لا شك أن الذين هم في قمة عالم السعادة، والذين يشرحون لنا سبيل السعادة، هم أئمة أهل البيت عليهم السلام.. وفي حديثٍ صريحٍ للإمام الصادق -عليه السلام- يصف لنا طريق السعادة، وهم الذين يعرفون كيف يحقق الإنسان السعادة في الوجود، يقول الصادق (عليهِ السلام): (ما كل من أراد شيئاً قدر عليه، ولا كل من قدر على شيء وفق له، ولا كل من وفق أصاب له موضعاً.. فإذا اجتمع النية والقدرة والتوفيق والإصابة، فهناك تمت السعادة).. ما كُلُ من أراد شيئاً قدر عليه، هذه مسألة واضحة: أن المؤمن يحدد دائرة الطموحات لديه، فهنالك بعض الآمال ليست لها قيمة كبيرة.. مثلاً: بعض الناس يعيش في منزل مستأجر، فأمنيتهُ في الحياة أن يمتلك بيتاً، أو شقةً، أو عقاراً، فيرى هذهِ الأمنية أغلى أمنيات الوجود.. والحال بأن الأمر ليس كذلك، لأن بني آدم في كثير من الأحيان يبني لنفسهِ قصوراً وهمية.. أما سيد الشهداء -صلوات الله وسلامهُ عليه- فإنه يطلب من الله -عز وجل- الحاجة التي أن أعُطي، لم يضرهُ ما منع (اللهم!.. حاجتي إليك التي إن أعطيتنيها لم يضرني ما منعتني، والتي إن منعتنيها لم ينفعني، ما أعطيتني أسألك خلاص رقبتي من النارِ).
فإذن، إن الخطوة الأولى في طريق السعادة، أن يحصر الإنسان همتهُ في أمرٍ معقول، وهذا الأمر المعقول نستفيدهُ من كتاب الله -عز وجل- وهي تحقيق العبودية.. فالإمام الصادق -عليه السلام- يقرر مبدءاً أول، وهو: ما كل من أراد شيئاً قدر عليه، ولا كل من قدر على شيء وفق له.
أيضاً لابد أن نعرف أن الشيء قد ينال، ولكن هذا الشيء الذي نالهُ الإنسان، لا يكون مقدمةً للتوفيق.. في نيشابور هناك قبر امرأة تسمى “شطيطة”، ما قيمة هذهِ المرأة؟.. إنها امرأة مجهولة في التاريخ، ولكن بعثت أموالها للإمام الكاظم عليه السلام، وإمام زمانها قبل هذا المال.. إنه مال بسيط، ولكنهُ وقع موقع القبول (اجتمعت عصابة الشيعة بنيسابور، واختاروا محمد بن علي النيسابوري، فدفعوا إليه ثلاثين ألف دينار وخمسين ألف درهم وشقة من الثياب، وأتت شطيطة بدرهم صحيح وشقة خام من غزل يدها تساوي أربعة دراهم، فقالت: إن الله لا يستحيي من الحق…).. وأما أمثال قارون الذي كانت الحماميل تحمل مفاتح خزائنهِ {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ}.. فالإنسان قد يحقق الأمنية، ولكن هذهِ الأمنية لا تعتبر توفيقاً له.. ولا كل من وفق، أصاب لهُ موضعاً.. إذن، أين السعادة؟.. يقول (عليه السلام): (فإذا اجتمع النية والقدرة والتوفيق والإصابة، فهناك تمت السعادة).. عندما تكتمل هذهِ الحلقات جميعاً، بدءاً بالنية والقدرة والتوفيق والإصابة، فهنالك تجب السعادة.
