- ThePlus Audio
الكبر وعلاجه
بسم الله الرحمن الرحيم
التكبر والحسد أول ما ظهر من الصفات السلبية على وجه الأرض!
من الصفات السلبية التي يمكن أن يتصف بها الإنسان مؤمنا كان أو كافرا، هي صفة التكبر والتعالي على الآخرين. وهي من أول الصفات التي وجدت على وجه الأرض إلى جانب الحسد، وقد اتصف بكليهما إبليس عليه اللعنة إذ استكبر عن العبادة وحسد آدم (ع) على ما أعطاه سبحانه من الفضل، وذلك قوله سبحانه: (أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ)[١]، ولكن كيف نعالج هذه الرذيلة وما هي أنواعها ومنشؤها؟
يدرس الأطباء في الجامعات سنوات طويلة حتى يتمكنوا من تشريح الأبدان واكتشاف ما بها من علل وأمراض؛ فلماذا لا يقوم الإنسان بهذه العملية على نفسه فيشرحها ويكتشف أسباب ما بها من الصفات السلبية والرذائل الأخلاقية؟ وإذا علم الإنسان كيفية القضاء على رذيلة التكبر يصبح له من السهل القضاء على سائر الرذائل لأن أدوات القضاء على هذه الصفات والرذائل متشابهة ومشتركة في كثير من الأحايين؛ كاشتراك الأدوات الجراحية في استئصال الكثير من الأمراض! فالذي يتمكن من معالجة التكبر واقتلاع جذوره من نفسه يصبح من السهل عليه القضاء على جذور الحسد.
ولا ينفع الإنسان في يوم القيامة شيء كما ينفعه القلب السليم؛ فلم يكن إبراهيم خليل الرحمن (ع) لينال ما نال من المنزلة الرفيعة إلا بعد أن جاء ربه بقلب سليم. لقد عبد إبليس ربه آلاف السنين وفي بعض الروايات أنه قضى أربعة آلاف سنة في ركعتين فقط قبل أن يطرد من دائرة القرب! ولم تنفعه هذه العبادة بل كانت وبالا عليه؛ لأنه لم يكن سليم القلب فاستكبر وفسق عن أمر ربه بخلاف الملائكة (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[٢].
التكبر وأنواعه
والتكبر كما يقال: باطني وظاهري. فقد يكون الإنسان بحسب الظاهر متواضعا ولكنه متكبر في نفسه، وإنما يتحبب إلى الناس بالتواضع. وهناك فرق بين العجب والتكبر أيضا. فيقال: أن التعجب شعور باطني بالتعالي على الغير من دون إظهاره وأما التكبر فهو السلوك العملي بإظهار التعالي على الآخرين؛ فلازمة التكبر وجود من يتكبر عليهم الإنسان ويتعالى عليهم. ومما روي عن النبي (ص) أنه كان يدعو بهذا الدعاء: (اللهم إني أعوذ بك من نفخة الكبرياء)[٣]. والعمل الخارجي ينشئ من الباطن؛ وهناك من الناس من يتواضع للناس ولكنه لا يعالج الكبر الباطني ومناشئه في نفسه.
