إن السعادة الزوجية من حلقات السعادة الحياتية، ومن كان ناجحا في حياته الأسرية، فقد سد باباً واسعاً على إبليس؛ لأنه في القضاء على اللحمة الأسرية، تتفكك الروابط سواء مع الرجل، أو مع المرأة، أو مع الأولاد، أو مع أرحام الطرفين.. هناك آفة لعل الكثير مبتلى بها، ولكن الناس لا يصرحون بالقضايا الأخلاقية، مثل المرض في القضايا البدنية، لا يراجعون الطبيب مع وجود المرض؛ خوفا من أن يعرف أن هذا المرض خطير، ومن ثم يتفشى ذلك المرض ويقضي عليه.
إن المؤمن في القضايا الأخلاقية كذلك، عليه أن يقضي على مناشئ الفتنة والفساد من أول ظواهرها.. عندما يُراجع خبيرا بهذا المجال، ليس من الضروري أن يعترف أنه هو صاحب المشكلة، من الممكن أن يقول: هنالك إنسان مبتلى بهذا الأمر؛ لأن الاعتراف بالخطايا والذنوب أيضا أمام البشر أمر غير مستحسن، فالاعتراف لا يكون إلا بين يدي الله عز وجل.. والمؤمن حريص على أن يبقي على سمعته الحسنة في أنظار الآخرين.. من هذه الآفات المتفشية هذه الأيام، مسألة الحدة والغضب في الجو الأسري.. فالإنسان قد يكون حليما أمام الناس؛ خوفا على وجاهته الاجتماعية، وأما في الجانب الأسري فإنه يتجاوز الحدود.
كيف نقضي على الحدة والغضب في الجو الأسري؟..
لو تمكن الإنسان من القضاء على هذه الآفة، يكون قد فاز بنعمة كبيرة!.. ولكن ما منشأ الحدة والغضب في الحياة؟..
– احتقار الآخرين.. عيسى بن مريم روح الله، له كلمات حكمية كباقي الأنبياء، رغم أنه هو لم يكن متزوجا، ولكن يذكر منشأ الغضب.. عن أبي عبد اللّه (ع) قال: (قال الحواريّون لعيسى بن مريم (ع): يا معلّم الخير، علّمنا أيّ الأشياء أشد؟.. فقال: أشدّ الأشياء غضب اللّه (عزّ وجلّ).. قالوا: فبم يتّقى غضب اللّه؟.. قال: بأن لا تغضبوا.. قالوا: وما بدء الغضب؟.. قال: الكبر، والتجبّر، ومحقرة الناس).. فالإنسان الذي يغضب على الطرف المقابل، يحتقره في نفسه.
إن هذه الأيام ظاهرة الخدم متفشية في البيوت، إن أمكن الاستغناء عنهم فهو أفضل؛ لأنه في البيوت التي فيها هذا الجانب، هنالك تجاوزات شرعية، منها: الظلم، وعدم مراعاة الجانب الشرعي.. هذه الخادمة ترفع يديها، تكشف عن رجليها في المنزل، والرجل ينظر إليها بكل ارتياح، وكأنها محرم عليه.. يأتي يوم القيامة، وانتهت سنوات الدنيا، وسنوات الخدمة، وإذا به محمل بأوزار النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه.. وأضف إلى ذلك بعض صور المشاكل الأسرية بين الزوجين، عندما تكون هذه الخادمة في مرحلة من مراحل الجاذبية الشكلية؛ نعم تكون آفة في البيوت.. وبعض البيوت تدمر بفعل الإغراءات في هذا المجال.