إن الإنسان لا هو مسير ولا هو مجبر، الأمر (لا جبر ولا تفويض، ولكنْ أمرٌ بين أمرين).. نعم نحن نختار ما نشاء، ونفعل ما نشاء، ورب العالمين مكننا من الأسباب.. ولكن كما يقال: لله -عز وجل- ما يعبر عنهُ هذهِ الأيام في عرف الدول بحق النقض، إذا أراد أن يقطع شيئاً قطعهُ، ولا يتمم سببيتهُ.. والدليل على ذلك: أن المزارعين في كثير من البلاد، لا يطمئنون من إنتاجهمِ!.. صحيح هم بذروا البذرة وانتهى الأمر، ولكن الرياح والشمس والمطر والآفات، كل هذهِ الأمور بيد رب العالمين.. فإذن، إن التوفيق هو من أسباب السعادة، لذلك المؤمن في وضعيتهِ مع رب العالمين، يطلب من الله -عز وجل- أن يتمم سببية الأسباب.. (يا سبب من لا سبب له!.. ويا مسبب كل ذي سبب!.. ويا سبب كل ذي سبب!.. ويا مسبب الأسباب من غير سبب)!..
ما هي القواعد العامة، أو المعالم العامة لكسب السعادة؟..
– النفحات العبادية.. هنالك قضية لابد أن نلتفت إليها، وهي أن العبادات؛ المستحبات والواجبات، لها أنوار، هذهِ الأنوار قد لا نلتفت إليها في الحياة الدنيا.. بعض الروايات الملفتة، التي قد تغير مسيرة الإنسان منها هذهِ الرواية: ورد عن الصادق (ع) أنه قال: (إذا قام المصلي للصلاة نزلت عليه الرحمة من أعنان السماء إلى أعنان الأرض، وحفت به الملائكة، وناداه ملك: لو علم المصلّي ما في الصّلاة؛ ما انفتل)، وفي حديث آخر لعلي (ع): (لو يعلم المصلّي ما يغشاه من جلال اللَّه، ما سرّه أن يرفع رأسه من السجود).. كلمة يغشاهُ يفهم منهُ حالة من حالات الإصابة الشاملة، كأنهُ من رأسهِ إلى قدمه يغشاهُ جلال الله عز وجل.. لو يعلم ما انفتل؛ أي ما ترك صلاته، وبقي في حالة الصلاة تلذذاً بهذهِ الحالة.. هنا المعصوم كشف حجاباً حول الصلاة، والكلام نفسهُ يقال عن الصوم، قال رسول الله (ص): (قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به).. والحج ضيافة رب العالمين؛ فلكل عبادة من العبادات لها نور.. ومن هنا الذي يريد السعادة الكاملة، عليهِ أن يستمتع بنفحات كل العبادات والطاعات، لا ينتقص واجبا ولا مستحباً؛ لأن لكل عبادة -كعالم الفيتامينات في عالم الطبيعة- علقة من هذهِ السعادة.. مثلا: الذي لا يستمتع بنفحات صلاة الليل، هنالك نقص كبير عندهُ في السعادة.. من المعروف أن قيام الليل من موجبات هبوب نسمة من نسمات الرحمة الإلهية، التي يمتد أثرها في النهار.. أهل القيام في الليل هم من أهدأ الناس نهاراً؛ لأنهُ قبل سويعات اختلى مع رب العالمين، فإذا واجه مشكلة مع أحد لا يتنزل إلى مستواه {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا}.. هذهِ خاصية حقيقة من الصعب العمل بها، الآية واضحة وصريحة، ولكن الإنسان في مقام العمل قد يثار بأدنى مثير.
فإذن، إن الذي يريد السعادة عليه أن يتعرض لهذهِ النفحات.. قد تؤدي العمل، ولكن هذا النسيم -نسيم الرحمة الإلهية- لا يهبُ عليكَ دائماً.. قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إن لله في أيام دهركم نفحات، ألا فتَعرَّضوا لها، فلعلّ أحدكم تصيبه نفحة، فلا يشقى بعدها) هذهِ النفحات الخاصة.. نعم هي قضية غير مبذولة دائماً، ولهذا في الحديث يقول: (ألا فتعرضوا لها)، تعرض لهذهِ النسمات؛ لأنك لا تعلم متى تهبُ عليك نسائم الرحمة؟!..