أسباب التكبر ومناشئه
ولابد لنا أن نبحث عن أسباب التكبر حتى نتمكن من العلاج؛ ولكن ينبغي أن نعلم أن التكبر قد لا يكون له سبب ولا منشأ، إلا ما يعيشه الإنسان من داء العظمة الكاذبة. فترى المرء ليس له علم ولا جمال ولا حسب ولا شجاعة ولا أي موجب من موجبات التكبر إلا أنه يعيش الوهم الكاذب. والمثال على ذلك تلك المرأة التي نعتها النبي (ص) بالجبارة؛ فقد روي عن الإمام الصادق (ع)أنه قال: (إِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مَرَّ فِي بَعْضِ طُرُقِ اَلْمَدِينَةِ وَسَوْدَاءُ تَلْقُطُ اَلسِّرْقِينَ فَقِيلَ لَهَا تَنَحَّيْ عَنْ طَرِيقِ رَسُولِ اَللَّهِ فَقَالَتْ إِنَّ اَلطَّرِيقَ لَمُعْرَضٌ فَهَمَّ بِهَا بَعْضُ اَلْقَوْمِ أَنْ يَتَنَاوَلَهَا فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ دَعُوهَا فَإِنَّهَا جَبَّارَةٌ)[٤]. وهذه حالة من حالات الوهن أن تكون امرأة مسكينة على هذا المستوى من التكبر. وهناك الكثير ممن انتهى بهم المطاف في مستشفيات الأمراض النفسية لأنهم عاشوا داء العظمة الكاذبة ولم يكونوا يحتملون انتقادا وكانوا يرون أنفسهم فوق الآخرين.
المال ودوره في الشعور بالتكبر
وأول منشأ من مناشئ التكبر في حياتنا المعاصرة هو المال. وعجيب سكر المال هذا الذي يطغي الإنسان وقد عبر عنه القرآن الكريم: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَىٰ)[٥]. فالمال بطبيعته يوجب للإنسان حالة من حالات التفرعن ولذلك يستشري داء التكبر في الأغنياء أكثر من غيرهم. ويمكن علاج هذا الداء بمعرفة حقيقة المال؛ وأنه ليس إلا رصيد بالبنك أو بضاعة في السوق في مستودع من المستودعات، أو أسهم وهي أوراق تلحق بالنقود والعملات الصعبة وغيرها مما لا تأثير لها على ذات الإنسان قلَّت أو كثرت؛ فهل تتغير ذات الإنسان إذا ما سقطت قذيفة على سبيل المثال على تلك المستودعات والأموال فأحرقتها على آخرها؟
النماء المنفصل والنماء المتصل..!
ويسمى التكاثر في الأموال عند العلماء بالنماء المنفصل لا النماء المتصل. والنماء المتصل هو أن يزداد الإنسان في العلم رشدا أو في العبادة فضلا لا أن يمتلك من الدراهم ألفين ثم يمتلك بعد يومين عشرة آلاف، أو يكون اليوم عقيدا ثم يصبح بعدها عقيد ركن! والذي يكون الأمر عندهم واضحا هم الأهل والعيال فلا يرون فيك نقصا إن أفلست اليوم ولا يرون فيك زيادة إن أنت أصبحت من الأثرياء فذاتك عندهم واجدة وإنما يرون فيك تغييرا إن ازددت حلما أو علما أو حزت كمالا ويقولون: قد تغير فلان وانقلب رأسا على عقب؛ أمثال بشر الحافي والفضيل وأبو لبابة ومن شاكلهم ممن تغيرت ذواتهم في موقف من المواقف، وليس التغيير الذي أدى بأن تخسف بقارون وبداره الأرض!
العلم قد يورث التكبر..!
ومن دواعي التكبر العلم، والله سبحانه يقول: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)[٦]. ولقد سئل أحد العلماء عن نسبة علمه إلى جهله وكان واقفا على سلم ليتناول كتابا فقال: إن حد علمي من الأرض إلى حيث أنا واقف على السلم وحد جهلي من السلم إلى السماوات. وينبغي للعلماء أصحاب الشهادات في حقل من الحقول كالطب والهندسة وغيرها أن يعلموا أنهم قد اكتشفوا نقطة في بحور غير متناهية من المعرفة وأن ينظروا إلى من هم أعلم منهم. وهناك شعر جميل يقول:
لو كان للعلم من دون التقى شرف لكان أفضل خلق الله إبليس
فلقد عاش إبليس مع الأنبياء والأوصياء وكانت له مع بعضهم حوارات ومناقشات. وليس بعلم ما لا يوجب الخشية للإنسان والعلم الذي لا يبكي الإنسان لجدير ألا ينفعه، وإلى ذلك أشارت الآية المباركة: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[٧].
