إن السعادة من موجباتها عدم تحمل ظلم العباد، ومن قنوات الظلم الرئيسية هذهِ الأيام، ظلم الإنسان لمن تحت يديه، خاصة في الحياة الزوجية؛ لأنه هذهِ هي الحلقة التي من خلالها يمكن للشيطان أن ينفذ لحياة المؤمن.. ساعد الله مؤمناً لا يجد سكناً في بيته!.. فالنبي الأعظم -صلى الله عليه وآله وسلم- عندما ماتت خديجة عليها السلام؛ كان ذلك العام عام حُزن للنبي؛ لأنه كان يعاني ما يعاني من قريش، ولكن عندما يرجع إلى المنزل، تكون خديجة إلى جانبه.. رغم أن النبي أنسهُ بالله عز وجل، ولكن وجود زوجة كخديجة -عليها السلام- كان من العناصر المطمئنة.. ومن هنا كان النبي (ص) يكرم بعض النساء في المدينة؛ إكراماً لخديجة (ع)؛ لأنها من صديقات خديجة.. وأمير المؤمنين -صلوات الله وسلامهُ عليه- اشتدت مصيبتهُ عند فقد الزهراء عليها السلام، ولهذا لسان حالهِ أو مقاله:
نفسي على زفراتها محبوسة *** يا ليتها خرجت مع الزفرات
لا خير بعدك في الحياة وإنما *** أبكي مخافة أن تطول حياتي
فإذن، إن الزوجة الصالحة في المنزل، خير معين على طاعة الله ورسوله.
إن من موجبات التحمل والصبر على الأذى الزوجي: أنه لا يتصور أن يكون زوجان متطابقين في كل أنواع المزاج في مختلف الحقول، هنالك اختلاف في وجهات النظر، أو في المستوى الفكري، أو في المزاج الباطني، أو في الرؤيا الحياتية، حتى في تربية الأولاد.. في المدارس الرسمية هنالك اختلاف بين التربويين، حول استعمال أسلوب الشدة والقسوة، واستقر الأمر على عدم استعمال الشدة والقسوة في المدارس.. ولكن البعض يقول: بعض صور التنبيه، أو صور العقوبات المعقولة، من موجباتِ ضبط الجو التربوي.. أيضاً قد يقع مثل هذا الخلاف حتى في الحياة الزوجية بالنسبة إلى تربية الأطفال.. ومن هنا يقع الزوجان في مطبٍ خطير: تتقمص الأم دور الشفيقة الحنونة، ويتقمص الأب دور الشديد.. من الطبيعي أن يميل الأولاد إلى الأم، وبالتالي الأب يفقد صلتهُ القلبية مع الأولاد.. وهنا أول الدمار؛ الطفل أو الولد إذا لم يحترم أباه قلباً وحباً، هذا الأب لا سلطان لهُ على أولاده.. ولو أطعمهم العسل، وألبسهم الديباج، وأعطاهم ما في خزائنه من الأموال.. ما دام العلقة النفسية علقة متوترة، لا ترجو خيراً من هذا الولد؛ أي لا تتوقع منهُ الامتثال، فهو يتحايل عليك، ويأخذ منك كل المزايا، ولا يعطيك شيئا في مقام العمل.. أو العكس، يتقمص الأب دور الحنون، والأم دور الأم القاسية.. وهنا تقع نفس المشكلة، لذا لابد من التوافق والانسجام في هذا المجال.
إن الإنسان لو يأس من الإصلاح، ورأى الزوجة تعيش في عالم آخر، ولا يمكن جلبها إلى دائرة الاستقامة؛ اجعل هذا صبراً على البلاء.. وكذلك العكس، كذلك صبر الزوجة على أذى زوجها.. بعض الناس رسم في باله أمنية خاطئة أنه: يا رب!.. أريد حياة هنيئة من كل الجهات.. هو لا يقول، ولكن توقعهُ: يريد زوجة مطيعة، ودار وسيعة، ودابة سريعة، وذُرية طيبة، ورأس مال وسيع، وحُسن الذكر، وشفافية القلب، ويريد.. ويريد.. إذا كان الأمر كذلك، لتحولت الدنيا إلى جنة.. عن حديث للإمام السجاد (ع): (… مَن طلب الغنى والأموال والسعة في الدنيا، فإنما يطلب ذلك للراحة.. والراحة لم تُخلق في الدنيا ولا لأهل الدنيا، إنّما خُلقت الراحة في الجنّة ولأهل الجنّة.. والتعب والنصب خُلقا في الدنيا ولأهل الدنيا).. وفي حديث آخر: أوحى الله تعالى إلى داود (ع): (…ووضعت الراحة في الجنة، وهم يطلبونها في الدنيا فلا يجدونها).
