شعار شهر رمضان..
إن المؤمن يضع شعاراً له في شهر رمضان، ويحاول أن يحققه؛ ألا وهو “خير شهر رمضان مرّ علينا”!.. فالإنسان عندما ينوي ذلك، من الممكن أن يعان من قبل رب العالمين في تحقيق هذا الشعار المبارك!.. والمجالس التي تقام في شهر رمضان المبارك، هي نعمة للإنسان، وحجة عليه في نفس الوقت:
أولاً: نعمة.. لأن الإنسان يأتي إلى بيت من بيوت الله عز وجل، وقد روي عن رسول الله -صلى الله عليه وآله- أنه قال: (الجلوس في المسجد لانتظار الصلاة عبادة، ما لم يحدث، قيل: يا رسول الله، وما الحدث؟.. قال -صلى الله عليه وآله-: الاغتياب).. أي أن الحدث الذي يلوث الباطن والفؤاد، وقد يستمر معه أربعين ليلة، وأربعين يوماً؛ هو تناول أعراض المسلمين، وخصوصاً في المساجد؛ مما يوجب له العقوبة المضاعفة!..
ثانياً: حجة.. لأن الإمام الصادق -عليه السلام- يقول: (إنه يُغفر للجاهل سبعون ذنباً، قبل أن يُغفر للعالم ذنب واحد).. ولكن -مع الأسف- البعض يفهم من كلمة “العالم” أنه فقط: آية الله، وحجة الإسلام، ورجال الحوزات.. بينما “العالم” هو الذي علم ولو مسألة واحدة، فالأمر الذي علمه وخالفه؛ فهو عالم به، وبالتالي فإنه سيضاعف له العذاب.. والإنسان الذي يأتي إلى المجالس الحسينية، ويتعلم، ويتفاعل: فالتفاعل تارةً يكون ذهنياً، وتارةً يكون باطنياً؛ أي يرق قلبه، وتجري دمعته، ويبكي بين يدي الله عز وجل.. فهذا الإنسان أُكرم كما أُكرم حواريو عيسى -عليه السلام- عندما طلبوا من الله -عز وجل- المائدة السماوية، فـ{قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ}!.. ولكن انظروا إلى العاقبة والتهديد!.. لذا، علينا أن ننتبه لهذه المسألة، فنأخذ ما يقال، ونعمل به؛ وإلا فإن الأمر سيكون حجة علينا!.. وبالتالي، فإن هذه المجالس المباركة رغم ما فيها من الأجر، إلا أنها تثقل الكاهل بالتكليف!..
فقه الصلاة على النبي وآله..
إن أكثر ورد يتداول في حياة الموالين هي “الصلاة على النبي وآله”، فهذا الذكر من أكثر الأذكار شيوعاً في حياة المؤمنين عموماً، والموالين خصوصاً!.. يلهج به الإنسان في كل المناسبات، فسيد الأذكار التوسلية -إن صح التعبير- الصلاة على النبي وآله، كما أن سيد الأذكار التوحيدية “التهليل”.. ولكن هذه الصلوات لها فقه، وينبغي أن نستوعبه!.. فالصلاة على النبي وآله دعاء، لأنها مبدوءة بكلمة “اللهم” ومن المعلوم أن كلمة (اللهم) أصلها في اللغة (يا الله)!.. أي أن هناك خطاباً لله عز وجل، ومادام الأمر من مصاديق الدعاء؛ فإنه ينبغي أن نلتزم بآداب الدعاء.. ومن أهم الآداب الباطنية للدعاء: الالتفات للمدعو.. فالإنسان الداعي إذا لم يلتفت إلى الله -عز وجل-، والساهي الذي لا يرى مدعواً؛ لا يتحقق في حقه الدعاء!.. والذي يخاطب أحداً ولا يلتفت إليه؛ هذا يعد من أكبر مصاديق سوء الأدب!..
كيف يمكننا أن نحوّل الصلاة على النبي -صلى الله عليه وآله- من شعار إلى شعور؟..