أولاً: إن احتقار الآخرين، من موجبات الغضب والحدة، كما يذكر المسيح (ع).. لذا على الإنسان أن ينظر إلى الأفراد جميعاً، على إنهم محارات مغلقة.. قديما كان الناس في دول الخليج يعيشون على المحار واللؤلؤ.. فالإنسان لا يجزم أن هذا المحار نافع أو غير نافع؛ لأن اللؤلؤة في الجوف، فإن فتح المحارة يقطع بأن فيها لؤلؤة، وإلا يرميها في البحر ثانية.. ماذا يعمل بمحارة خاوية؟.. الناس كذلك عبارة عن محارات مغلقة، لا نعلم ما فيها: عفن، أو لؤلؤة لا تقدر بثمن.. إلا {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}، حتى في الحياة الدنيا الإنسان لا يعول على شيء، قد يقول البعض: نحن مدعوون أن نقول: إن كل الناس خير مني، والحال أن هذا فاسق فاجر، كيف أقول هو خير مني؟!..
الجواب هو: أن الأمور بخواتيمها.. هذا الفاسق الفاجر من أين تعلم أن عاقبته كذلك؟.. هل كان أحد يتوقع أن الحر بن يزيد، سيكون من أنصار سيد الشهداء؟.. أنت لا تعلم الخواتيم، وأضف إلى أنه تقول: لعل شرهُ ظاهر، وأنا شري باطن.. هذا الإنسان له فسق ظاهري، وأما أنا الإنسان العادل ظاهرا لي فسق باطني.. باطني فيه الكبر، وفيه الحقد، وفيه الحسد، وفيه ما فيه من الآفات الباطنية.. إذن الإنسان لا يعلم الحقيقة، ولهذا قال النبي (ص): (إن الله أخفى ثلاثا في ثلاث: أخفى رضاه في طاعته، فلا تحقرن طاعة أبدا.. وأخفى غضبه في معصيته، فلا تحقرن معصية أبدا.. وأخفى أولياءه في عباده، فلا تحقرن من عباد الله أحدا).. لعل المعصية الصغيرة هي المهلكة، ولعل الطاعة الحقيرة هي المنجية، ولعل هذا الإنسان المستضعف هو الولي وأنت لا تعلم.. إذن الطريق الأول للقضاء على هذا الأمر، أن ننظر إلى الناس على أنهم أسرار لا نعرف بواطنهم، لا يعرف البواطن إلا الله عز وجل.
ثانياً: أن نجعل مناسبة بين الفعل وردة الفعل، بعض الناس يغضب وظاهر غضبه قد يكون إلهياً، ظاهرهُ إلهي ولكن الباطن غير إلهي.. مثلا: عندما يصيح الإنسان على زوجته، أو على ابنه؛ لأنه أتلف مالاً من غير عمد، بدعوى أن هذا فيه إسراف.. هو أولاً ليس فيه عمد، وإن كان الإناء غاليا جدا؟.. لماذا تجعل الغضب ظاهره لله، وباطن الغضب للنفس؟!.. الإمام الكاظم -عليه السلام- يقول: (إنما تغضب لله عز وجل، فلا تغضب له بأكثر مما غضب لنفسه)، حتى لو كان الغضب إلهياً؛ ليكن هنالك تناسب بين الغضب وبين المورد الذي نغضب لأجله.. وللعلم: إن الإنسان الذي يغضب كثيرا، تارة يغضب لنقصان الملح في الطعام، وتارة يغضب لعدم ترتيب المنزل، وتارة يغضب لترك الصلاة، ولترك الحجاب أو الإخلال بالحجاب.. عندئذ هذا الإنسان لا يوقر في غضبه.. هذا الغضب لا قيمة له، حتى تربوياً هذا الإنسان إنسان فاشل.. النبي الأعظم -صلى الله عليه وآله وسلم- عندما كان لا يعجبه شيء، كان يعرض بوجهه، إعراضه بوجهه كان درسا بليغا على أنه غضب، وكان يدخر غضبه للأمور المهمة.. ولهذا يقولون: اتقوا شر الحليم إذا غضب.. بعض الآباء الذي هو متصف بالحلم، عندما يجد موردا من موارد المخالفة في المنزل، يكفي أن يخرج من البيت ويقول: أنا اليوم غضبان، لا أرجع للبيت.. فقط هذا العمل البسيط، يحدث زلزالا في المنزل، ولا يحتاج إلى أن يرفع العصا، وتنتفخ أوداجه غضبا.