من دواعي التكبر: الجاه
ومن دواعي التكبر الجاه والمنزلة الاجتماعية الرفيعة. وقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (أَتَى رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَنَا فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ حَتَّى عَدَّ تِسْعَةً فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَمَا إِنَّكَ عَاشِرُهُمْ فِي اَلنَّارِ)[٨]، وكان الرجل يفتخر بأبيه وجده وهو لا يعلم أن ليس لهذه الأمور أية قيمة وأنها أمور لا تقدم ولا تؤخر، وقد قال سبحانه: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ)[٩]، فعن الرضا (ع) عن آبائه (ع) عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (كُلُّ نَسَبٍ وَ صِهْرٍ مُنْقَطِعٌ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ إِلاَّ سَبَبِي وَ نَسَبِي)[١٠]، ولا يحق إلا لأولاد النبي (ص) أن يفخروا بنسبهم، ولطالما رأينا في التاريخ من الأسر التي سقطت وانتكست بعد علو وسلطة وملك كبني أمية وبني العباس وغيرهم.
من دواعي التكبر: الجمال
ومن دواعي التكبر خاصة في النساء هو الجمال. فهناك من النساء الجميلات من تراها تمشي وكأنها ملك من الملائكة أو ملكة من ملوك الأرض؛ والحال أن الجمال صفة غير ثابتة سرعان ما تزول أو قد تتعرض المرأة إلى تشويه من خلال حريق أو مرض أو حول أو ما شابه فيزيل عنها صفة الجمال، وأي تغيير في ملامح الإنسان قد تزيل عنه صفة الجمال؛ ونحن نرى كيف يتغير وجه الإنسان عندما يمازح أبناءه فيشد أطراف عينيه فتصبح عيناه صغيرتان ويصبح وجهه قبيحا؛ أو مجرد تغيير في شكل أسنانه تغير من ملامح الجمال عنده، وسبحان الذي جعل كل شيء آيل إلى الزوال. وقد يأتي على الإنسان زمان يهرم فيه ويبيض شعره وتكثر التجاعيد في وجهه وقد يصل به الأمر إلى أن يمد بشرته بيديه حتى يتمكن من الحلاقة.
من دواعي التكبر: العبادة
ومن دواعي التكبر العبادة وهي داء المؤمنين. فقد ترى المؤمن يخشع في صلاة من صلواته وإذا به يعجب بنفسه ويتعالى بذلك على الآخرين ويظن بنفسه فضلا، وأنه قد ارتفع إلى أعلى عليين والحال أن على المؤمن أن لا يغتر بهذه اللحظات الخاشعة ويستذكر ما قبل هذه الساعات وما بعدها من ساعات اللهو واللعب في الأسواق وأمام التلفاز وخوضه في الأمور الباطلة وما شابه ذلك؛ فهو ينظر إلى الساعات السلبية من عمره لا إلى الساعات واللحظات الإيجابية ليأمن بذلك العجب بنفسه وبعبادته.
علاج التكبر
وأفضل علاج للتكبر التفكير في ضعف الإنسان وعجزه ولقد قال أمير المؤمنين (ع): (عَجِبْتُ لاِبْنِ آدَمَ أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ وَآخِرُهُ جِيفَةٌ وَهُوَ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا وِعَاءً لِلْغَائِطِ ثُمَّ يَتَكَبَّرُ)[١١]، ونطفة الإنسان نجسة يوجب الغسل خروجها من البدن وقد قال سبحانه: (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ)[١٢]، ثم يستحيل الإنسان في آخر أمره إلى جيفة مريحة[١٣] ويودع البرادات خوفا من انتشار رائحته الكريهة، ثم مع ذلك هو حمام متحرك. وجدير بالإنسان أن يطامن من نفسه ويحط من كبره بعد التأمل في حديث أمير المؤمنين (ع).
