن العرش ليهتز فرحا ببكاء المذنب التائب. ويضيف: (وَإِنْ دَعَوْا فَأَنَا مُجِيبُهُمْ وَإِنْ مَرِضُوا فَأَنَا طَبِيبُهُمْ أُدَاوِيهِمْ بِالْمِحَنِ وَاَلْمَصَائِبِ وَلَأُطَهِّرُهُمْ مِنَ اَلذُّنُوبِ وَاَلْمَعَايِبِ)[١٠]. وقد كان شعار إبراهيم (ع): (وَإِذَا مَرِضۡتُ فَهُوَيَشۡفِينِ)[١١]، وإننا لنرى في عيادة بعض الأطباء المؤمنين يكتبون: الدواء عندنا والشفاء عند الله سبحانه. إن الطبيب ليس إلا وسيلة؛ فالشافي من جميع الأمراض هو الله سبحانه. إلى هذا الحد نستطيع القول أن الرواية تتحدث عن الجانب الإيجابي والمفرح ولكن هناك شق آخر لا يقل خطورة عن الشق الأول وهو قوله سبحانه: (أُدَاوِيهِمْ بِالْمِحَنِ وَاَلْمَصَائِبِ وَلَأُطَهِّرُهُمْ مِنَ اَلذُّنُوبِ وَاَلْمَعَايِبِ).

هذا من أعظم الرزق

فلا يتوقعن الذي يرتقي في الإيمان الحصول على المزايا. ترى الرجل يصلي الليل ويقيم صلاة الصبح بتعقيباتها لأنه سمع عن أثرهما على الرزق، فإذا به بعد شهرين يصاب بالإفلاس فيقول: أين الرزق؟ وهل الرزق ينحصر في المال فقط؟ إن المال تأتي في آخر قائمة الرزق. إن على رأس هذه القائمة القلب السليم لقوله تعالى: (يَوۡمَ لَا يَنفَعُ مَالࣱ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلۡبࣲ سَلِيمࣲ)[١٢] . ومن الرزق الزوجة الصالحة التي تذكرك بالله ورسوله، وتوقظك لصلاة الليل وتصلي معك. هل تقدر مثل هذه الزوجة بثمن؟ ومن الرزق الذرية الصالحة. كان أحدهم معرضا عن الزواج والذرية فرأى شابا في أرض عرفة يقول: اللهم اغفر لوالدي، فرغب فيها.

واستيقظ بعد ذلك بين الطلوعين وسل الله سبحانه من فضله. واعلم أن لله عقوبات في القلوب والأبدان، فقد روي عن الباقر (ع) أنه قال: (إِنَّ لِلَّهِ عُقُوبَاتٍ فِي اَلْقُلُوبِ وَ اَلْأَبْدَانِ ضَنْكٌ فِي اَلْمَعِيشَةِ وَ وَهْنٌ فِي اَلْعِبَادَةِ وَ مَا ضُرِبَ عَبْدٌ بِعُقُوبَةٍ أَعْظَمَ مِنْ قَسْوَةِ اَلْقَلْبِ)[١٣]. ترى الشاب قد تخرج من الجامعة وحصل على شهادة الدكتوراه بعد أن درس لسنوات وإذا به لا يجد عملا، ويعني ذلك أنه لن يحصل على سكن ولا على زوجة ولا على ذرية، وهذه عقوبة إلهية.

ليس الرزق بالعلم

هذا وقد ترى الرجل أميا والله سبحانه يدر عليه الرزق درا. لقد رأيت ذات يوم تاجرا في إحدى المطارات فقال لي: يا فلان، إنني أمي ولكن يعمل عندي أصحاب الشهادات العليا من الدكاترة وغيرهم. قلت له: كيف تحاسب الموظفين؟ فأخرج لي الجهاز وقال لي: هذه حساباتهم، إنني لا أعلم شيئا منها ولكن لي شريك يحاسبهم، قلت له: بيني وبينك العباس (ع) إن بدا لك غشي. قلت له: يا فلان: وكيف أنت مع الخمس؟ فقال لي مازحا: إنني أطلب الله سبحانه؛ أي أنه يخمس أكثر من المطلوب منه.

ماذا تعرف عن عقوبة الوهن في العبادة؟

ومن العقوبات الوهن في العبادة. إن البعض من المؤمنين يفتح عينيه عند أذان الفجر ثم ينام حتى طلوع الشمس، وهذا يعد تاركا للصلاة. لو أن الله سبحانه عذبك في النار سنوات على ترك فريضة واحدة متعمدا لكان الأمر في محله. ثم اعلم أن أشد العقوبات قسوة القلوب؛ فالمرض يعجل لك لقاء الله عز وجل، وقلة المال قد يضطرك إلى أكل الخبز اليابس ولن تموت من ذلك ولكن لو ابتليت بقسوة القلب خسرت القلب الذي سترد به على ربك سبحانه.

[١] سورة الكهف: ٤٦.
[٢] الکافي  ج٢ ص٨٩.
[٣] سورة الجمعة: ٦.
[٤] کلیات حدیث قدسی  ج١ ص٧١٥.
[٥] كشف الغمة  ج٢ ص٦١.
[٦] عدة الداعي  ج١ ص٢٥٢.
[٧] سورة إبراهيم: ٧.
[٨] عدة الداعي  ج١ ص٢٥٢
[٩] عدة الداعي  ج١ ص٢٥٢.
[١٠] عدة الداعي  ج١ ص٢٥٢.
[١١] سورة الشعراء: ٨٠.
[١٢] سورة الشعراء: ٨٨ – ٨٩ .
[١٣] بحار الأنوار  ج٧٥ ص١٧٦.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • من الشعائر التي يُحييها المؤمنون في كل عام؛ لبس السواد في أيام حزن أهل البيت (ع) وخصوصا في شهري محرم وصفر. إن منظر السواد يوحي بأن المؤمنين في عزاء وحزن. إن القماش في نفسه لا قيمة له أما إذا خيط على شكل علم وأصبح علم من أعلام إحدى الدول، فستبصح له قدسية ويُعاقب كل من يهتكه.
  • من العقوبات الإلهية التي يعاقب بها الله سبحانه البعض من عباده؛ الوهن في العبادة. إن البعض من المؤمنين يفتح عينيه عند أذان الفجر ثم ينام حتى طلوع الشمس، وهذا يعد تاركا للصلاة. لو أن الله سبحانه عذبك في النار سنوات على ترك فريضة واحدة متعمدا لكان الأمر في محله
Layer-5.png