هل في يوم من الأيام صلينا على النبي محمد وآله شعوراً لا شعاراً؟.. أي هل طلبنا من الله -عز وجل- ونحن بكامل التوجه والالتفات، أن يرفع من درجات النبي وآله عنده، لما لاقاه في الدعوة من صنوف العذاب والتنكيل؟.. قد يقول قائل: وهل النبي -صلى الله عليه وآله- يحتاج إلى دعائنا؛ لترفع درجته؟.. ألا نقول في التشهد كل يوم: “وتقبل شفاعته وارفع درجته”.. فإذا كان هذا الدعاء لا يستجاب، فهو لغو من القول.. والله -سبحانه وتعالى- لا يكلفنا أن نطلب في الفرائض طلباً لا يستجاب أبداً!.. وبما أن الصلاة على النبي وآله دعاء؛ والدعاء يمكن أن يستجاب، فلو استجيب هذا الدعاء ما الذي سيحصل؟.. عندما يقال للنبي -صلى الله عليه وآله- في عالم البرزخ: يا رسول الله، نرجو منكم الانتقال من هذا القصر القديم، إلى قصر أرقى!.. لأن أحداً من أمتك صلى عليك، ورب العالمين استجاب له، وأعطاك قصراً فوق ما أنت فيه.. إذا دخل النبي -صلى الله عليه وآله- هذا القصر، هل ينسى ذلك المؤمن؟.. ألا يطلب من الله -عز وجل- أن يجعله معه في هذا القصر؟.. هذه صلوات واحدة ترفع المؤمن هكذا؟.. بينما أحدنا يصلي على النبي آلاف المرات، ولا ينتفع بصلاته، وهنا الخسارة!.. وفي يوم القيامة يضرب العباد على رؤوسهم؛ متحسرين على تلك الكنوز الفائتة!.. {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ}، يوم الحسرة.. لو صلى الإنسان على النبي وآله في الصلوات اليومية بإقبالٍ؛ سيُغفر له فيما بينهما.. فرغم أننا مأمورون بالإخفات: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}؛ لكن في خصوص الصلاة على النبي وآله، هناك أمر وطلب لرفع الصوت، وقد ورد أن ذلك يذهب بالنفاق، قال النبي -صلى الله عليه وآله-: (ارفعوا أصواتكم بالصلاة عليّ، فإنها تذهب بالنفاق)!.. ونقل عنه -صلى الله عليه وآله- قوله: (مَن صلّى عليّ مرة، لم يبق من ذنوبه ذرة).. وبالتالي، لو أتقن الإنسان هذه الجملة: “وارفع درجته” في كلّ فريضة؛ أي قالها بكلّ وجوده؛ فالنتيجة هي كنوز لا تقدر بثمن!.. وعليه، يجب أن نحوّل الصلاة على النبي وآله من شعار إلى شعور!.. وهذا الأمر يحتاج إلى حركة باطنية!..
أحدهم التقى بعالم كبير في حرم الرضا -عليه السلام- وطلب منه أن يدعو له في حاجة ملّحة.. فقال له العالم: سأدعو لك عند الرضا -عليه السلام- وأريد أن أنذر لك نذراً.. بعد فترة قضيت الحاجة، وجاء إلى هذا العالم وقال له: ما هو النذر، كي أفيه؟.. فقال له العالم: يا فلان، أنا أفي بنذري الآن، نذره كان الصلاة على محمد وآل محمد!.. إما مرة واحدة، أو ثلاث مرات.. وعليه، فإنه يجب استحضار معنى الخطاب، كلما أراد الإنسان الصلاة على النبي وآله.
