الاستثمار..
إنَّ الاستثمار الذي يُعطي الأرباح في عالمِ البرزخ هو الذُرية الطيبة؛ ولكنها لا تأتي من الفراغ. فالولد الصالح أعظمُ من بناءِ برجٍ بل أبراج؛ لأن البرج ينتهي بالموت، أما الولد الصالح فهو الصدقة الجارية التي يتركها الإنسان وراءه. فلمَ لا نستثمِر هذا المعنى؟!
التربية..
إن تربية الأولاد ليست بأقل من تربيةِ الطيور والنباتات، فمن يشترِ طيراً يتعلّم كيفية تربيته، حتى الذي يُريد أن يُعلّم الببغاء الكلام لا بُدّ أن يبذِلَ له جُهداً، والولد ليسَ بأقل من الطير أو من النبتة التي في المنزل!.. لذا يجب الاطلاع على بعض الكتب المؤلفة في هذا المجال، ومنها كتاب “الطفل بين التربية والوراثة ” هذا الكتاب هو عبارة عن مجلدين جيدين عميقين مدعومين بالروايات والآيات، وهناك عشرات الكتب النافعة الأخرى.
مصادر آداب التربية..
إن كلمة الفصل للنبي (صلی الله عليه) وآله، هؤلاء هم أُمناء الرحمن الناطقون عن الوحي. فربُّ العالمين هو الذي خَلَقَ الانسان: أباً وولداً، وهو الأدرى بأسرارِ هذا الولد، لذا علينا أن نأخُذَ آداب التربية من: كتابِ الله عز وجل، وسنةَ نبيّهِ (صلی الله عليه)، ورواياتِ أهلِ البيت (عليهم السلام). إن هنالك مجموعة من الآيات، قلّ من تفكّرَ وتدبّرَ فيها، بل إن البعض عندما يمرُّ عليها يستغرب من مضامينها، ولا يعلم مغزاها، منها:
١. الآية الأولى: يقول تعالى في سورة “الأنفال”: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾.
٢. الآية الثانية: يقول تعالى في سورة “المنافقون”: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾.
٣. الآية الثالثة: يقول تعالى في سورة “التغابن”: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾.
فإذن، إن الأموال والأولاد فتنة، والأموال والأولاد يلهون عن ذكر الله عز وجل، ومن الأزواج والأولاد عدوّ. وبالتالي، فإن هذه الآيات تُنَّفرّنا من الأولاد؛ فمَن مِنّا يُحب عدوّه؟!.. ومَن مِنّا يُحب الفتنة؟!.. ومَن مِنّا يُحب المُلهي؟!.. إنها آياتٍ خطيرة، والحديث ليس عن الأولاد فقط، بل عن المرأة والولد والمال؛ كُلُهم في سياق الذَمّ!.. فكيف نجمع بين هذه الآيات وبين الروايات التي تدّل على أن الولد صدقة جارية؟..
الجواب: إن هذه العناصر الثلاثة: الزوجة، والأولاد، والأموال؛ فيها: قابليةُ الفتنة، وقابليةُ الإلهاء، وقابليةُ العداوة.. والأمثلة على ذلك كثيرة: فالماء والهواء هما قِوام الحياة؛ ولكن إذا صار الماء مسموماً؛ صارَ قاتلاً!.. والهواء النقي إذا غَلَبَ عليه غاز ثاني أوكسيد الكربون؛ صارَ خانقاً!.. فإذن، إذا لم نُتقِن الأسس والقواعد؛ فإن الولد الذي يُفترض أن يكون صدقة جارية يتحوّل إلى فتنة وإلى عدوّ.
عملية شد الحبل..