– العدالة.. إن من الأبحاث المهمة في هذا المجال بحث الظلم والعدالة، الإنسان الظالم لنفسهِ أو لغيرهِ؛ هذا الإنسان بعيد كل البعد عن موجبات السعادة.. الظلم لهُ شعبتان: ظلم النفس، وظلم الغير.. الإنسان إما يتعامل مع نفسهِ: عبادتهُ؛ صلاتهُ، وقيامهُ، هي حركة بينهُ وبين نفسهِ، متعلقة بالله -عز وجل- ولكن هي حركة مع نفسه.. وإما حركة مع غيره: فيتعامل مع نفسهِ في محضر الله -عز وجل- أو يتعامل مع غيره.. الذنوب التي لا تمس الغير: كالنظر المحرم؛ فالإنسان الذي نظر إلى منظر محرم، هو لم يعتد على أحد، ولم يأخذ مال أحد، ولم يدخل الأذى على قلب أحد.. في جوف الليل، حيث الناس نيام، يرفع يديه إلى السماء، ويقول: إلهي!.. العفو، هذا مقام العائذُ بكَ من النار، هذا مقام الخائف بك من النار، ويبكي في هذا الليل.. فالنظر المحرم ظلم، والقرآن يعبر عن هذا بأنهُ ظُلمٌ للنفس: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ}، لماذا يسمى ظُلماً؟.. لأن الإنسان بهذهِ الحركة يؤخر مسيرتهُ التكاملية.. اعلموا أن كل معصية من المعاصي، هي حركة إعاقة لمسيرة الإنسان في قربهِ إلى الله تعالى.
فإذن، إن الخطوة الأولى في دفع الظلم؛ ترك المعاصي والذنوب بكل صورها وأشكالها.. أحد العلماء الكبار من المراجع لهُ تعبير جميل يقول: (أتركوا الحرام وأقاربهُ)، قد يكون الشيء غير محرم، ولكنهُ يجرك إلى الحرام بعد فترة؛ كالحديث مع النساء.. طبعاً إذا كان الحديث فيهِ إثارة، يدخل في دائرة الحمى الشرعي، ولكن (من حام حول الحمى، أوشك أن يقع فيها).. مثلا: إنسان يستمع إلى الأخبار، وينظر إلى المذيعة وهي في وضع غير لائق.. فالمؤمن أجلّ من أن يصرف نظرهُ أو يتوجه لمثل ذلك، وقد يقول قائل: وما الإشكال في ذلك، إنها نظرة بريئة؟.. الجواب على هذا التساؤل: إن هذا الأمر ينطبق عليه قول ذلك العالم: هذا ليس بالحرام، ولكنهُ من أقارب الحرام.
نحن في تعاملنا مع مفردات الدنيا، نعمل بهذا القانون تماماً.. وما يستدعي الضحك، هو أن بعضهم لا يأكل لحماً من دولةٍ ما، لأنهُ جاء في الأخبار -مثلاً- أن هناك حالة من حالات أنفلونزا الطيور في بلدة بعيدة، وهو هنا يقاطع تلك الدولة في عالم الدنيا، في عالم الأضرار المادية هكذا نعمل.. والبعض يرمي المأكولات؛ لأنهُ مضى من تاريخهِ يوم واحد، وكأن في هذا اليوم الواحد تحول المادة إلى سم قاتل، فيرميه في سلة المهملات.. نحنُ هكذا في تعاملنا مع مفردات الحياة الدنيا، ولو أخطأ وأكل، فإنه يؤدي إلى مرض بسيط يوم أو يومين وينتهي الأمر.. أما عندما يصل الأمر إلى الاحتياط الشرعي؛ فإن الإنسان يمشي على حافة الشريعة، ويقول: هذا سوق المسلمين، فيغمض عينهُ ويأكل، وهو يكاد يقطع بأن هذا العنوان “سوق المسلمين” فيهِ ما يوجب القطع بخلافه.. وهكذا في باقي موارد التكليف.
فإذن، إن ظُلم النفس هذا هو العنوان الأول، الموجب لسلب سعادة الإنسان.. ولكن نحنُ مبتلون أيضاً بظلم الغير، وهنا بيت القصيد: غير المتزوجين من ناحية هنيئاً لهم، ليس من كل النواحي، لأن صلاة المتزوج بسبعين ضعف، وهذا يكفي كرامة للمتزوجين.. ولكن من ناحية، فإن غير المتزوج؛ العتاب والعقاب الإلهي مسدودٌ عليه.. هنالك منطق خاطئ عند بعض الشباب، حيث أنه يؤخر الزواج، بدعوى أنه يخاف من الوقوع في أخطاء أو هفوات في التعامل مع هذهِ الزوجة المسلمة المستقبلية.. وهذا ليس بمنطق!..