ومن طرق العلاج أن يتكلف الإنسان الفعل الذي يضاد الصفة المبتلى بها؛ كأن ينفق من أمواله أكثر من غيره إذا كان مبتلى بداء البخل وإذا لم تطاوعه نفسه في إنفاق عشر دراهم يكبتها ويقول لها: سأدفع مائة درهم رغما عن أنفك. وكذلك الأمر بالنسبة للمتكبر؛ فينبغي أن يتكلف التواضع حتى تغلب على أفعاله ويبتعد بذلك عن التكبر.
ولقد كان رسول الله (ص) مع قربه إلى الله عز وجل وإسرائه إلى السماوات العلى والذي كان من ربه قاب قوسين أو أدنى؛ يقم البيت ويحلب الشاة ويخصف النعل ويرقع الثوب ويأكل مع خادمه ويطحن عنه إذا أعيا الخادم ويشتري البضاعة من السوق ولا يمنعه الحياء أن يعلقه بيده فلم يكن هناك أكياس جاهزة تجعل فيها البضائع وربما كان الرجل يضع القمح والشعير في أطراف ثيابه وكان (ص) يسلم على الغني والفقير وعلى الكبير والصغير ويسلم مبتدأ على كل من استقبله، وكان لا يستحيي من إجابة دعوة مؤمن وإن دعاه إلى كراع بحسب تعبيره الشريف وكان متواضعا من غير مذلة، جوادا من غير سرف ورحيما بكل ذي قربى صلوات الله عليه.
وكان أمير المؤمنين (ع) يقول: (مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ اَلنَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى رَجُلٍ قَاعِدٍ وَبَيْنَ يَدَيْهِ قَوْمٌ قِيَامٌ)[١٤]، فقد تأتي الرجل في منزله تراه من أحسن الناس ولكن عندما تزوره في مكتبه إن كان موظفا أو رئيس دائرة أو قائدا عسكريا لا يتكلم معك إلا بطرف أنفه، أو يؤتى لهم بالشاي والضيافة فينفردون بها ولا يضيفون أحد من جلاسهم وكأنهم ملوك والآخرون عبيد، وهو الذي تراه ينقلب إلى عصفور إذا رأى الوزير أو جاءه من هو أعلى منه رتبة، وهذه أوهام كاذبة قد يعيشها الإنسان والحال أنه ينبغي القيام أو التزحزح للمؤمن عندما يزورك ليعلم أنك قد احترمته وقدرته ويكون ذلك أبعد لك عن التكبر وإذا ما رأى سبحانه من عبده صدق النية أخذ بيده وأعانه على نفسه.
التكبر في روايات أهل البيت (عليه السلام)
وقد يعتقد البعض أن الاهتمام بالزي والثياب من موجبات التكبر والحال أنه قد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (لَنْ يَدْخُلَ اَلْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنَ اَلْكِبْرِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اَللَّهِ إِنَّ أَحَدَنَا يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَناً وَفِعْلُهُ حَسَناً فَقَالَ إِنَّ اَللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ اَلْجَمَالَ وَلَكِنَّ اَلْكِبْرَ بَطَرُ اَلْحَقِّ وَغَمْضُ اَلنَّاسِ)[١٥]، فلم يكن النبي (ص) يرى بأسا في أن يهتم الإنسان بظاهره وأن يتجمل لنفسه وللآخرين ولكن المشكلة تكمن في احتقار الآخرين والتعالي عليهم.