قد نرى بعض الأوقات حالة من المُفارقة بين الأب والزوجة والأولاد: فالأبّ المتعبد يوم الجمعة وفي الإجازات قلبه في المسجد، ورغبته في القيام، وفي الصلاة، وفي الصيام. ولكنه كثيراً ما يُقرّر شيئاً وزوجته وأولاده يجتمعون على خلاف قراره، وإذا به ينساق إلى عالمِهم. إن هذا بسبب سوءِ اختياره في أيامه الأولى أيام المراهقة، حين وضعَ عينه على الجمال ونسيَ كلّ العناصر. بعض الشباب يُغرَم بامراةٍ سافرة متهتكة فيتقدّم لِخطبتها، رغم أن هذه المرأة قد هَتكَت حُرمةَ الحُكُم الشرعي بالنسبة إلى الحجاب، ورأى الناس مفاتنها، ولكنه يدّعي أنه بعد الزواج سوفَ يحجبها. هو في هذه الحال دخل في عملية شدّ الحبل: الزوجة تجرُّه إلى عالمِها وهو يجرُّها إلى عالمه؛ ولكن هل يضمن لمن تكون الغلبة؟!.. إذ في كثيرٍ من الحالات المرأة هي التي تغلِب، فيرضى بترك حجابِها، وبعدَ فترة يرضى هو بترك المساجد والمجالس. فالزوجة، والولد، والمال؛ فيهم قابلية الفساد كالماء والهواء، هؤلاء يصبحون أعداء وفتنة إذا غلبوا في شدّ الحبل.
مثلاً: هو بَرمَجَ نفسه هذا العام في الصيف في شهرِ رجب أن يتشرّف بالعمرة مع عائلته، والذهاب إلى المشاهد المُشرّفة.. فالذهاب إلى هذه الأماكن المباركة هو أشبه بإنسان يدخل تحت جهاز الرنين المغناطيسي، لا يسمع إلا مجرد أصوات؛ ولكن الطبيب يخرُج بفائدة ألا وهي موضع المرض. هو دَخَلَ ما يشبه النفق وخرج دون أن يعلم شيئاً، ولكن جرى ما جرى. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الروضة النبوية المشرفة، والمطاف، وحائر الحُسين (عليه السلام)؛ هذه الأماكن أشبه بهذا النفق: يدخل الإنسان ويخرج ولا يعرف ماذا جرى؛ ولكنّ الله عز وجل بهذه العملية عقّمه، وعصمه وأذهبَ عنه ما أذهب. فهو عندما يأخُذ بيدِ الزوجة والأولاد في حال الطواف ويقول: يا ربّ، اشهد عليّ هذه زوجتي هذه ابنتي هذا ولدي، أنا لستُ راضياً عنهم، في قلبي قلق عليهم: ولدي هذا رأيته يدخل المواقع المُحرّمة، حديثي لا ينفع. ابنتي تستثقِل الحجاب، لها بوادر انحراف. يا ربَّ البلدِ الحرام!.. يا ربَّ المَشعرِ الحرام!.. يا ربّ الحلِّ والحرام!.. ويصلي ركعتين خَلَفَ المقام يستجير بالله عز وجل. وإذا به عندما يرجع من هذه السفرة المباركة، يرى تغيّرا في الأسرة نحو الأحسن!.. فأين هذه السفرة المباركة من الذهاب إلى جبالٍ في بلاد الغرب، حيث يأكُل الحرام، ويشرب الحرام، وينظر إلى الحرام، ويسمع الحرام، فتكون الأُذُن والعين والفَم؛ كُلّها تلوثت، وبعد ذلك يطلب ذُرية طيبة!.. هذه الزيارات مُعقّمة مُسدِّدة.
القواعد العامة..
أولاً: الحذر.. إن الفائدة من هذه الآيات هي الحذر!.. فالإنسان يُحِب أن يسبَحَ، روي عن رسول الله (صلی الله عليه) أنه قال: (عَلِّمُوا أبنَائَكُم السِّبَاحَةَ والرِّمَايَة)!.. البحرُ فيه تسلية، ولكن على شواطئ البحار هناك تحذيرات، مثل: “هنا ماءٌ عميق”، هنا سمك القرِش”، ..الخ. فإذن، الذي يُريد أن يقترب من دائرةِ الخطر عليه أن يحذر.