أول ظلم يقع فيه الإنسان، هو ظلم الزوجين أحدهما للآخر.. فمع بقاء هذا الظلم في الحياة الأسرية، فإن الإنسان يبني بنيانهُ على أرضٍ ملحية: قيامه في الليل، وعبادته، وإنفاقه؛ كل ذلك إذا لم يكن على مستوى أن الأرض صلبة من جميع الجهات؛ فإن رب العالمين قد يحبس أدعيته، بسبب هذا الظلم الذي نستصغره.. وهذا الاستصغار يأتي من كون الظلم الزوجي في مجالٍ مغلق، فالإنسان عادة قد لا يظلم، ولا يتجاوز الحدود خوفاً من رقابة الغير.. فالمتقي هو ذلك الإنسان الذي لو أُخبر أن هنالك كاميرا خفية، تبثُ أعماله صباحاً ومساءً لكل الفضائيات الأرضية المعروفة، يقول: الأفضل أن لا تفضحوني؛ ولكن إن كان ولابد أنا لا أخشى من شيء.. أنا من الصباح إلى الليل ليس عندي ما أخافُ من أجله.. الكاميرا الخفية المرتبطة بالقنوات الفضائية هكذا، توجب الرعب عندَ الإنسان!.. فكيف بالكاميرا الإلهية الذي لا يخفى عليها خافية؟.. في مناجاتنا مع رب العالمين نعتذر هذا الاعتذار: (ما عصيتك إذ عصيتك وأنا بك شاك، ولا بنكالك جاهل، ولا لعقوبتك متعرض.. ولكن سولت لي نفسي)، نعترف هكذا اعتراف.. فربُ العالمين ببركة هذا الاعتراف، من الممكن أن يتجاوز عنا.
كيف نتجاوز الظُلم الزوجي؟..
أولاً: النظر إلى الزوجة على أنها أمانة الله.. مع الأسف أغلب الشباب عندما يتزوجون، نظرتهم للزوجة ليست النظرة التي يريدها الله ورسوله.. أحد العلماء كان يقول: البعض يفصل في آداب الزيارة؛ الغسل، وأذن الدخول، وماذا تعمل في الحرم، وآداب الوداع.. هذا العالم يقول: أنا اختصرت آداب الزيارة في كلمة واحدة، ومن هذهِ الكلمة تتفرع كل هذهِ التشعبات.. قال: أن تعرف حياة المزور.. إن هذا المزور حيٌ يراك، هذا المزور ليس بميت.. فالذي يعتقد أن المزور حي، ويلتفت إلى حركات الزائر.. فإنه من الطبيعي أن يتأدب في مشيه، ويتطيب، ويغتسل، ويودع بتوجه.. إلى آخرهِ من الآداب.
بالنسبة للحياة الزوجية: من أراد أن لا يتعدى على زوجته، يكفي أن نعتقد بأن هذهِ أمانة إلهية بأيدينا.. هي لها رب؛ كما أن للزوج ربا، أي هنالك من يدافع عنها، {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}.. متى يدافع الإنسان عن عبدهِ؟.. يدافع عنهُ إذا ظُلم، وخاصة إذا لم يجد لهُ ناصراً إلا الله عز وجل.. إن بعض النساء عند الإحساس بالظُلامة تنكسر، وتدعو من دون إحساس.. فأول ما تدعو على الزوج، إذا لم تجد أملاً في الإصلاح تقول: اللهم!.. أنت تولى أمرهُ، أو أوكلت أمرك إلى الله عز وجل.. أي يا رب أنت تنتقم منه!.. إن هذا التهديد لا يستعمل إلا للعتاة، وللمردة، ولطواغيت الأرض.. حتى المؤمن العادي، إذا ظلمك بظلم، لا تستعمل هذهِ الورقة الحارقة: أن توكل أمرهُ لله -عز وجل- وخاصة عندما تنقطع بكَ السُبل.. إن هذا الدعاء قد يقع موقعهُ بشكلٍ مُذهل.. ولهذا فإن أول وآخر خطوة في هذا المجال، أن يلتفت الإنسان إلى أن هذهِ أمانة.