إن الراحة التامة هذهِ الراحة غير موجودة في الدنيا، الأنبياء والأولياء أكثر الناس بلاءاً في هذهِ الحياة الدنيا.. إذن، المؤمن الذي يتوقع المشاكل، ويتوقع الأزمات؛ هذا الإنسان لا يُفاجأ بالأزمات بل يتحمل بكل صدرٍ رحب.. إن عادا كانت بلادهم في البادية من المشرق إلى الأجفر أربعة منازل، وكان لهم زرع ونخل كثير، ولهم أعمار طويلة، وأجسام طويلة، فعبدوا الأصنام، وبعث الله إليهم هودا يدعوهم إلى الإسلام، وخلع الأنداد فأبوا ولم يؤمنوا بهود، وآذوه فكفت السماء عنهم سبع سنين حتى قحطوا.. وكان هود زراعا، وكان يسقي الزرع، فجاء قوم إلى بابه يريدونه فخرجت عليهم إمرأة شمطاء عوراء، فقالت: من أنتم؟.. فقالوا: نحن من بلاد كذا وكذا، أجدبت بلادنا، فجئنا إلى هود نسأله أن يدعو الله حتى يمطر ويخصب بلادنا، فقالت : لو استجيب لهود لدعا لنفسه، وقد احترق زرعه لقلة الماء.. قالوا: فأين هو؟.. قالت: هو في موضع كذا وكذا، فجاؤوا إليه فقالوا: يا نبي الله، قد أجدبت بلادنا، ولم يمطر.. فسل الله أن يخصب بلادنا، ويمطر.. فتهيأ للصلاة، وصلى ودعا لهم فقال لهم: ارجعوا فقد أمطرتم وأخصبت بلادكم، فقالوا: يا نبي الله، إنا رأينا عجبا!.. قال: وما رأيتم؟.. قالوا: رأينا في منزلك امرأة شمطاء عوراء، قالت لنا: من أنتم ومن تريدون؟.. فقلنا: جئنا إلى هود ليدعو الله لنا فنمطر، فقالت: لو كان هود داعيا لدعا لنفسه، فإن زرعه قد احترق.. فقال هود: ذاك أهلي، وأنا أدعو الله لها بطول البقاء.. فقالوا: وكيف ذلك؟.. قال: (لأنه ما خلق الله مؤمنا إلا وله عدو يؤذيه، وهي عدوي.. فلئن يكون عدوي ممن أملكه، خير من أن يكون عدوي وممن يملكني).. وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لو أن رجلا مؤمنا كان في قلة جبل، لبعث الله من يؤذيه ليأجره على ذلك).. أي إن كان ولابد من البلاء، فإن أحسن البلاء الزوجة غير الصالحة.. وذلك لأن الزوجة إذا تمادت من الممكن إيقافها: بكلمة، أو بمال، أو برشوة، أو بتحريك الأولاد عليها، فهي داخل دائرة السيطرة.. أما إذا كان العدو إنسانا سلطانا غشوما.. كيف للإنسان أن يسيطر عليه؟.. إنه منطق جميل!..
