Search
Close this search box.
  • القضية الحسينية؛ بين التبليغ البشري والكرامة الإلهية
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

القضية الحسينية؛ بين التبليغ البشري والكرامة الإلهية

بسم الله الرحمن الرحيم

بداية الدور الزينبي

بدأ الدور الزينبي بعد انتهاء واقعة كربلاء؛ إلا أن هذا الدور كان تحت ظل الدور السجادي. لقد كان الإمام علي بن الحسين (ع) إمام زمانها، وهو الذي انتقلت إليه مواريث الأنبياء. والأهم من ذلك انتقال الوصية والوصاية إليه؛ فهو أحد خلفاء النبي الاثني عشر، الذين قال عنهم (ص): (يَكُونُ بَعْدِي اِثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ)[١]، وقد تقرر هذا في العرش.

ولذلك قيل عن النهضة الإسلامية: إن الإسلام محمدي الحدوث، علوي البقاء. فلولا واقعة الغدير – وإن أنكرها من أنكر – ولولا جهود علي وأبنائه (ع) لما بقي من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه. وأما النهضة الحسينية أو محاولة الحسين (ع) تجديد الإسلام والإصلاح في الأمة: حسينية الحدوث وزينبية البقاء.

الدور الإعلامي أو الترويجي

لقد ألقي الدور الإعلامي أو الترويجي على عاتق إمامنا زين العابدين (ع) وعمته الحوراء زينب (ع). إن الحسين (ع) اصطحب معه نسائه وأهل بيته ورضيعه، ووليده، على قول من قال: أنه ولد له مولود في يوم عاشوراء. أما قول الشاعر:

ورضيعه بدم الوريد مخضب

هو إشارة للرضيع، وأما قول الشاعر:

ومنعطف أهوى لتقبيل طفله‌
فقبل منه قبله السهم منحرا

يشير إلى هذا الذي ولد في يوم عاشوراء. إن هذه القضية هي قضية ربانية؛ فلا يقولن قائل: ما هذا التقدير؟ لا عجب أن يرزق الله سبحانه الحسين (ع) وليدا يُقتل في يوم عاشوراء إتماماً للحجة، وفضحا للطرف المقابل. ولو أنه لم يصطحب هؤلاء معه ووقعت هذه الواقعة في صحراء كصحراء نينوى لم نكن نجد هذه الحرقة مضاعفة كالتي نجدها اليوم في قلوبنا والتي ستبقى كذلك إلى يوم القيامة.

عظيم ما وقع على حرم الحسين (عليه السلام)

لم يكن الذي جرى على أهل بيت الحسين (ع) بالهين. إننا نقول: الحمدلله الذي جعل أعدائنا حمقى؛ لأنهم بغبائهم روجوا للحسين (ع) في الكوفة والشام. هم قالوا للناس: أن هؤلاء السبايا خوارج، ولكن أي سبايا؟ إن في الركب زينب بنت علي (ع) ذلك الذي كان خليفة المسلمين في هذه المدين قبل سنوات قليلة. فهل كانت تنطلي هذه الفرية على أهل الكوفة؟ فعندما دخلت زينب (س) الكوفة بدعوى أنها أسيرة؛ كان يعرف المسلمون أن الأسيرة والسبية إنما تكون من قتال مع الكفار لا المسلمين؟ كيف يقال: هذه سبية وهي ابنة أمير المؤمنين (ع) وهي التي كان يُشار إليها أنها ابنة خليفة المسلمين. لقد كانت الشام بيد معاوية؛ ولكن سائر أمصار المسلمين من مصر واليمن وبلاد فارس والعراق كانت في دائرة حكم أمير المؤمنين (ع) وهذه ابنته.

يقول أحد الذين جاوروا أمير المؤمنين (ع) في الكوفة؛ أنه لم يرى شخص زينب (س) ولا خيالها طيلة فترة مجاورته. لقد كانت بنت علي (ع) في أعلى درجات الصون.

كيف فضح إمامنا زين العابدين (عليه السلام) يزيدا في الشام؟

وحتى عندما صعد إمامنا زين العابدين (ع) في ذلك المسجد في الشام؛ فضح يزيداً بمقالته عندما أذن المؤذن وقال: (مُحَمَّدٌ هَذَا جَدِّي أَمْ جَدُّكَ يَا يَزِيدُ فَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّهُ جَدُّكَ فَقَدْ كَذَبْتَ وَ كَفَرْتَ وَ إِنْ زَعَمْتَ أَنَّهُ جَدِّي فَلِمَ قَتَلْتَ عِتْرَتَهُ)[٢]. إن هؤلاء الحمقى الكفرة الفجرة، قد حفروا بأيديهم قبورهم، وبأيديهم ضربوا أساس هذا الحكم الأموي الذي قام على الدم والقتل. صحيح أن الله سبحانه هو الذي شاء أن يراهن سبايا، ولكن كان ذلك لحكمة؛ لأن ما جرى على أهل البيت (ع) كان ثقيلا على العرش، وإلى يومنا هذا لم يهدأ بكاء الملائكة التي شهدت قتل الحسين (ع).