مع الأسف إن الكثير من الرجال، لم يعرف معنى هذهِ الآية: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء}، وفي مقام العمل قد يُعطي صورة فنية لهذهِ الآية.. بعض النساء غير المؤمنات أمنيتهن لو تُحذف هذهِ الآية من القرآن الكريم، ولو كان لهن سبيل إلى جبرائيل، لقدموا طلبا جماعيا: يا رب، هذهِ الآية ارفعها من كتابك.. هذهِ الآية لعلها من أثقل الآيات على قلوب النساء!.. والحال بأن {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء}، ليس فيها معنى الملكية، ولا الاسترقاق، ولا الاستعباد.. أي عبوديةٍ؟!.. {قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء}؛ بمعنى الإدارة في الحياة الزوجية: الرجل يكتسب المال، فهو الممول، وهو الذي يرتب شؤون العائلة.. ليس بمعنى التسلط الكامل، والدليلُ على ذلك هذا الدعاء الجميل؛ حيث أنه يستحب للمؤمن في ليلة الزفاف، أن يدعو بهذا الدعاء.. وهو ميثاق أخلاقي وعائلي، ويا ليت هذا الميثاق يقدم للأمم المتحدة: أي أن هذا هو منطق المؤمن، وهذا منطقُ الإسلام، هذه نظرتي إلى المرأة؛ لأن هنالك نظرة سوداوية للإسلام: أن الإسلام لا يُعطي للمرأة حقها.. الخ.. ولكن أنظروا إلى منطق المؤمن!.. في تلك الليلة هذا شعار المؤمن: يستحب زف المرأة وإدخالها على زوجها ليلاً، ويستحب للزوج صلاة ركعتين عند ذلك، وأن يدعو بالمأثور، وقد ورد عدة صور لذلك، ومنها أن يأخذ بناصيتها وهو مستقبل القبلة ويقول: (اللهم!.. بأمانتك أخذتها، وبكلماتك استحللتها.. فإن قضيت لي منها ولداً، فاجعله مباركاً تقياً من شيعة آل محمد، ولا تجعل للشيطان فيه شركاً ولا نصيباً).. أي هذهِ امرأة أجنبية، لم تجعل لي عليها قوامة، ولكن عندما هي قالت: زوجتك نفسي، فبكلماتك استحللتها.. الوصي هو رب العزة والجلال، ثم يقول: يا رب هذا مشروع مقدس.. أنا أريد من هذا المشروع ولداً، فاجعلهُ مباركاً تقياً من شيعة آل محمد.. أنظروا إلى الهدف السامي؛ تزوجت هذهِ المرأة لا لأستمتع بها فقط، ولا لأستخدمها في المنزل فقط.. إنما أخذتها لتكون أماً لمن ينصر دينك، لمن ينصر وليك.. يا لها من أهداف سامية!.. ويقول: يا رب لا تجعل للشيطان سبيلاً على هذا المولود، الذي سيأتي في الطريق.
إن الذي يشتكي هذهِ الأيام من عدم صلاح الذرية، ومن العقوق.. الخ.. لو دعونا بهذا الدعاء بتلك الليلة؛ فإن رب العالمين لهُ أساليبهُ في ربط القلوب وفي التثبيت.. ولكن برجاء المطلوبية، ما المانع من أن تضيف دعاء آخر من القرآن الكريم: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}؛ أي يا رب هي هبة.. يا رب، ليس عندي ما أعطيك.. تربيتي لهُ قد لا تحرز النتائج.. فالذي يريد أن يؤسس حياة زوجية سعيدة لا ظلم فيها، عليه أن يجتنب القضية من أول الأمر.