ثانياً: عدم التنازل.. ينبغي للشاب الذي تزوج حديثاً عدم التراجُع الأول؛ لأنه لو تساهل في الحُكُم الشرعي في أول ليلة من ليالي الزواج؛ يقع في فخّ الشيطان!.. لذا عليه أن يقاوم ارتكاب المُخالفة الأولى والتي عادة تتم ليلة الزفاف، عندما يوقظ عروسه لِصلاةِ الفجر ليلة الزواج، فتختلق الأعذار وذلك لوجود الحواجِب بسبب الزينة!.. وإذا بحياتهم تبدأ بأول مخالفة وهي ترك الصلاة الواجبة، هو يُصلي ولكن يَسمح لهذه الزوجة أن تترُك صلاتها لِهذا الأمر السخيف. فإذن، يجب المقاومة من أولِ حرام؛ لأنه إذا لم يقاوم دَخَلَ السيلُ في المنزل، والسيل لا يدخُلُ دفعة واحدة إنما قليلاً قليلاً، ثم بعد ذلك يَقتَلِعُ الأبواب والنوافذ، وإذا بالبيت يمتلىءُ ماءً؛ لذا يجب الحذر من التنازُل الأول.
ثالثاً: التهديد.. إن بعض الآباء عندما يرى ولده على الحرام يُصادِر منه كلّ الأجهزة التي بحوزته، وذلك لأنه تصرف من البداية بذكاء، فهو عندما يشتري الهدايا لأولاده يقول لهم: هذه أمانتي عندكم؛ معنى ذلك أنه في كلّ لحظة يصادر كل هذه المُمتلكات. ولا يقول: هذه هدية، لأنه في هذه الحالة لا يستطيع استرجاعها عندما يريد!.. هذا تصرف إنسان فقيه مُتفقه. حتى الزوجة عندما يعطيها جهازاً، وهو يخشى من استعمالها له في الحرام، بإمكانه أن يقول لها من أول يوم: هذا الجهاز أمانة، هي ملكي. فإذا رآها على الحرام يقول لها: لماذا خنتِ الأمانة هذا الحاسوب حاسوبي، هذا الخط خطي أنتِ ارتكبت حرامين: النظر للحرام، ومخالفة الأمانة. وإن استَنكَفَت عن رد الأمانة بإمكانه أن يقول لها: هذه خيانة أمانة وسرقة!.. يجب على الإنسان أن يكون ذكياً في التعامل؛ كلّ هذه الأجهزة التي يجلبها للمنزل لا يملّكها الزوجة والأولاد ليُصبح له الخيار في التهديد متى ما شاء.
رابعاً: الحزم.. إن الأموال والذرية والزوجة فيها قابلية الفتنة، لذا يجب أن يكون الإنسان صارماً، فمن اليوم الأول يقول للزوجة: “الحلال والحرام خطٌ أحمر، لا يمكن أن أتجاوزه، إذا وصل الأمر إلى الحرام؛ هذا فِراقٌ بيني وبينكِ!.. أنا لا أُطلِّق لطعامٍ أو لشراب؛ أنا أنفصل إذا رأيتُ ديني في خطر”. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الولد يقول له: يا ولدي، أنتَ روحي التي بين جنبيّ؛ ولكن إن رأيتُك عدوّاً لله ورسوله؛ طردتُكَ من المنزل كما أُخرِج القاذورة من البيت، إذا رأيتك على الحرام ولا ترتدِع، وتجرّني للحرام، واستنفذتُ كلّ السُبُل -طبعاً مع استكمال كلّ الإجراءات- أنت لستَ بولدي، أنت ابنُ نوح. نبيّ الله نوح (عليه السلام) من أنبياء أولي العزم رأى ولده يغرق مع الغارقين، لم يتأسف عليه، هو حاول في أول الأمر قال لربّه: ﴿رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴾، فعاتبَهُ ربّ العالمين: ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾، هذا من صُلبك وليس من أهلِك!..
فإذن، إن الولد: فتنة، وعدوّ، ومُلهي؛ بمعنى الاقتضاء. يجب عدم الارتياح من خلال النظر بين الوقتِ والآخر إلى شهادات الجنسية والجواز، بعض الآباء عنده عشرون جوازاً بين زوجةٍ وولد وحفيد؛ ولكن ما الفائدة من هذه الذُرية إذا لم تشفعَ له يوم القيامة؟!..