وصايا في حال الغضب:
إن الإنسان غير معصوم، وقد يغضب خطأ أو سهوا.. وهنيئا لإنسان يلتفت إلى خطأه عند الخطأ!.. لأن الالتفات بعد فوات الأوان لا ينفع.. إن امتلكه الغضب فعليه بالتالي:
– تغيير هيئة المكان.. إن الإنسان في حال الغضب، قد يفحش في القول.. فليخرج من الجو الذي هو فيه، ولهذا من الوصايا النبوية في حال الغضب: (إذا غضب أحدكم وهو قائم، فليجلس.. فإن ذهب عنه الغضب، وإلا فليضطجع).. وهناك توصيات أنه يسجد لله عز وجل تذللاً، وكم من الجميل أن يقول الإنسان لربه في حال السجود: يا رب أنا كظمت غيظي، ولم أعمل غضبي في الطرف المقابل، على أمل أن لا تحلل علي غضبك يوم القيامة!.. طبعا إذا كان الغضب بحق، وإلا إذا كان بغير حق فلا فخر له.. إن هذه المناجاة من أروع صور المناجاة، وأقربها للاستجابة!.. أنت الآن في موضع العمل بما تطلبه من رب العزة والجلال.
– الاستعاذة.. كذلك من موجبات تخفيف أو تسكين الغضب، وخاصة مع الأهل؛ أن يعتقد الإنسان أن هذا فعل إبليسي شيطاني، فيستعيذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم، يبلع كلامه ويقول: اللهم!.. إني أعوذ بك من شر الشيطان اللعين الرجيم.. إن الشيطان له حضور في ثلاثة مواضع:
الموضع الأول: عند الشهوة: عندما يختلي الإنسان مع أجنبية الشيطان، يكون ثالثهما.. ولطالما رأينا حركات لا إرادية من الإنسان المؤمن، عندما يخلو مع أجنبية، ولو على مستوى الحرام الخفيف؛ لأنه في تلك اللحظة لا سيطرة له على نفسه.
الموضع الثاني: عند الغضب: إن الإنسان عند الغضب، أيضاً يفقد السيطرة على نفسه؛ لأن (الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم من العروق).. لذا فقد حذر الإمام الباقر (ع) من الغضب، ووضع له علاجاً، فقال (عليه السلام): (إن هذا الغضب جمرة من الشيطان، توقد في قلب ابن آدم.. وإن أحدكم إذا غضب احمرت عيناه، وانتفخت أوداجه، ودخل الشيطان فيه.. فإذا خاف أحدكم ذلك من نفسه، فليلزم الأرض، فإن رجز الشيطان ليذهب عنه عند ذلك)؛ لأن الأرض مظهر التواضع، ليجلس على الأرض متواضعاً.. هذه الحالة من الجلوس تذهب نصف الغضب.. فإذا استعاذ بالله -عز وجل- ذهب الغضب كله، هنيئا لمن كان غضبه بيده!.. .
الموضع الثالث: عند الطاعة: نحن مأمورون بالاستعاذة قبل قراءة القرآن الكريم.. وكذلك إذا وقف الإنسان كي يصلي، يأتيه الشيطان ويقول له: اذكر كذا واذكر كذا!.. ولهذا في الصلاة قبل سورة الفاتحة، نستعيذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم؛ لأنه يدخل في هذا المجال.
– الدعاء.. إن النبي الأكرم -صلى الله عليه وآله وسلم- كان يستعمل أسلوب الدعاء في تخفيف غضب الآخرين.. هذا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يوصي إحدى زوجاته ويقول لها قولي: (اللهم!.. رب محمد النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- اغفر لي ذنبي، وأذهب غيض قلبي، وأجرني من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن).. الإنسان عندما يدعو بهذه الحالة، وهو يستجير بالله -عز وجل- نعم رب العالمين سيأخذ بيده.
– النظر إلى المرآة أثناء الغضب.. إذا غضب الإنسان، فلينظر إلى نفسه في المرآة.. فالنظر إلى الوجه في المرآة عند الغضب، يجعل الإنسان يخجل من نفسه؛ لأن الشكل لا يطاق.. والبعض يستعمل أسلوبا آخر، يطلب من أحد أن يصوره أثناء الغضب، ويقول: هذا حالك وأنت تغضب.. لعل أيضاً هذا أسلوب من أساليب الردع، أن يلتفت الإنسان إلى نفسه في حال الغضب.
– الغضب يذهب النور الإلهي.. إن الغضب أثره ليس في هذه اللحظة، يقلب الكيان.. إنسان صلى صلاة الليل، رب العالمين أعطاه نورا، وقد تكون صلاة متميزة، رفع يديه في القنوت وقرأ مناجاة التائبين، وإذا هو في النهار بسبب تافه يغضب.. هذا النور الذي اكتسبه في الليل، يطير في النهار.. وهذه خسارة كبيرة!.. عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: (الحاج لا يزال عليه نور الحج، ما لم يلم بذنب).. وقياسا على ذلك نقول: من الممكن أن شهر رمضان يكسب الإنسان نورا، فإذا أذنب الإنسان بعد شهر رمضان، ذهب منه نور شهر رمضان.. وكذلك بالنسبة إلى صلاة الليل، والفريضة الواجبة.. فالغضب مشكلته أنه من موجبات إذهاب هذا النور الإلهي، عن النبي الأكرم -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: (الغضب يفسد الإيمان، كما يفسد الخل العسل).. الخل والعسل لهما طعمان متنافران: العسل طعمه طيب حلو، والخل طعمه لاذع مادة حمضية.. نعم هكذا النبي الأكرم يشبه الأمر.. من هنا البعض يسأل ويقول: نحن نقيم الليل من سنوات، ولا يفوتنا الحج من سنوات، ولا تفوتنا العمرة، ونزكي أموالنا.. فلماذا لا نرى التميز في حياتنا؟..
قل ما نرى التميز في حياة البشر.. المؤمنون تقريبا متقاربون في الإيمان.. قد يكون هناك مؤمن متميز في المراقبة، أو في القول، أو في الفعل، أو في الحكمة، أو في النظرة.. ولكن قلما نجد إنسانا متميزا، لا في هذا العصر حتى في العصور الماضية.. مثلنا كمثل من يبني جدارا، كي يبني بيتا.. يبني الجدار في النهار، فإذا جاء الليل رفسه برجله.. طبعا الجدار الذي مازال رطبا ينهار.. ثم في اليوم التالي يبني جدارا ثم يرفسه ليلا.. فلو بقي على هذه الحال خمسين سنة يعمل في البناء، لا يرتفع له بنيان.. طبعا في القرآن الكريم هنالك مثال أحسن من البنيان {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا}.. مما يثير الأسى أننا لا نرى آثار الأعمال كما ينبغي، والسبب في ذلك ليس النقص في المقتضي، وجود المانع.. المانع موجود، فالمقتضي لا يؤثر أثره: عودة رطبة تجعلها على النار مدة طويلة، تبقى العودة من دون اشتعال، نعم إذا جفت الرطوبة، ويبست هذه الخشبة؛ فإن كبريتة واحدة تكفي لتشعل النار في هذه العودة.. نحن مشكلتنا في هذه الرطوبات المانعة في وجودنا.