فإذن، إن الدرس العملي من هذهِ الرواية، وأمثال هذهِ الروايات: أن المؤمن دائماً يتوقع الأسوأ.. ومن هنا الطبيب الحاذق -مع الأسف الأطباء هذهِ الأيام بعض الأطباء مهمتهُ كتابة الوصفة وانتهى- بينما في قديم الأيام حيث الطب الشعبي الإسلامي، كان الطبيب يتكلم مع المريض ويهدئهُ.. وكان يعطيه بعض المحتملات القاسية، يقول: إنك هذهِ الليلة ستبتلى بحمى لا تطاق -مثلاً- حتى إذا ابتلى بحمى بسيطة، يتحمل ذلك.. دائماً سياسة توقع الأصعب، تسهل على الإنسان تحمل الأسهل.. هذهِ قاعدة لابد أن ننتبه إليها.. طبعاً البعض يقول: هل هذا البلاء شيء إيجابي؟.. الزوجة السيئة شيء إيجابي؟.. طبعاً ليست شيء إيجابي.. القانون العام: أسأل الله العافية، دائماً سل الله العافية!.. ولهذا بعض المغرورين من بعض الناس حتى من الصالحين، يقول: يا رب!.. أنا وصلت إلى مرحلة عالية من الإيمان -يستعرض عضلاتهُ أمام الرب- يا رب، اختبرني بما شئت، أنا سوف أقاوم.. وإذا ابتلاه رب العالمين ببلية، ليس فقط يأخذ درجة هابطة، بل يأخذ ما تحت الصفر؛ لأنهُ اعتمد على حولهِ وقوته.. (غير أن عافيتك أوسع لي).. لذا لابد لنا بين وقت وآخر، أن نقول بالسجود الأخير في الصلاة: (يا ولي العافية!.. نسألك العافية؛ عافية الدين والدنيا، وعافية الآخرة).. هذا شعار المؤمن دائماً وأبداً!..
إن من موجبات السعادة عدم الظلم.. والظلم هو: ظلم النفس، وظلم الغير؛ ظلم الزوجة، وظلم الأولاد، وظلم المجتمع، وظلم الأرحام، وظلم الوالدين.. فإذن، إن التعدي على الزوجة من صور الظلم.. وبالتالي، فإن من موجبات تحقيق السعادة الزوجية، ومن موجبات تثبيت العلاقة أيضاً، الالتفات إلى مقام الانتقام الإلهي لعبده.. كما نعلم من الروايات أن المؤمن بنيان الله في الأرض، وكما ورد عن الإمام الصادق (ع): (المؤمن أشرف من الكعبة)؛ الكعبة منظرٌ حجري يرمز إلى الله عز وجل، وهذا المؤمن مظهرٌ روحي، هذا المؤمن الكعبة الناطقة، هذا المؤمن يتلو آيات الله عز وجل.. فالتحرش بالمؤمن، وخاصة إذا كمُلَ في إيمانهِ؛ أمرٌ خطير.. ولهذا المؤمن يخاف من الظلم، فالظلم مثلهُ كمثل سحابة من عذاب.. قديما كان رب العالمين عندما تتراكم السحب، ينزل العذاب دفعةً واحدة.. قد يظلم الإنسان زوجته مئة مرة، ورب العالمين يصبر، وفي اللوح المحفوظ مكتوب: إذا وصل الظلم إلى مئة وواحد، أنزلوا على عبدي العقوبة.. قد تقول الزوجة لزوجها: أتقِ الله عز وجل بي!.. فيتبجح ويقول: أنا ظلمتكِ حقيقةً، ولكن أنت ليس لديكِ كرامة عند الله، لأنه لو كان لكِ كرامة؛ لعاقبني الله عز وجل.. هذهِ كلمة خطيرة جداً!.. ففي يوم من الأيام يبلغ النصاب حدهُ.. رب العالمين بناؤهُ بعض الأوقات على تعجيل الانتقام.. ما روي عن [الحسين] بن أبي العلا أيضا، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ جاءه رجل، أو مولى له، يشكو زوجته وسوء خلقها.. قال: فأتني بها!.. فأتاه بها.. فقال [لها]: ما لزوجك يشكوك؟.. قالت: فعل الله به وفعل.. فقال لها: (إن ثبت على هذا لم تعيشي إلا يسيرا).. قالت: لا أبالي أن لا أراه أبدا.. فقال له: (خذ بيد زوجتك، فليس بينك وبينها إلا ثلاثة أيام).. فلما كان اليوم الثالث، دخل عليه الرجل.. فقال (عليه السلام): (ما فعلت زوجتك)؟.. قال: قد -والله- دفنتها الساعة.. قلت: ما كان حالها؟ قال: (كانت معتدية، فبتر الله عمرها، وأراحه منها)..
