إن المؤمن من الممكن أن يتعرض إلى حالة من حالات الإثارة الغضبية، والغضب الذي يغضبهُ الإنسان من موجبات تفكيك أواصر الجو الأسري، حتى الجو الاجتماعي العام، يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (أيضرب أحدكم المرأة ثم يظل معانقها)؟.. هذا الشرخ الباطني أو التباعد الباطني، يوجب حالة من حالات عدم الانسجام.. ومن هنا نحذر من مرحلة النفور الباطني!.. فالخلاف حول الإنفاق، وحول الأولاد، وحول السكن، إذا كان الخلاف جُزئيا؛ الإنسان يأملُ خيراً.. وأما إذا كان الخلاف قد وصل للأعماق كأن لا يتحمل الزوج شكل ومنظر الزوجة، أو العكس.. ولكن يجب أن لا يكون الإنسان يائسا حتى في مثل هذه الحالة، فالأمر يحتاج إلى تدخل إلهي قوي.. طبعاً كُل الإصلاح يحتاج إلى لطف إلهي، ولكن هذهِ الحالة من الحالات المستعصية.. وهذهِ الحالة من النفور، من موجباتها الغضب المتكرر، والحدة المتكررة.. إن البعض يظن أن الإنفاق بالجانب المعيشي يحل المشكلة، مثلا: رجل رأى نفوراً من زوجتهِ؛ فيغير منزلهُ، ويقدم لها الهدايا.. وإذا بهذه المرأة على ما هي عليه، وكل هذهِ الهبات لم تؤثر في نفسيتها.
وعليهِ، فليحذر المؤمن أن يصل إلى هذهِ الدرجة من النفور الباطني!.. طبعاً من باب تخفيف حالة اليأس القرآن الكريم يقول: {إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}، إذا كان هنالك إرادة للإصلاح ربُ العالمين نسب التوفيق إلى نفسه، وبعبارة أخرى: جعل المودة والرحمة، وهذه المودة ارتفعت لسوء التصرف، ولسوء الخُلق.. ولكن الذي جعل المودة ثمَّ سلبها، من الممكن أن يرجعها.. فالذي أخذ النضارة والخضرة من الأشجار في الشتاء، يرجعها في الربيع؛ هو الواهب وهو السالب، هو القابض وهو الباسط، من الممكن إذا طلب من الله -عز وجل- يُرجع له ذلك.. روي أنّ النبي (ص) خرج، فعرضت له امرأة فقالت: يا رسول الله!.. إني امرأةٌ مسلمةٌ، ومعي زوج في البيت مثل المرأة، قال: فادعي زوجكِ!.. فدعته، فقال لها: أتبغضينه؟.. قالت: نعم، فدعا النبي (ص) لهما ووضع جبهتها على جبهته وقال: اللهم!.. ألّف بينهما، وحبّب أحدهما إلى صاحبه، ثم كانت المرأة تقول بعد ذلك: ما طارفٌ ولا تالدٌ ولا والدٌ، أحبّ إليّ منه.. فقال النبي (ص): اشهدْ أني رسول الله.