فإذن، ينبغي للمؤمن قبل أن يصلي على النبي وآله، أن يقف هنيئة مع نفسه، ويستجمع فكره؛ ليصلي على النبي وآله صلاة حقيقية، فيها معنى، وفيها مغزى.. فالصلاة على النبي وآله تكليف، ولكن ليس المطلوب الخشوع، والبكاء، وما شابه ذلك، بل على الأقل يستحضر جهة الخطابية مع المولى بأدنى صورها؛ وهذا أقل الإيمان، أن يقول الإنسان: اللهم!.. وهو ملتف لما يقول!.. لذا، من الآن فصاعداً لا نصلي على النبي وآله، إلا بشيء من التوجه، وخصوصاً في الصلوات الواجبة!.. فالصلاة معجونة بـ الله أكبر، وبالصلاة على النبي وآله: الآذان تكبير، والإقامة تكبير، وافتتاحية الصلاة بالتكبير، وقبل الركوع والسجود تكبير!.. فذكر الله -عز وجل- يتخلل الصلاة، كتخلل العظام في بدن الإنسان.. والصلاة على النبي وآله تزين الصلاة أيضاً: ففي السجود، والركوع، والقنوت، والتشهد؛ في كل هذه المراحل نحن نصلي على النبي وآله.. فلو التفت المصلي قليلاً إلى معنى الصلاة على النبي وآله أثناء السجود والركوع؛ لكان الأمر أثره أعظم؛ لأن الإنسان في حال السجود أقرب ما يكون إلى الله!.. فقد روي عن النبي الأكرم -صلى الله عليه وآله- أنه قال: (أقرب ما يكون العبد من ربه، وهو ساجد).
ما معنى الصلاة على النبي وآله؟..
يقول تعالى في كتابه المجيد: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.. إن رب العالمين في صلاةٍ مستمرة، يصلي على النبي في كل آن، وملائكته شغلهم أن يصلوا على النبي وآله، ثم يقول: أنتم أيضاً تأسوا بهم!.. ولكن صلوات الله -عز وجل- غير صلوات الملائكة، وصلوات الملائكة غير صلواتنا.. وقد جاء في تفسير هذه الآية: “أصل الصلاة الانعطاف، فصلاته تعالى انعطافه عليه بالرحمة انعطافا مطلقاً، لم يقيد في الآية بشيء دون شيء.. وكذلك صلاة الملائكة عليه انعطاف عليه بالتزكية والاستغفار.. وهي من المؤمنين الدعاء بالرحمة.. وفي ذكر صلاته تعالى وصلاة ملائكته عليه، قبل أمر المؤمنين بالصلاة عليه، دلالة على أن في صلاة المؤمنين له اتباعاً لله -سبحانه- وملائكته وتأكيداً للنهي الآتي.. وقد استفاضت الروايات من طرق الشيعة و أهل السنة أن طريق صلاة المؤمنين أن يسألوا الله تعالى أن يصلي عليه وآله”.. وبالتالي، فإن درجات النبي متصاعدة في كل لحظة!..
الصيام..
أولاً: الاستعداد من الليلة الأولى.. إن أراد الإنسان أن يجعل شهر رمضان المبارك شهراً طيعاً له؛ عليه أن يبدأ من الليلة الأولى.. ولهذا ورد الأمر، بصلاة أول الشهر: “إن صلاة أول الشهر ضمان للسلامة من آفات ذلك الشهر، فينبغي الحرص على عدم تفويت ذلك، وهي ركعتان: بعد الحمد في الركعة الأولى: ثلاثون مرة سورة التوحيد، وفي الثانية بعد الحمد ثلاثون مرة سورة القدر، ثم يتصدق بما يتيسر”.. وهناك دعاء صغير بعد الفراغ من الرّكعتين: (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ {وَما مِنْ دابَّة فِى الاَْرْضِ إلاّ عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فى كِتاب مُبين}.. بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ {وَاِنْ يُمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ اِلاّ هُوَ وَاِنْ يُرِدْكَ بِخَيْر فَلا رادَّ لِفَضْلِهِ يُصيبُ بِهِ مَنْ يَشآءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحيمُ}.. بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ {سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْر يُسْراً} {ما شاء اللهُ لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللهِ} {حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكيلُ} {وَاُفَوِّضُ اَمْرى إِلَى اللهِ اِنَّ اللهَ بَصيرٌ بِالْعِبادِ} {لا اِلـهَ اِلاّ اَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّى كُنْتَ مِنْ الظّالِمينَ} {رَبِّ اِنّى لِما اَنْزَلْتَ اِلَىَّ مِنْ خَيْر فَقيرٌ} {رَبِّ لا تـَذَرْنى فَرْداً وَاَنْتَ خَيْرُ الْوارِثينَ}).. هذه الصلاة هي بمثابة شركة التأمين، حيث أن رب العالمين ببركة هذه الصلاة يؤمّن الإنسان في شركته، وهما ركعتان خفيفتان بالنسبة للمحبين {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ}.. فإذن، يجب البدء من الليلة الأولى.. ودعاء الليلة الأولى من شهر رمضان، فيه مضامين راقية وجميلة ومعبرة!.. فكما أن النهار يتقن من أوله، حيث أن من يريد أن يكون نهاره سعيداً، كما يقول الإمام علي -عليه السلام-: (فاجعل اللّهمّ صباحي هذا، نازلاً عليَّ بضياء الهدى، والسلامة في الدّين والدّنيا.. ومسائي جُنّة من كيد العدى، ووقاية من مرديات الهوى، إنّك قادر على ما تشاء)؛ فإنه يبدأ بين الطلوعين، كذلك شهر رمضان أيضاً يقاد من أول ليلة به.
ثانياً: الحصول على الغفران.. إن شهر رمضان هو شهر الرضوان، وشهر الأنس بالله عز وجل، وشهر اللقاء.. نحن في شهر شعبان نصيح وننادي: (اِلـهي!.. هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ إِلَيْكَ).. فشهر رمضان ليس شهر الاستغفار، بل هو شهر اللقاء بالسلطان، وشهر الأنس والمثول بين يدي الله عز وجل، فلا يكون همّ أحدنا في هذا الشهر المبارك، أن يرجع كما كان في شهر شعبان.. فالشقي من حرم الغفران الإلهي في هذا الشهر العظيم، كما قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله-: (فسلوا الله ربكم بنيّات صادقةٍ، وقلوبٍ طاهرةٍ أن يوفقّكم لصيامه، وتلاوة كتابه، فإنّ الشقي من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم).
ثالثاً: ترميم العلاقة.. إن شهر رمضان المبارك، خير فرصة لإعادة العلاقة المتوترة مع رب العالمين.. فالمؤمن في بداية شهر رمضان، يتأمل في حاله وينظر ما الذي حققه خلال سنة: هل ازداد علماً؟.. هل ازداد ثقلاً؟.. هل حاول الوصول بصلاته إلى صلاة الخاشعين؟.. هل حسّن خلقه مع أهل بيته؟.. هل قرأ دعاء مكارم الأخلاق، لينظر إلى الملكات الخبيثة التي في نفسه؟.. فقد روي: أن الإمام السجاد -عليه السلام- دخل مكة وقد أجدب أهلها، ورأى العُبّاد في الحِجر حول البيت يدعون، فقال: (أما فيكم أحد يحبه الرحمان؟.. فقالوا: يا فتى، علينا الدعاء وعليه الإجابة!.. فقال: ابعدوا من الكعبة، فلو كان فيكم أحد يحبه الرحمان لأجابه.. ثم أتى الكعبة، فخر ساجداً).. يقول الراوي: سمعته يقول في سجوده: (سيدي!.. بحبك لي إلاّ سقيتهم الغيث).. قال: فما استتم الكلام حتى أتاهم الغيث كأفواه الْقُرَب، فقلت: يا فتى، من أين علمت أنه يحبك؟.. قال: (لو لم يحبني لم يستزرني، فلما استزارني علمتُ أنّه يحبني، فسألتُه بحبه لي فأجابني).. الإمام السجاد -عليه السلام- لم يذكر نسبه، ولم يذكر إمامته، ولم يذكر أنه من ولد الحسين -عليه السلام- وأنه شاهد مآسي كربلاء، إنما قال: (لو لم يحبني لم يستزرني)؛ والدليل على حبه لي أنه دعاني إلى بيته.. فمكة رمز الضيافة المكانية، وشهر رمضان شهر الضيافة الزمانية، والمؤمنون ضيوف رب العالمين في شهر رمضان، ورب العالمين مظهر للطف والكرامة!.. لذا علينا أن نستغل هذه الضيافة الإلهية، ولسان حالنا جميعاً: يا رب، تمت الصفقة، فلو لم تحبني لم تستزرني!..