فإذن، إن رب العالمين في قرار إلهي سريع، يقلب أمور الإنسان رأسا على عقب، فأمرهُ بين الكافِ والنون.. ولهذا بعضهم يرى إنسانا سليما معافى في قمة العافية، وإذا بهِ يسقط في جلطة دماغية.. الخ.. نعم العالم عالم الأسباب.. فالذي قتلهُ، هو تخثر الدم في دماغه.. ولكن ما الذي سخر هذا الدم؟.. من الذي بعث لهُ هذهِ الجلطة؟.. {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}.. وعليه، فإن الإنسان عليهِ أن يخشى من هذهِ الناحية.. ما المانع قبل النوم، أن يصفي الزوجان ما بينهما من خلافات أو سوء فهم؛ كي يبدءوا نهارا جديدا؛ لأن النهار إذا بدأ بالمشاكسة، فإن الإنسان طوال النهار يبقى متوترا!.. كم من الجميل أن يبدأ نهارهُ؛ لا بشربة من القهوة والشاي، وإنما بالصفاء بين الزوجين!..
وبالتالي، فإن من موجبات الحذر والاحترام في هذا المجال، الالتفات إلى الانتقام الإلهي.. قد يقول إنسان: أنا إنسان على كل حال عندي معاصي، وعندي ذنوب، وصار لي سنوات أموري مستقرة.. في روايات أهل البيت -عليهم السلام- هنالك ما يدل على أن لله -عز وجل- أنواعا من السياط.. لهُ سياط مختلفة: عقوبة بدنية، وعقوبة مالية، وذلة اجتماعية.. الخ.. ولكن السوط الأشد هو قسوة القلب، كما ورد في روايات أهل البيت -عليهم السلام- (ما ضرب الله عبدا بعقوبة، أشد من قسوة القلب)!.. قلبهُ قاس: يصلي لا يخشع، في الحج الناس في يوم عرفة يبكون كل واحد بحسبهِ، وهذا نائم بالخيمة يرتفع شخيرهُ.. طبعاً هذا بلاءٌ ما وراءهُ بلاء!.. في ليلة القدر كأنما أراد أن يغمى عليه من شدة النعاس؛ في دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام: (إلهي!.. ما لي كلما قلت: قد تهيأت وتعبأت وقمت للصلاة بين يديك وناجيتك، ألقيت علي نعاسا إذا أنا صليت).. ليس كل نعاس منشأهُ إفرازات غدة النوم بالمخ، هنالك نعاس إلهي كما في القرآن الكريم: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ}، بالنسبة للمسلمين في بعض الغزوات رب العالمين ألقى عليهم النوم ليريحهم.. النوم من جنود الله عز وجل، يلقيه على العبد: إما إكراماً، وإما عقوبةً.. فإذن، إن الاحتراز في هذا المجال جيد.
إن هناك إنسانا كان لهُ طبعٌ جميل: كلما وقع في بلية ولو صغيرة: فقد ديناراً، أو فقد بضاعة بسيطة، أو أصيب بحادث بنحو الخدشة في سيارته.. قبل أن يتأفف ويقول: لم؟.. وكيف؟.. حتى لعله إذا سقط شيء في المنزل وانكسر، قبل أن يتبرم يقف هنيئة ويقول: ماذا فعلت؟.. ما الذي فعلتهُ اليوم، حتى حدث ما حدث؟.. هذهِ الصفة من صفات الموالين لأهل البيت عليهم السلام.. قال الصادق (ع): (ولربما ترك في افتتاح أمرٍ بعض شيعتنا {بسم الله الرحمن الرحيم}، فيمتحنه الله بمكروه، وينبّهه على شكر الله تعالى والثناء عليه، ويمحو عنه وصمة تقصيره عند تركه قول {بسم الله}.. لقد دخل عبد الله بن يحيى على أمير المؤمنين (ع) وبين يديه كرسي، فأمره بالجلوس عليه فجلس عليه، فمال به حتى سقط على رأسه، فأوضح عن عظم رأسه وسال الدم، فأمر أمير المؤمنين (ع) بماء فغسل عنه ذلك الدم، ثم قال: ادن مني!.. فوضع يده على موضحته -وقد كان يجد في ألمها ما لا صبر له معه- ومسح يده عليها وتفل فيها، فما هو أن فعل ذلك حتى اندمل فصار كأنه لم يصبه شيء قط ، ثم قال أمير المؤمنين (ع): يا عبد الله!.. الحمد لله الذي جعل تمحيص ذنوب شيعتنا في الدنيا بمحنهم لتسلم لهم طاعاتهم، ويستحقوا عليها ثوابها….فقال عبد الله: يا أمير المؤمنين!.. قد أفدتني وعلّمتني، فإن أردت أن تعرّفني ذنبي الذي امتحنت به في هذا المجلس حتى لا أعود إلى مثله، قال: تركُك حين جلست أن تقول: {بسم الله الرحمن الرحيم}، فجعل الله ذلك لسهوك عما نُدبت إليه تمحيصا بما أصابك، أما علمت أنّ رسول الله (ص) حدثني عن الله -جل وعزّ- أنه قال: كل أمرٍ ذي بال لم يُذكر فيه بسم الله فهو أبتر، فقلت: بلى بأبي أنت وأمي، لا أتركها بعدها، قال: إذن تحظى بذلك وتسعد).