ومن قواعد تقوية الكيان الأسري:
– إزالة الألغام.. إن السعادة الزوجية في الدنيا، ولاستقرار الأسري؛ لهُ دور في تسريع حركة الإنسان في القرب على الله عز وجل!.. لأن الإنسان المشوش ذهنياً سواء في عمله، أو مع أسرته، أو مع أرحامه، أو مع والديه، أو مع أولاده؛ هذا الإنسان يُرثى لحاله.. لأن هذا الإنسان يُريد أن يُصلي ركعتين خاشعتين، وإذا بالزوجة ماثلة أمامهُ، بهيئة الغضب، وبهيئة النفور، أو ربُ العمل يتمثل أمامهُ.. على كُلٍّ المؤمن الذي يريد أن يصل إلى درجات القُرب بشكلٍّ سريع، فإن أول خطوة في هذا المجال، أن يُزيل الألغام من طريقه.. فالخلاف الزوجي لغم ينفجر في كل لحظة، المؤمن ينظر إلى الوسط الذي يعيشُ فيه، ويحاول أن ينزع فتيل التفجير -إن صح التعبير- قبل أن يُبتلى بالأزمة يفكر في حلها، لهُ سياسة الدفع.. مثلاً: يرى إنسانا يكيدُ لهُ، فقبل أن يكيد كيدهُ، يزورهُ ويقدم لهُ هدية، ويتصافح معهُ؛ بهذهِ الحركة دفعَ الكيد.. هذا أفضل من أن يكاد لهُ، ثم يحاول أن يرفع المكيدة.. هذهِ سياسة المؤمن في الحياة، أن لا يجعل حولهُ مشوشاً أبداً، ويطلب من الله -عز وجل- كما في المناجيات الخمسة عشر: (اللهم أقطع عني كُلَّ شيءٍ يقطعني عنك)، كل مشوش، كل أمر يصدني عنك يا رب هذا أصرفهُ عني.
قال السيد هاشم الحداد: كانت أُمّ زوجتي، تتعمّد أن ترانا في شدّة وعسر، لكأنّها كانت تسعد بذلك وتسرّ… وكانت زوجتي تتحمّل وتصبر، لكنّ صبرها وتحمّلها كانا محدودَينِ.. وكنت أتحمّل ما تضيفه أُمّ زوجتي هذه فوق مصائبنا، حتّي كانت ليلة من ليالي الصيف، عدت فيها إلي المنزل من الخارج بعد أن مرّ جزء من الليل، تعباً مرهقاً وجائعاً وعطشاناً أُريد الذهاب إلي الغرفة، فرأيت أُمّ زوجتي جالسة قرب الحوض في ساحة المنزل،… وحين علمتْ أ نّني قد دخلتُ المنزل، شرعتْ في كيل كلمات التجريح والسباب والشتائم التي تخاطبني بها.. ولم أدخل إلى الغرفة، بل اتّجهت نحو السلّم فصعدت إلى السطح لأستلقي هناك، فرأيت أنّها رفعت عقيرتها وزادت نبرات صراخها، بحيث صار الجيران يسمعونه فضلاً عنّي.. وهكذا فقد كالت لي سيل الشتائم والسباب، واستمرّت تعدّد وتعدّد حتّي عِيل صبري.. فهبطتُ الدرج بدون أن أنتهرها، أو أردّ عليها بكلمة واحدة، وخرجتُ من باب البيت فهمتُ علي وجهي بلا هدف، ورُحتُ أسير في الشوارع بلا قصد أو انتباه، بل هكذا أسير في الشوارع دون أن أعرف إلي أين أذهب؛ كنت أسير فقط.. وفجأة رأيت في تلك الحال أنّني صرت اثنين: أحدهما السيّد هاشم الذي اعتدتْ عليه أُمّ زوجته، وسبّته، وشتمته.. والآخر هو أنا، مجرّد ومحيط ومتسام، لم ينلني سبابها وشتائمها.. فلم تكن أساساً تسبّ سيّد هاشم هذا، ولم تكن لتسبّني أو تشتمني، بل كان سيّد هاشم ذاك هو الجدير بكلّ أنواع القبيح من القول.. أمّا سيّد هاشم هذا، الذي هو أنا، فلا يستحقّ أن يسبّ، بل إنّها مهما سبّت وشتمت فإنّ ذلك لن يصل إليّ.
بإمكان الإنسان أن يعيش الجوين في آن واحد: لهُ روح إلهية متصلة بعالم الغيب، ولهُ جسم يمشي بين الناس، هذا الجسم هو الذي يُضيق عليه، وهو الذي يُهان، وهو الذي يسمع الشتائم.. (صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى).. وبتعبير أحد العلماء، قيل لهُ: إن هنالك لغط حولك، الناس تتكلم عليك، قال: ليتكلموا هذا لا يهمني، لأن الكلام عبارة عن هواء.. ولكن أرجو ممن يُخالفني، أن لا يقوم بالضرب لأن هذا شيء مؤلم.. بعض المؤمنين عندما يقال: فلان يتكلم عليك، يفرح بقرارة نفسه، وخاصة إذا كان المتكلم مؤمنا وجيها، يقول: أهلاً ومرحباً بمن يُعطيني زادي يوم القيامة، فإذا صار يوم القيامة أخذ بتلابيبه، ويقول: يا فلان، أعطني من حسناتك، أي يتعمد أن لا يردعهُ حتى يمتص ثوابهُ يوم القيامة.. ولهذا قال أحدهم: لو كان لي أن أغتاب، لاغتبت أبي وأمي؛ لأنهُ أولى بالإحسان من غيرهما.. أنظروا إلى نفسية المؤمن!..
إن البعض منا يقال له: فلان قال عنك كذا -وهي تهمة محضة-؛ ينقلب رأساً على عقب، وينهار عصبياً، ولعلهُ يغمى عليه، ويصاب بالصداع.. والحال بأنه يعلم أن ما قيل لا قيمة له.. إن الإنسان يسقط من عين الناس فيبالي، ويسقط من عين الله بمعصية ارتكبها وهو لا يبالي.. ولهذا يقال للإنسان الذي يهتم بالآخرين: إن كان اهتمامك لأجل أنك سقطت من عين الناس، فأنظر إلى عين الله.. إن سقطت من عين الله أيضاً، فليشغلك هذا السقوط، وإن لم تسقط من عين الله عز وجل.. فإذن، فما بالك وشغلك بكلام الآخرين؟.. هذهِ قاعة عامة في الحياة اليومية، لابد من مراعاتها.
– عدم تمني نعم الغير.. إن بعض الناس يقيس حياتهُ مع الغير، {وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}.. لماذا تتمنى نعيم الآخرين؟.. هل تعلم أن هذا النعيم هو خير؟.. {لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}.. قال (ص): (ومن رضي من الله باليسير من الرزق، رضي الله منه بالقليل من العمل).. الإنسان المضيق في ماله، والإنسان المبتلى في صحته، هذا الإنسان لهُ تخفيضات يوم القيامة.. الإنسان المستمتع بنعم الدنيا، والمتعرض لنفحات البر والخير، هذا الإنسان يوم القيامة يختلف عن غيره.. وهذا الذي يحل مشكلة العدالة الإلهية، يقول البعض: أنا ولدت في بلاد كافرة، والآخرون ولدوا في بلاد المؤمنين، فكيف الحساب يوم القيامة؟.. الإنسان يوم القيامة يُلحظ فيهِ كل العناصر: والداه، مجتمعه، مكان إقامته، هل كان بيتهُ قريب من المسجد أم لا؟.. كل هذهِ العناصر تصب على بعضها البعض، ثم يؤتى الأجر.. إذن لماذا تتمنى {مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}؟..
إن من أخطر صور التمني في الحياة الزوجية، أن يتمنى الإنسان في باطنهِ، لو كانت فلانة هي الزوجة بدلاً من زوجته.. والمصيبة عندما يصرح بذلك أمام زوجته!.. يقول: نعم، لو كان الله -عز وجل- قدر لي فلانة، ويسميها وهي متزوجة ولو أختها مثلاً؛ يقول: لو أنا كنت متقدم قبل أيام أو أشهر، لحظيت مثلاً بأختك الصغرى.. هذا الكلام كلام خطير، ومن موجبات دمار الحياة العائلية.. فالزوج الذي يفكر في امرأة أخرى، من الممكن أن يُعاقب بفعلهِ هذا.. وهذا يقع بين بعض المنحرفين.
فإذن، إن الإنسان المؤمن، نعم يرضى بما قسم الله عز وجل له، ولعل هذا هو الخير له.. ونبي الله هود، تحمل الزوجة السيئة، لأن الأعداء إذا كانوا خارج المملكة، وخارج السيطرة، أصعب من أن يكون تحت السيطرة.. وعليه، فإنه يجب عدم تمني ما فضل الله بهِ بعضهم على بعض.. قد يقول قائل: وأنا أرى زوجة مطيعة، ومؤمنة، ولها أولاد صالحين.. كيف لا أتمنى أن تكون زوجتي مثل هذهِ الزوجة؟..