خامساً: اختيار الزوجة.. روي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: (من سعادة الرجل أن يكون له الولد، يعرف فيه شبهه خلقه وخلقه وشمائله). هناك نقاش بين العلماء التربويين حتى الأطباء حول انتقال الصفات الوراثية: فمن أعقد مظاهر الوجود هذه الأيام الكروموسومات الوراثية التي حيّرت العقول!.. هذا الحيوان المنوي الذي لا يُرى إلاّ بالمجهر، يحمل آلاف النطاف والأوصاف، هو من أعجب ما خلَقَ الله عز وجل!.. فالبعض يقول: إن الصفات الوراثية هي صفات لون: العين، والبشرة، والشعر؛ أي الأمور المادية الخلقية. ولكن هناك نظرية تقول: “حتى الصفات الخُلقية تنتقلُ عَبرَ الجينات الوراثية إلى الأولاد”. والتجربة خير برهان:
أ- العصبية: فالأب الذي يتصف بحدة المزاج، ترى لمحة من هذه العصبية في أولاده.
ب- الوسواس: والإنسان المُصاب بمرض الوسواس القهري، نرى أنه ليس الوحيد في العائلة الذي يعاني من هذا المرض، هذه الصفة الوراثية معنوية، فالوسواس أمرٌ باطنيّ، ولكن تراه في هذه الأسرة.
ج- الكرم: الأسرة المعروفة بالكرم، نرى أن الأبّ كريم، والولدُ كريم، والحفيدُ كريم؛ الجميع فيهم طبعُ السخاء.
د- البخل: والإنسان البخيل عائلته برُمّتها تتصف بالبخل حتى الطفل الصغير.
فإذن، إنَّ الصفات الوراثية تَعُمّ المعنويةِ أيضاً. والإمام الباقر (عليه السلام) في هذه الرواية والله العالم كأنه يُشير إلى هذه الحقيقة:
-(يعرف فيه شبهه): هو كريم يرى الكرم ينتقل في ذريته، هو إنسان له شجاعة، يراها في ذريته. فأمير المؤمنين (عليه السلام) عندما طلب من أخيه عقيل امرأةً، يريد من هذه المرأة أن تُنجب له فحلاً شجاعاً، والعباس (عليه السلام) أخذ الشُجاعة من خلال سلالة أمه. إذن، الشجاعة تنتقل، والكرم ينتقل.
-(خلقه): هذا كلام الأطباء بالإجماع: أن لون العين والبشَرة ينتقل إلى الطفل.
-(وخلقه وشمائله): وخُلقه وشمائله تنتقل كما أشار الإمام الباقر (عليه السلام)، ولهذا قال (صلی الله عليه): (تخيّروا لنطفكم؛ فإن العِرقَ دسّاس) وفي حديث آخر: (اختاروا لنطفكم؛ فإن الخال أحد الضجيعين) لا في صفات العين والبشرة، بل صفات الخال تنتقل إلى الولد أيضاً، لذا يجب اختيار الزوجة الصالحة.
سادساً: إظهار الحنان.. بعض الأولاد وخاصة البنت عندما تنحرف، يكون سبب ذلك الفراغ العاطفي، لذا في أول أسبوعٍ في الجامعة حيث الاختلاط، تصادق الشباب. وعذرها أن والدها كان قاسياً معها، ولم تر المحبة في وجهه، وربما الأم كذلك؛ ولكن حنان الأُم لا يُعَوَض حنان الأب!.. الأب له موقعٌ آخر، إذا قصّرَ في الحنان من الطبيعي أن البنت والولد يبحثان عن ذَكَرٍ حنون، فبدلاً من الأبّ الحنون تبحث عن غريمٍ حنون ظاهرأ؛ ولكنه ذِئبٌ واقعاً. ولهذا هناك تشديد في روايات أهل البيت (عليهم السلام) على حثّ المؤمن على إظهار العاطفة البليغة تجاه أولاده. فالمؤمن هو مظهر العاطفة، والأئمة (عليهم السلام) ذكروا أدق الجزئيات:
١. عن الإمام الصادق (عليه السلام): (إنّ الله ليرحم العبد لشدّة حبّه لولده). الله عز وجل يرحَمُ العبد بصلاة الليل، وبولائه لأهل البيت (عليهم السلام)، ولكن من موجبات الرحمة أيضاً شدةِ حُبّه لولده.