رابعاً: الاستغفار.. إن بركات هذا الشهر نازلة، ولكن مما يثير الأسى: أننا لا نرى آثار الأعمال كما ينبغي، والسبب في ذلك ليس النقص في المقتضي، بل في وجود المانع.. مثلاً: لو أخذنا عوداً رطباً، وجعلنها في نار مستعرة؛ فإنها لن تحترق بسبب الرطوبة.. فرب العالمين أبوابه مفتوحة: الأنفاس في هذا الشهر تسبيح، والنوم فيه عبادة، و..الخ؛ ولكن نحن مشكلتنا في هذه الرطوبات المانعة في وجودنا، فإذا وجد المانع لا أثر للمؤثر!.. وعليه، فإنه يجب إزالة هذه الرطوبة المانعة من الاحتراق بنور الهدى الإلهي؛ لذا علينا بالاستغفار!.. والاستغفار والإنابة إلى الله -عز وجل- بمثابة جهاز التلحيم، الذي لا يحتاج إلا إلى ثوان كي يقوم بعمله.. وبالتالي، فإن المؤمن يبحث عن ساعة التلحيم هذه، كي ترتبط روحه بالملكوت الأعلى.. وموضوع التلحيم هذا موجود في المناجاة الشعبانية: (اِلـهي!.. وَأَلْحِقْني بِنُورِ عِزِّكَ الأبْهَجِ، فَاَكُونَ لَكَ عارِفاً، وَعَنْ سِواكَ مُنْحَرِفاً، وَمِنْكَ خائِفاً مُراقِباً)؛ أي لحم قلبي بالملأ الأعلى، أو كما قال صاحب الشعبانية علي -عليه السلام- (صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالملأ الأعلى)!..
دعاء يوضع في كفن الميت..
إن هنالك دعاء غير منقول في الكتب المعروفة، روي عن النبي -صلى الله عليه وآله- أنه قال: (من كتب هذا الدعاء وألقي في كفن الميت، أو وضع في يده لا يعذب في قبره، والله والله والله)!.. وهذا هو الدعاء: (بسم الله الرحمن الرحيم اللهم!.. هذا أول قدومي إليك فأكرمني، فإن الضيف إذا نزل بقوم يكرم، وأنت أولى بالكرامة.. اللهم مادمت حيا عصيتك وأنت أحسنت إلي، والآن انقطع عصياني، فلا تقطع إحسانك عني.. يا رب أعتقني من النار، بمحمد وآله الأطهار الأخيار الأبرار، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين).. حتى لو لم يكن هذا الدعاء صادراً عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ما المانع أن يكتب الإنسان هذه العبارات في أيام حياته، وهو في حال توجه، خلف المقام، أو تحت الميزاب!.. وإذا أمكن كتابتها بماء الزعفران، أو بشيء مبارك ممزوج بتربة الإمام الحسين -عليه السلام- فالأمر أبلغ!.. ثم يدفعها لورثته من أجل وضعها في كفنه.. فعندما يكتب هو هذه العبارات بيده في الدنيا، ربما يكون لها أثر مميز.. فهذا الدعاء يقول: (اللهم!.. مادمت حيا عصيتك وأنت أحسنت إلي، والآن انقطع عصياني، فلا تقطع إحسانك عني)!.. وعليه، فإننا نقول -كما في عرف المنطقيين: قياس الأولوية-: يا رب، نحن في غير شهر رمضان كنا نعصيك، نعترف بذلك، وكنت تحسن إلينا، فنعمك علينا صباحاً ومساءً.. ولكن نحن الآن في شهرك الكريم، وحاشا أن تقلبنا في هذا الشهر الكريم، خائبين!..
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.