إن الحل ليس أن تذكر لها ذلك، أو تعرض لها، أو تشمت بها.. الحل من القرآن الكريم يقول: {وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ}، أسأل الله تعالى من فضله، هذا الذي قام بهِ زكريا، زكريا عندما رأى هذا النعيم، وهذهِ المائدة السماوية عند مريم صلوات اللهِ وسلامهُ عليها، وما لها من الفضل، نعم هنالكَّ دعا زكريا ربه وقال: {رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء}.. ورب العالمين أيضاً أعطاهُ يحيى، ذلك النبي الذي يقول تعالى عنه: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ}.. حيث أن رقة القلب، والخوف من الله -عز وجل-، بلغت به (ع) إلى درجة أنه كان يصعق عندما كان يسمع مواعظ أبيه زكريا (ع).. فكان زكريا (ع) عندما يريد أن يعظ قومه، يحاول أن يتأكد من خلو المجلس من زكريا؛ لأنه كان يخشى عليه!.. وهكذا عوض هذا النبي العظيم!.. إن رب العالمين أعطاهُ ذُرية صالحة كيحيى، ولا شك -حسب القواعد الظاهرية- يحيى أفضل من مريم، باعتبار أن يحيى نبي، ومريم أم نبي.. نعم، هذه هي نتيجة الدعاء، أن يرزق مثل هكذا ولد يعيش هذا العالم.
فإذن، إن الإنسان المؤمن عندما يرى خيراً عند أحد، لا يتمنى زوال هذهِ النعمة؛ لأن هذا هو الحسد.. نعم يطلب من الله -عز وجل- مثل تلك النعمة، وهي الغبطة؛ الغبطةُ ممدوحةٌ والحسدُ مذموم.. كذلك بالنسبة إلى بيوت الناس، وخاصة في بعض البلاد هنالك تفاوت طبقي، إنسان يعيش في شقة صغيرة مستأجرة، وإنسان هو وزوجتهُ يملكُ قصراً من أربعة طوابق، وفيه عشرات الغرف؛ لا يحبذ للمؤمن أن يدخل بيوت المترفين كثيراً إلا للضرورة.. أما غير ذلك، ما الفائدة من مصادقة الأثرياء المترفين، الذين لا يفيدون الإنسان دنياً ولا آخرة؟.. أما إذا كان ذلك من أجل الاقتراح عليه مشروعا خيريا؛ أيضاً لا بأس به.. طبعاً بشرط عدم التأثر بالباطن، وليس بالذهاب إلى مجلس، والاستماع إلى خمسين غيبة، والمشاركة في بعض المحرمات، وغيرهِ حتى يأخذ منهُ مئة دينار.. العاقل المؤمن لا يقوم بالمستحب، وفي المقابل يرتكب أوزار الغير.
إن المؤمن أيضاً لبق في هذا المجال، حتى أن الإنسان الذي يريد أن يذهب إلى المسجد، يقول علماء الأخلاق: لا تنظر إلى بيوت المترفين يميناً وشمالاً، لأن هذا يشوش بالك، تذهب إلى المسجد وأنت تعيش حالة من حالات الميل إلى متاع الحياة الدنيا {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ}، نعم بإمكانك أن تتمنى ما لا يُعد من زخرف الحياة الدنيا.. مثلا: هناك من العلماء عندما يمشي، ترى وراءهُ سبع، أو ثمان عمائم من العلماء الجيدين؛ أحدهم أحسن من الآخر.. هذهِ نعم يُغبط عليها الإنسان، فيتمنى من الله -عز وجل- أن يرزقه في يوم من الأيام أربعة علماء عاملين، وكلهم من ذُريته أو من أحفاده.. أيضاً الإنسان اليائس من أولاده، عليه أن يدعو الله -عز وجل- أن يرزقهُ أحفادا جيدين، فالمجال لا زال مفتوحاً.