٢. روي أنه (جاء رجل إلى النّبيّ (صلی الله عليه) فقال: ما قبّلت صبيّاً قطّ، فلمّا ولىّ قال النّبيّ (صلی الله عليه): “هذا رجل عندنا إنّه من أهل النار”). هذه ليست بمفخرة، فالمؤمن مظهر الحنان والعاطفة.
٣. كان النبي (صلی الله عليه) يُقبّلُ الحسنين ويركبهما على ظهره إلى درجة أنه لَفتَ نظرَ المسلمين، روي أنه (رأى بعض الصحابة الحسن والحسين (عليهما السلام) على عاتقي رسول الله (صلی الله عليه) فقال لهما: نعم الفرس فرسكما!.. فقال رسول الله (صلی الله عليه): “ونعم الفارسان هما”)!.. الفارس يمتطي ظهرَ الخيل، والنبيّ (صلی الله عليه) جعل نفسه للحسنين.
٤. النبي (صلی الله عليه) في رواية أخرى: (أخذ بيديه جميعاً بكفي الحسن أو الحسين (عليهما السلام) وقدمـاه على قدم رسول الله (صلی الله عليه)، ورسول الله يقول: إرق، فرقى الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول الله (صلی الله عليه)، ثم قال رسول الله (صلی الله عليه): افتح فاك، ثم قبله. ثم قال: اللهم أحبه فإني أحبه).
فإذن، ينبغي للمؤمن أن يتأسى برسول الله (صلی الله عليه) الذي كان لطيفاً مع عائلته!.. فبعض الآباء ليست له عاطفة، فهو لا يتنازل ولا ينحني ليُقبّل طفله الصغير بحجة أن الحب في القلب؛ هل هذا منطِق؟.. عليه أن يُظهر حنانه وحبّه؛ لأن هذه المحبة والحنان مقدمة للتأثير.
سابعاً: امتلاك القلب.. إن الإنسان الذي يرى بوادر الانحراف في ولده ذكراً كان أو أنثى، بإمكانه قبل أسبوع من الوعظ والعتاب، أن يكون أباً نموذجياً؛ فيغرقه بالحنان -هذا التمثيل، تمثيلٌ مطلوب هذا العمل لا يسمّى نفاقاً- فمثلاً: في كل يوم يقدم له هدية، ويذهب به إلى مواضع الترفيه المحللة، ليجعله يذوب في محبته. وبعد أن يمتلك قلب الولد بنتاً أو ذَكَرَاً، عندئذ يأخذه في خلوة ويقول له: أنا أُحبك كثيراً، ولكن أطلب منك مقابل حبي لك، أن لا تنظر إلى الحرام الفلاني. من يستعمل هذا المنطق؛ فإن ولده سيُقبّل يده، وربما يعاهد ربه بأن لا يعود إلى هذا المنكر أبداً!.. فإذن، أغرقه بالحنان أولاً، ثمَّ أطلب منه ما تُريد!..
ثامناً: التوسل.. ينبغي للمؤمن التوسل برب العالمين، قائلاً: يارب أنت المُقلّب للقلوب، إجعل ولدي كالعجينة في يدي!.. محمد وعليّ أبوا هذه الأمة، وكل إمامٍ في عصرهِ أبٌ لهذه الأمة. والإمام المهدي (عليه السلام) هو أبونا، لذا نقول في دعاء زمن الغيبة: (اللهم!.. ليّن قلبي لوليّ أمرك)؛ فهنيئاً للولد الذي هو عجينة في يدِ والده!.. وبين وقتٍ وآخر يأخُذ الإنسان زاوية ويبكي لأبيه الغريب. فإمامُنا غريب الغرباء، قَلَّ ناصروه، كَثُرَ أعداؤه، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (سَيِّدِي!.. غَيْبَتُكَ نَفَتْ رُقَادِي، وَضَيَّقَتْ عَلَيَّ مِهَادِي، وَأَسَرَتْ مِنِّي رَاحَةَ فُؤَادِي). اللهم أزل عنه كل هم وغمّ!.. والموالي المنتظر عليه أن لا يزده همّاً إلى همّه، فهو بمعصيته يجعل مولاه يزداد هماً وغمّاً.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.