ثانياً: سياسة الدفع بالتي هي أحسن.. إن كلا من الزوج والزوجة معدن مختلف عن الآخر، وكل منهما فاكهة مختلفة عن الأخرى، والآن اجتمعا.. لذا، لابد من سياسة التوافق والتنازل؛ لأن كل واحد له مزاج مختلف: هذا مزاجه حار، وهذا مزاجهُ بارد.. هذا مزاجهُ منطقي، وهذه مزاجها شاعري.. هذا مزاجهُ أخروي، وهذا مزاجهُ دنيوي.. ولهذا الأبوان اللذان يحبان تزويج أولادهم، يدعون الله -عز وجل- بالتوافق، وإلا طالما كان هناك زيجات بين مؤمن ومؤمنة في أرقى درجات الإيمان، ولكن بعد أيام تم الانفصال لعدم توافق الطبائع والأمزجة.
فإذن، إن هذهِ حياة أمزجة مختلفة، وسياسة الدفع بالتي هي أحسن، من موجبات ضمان هذهِ السعادة الأسرية.. فلا الزوج هو الرجل المثالي، ولا هي الزوجة المثالية.. لماذا النظر على أنك أنت المثالي، وهي دون مستوى المثالي؟.. لابد من سياسة الكسر والانكسار، والذي لا يتبع هذهِ السياسة، قد يقع في المطب يوماً ما.
ثالثا: سياسة الأسوة.. البنت والولد ينظران إلى الأبوين تلقائياً على أنهما المثال الأكمل، وخاصة الطفل الصغير الذي لم ير عالماً، ولم ير مجتهداً، ولم ير مربياً؛ فيفتح عينهُ على هذا الوضع الموجود.. قد يقول الوالدان: إن الطفل لا يفهم، نحن الآن في زاوية البيت، تعاركنا وتكلمنا بما لا يليق.. إن هذا الطفل يتذكر!.. نعم الأطفال في هذا العصر بالخصوص في منتهى الذكاء.. يحفظون كل صغيرة وكبيرة كمعلومات أولية خام، فإذا أصبح بالغاً يأخذ ويحدد ويقول: أبي قال: كذا، وأمي تحملت ظلمهُ.. هو ظالم.. إذن، الآن وهو بالغ يعيش حالة الابتعاد والحساسية من أبيه أو العكس.. كاميرا تجعل كل ما يراه ويسمعه في الأرشيف، ولكن في يوم من الأيام يفتح هذا الأرشيف، ليأخذ قرارهُ.. ولطالما تأخذهُ العواطف السلبية، في أن يظلم أباه أو يظلم أمه.
ومن هنا فإن بعض أنواع انحراف الذرية، يعود للأبوين.. إذا كان الأب يعلم أن ولده قد يقع في الحرام إذا لم يزوجه وهو قادر، والولد غير قادر.. فيأثم الأب إذا لم يزوج ولده، وإذا صار العنت أو خشي من الوقوع في الحرام، وبلغ هذه الدرجة؛ فلا بد أن يزوجه.. أب صالح يأتي يوم القيامة، ويظن أنهُ سيدخل الجنة بلا حساب، وإذا به يقف في موقف من مواقف القيامة، يقال لهُ: قف هذا سهمك من زنا فلان.. كما أن هنالك موقفا من مواقف يوم القيامة، يقال فيها للإنسان: هذا سهمك من دم فلان.. وهذهِ الرواية من الروايات التي تبعث الخوف في نفس الإنسان الذي يعتقد بالقيامة.. قال الباقر (ع): (يُحشر العبد يوم القيامة وما ندا دماً، فيُدفع إليه شبه المحجمة أو فوق ذلك فيُقال له: هذا سهمك من دم فلان، فيقول: يا ربّ!.. إنك لتعلم أنك قبضتني وما سفكت دماً، فيقول: بلى، سمعتَ من فلان رواية كذا وكذا فرويتها عليه، فنُقلت حتى صارت إلى فلان الجبّار فقتله عليها، وهذا سهمك من دمه).. فلان قتل في الدنيا، {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا}.. كما أن الإنسان يوم القيامة يفاجئ ببعض المحرمات التي لم يرتكبها، قد يُفاجئ بمثل هذهِ المواقف.. إذن من يلتفت إلى هذهِ المواقف المَهولة في عرصات يوم القيامة، يحاول أن يخفف من ظُلمهِ.. بل يزيله، سواء مع نفسهِ أو مع غيره.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.