إن كثيرا من النساء عندما يقرأن هذهِ الآية {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء}، قد يعشنَّ جوا غير مناسب في أعماقهن.. والسبب في ذلك، سوء التصرف، أو سوء الفهم لهذهِ الآية، وبعد سوء الفهم سوء العمل والتحكم.. وكأن الآية هذهِ تقول للرجال: أنتم معطى لكم صلاحيات رب العالمين، هو رب الأرباب، وأنت وكيلُ رب الأرباب تتحكم فيها كما تشاء {قَوَّامُونَ} وإذا كان الزوج أيضاً يعلم اللغة العربية جيداً، أيضاً يقول لزوجتهِ: أنظري إلى الآية لا تقول: الرجال قائمون، بل {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ} أي صيغة مبالغة.. فنحن الرجال لنا الحق في أن نتحكم بكم كيفما نشاء.. الذي يعمل بهذهِ الآية بهذا الفهم، يكفي أن يؤتى يوم القيامة، ويقال له: هذا رسول الله -صلى الله عليه وآله- هو قوام على البشرية، وقوام على المسلمين، وقوامٌ على المؤمنين، وقوامٌ على زوجاته، ومع ذلك يقول النبي الأكرم: (أحسن الناس إيماناً، أحسنهم خُلقاً وألطفهم بأهله، وأنا ألطفكم بأهلي)؛ لأن زوجات النبي كزوجات المسلمين، ولعل في المسلمين من لهُ زوجة خيرٌ من زوجات رسول الله (ص).. صحيح أمهات المؤمنين، ولكن ليس معنى ذلك أنهن بلغن أعلى درجات الإيمان.. نعم النبي الأكرم يقول: (وأنا ألطفكم بأهلي)؛ بهذهِ الزوجات اللواتي هن كباقي نساء المسلمين.. فإذن، ما معنى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء}؟.. إن رب العالمين رفع الإبهام بالكلمة التي بعدها، نحن مع الأسف نتحير في الآية، والحال بأن الجواب في الآية نفسها مثل {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}.. الجواب بالآية {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}، يعني يا رب أنت من شدة كرمك أصبحت مغروراً، ولا أبالي سخطكَ لأنكَ كريم، الآية تقول: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}؛ السبب واضح، وهو طبيعة الرجال.
إن هنالك مزايا في الرجال، من قوة إدارة المنزل، ومن الحزم.. والدليل على ذلك: طوال التأريخ الذين حكموا البشرية؛ هم من الرجال، أما بلقيس فهي استثناء في التأريخ.. وإلا فإن الغالب هم من عنصر الرجال، هم الذين دبروا شؤون البشرية، وتصدروا الحكومات، والوزارات.. الخ.. فالعاطفة والتعقل فيهم، أقوى من النساء.. المرأة تحتاج إلى من تلجأ إليه، إلى رجل قوي، إلى رجل لهُ رجولتهُ.. وإلا إنسان سوي المزاج، إنسان مائع، إنسان لا قوامَ له؛ إن كان رجل يبكي بكل صغيرة وكبيرة كالنساء؛ هذا الإنسان يسقط من عين الزوجة، لأن المرأة ترى نفسها بحاجة إلى رجل مدبر ومدير.. أضف إلى ذلك: أنه إذا كان للسفينة رُبانان غرقت السفينة.