نحن لا نقول بسم الله ولا يحصل شيء، ولكن المؤمن الذي هو تحت مجهر المراقبة الإلهية، أقل هفوة في حياته، ربُ العالمين يذكرهُ بخطأه.. وصلوات الله وسلامه على مولانا الإمام الصادق عليه السلام: قيل لهُ أن أسماعيل ولدك مريض ، أبن الإمام الذي ينال جماعة كبيرة على وجه الأرض ، ينسبون إليه أسم الأسماعيلية ، هذا أسماعيل كان عبداً صالحاً وأنىلهُ أن يكون في قبال أبيه الإمام الصادق عليه السلام .. على كُلٍّ القضايا المذهبية والأعتقادية في هذا المجال لها أبحاث .. ولكن عندما سمع الإمام بإن أسماعيل قد مرض .. بعثَ وقال .. قولوا لهُ ماذا فعلت اليوم حتى أبتليت بهذا المرض .. الإمام يقول أسألوه ما الذي أرتكبهُ أسماعيل .. هنالك رواية في البحار .. يبدو لعلهُ أساء العلاقة مع جارية من جواريه .. فكانت هذهِ الحُمى تعويضاً عما أرتكبهُ في حق الجارية
إن الخدم في البيوت هذهِ الأيام، تقريباً بمثابة الجواري في تلك الأيام.. أيضاًً هذهِ حلقة ضعيفة.. هذهِ الخادمة في المنزل أو الخادم، يتعامل معهُ في بعض الحالات معاملة جداً سيئة.. احذروا ظلم هؤلاء؛ لأن هؤلاء موظفين.. عنوان الخادمة يندرج تحت عنوان التعاقد بساعات عمل، ومبلغ معين، فلو طلبت منهُ العمل في غير ساعات العمل لا يجوز شرعاً.. إذا جلبتها لتربية الأولاد، ثم تطلب منها طبخ الطعام؛ لا يجوز.. فإذن، إن هنالك عقدا وهنالك شروطا.. ونحن نستسهل الأمر، ولا نعلم أن هنالك المنتقم الجبار.. الأمر في هذا المجال أيضاً من موجبات احتمال نزول العذاب.. في بعض المشاهد المشرفة، هنالك جاليات غير إسلامية.. في مشهد الرضا -عليه السلام- هنالك عدة كنائس للمسحيين، وهذا أمر دارج ولا إشكال فيه.. أحدهم رأى غير مسلم في مكان ما، وأذاه بكلمة.. هذا الإنسان غير مسلم، وبالمشاهد المشرفة؛ فدعا عليه.. وإذا بذلك المسلم يرى علائم الاستجابة.. فذهب إليه وقال: يا فلان، يبدو أن دعوتك أثرت.. فجاء ليسحب الدعوة، فما كان منهُ إلا أن قال: دعوتي عليك كطلقة البندقية، طلقة خرجت ولا يمكن استرجاعها.. انتهى الموضوع!.. هكذا ربُ العالمين، سريع الانتقام لمن لا ناصر لهُ إلا الله عز وجل.