وقد ورد عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (مَا مِنْ عَبْدٍ إِلاَّ وَفِي رَأْسِهِ حَكَمَةٌ[١٦] وَمَلَكٌ يُمْسِكُهَا فَإِذَا تَكَبَّرَ قَالَ لَهُ اِتَّضِعْ وَضَعَكَ اَللَّهُ فَلاَ يَزَالُ أَعْظَمَ اَلنَّاسِ فِي نَفْسِهِ وَأَصْغَرَ اَلنَّاسِ فِي أَعْيُنِ اَلنَّاسِ وَإِذَا تَوَاضَعَ رَفَعَهُ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ قَالَ لَهُ اِنْتَعِشْ نَعَشَكَ اَللَّهُ فَلاَ يَزَالُ أَصْغَرَ اَلنَّاسِ فِي نَفْسِهِ وَأَرْفَعَ اَلنَّاسِ فِي أَعْيُنِ اَلنَّاسِ)[١٧]، وكذلك ورد في أدعية الإمام السجاد (ع) دعائه: (وَلاَ تَرْفَعْنِي فِي اَلنَّاسِ دَرَجَةً إِلاَّ حَطَطْتَنِي عِنْدَ نَفْسِي مِثْلَهَا، وَلاَ تُحْدِثْ لِي عِزّاً ظَاهِراً إِلاَّ أَحْدَثْتَ لِي ذِلَّةً بَاطِنَةً عِنْدَ نَفْسِي بِقَدَرِهَا)[١٨] وينبغي للإنسان أن يكون كالشجرة المثمرة كلما زاد ثمرها تدلت إلى الأرض أغصانها.
وهناك الكثير من الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) تناولت المسائل النفسية منها قول الإمام الصادق (ع): (مَا مِنْ رَجُلٍ تَكَبَّرَ أَوْ تَجَبَّرَ إِلاَّ لِذِلَّةٍ وَجَدَهَا فِي نَفْسِهِ)[١٩]، وهذه إشارة إلى أن التكبر مرض نفسي يجب علاجه وليست حالة طبيعية من حالات الإنسان؛ فترى الذي يهان من قبل رئيس أو وزير يحاول أن يصب جام غضبه على الفراش وعلى الزوجة والأولاد وممن هم دونه من السواق والخدم والمساكين وغيرهم، وكأنه يريد بذلك أن يعوض شيئا من التحقير الذي تعرض له. وقد رأينا في سيرة بعض الفراعنة والجبابرة أنهم كانوا في صغرهم أذلاء مهانين من قبل الناس والمجتمع، ولذلك يريدون أن ينتقموا من المجتمع بتعسفهم وظلمهم لمن تحتهم. وكذلك يشعر بعض أولاد الزنا أنهم ضحية؛ فيحبون أن تشيع الفاحشة ويكثر أولاد الزنا في المجتمع.
وما أقبح أن يتكبر الإنسان على أرحامه وعلى والديه وغيرهم من ذوي الحقوق عليه وهذه صفة قد تقصم ظهر الإنسان وقد ورد في الأثر أن النبي يعقوب (ع) بكى كثيرا على فقد يوسف (ع) باعتباره نبي من الأنبياء وإمام زمانه ومن الطبيعي أن يبكي على إمام زمانه، ومن يبكي اليوم على إمام زمانه لا يعاتب بل يرى الناس أن ذلك جديرا به، وتقول الرواية: (إِنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ اَلشَّيْخُ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ دَخَلَهُ عِزُّ اَلْمُلْكِ فَلَمْ يَنْزِلْ إِلَيْهِ فَهَبَطَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقَالَ يَا يُوسُفُ اُبْسُطْ رَاحَتَكَ فَخَرَجَ مِنْهَا نُورٌ سَاطِعٌ فَصَارَ فِي جَوِّ اَلسَّمَاءِ فَقَالَ يُوسُفُ يَا جَبْرَئِيلُ مَا هَذَا اَلنُّورُ اَلَّذِي خَرَجَ مِنْ رَاحَتِي فَقَالَ نُزِعَتِ اَلنُّبُوَّةُ مِنْ عَقِبِكَ عُقُوبَةً لِمَا لَمْ تَنْزِلْ إِلَى اَلشَّيْخِ يَعْقُوبَ فَلاَ يَكُونُ مِنْ عَقِبِكَ نَبِيٌّ)[٢٠]، ولا يمكن اعتبار ما صدر من النبي يوسف (ع) معصية لأن الأنبياء معصومون وقد أجاب السيد المرتضى في كتابه تنزيه الأنبياء والأئمة والعلامة الطباطبائي في الميزان عن هذه الشبهات بصورة شافية فليراجع.