فإذن، إن الحياة الزوجية، هي عبارة عن حكومة، وعن شركة.. إذا اختلفا، هناك صوت الرجل، وهناك صوت المرأة.. إذا قلنا أنهُ لا تمايز، ولا تفاضل، ولا قوامة؛ معنى ذلك أن الملفات تبقى مفتوحة دائماً، من الذي يرفع الخلاف؟.. الزوج يُريد أولاد والزوجة لا تريد أولاد، من يحل المشكلة؟.. الزوج يريد أن يسافر إلى الجهة الفلانية، والزوجة تُريد أن تسافر إلى الجهة الفلانية.. هل هناك حياة زوجية، الزوجة توافق الزوج في كل شيء؛ إلا اللهم إذا كانت سفيهة أو معتوهة أو مجنونة؟.. وإلا فإن المرأة كلما ازدادت تعقلاً وفهماً، وكلما زاد الرجل تفكراً وتألقاً ذهنياً، كلما زادت الخلافات.. وهذهِ الأيام النساء حاملات شهادات الدكتوراه، والرجل عندهُ ثانوية عامة.. وبالتالي، فإنه من الطبيعي أن تفكير المرأة سيكون أفضل من تفكير الرجل.. وهنا يقع الخلاف.. والخلاف تارة يكون في حكم شرعي، وتارة في الجزئيات.
لذا، لابد أن يكون هناك حزم لأحدهما؛ الشريعة جاءت وقالت: أن الرجل لهُ مثل هذهِ القدرة على فك النزاعِ، وعلى حل الاختلاف.. إذا كان هنالك موقف مخالف.. إذا اعتقد الإنسان بقضية، لا يمكنك أن تزعزع من مقدمات يقينه.. فهذا اليقين جاء من مقدمات، بعض المقدمات مقدمات موهومة أو مقدمات غير صحيحة.. أما المرأة المثالية، المرأة العاقلة تقول لزوجها: يا فلان، يقينك يبتني على كذا وكذا: ألف، باء، جيم.. إما ألف، باء، جيم خاطئ.. طبعاً هذا الكلام من الزوجة، يكون لإنسان مؤمن يفهم، ليس بناؤهُ على العناد.. عندئذ، من الطبيعي أنه ينقلب عما هو عليه بكلمةٍ واحدة.. فالأمر لا يحتاج إلى بكاء، ولا إلى صياح، ولا إلى تهديد بالطلاق، ولا إلى الخروج من البيت.. بكلمتين بسيطتين، الإنسان من الممكن أن يحل المشكلة من جذورها: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ}، وهذا الشيطان طالما نزغ بين الزوجين.. الشيطان عندما يُدمر عشا زوجيا، أو يلقي الخلاف بين زوجين، كأنهُ يطير إلى السماء فرحاً أنهُ قام بمهمة كُبرى.. لأنه بذلك يكون قد أوقع الرجل في مشاكل نفسية، منعته من طريق الكمال الأخروي والدنيوي.. وهكذا بالنسبة للزوجة.. والأطفال تشتتوا، والعائلتان تخاصموا جميعاً مع بعضهم البعض؛ كل ذلك من آثار هذهِ الحركة الشيطانية.. ولهذا يد الشيطان واضحةٌ جداً في كُلِّ خلافٍ أسري.
مناشئ الدمار الأسري:
– الانفلات في عالم النظر.. إن من مناشئ الدمار الأسري، مسألة الانفلات في عالم النظر، عندما يتحكم الإنسان في نظره؛ يبقى قلبه نظيفاً.. المشكلة أن الإنسان الذي يلتقط الصور؛ تنطبع في قلبه، فيتفاعل معها شهوياً، ولكنه لا يمكنهُ الوصول إلى ذلك؛ فيعيش العقدة.. نعم الميل إلى سد هذهِ الثورة الباطنية، أو الفورة الباطنية، تجعله يرتكب الحرام بعد ذلك.. بينما المؤمن عاقل، يقضي على الفساد من منشأه.. من يذهب إلى بلاد الغرب، عليه أن لا ينظر إلى امرأة قط.. لا بريبة ولا بغير ريبة، عند الضرورة لا بأس.. ولكن بعض المؤمنين في الطائرة، وفي الشارع، وفي الأسواق؛ يتعامل ويحدق بكل تفاصيل المرأة أمامه، وهي بزينتها، وبجمالها، وبسفورها، إلى آخره.. والإنسان إنسان وليس بجبل، هو يقول: أنا أنظر إليها ببراءة وغير ملتفت، ولكن عندما يرجع