إن من موجباتِ تثبيت السعادة في الحياة الزوجية، الالتفات إلى أن هذهِ شركة مباركة، فيها ثلاثة أركان، فيها: الزوج، والزوجة، والأولاد.. هذهِ الشركة ما مدتها القانونية؟.. كل شركات الأرض مدتها القانونية إلى موت الشريك، إذا مات الشريك الأول؛ فإنه تلقائياً ينتقل الأمر إلى الورثة.. وإذا مات الشريك الثاني؛ كذلك تنتقل الأمور إلى الورثة.. فبعد خمسين سنة، وإذا بأناس جدد، والشركات تتبدل.. أو تعلم أن هذهِ الشركة المباركة شركة أبدية، لاحظوا ماذا يقول رب العالمين: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}.. أنت إنسان مؤمن، يوم القيامة تكون في درجة عالية في الجنة، تعيش في قصر، في جوار النبي وآله.. بعض الناس يدخل الجنة في الطابق الأول، في مدخل الجنة، حتى أن في بعض الروايات هو ضيف على أهل الجنة.. عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (من لم يأت قبر الحسين (عليه السلام) وهو يزعم أنه لنا شيعة حتى يموت، فليس هو لنا بشيعة.. وإن كان من أهل الجنة، فهو ضيفان أهل الجنة).. فالمؤمن يجعل همه، أن يكون قصره في حي بني هاشم، في جنان الخُلد.. عندما نصلي على الميت نقول: اللهم!.. أجعلهُ من رفقاء النبي وآله، ثم نسمي اسم النبي، ونقول: أجعلهُ في مرتبة النبي.. والقضية ليست بتلك الصعوبة، فالنبي (ص) يقول: (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين)، وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى.. فكفالة يتيم يجعلك مع النبي الأكرم في الجنة.
إن الإنسان يدخل الجنة فيستوحش، صحيح هناك حور، وغلمان.. ولكن يقول: يا رب أين زوجتي؟.. قضيت عمرا معها: تحملتني، وتحملتها، وأنجبت لي.. فيقول رب العالمين: خذوا زوجتهُ عنده.. المؤمن يشفع يوم القيامة كربيعة ومضر، ثم يقول: يا رب نحن كنا في الدنيا عائلة، فأين ابني، وابنتي؟.. عندها الكل يلحق بالأبوين، تقول الآية: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}؛ عندما يلحق الأولاد بالأبوين، ليس بمعنى أن ينزل من مستواهم، مثلا: إنسان رأس ماله مليون درجة في الجنة، وإذا أراد أن يجعل الأولاد معه، ينزل درجة، ينقص من درجته، وتعطى للزوجة والأولاد.. لا!.. ليس هذا كرم رب العالمين تقول الآية: {وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}.. أي ما نقصناهم من عملهم.. عمله على حاله، هو في الدرجة العليا في الجنة.. ولكن هذا تفضل من الله -عز وجل- أن جعل الزوجة والذرية في جانب الإنسان.
فإذن، إن على الإنسان أن ينظر إلى الزوجة بمنظار آخر، إنها ليست شريكة الحياة الدنيا، بل شريكة الأبدية.. وانظر إلى ولدك الصغير هذا على أنه ولدك الأبدي، ليس ولدك في الحياة الدنيا، بل ولدك إلى أبد الآبدين.. قال رسول الله (ص): (ما من أهل بيت يدخل واحد منهم الجنة إلا دخلوا أجمعين الجنة، قيل: وكيف ذلك؟.. قال: يشفع فيهم فيُشفّع حتى يبقى الخادم، فيقول: يارب!.. خويدمتي قد كانت تقيني الحرّ والقرّ، فيُشفّع فيها).. إذا كانت القضية بهذا المستوى، فالعلاقة الزوجية علاقة مقدسة مباركة، والذي يعتقد بهذا الاعتقاد:
أولاً: يصبر على بعض الحرمان.
ثانياً: يحاول أن يرفع من مستوى زوجته.. إذا كانت الزوجة جاهلة، علمها.. إذا كانت غير مطيعة، أجعلها مطيعة.. لماذا تقوم صلاة الليل وحدك؟.. لماذا لا تقول: يا فلانة أنتِ شريكتي في الجنة، قومي صلِّ معي صلاة الليل!.. لماذا تذهب للعمرة بمفردك؟.. خذ بيد زوجتك إلى المشاهد المشرفة، لتستمتع هي أيضاً؟.. لماذا تذهب إلى صلاة الجمعة لوحدك؟.. خذ بيدها إلى صلاة الجمعة.. خذ بيدها لمجالس أهل البيت.. نعم كلما هي ارتقت، أنت ارتقيت.. فالإنسان يُعطى هذا الامتياز مع امتياز الأولاد يوم القيامة، يُعطى درجته بالإضافة لدرجة الزوجة، ودرجة الأولاد.. هنيئاً لمن كان في هذهِ المكانة!..
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.