واستمرت النبوة من نسل لاوي الأخ غير الشقيق ليوسف (ع) وكأن الله عز وجل شكر له موقفه في الحيولة دون قتل يوسف (ع). ولذلك على المؤمنين أن يتواضعوا لأرحامهم وعيالهم، ففي ما أوصى به أمير المؤمنين (ع) في آخر حياته ابنه الحسن (ع): (يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ وَظُلْمَ مَنْ لاَ يَجِدُ عَلَيْكَ نَاصِراً إِلاَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ)[٢١]، وقد تكون الزوجة غريبة في البلد الذي تعيش فيه وليس لها من تشتكي إليه وتبث همومها له فبقى الغصة في قلبها، وقد تتنهد تنهيدة واحدة تقصم بها ظهر ظالمها وأو ترمي ظالمها بسهم من سهام الليل!
[٢] سورة التحريم: ٦.
[٣] لم أجد له مصدرا!
[٤] الکافي ج٢ ص٣٠٩.
[٥] سورة العلق: ٦ – ٧.
[٦] سورة الإسراء: ٨٥.
[٧] سورة فاطر: ٢٨.
[٨] الکافي ج٢ ص٣٢٩.
[٩] سورة المؤمنون: ١٠١.
[١٠] وسائل الشیعة ج٢٠ ص٣٨.
[١١] وسائل الشیعة ج١ ص٣٣٤.
[١٢] سورة المرسلات: ٢٠.
[١٣] أراح اللحم: أنتن.
[١٤] بحار الأنوار ج٧٠ ص٢٠٦.
[١٥] بحار الأنوار ج٧٠ ص١٩٢.
[١٦] اللجام.
[١٧] الکافي ج٢ ص٣١٢.
[١٨] الصحیفة السجادیة ج١ ص٩٢.
[١٩] بحار الأنوار ج٧٠ ص٢٢٥.
[٢٠] الکافي ج٢ ص٣١١.
[٢١] الکافي ج٢ ص٣٣١.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- من الصفات السلبية التي يمكن أن يتصف بها الإنسان مؤمنا كان أو كافرا، هي صفة التكبر والتعالي على الآخرين. وهي من أول الصفات التي وجدت على وجه الأرض إلى جانب الحسد، وقد اتصف بكليهما إبليس عليه اللعنة إذ استكبر عن العبادة وحسد آدم (ع) على ما آتاه الله عز وجل من الفضل وما خصه به.
- يدرس الأطباء في الجامعات سنوات طويلة حتى يتمكنوا من تشريح الأبدان واكتشاف ما بها من علل وأمراض؛ فلماذا لا يقوم الإنسان بهذه العملية على نفسه فيشرحها ويكتشف أسباب ما بها من الصفات السلبية والرذائل الأخلاقية؟
- لا ينفع الإنسان في يوم القيامة شيء كما ينفعه القلب السليم؛ فلم يكن إبراهيم خليل الرحمن (ع) لينال ما نال من المنزلة الرفيعة إلا بعد أن جاء ربه بقلب سليم. لقد عبد إبليس ربه آلاف السنين فلم تنفعه هذه العبادة بل كانت وبالا عليه؛ لأنه لم يكن سليم القلب.
- لقد كان رسول الله (ص) مع قربه إلى الله عز وجل وإسرائه إلى السماوات العلى والذي كان من ربه قاب قوسين أو أدنى؛ يقم البيت ويحلب الشاة ويخصف النعل ويرقع الثوب ويأكل مع خادمه ويطحن عنه إذا أعيا الخادم ويمارس حياته بصورة طبيعية جدا.