هل من الهين على الله سبحانه أن تدخل زينب (ع) على طاغية زمانها وعليها أرذل ثيابها؟ لقد قال أحد الخطباء في محضر أحد مراجعنا الكبار وهو يريد قراءة مصيبة زينب (ع): دخلت زينب على ابن زياد، فقال له المرجع: قف عند هذه الكلمة لنعطيها حقها من البكاء، ولا تكمل المصيبة. أي مصيبة بعد هذه المصيبة؟

ماذا طلبت السيدة سكينة (عليها السلام) من صاحب النبي (صلى الله عليه وآله)؟

وعندما قال أحدهم لهذه السيدة الجليلة المفجوعة بأبيها سكينة بنت الحسين (ع): ألك حاجة إلي؟ فأنا سهل بن سعد ممن رأى جدك وسمع حديثه، فقالت له: قل لصاحب هذا الرأس أن يقدم الرأس أمامنا؟ ولكنها لماذا طلبت ذلك؟ كان الأخف عليهم أن تكون الرؤوس خلف النساء فلا يحزن بالنظر إليها، ولكنها أراد أن ينشغل الناس بالنظر إلى الرؤوس عن النظر إليهن؛ فلا ينظروا إلى حرم رسول الله (ص). إن هذه الوقائع الثقيلة، هي التي خلدت هذه النهضة. فهل نعجب عندها أن نسمع: أن بكت السماوات والأرض دماً على الحسين (ع)؟ لقد ورد حتى في كتب العامة؛ أنهم ما رفعوا حجراً إلا ورأوا تحته دماً عبيطاً.

نطق الرأس الشريف

إن الله سبحانه شاء في يوم عاشوراء، وقبل يوم عاشوراء أن تجري الأمور، وتسير سيراً طبيعياً؛ ولكن بعد واقعة عاشوراء وبعد قتل الحسين (ع) ظهرت الكرامات. راجعوا كتب العلماء الذين رووا أحداث ما بعد الواقعة. لقد شاء الله إلى يوم عاشوراء أن يراه قتيلاً ويراهن سبايا؛ وشاء بعد ذلك أن يظهر عظمة الشهيد في المنازل التي نزل بها الركب الحسيني، وفي جميع الأمصار.

من كرامات الحسين (عليه السلام) بعد استشهاده

يقول العالم السديد الشيخ المفيد في إرشاده: (لَمَّا أَصْبَحَ اِبْنُ زِيَادٍ لعنه اللّه بَعَثَ بِرَأْسِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَدِيرَ بِهِ فِي سِكَكِ اَلْكُوفَةِ وقَبَائِلِهَا. فَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَالَ: مُرَّ بِهِ عَلَيَّ و هُوَ عَلَى رُمْحٍ وأَنَا فِي غُرْفَةٍ لي فَلَمَّا حَاذَانِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحٰابَ اَلْكَهْفِ واَلرَّقِيمِ كٰانُوا مِنْ آيٰاتِنٰا عَجَباً وَقَفَ واَللَّهِ شَعْرِي ونَادَيْتُ: رَأْسُكَ واَللَّهَ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ أعجب وأعجب)[٣]. لقد أراد رب العالمين أن ينطق الحسين (ع) عند زيد بن أرقم ليكون راوياً لهذه الكرامة العظمى.

أما ذلك اللعين الذي كان قد حمل رأس الحسين (ع) ليأخذ الجائزة؛ عندما وضع الرأس في منزله حدث كرامة تنقلها زوجته: (فقمت من فراشي فخرجت إلى الدار فما زالت والله أنظر إلى نور مثل العمود يسطع من الإجانة التي فيها رأس الحسين عليه السلام إلى السماء ورأيت طيورا بيضا ترفرف حولها وحول الرأس)[٤].

فيُمكن القول: أنه كان هناك خطان متوازيان بعد عاشوراء؛ خط التبليغ البشري أو التأثير البشري المتمثل بركب السبايا، وكلمات زينب (ع) المتعددة في المنازل التي وقفوا فيها، وكلام إمامنا زين العابدين (ع)، وهنالك خط الكرامة، وهو ما أظهره رب العالمين من كرامات الحسين (ع) في الطريق؛ ليتبين للصديق والعدو أن الذي قُتل منتسب إلى السماء، والذي قُتل هو ريحانة النبي (ص) وهو سيد شباب أهل الجنة. وإلى يومنا هذا والبركات تلو البركات، تراها البشرية من ذلك المرقد الطاهر.

[١] عيون الأخبار  ج١ ص٥٠.
[٢] بحار الأنوار  ج٤٥ ص١٣٧.
[٣] الإرشاد  ج٢ ص١١٣.
[٤] بحار الأنوار  ج٤٥ ص١٢٥.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • هناك خطان متوازيان بعد عاشوراء؛ خط التبليغ البشري المتمثل بركب السبايا، وكلمات زينب والسجاد (ع) المتعددة في المنازل التي وقفوا فيها، وهنالك خط الكرامة، وهو ما أظهره رب العالمين من كرامات الحسين (ع) في الطريق؛ ليتبين للصديق والعدو أن الذي قُتل منتسب إلى السماء.
  • هل من الهين على الله أن تدخل زينب (ع) على طاغية زمانها وعليها أرذل ثيابها؟ لقد قال أحد الخطباء في محضر أحد مراجعنا الكبار وهو يريد قراءة مصيبتها (ع): دخلت زينب على ابن زياد، فقال له المرجع: قف عند هذه الكلمة لنعطيها حقها من البكاء، ولا تكمل المصيبة. أي مصيبة بعد هذه المصيبة؟
Layer-5.png