فإذن، إن من مناشئ التأخر في هذا المجال، الغضب.. (كان سعد بن معاذ صحابيا جليلا، ولما مات وحنط وكفن وحمل في التابوت، تبعه رسول الله بلا حـذاء ولا رداء، وكان يأخذ بيمنة التابوت وبيساره أخرى، حتى انتهى به إلى القبر، فنزل الرسول في قبر سعد وسـوى اللبن عليه والتراب.. فقالت أم سعد: يا سعد هنيئا لك الجنة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يــا أم سعد، مه!.. لا تجزمي على ربك، فإن سعد قد أصابته ضمُة، فقال الناس: يا رسول الله، لقد رأيناك صنعت على سعد ما لم تصنعه على أحد، إنك تبعت جنازته بلا رداء ولا حذاء فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إن الملائكة كانت بلا رداء ولا حذاء، فتأسيت بها -أي أن الملائكة شاركت في التشيع- قال الناس: وكنت تأخذ يمنة السرير (التابوت) مرة ويسرة مرة، قال (صلى الله عليه وآله): كانت يدي في يد جبرائيل آخذ حيث يأخذ.. قالوا: أمرت بغسله وصليت على جنازته وسمدُته في قبره، ثم قلت: إن سعدا قد أصابته ضمة؟.. قال صلى الله عليه وآله: نعم إنه كان في خلقه مع أهله سوء).
– تأجيل الغضب.. بعد هذه المقدمات، الإنسان المؤمن يحسب ألف حساب عندما يريد أن يغضب.. هنالك مقولة في علم النفس، أو علم الاجتماع تقول: إن الإنسان إذا أراد أن يغضب، فليؤجل غضبه.. المجال مفتوح للتأجيل والتعويض، ولكن إذا أعمل غضبه لا مجال للتعويض.. مثلا: إنسان رأى اليوم موقفا يستحق الغضب، ولكن لم يغضب، ثم بعد يوم رأى أن الأمر يحتاج إلى غضب، بإمكانه أن يختلق أي عذر ويغضب على من يريد؛ لأنهُ لم يغضب في ساعتهِ.. لا زال القرار بيده، لا زال الاختيار في سيطرته.. أما إذا غضب الإنسان ثم رأى بأن الغضب في غير محله.. ماذا يعمل؟.. انكسرَ الإناء.. نعم، قد يجبر الإناء بعد ذلك، ولكن أثار الكسرِ تبقى.. فإذن الذي يريد أن يغضب ولا يغضب، ثم رأى أن يغضب فلهُ أن يغضب.. وأما الذي غضب وأعمل غضبهُ، ثم رأى الغضب في غير محله.. لا مجال للتدارك أبداً.
– كظم الغيظ.. هنالك هذهِ الأيام رياضة رفع الأثقال، والمصارعة، وغيرهِ.. بعض هذهِ الرياضات مطلوبة شرعاً: كالرماية، والسباحة.. أما رفع الأثقال ليس فيهِ نص، ولكن النبي الأكرم (ص) خرج يوما وقوم يدحون حجرا، فقال: (أشدكم من ملك نفسه عند الغضب، وأحملكم من عفا بعد المقدرة).. هنا بشارة وهي أن الإنسان عندما يكظم غيظاً ولكن بقيد: يكظم غيظاً وهو قادر على إنفاذه.. مثلا إذا غضب الشرطي من الضابط فيكظم غيظه.. هذا الكظم للغيظ لا قيمة له، لأنه لا يستطيع أن يتكلم، وإن تكلم لربما وضعه في السجن.. أما إذا غضب الضابط على الشرطي، وأراد أن يعاقبهُ فكظمَ غيظه؛ هذا الإنسان الذي كظمَ غيظهُ، في البداية لا يشعر بشيء، ولكن بعد دقائق يرى حلاوة الإيمان في قلبه.. قال رسول الله (ص): (من كظم غيظا وهو يقدر على إنفاذه، ملأ الله جوفه أمنا وإيمانا).