للمنزل، ويريد أن يصلي؛ فإن الشيطان في ساعة النظر يخدرهُ.. إن هذا تخدير إبليسي، هو ينظر حقيقًة بدون ريبة، ولكن في الصلاة يتفاعل.. وإذا أراد أن ينام، يستذكر تلك الصورة؛ فيتفاعل تفاعلاً سلبياً.. أحد المؤمنين يصلي جماعة في دولة أوروبية، يقول: أنا في يوم من الأيام نظرت إلى امرأة وذهبت المرأة، ولعلها ماتت.. نظرة واحدة، ربُ العالمين يُعاقبني عليها؛ كلما أردت أن أصلي، وإذا بتلك الصورة نافذة أمامي.. نعم هكذا الإنسان عليه أن يعلم، أن عالم النظر عالم عجيب غريب!.. رب العالمين عندما يصف النظر يخص الخطاب؛ بإمكانه أن يقول: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}؛ أي أبصارهم وأبصارهن، كما في {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}؛ أي كُتب عليكم وعليكن.. القرآن الكريم لا يفصل دائماً بين الرجال {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}، ولكن عندما يصل إلى موضوع النظر، يخص النساء ويخص الرجال {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}، أيضاً يخاطب المؤمنات {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}.
– أسلوب كسب النقاط.. إن بعض المؤمنات يشاهدن برنامجا من خلال التلفاز، وعندما يصل الموضوع إلى نقطة لصالحها، تقول للزوج: أسمع يا فلان ماذا يقول فلان، هذا الكلام موجهٌ لك.. هذا الأسلوب من كسب النقاط، وكأنهُ مباراة بين فريقين، هذا أسلوب خاطئ!.. المؤمن يسمع الكلام سواءً كان لهُ أو عليه، والمرأة بعض الأوقات لسوء فعلها، هي التي تكون سبباً لهدم هذهِ العفة الاجتماعية.
إن القرآن الكريم كتاب محكم، والآيات محدودة.. والقرآن الكريم عبارة عن كتاب؛ كتاب بحجم الكتب المتعارفة.. ورب العالمين لهُ قضايا كثيرة، يريد أن يدرجها في كتابه.. فعندما يتكلم عن شيء، لابد يرى أهميته، وإلا لما تكلم عن ذلك الأمر.. القرآن الكريم يتنزل في عالم المثال، وفي عالم مناقشة النساء وتحذيرهن إلى نقطة جداً صغيرة.. الكلام ليس في كشف الشعر، ولا في إبداء المحاسن، وليس في الغناء والرقص وغيره.. تقول الآية في سورة النور: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ}؛ تلك الأيام كانت الخلاخل؛ ولكن هذهِ الأيام هنالك شيء غير الخلخال، وهي هذهِ الأحذية النسائية المزعجة في بعض الحالات.. ليست قضية إثارة فقط، بل إزعاج صوتي، لماذا هذهِ الحركة؟.. وكأن المرأة تريد أن تقول للرجال: اعلموا أيها الرجال، أنني قد قدمت عليكم.. هذا صوت رجلي، إخبار أنني قد جئتُ.. ألستِ أنتِ ملزمة بالإخفات، لماذا هذهِ الحركة؟..
كأنها تقول بلسان الحال: أيها الرجال!.. أنا مفتقرة إلى نظرتكم، أنا إنسانة بائسة، أنا إنسانة عندي خلل عاطفي.. بهذهِ المساحيق، وبهذهِ الزينة؛ أريد أن تلتفتوا إلي.. هذا واقع الحال، وإلا ما الفلسفة من ذلك؟.. فالقضية قضية منطقية عقلية.. لو كانت غير متزوجة، نصف مصيبة، فهي بحاجة إلى زوج.. أما امرأة متزوجة، ولها أولاد وأحفاد، ما الداعي لهذهِ الحركات، غير طلب عناية الآخرين في حقها!.. فإذن، إن الحل الجامع في هذا المجال، أن يلتفت الإنسان إلى تلك المراقبة المتصلة.. {أوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.