فإذن، هذهِ بعض القواعد العامة بمسألة الغضب.. طبعاً لا يعني ذلك أن الإنسان المؤمن إنسان هلامي زئبقي، لا قوام له، لا شخصية له.. لا، ليس الأمر كذلك، المؤمن يجمع بين اللين وبين الحدة في موضعهِ.. في مواضع النهي عن المنكر، لا يتوانى أبداً في إظهارِ غضبه؛ إذا كان الغضب لله عز وجل، رب العالمين يجعل لهُ هيبة، بنظراته يدين الطرف المقابل، ولا يحتاج الأمر إلى أن يرفع صوته.. المؤمن أيضاً لهُ هذهِ الحالة في التوازن بين الرفق وبين الحزم، الذي لا حزم له كالذي لا رفق له، لابد من إيجاد التوازن بين الأمرين.. ولو أن المؤمن في أول حياتهِ الزوجية علم المرأة الخطوط الحمراء، لانتهى الأمر!.. يقول لها: يا فلانة، أنا غضبي عندَ الغيبة، وعند النميمة، وعند الإسراف، وبعد ذلك سوف لن تجدي مني غضباً أبداً.. هذا الاتفاق من موجباتِ إراحة الزوجة أول الأمر.
إن الإنسان قد يعيش ليلة صاخبة مع زوجته إلى الصباح في شجارٍ وفُحشٍ في القول وغيرهِ، ولكن يصبح الصباح فيتصالحان، ولا يعرف عن حالهما أحد.. أما المصيبة الكبرى، هي عندما تنتقل الأسرار إلى خارج هذهِ الدائرة المقدسة، وخاصة عند الأولاد.. يا لهُ من منظر: أبوان يتعاركان، ويتسابان، والأولاد الصغار ينظرون إلى أبويهما.. من ناحية: يرتعشان خوفاً من هذا الوضع، وخاصة إذا كان الوضع لأول مرة.. ومن ناحية لا يعلمون من ينصرون: الأب، أو الأم؟.. يعيشون حالة من التجاذب.. إن بعض حالات الانحراف، وخاصة لدى الفتيات، هو بسبب الجو الأسري المتوتر، وحرمان حنان الأبوين، فالبيت ليس بسكن آمن له.. يوم القيامة عندما يُكشف الملف، يقال للأبوين: أنتما بشجاركما، وبفعلكما هذا، دفعتم الأولاد إلى الرذيلة.. ماذا سيكون الجواب؟.. إذن إن كان ولابد من الشجار، فليكن في غرفةٍ مقفلة، ليس أمام الأولاد، وليس أمام الأهل؛ لأن التعويض بعد ذلك سيكون سقيماً جداً.. الكلام عن الأولاد ينطبق عن الأهلين.
إن الإنسان المؤمن، يجب عليه أن يعيش حالة السياسة في هذا المجال.. المؤمن عليه في بعض الحالات أن يمثل دور وزراء الخارجية، كأنه الوزير عندما يتكلم في لقاء صحفي يحسب حساب الواو والفاء؛ لئلا يُحدث أزمة.. المؤمن في مجال الخلافات الأسرية وغيرِ ذلك، يكون حذرا في كلمتهِ؛ لئلا يتكلم ما يوجب لهُ الوهن والشجار لا قدر الله.. أحيانا يرمي الإنسان حجرا بالحوض؛ الحجر يذهب للقاع، ولكن الأمواج تمتد إلى مسافات.. وكذلك بالنسبة إلى الزوجين، يتصالحان بالأخير.. ولكن الأزمة الأسرية مع الأهل تبقى إلى سنوات، هم يحاولان الإصلاح بعد فوات الأوان.
إن على المؤمن أن يطلب من الله، في مواطن الإجابة، هذا الدعاء المنسوب إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لعل الدعاء بهذا المضمون: (اللهم!.. لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أبدا.. اللهم!.. لا تردنا إلى سوء استنقذتنا منه أبدا.. اللهم!.. لا تسلب منا صالح ما أعطيتنا أبدا).
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.