Search
Close this search box.
  • العباس (علیه السلام)؛ صاحب المقام المغبوط عند الشهداء
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

العباس (علیه السلام)؛ صاحب المقام المغبوط عند الشهداء

بسم الله الرحمن الرحيم

موقع أبي الفضل العباس (عليه السلام) عند الإمام الحسين (عليه السلام)

من الأوصاف التي وُصف بها العباس (ع)؛ عضيد الحسين (ع) وحامل اللواء، وساقي عطاشا كربلاء. ذلك الذي عندما قتل، قال عنه الإمام المعصوم الذي لا يتكلم عن العواطف المجردة كلمة لم يقلها لأحد من الشهداء، وهي قوله (ع): (اَلْآنَ اِنْكَسَرَ ظَهْرِي)[١]. لقد كان – قدس الله روحه – قوام الحسين (ع) وسبب لاستقامته. إن قوام كل جيش هو بحامل لوائه، وعندما تنكس الراية، ويُقتل صاحب اللواء؛ يتفرق العسكر. لقد بكى الحسين (ع) على مصرع ولده علي الأكبر (ع) كثيرا إلى درجة خشيت فيها أخته الحوراء (ع) عليه، ولكن لم يبدو عليه الانكسار إلا عند مصرع أخيه العباس (ع).

وبعبارة أخرى؛ كان (ع) متجلداً صابراً، ولكنه عند مقتل أخيه (ع) بان الانكسار على وجهه الشريف. ولهذا فإن المعروف في أوساط بعض الخواص؛ أن الذي يريد أن يتودد إلى أبي عبدالله (ع) وأن يركب سفينته ويستضيء بمصباحه، فإن الطريق إلى ذلك أخوه العباس (ع). ولهذا عندما يتشرف البعض لزيارة كربلاء لأول مرة؛ يذهب إلى مرقد أخيه (ع) ويستأذنه في زيارة الحسين (ع). وهذه الأرواح حية مرزوقة، وهذه الحركات لا تغيب عنهم. إن الحديث عن العباس (ع) هو الحديث عن البسالة، وعن البطولة، وعن الإيثار والفداء، وهو الحديث عن تلك الشخصية التي وصها المعصوم بالكلمات التي أصبحت أوسمة خاصة به، سنأتي على ذكر بعضها.

العباس (عليه السلام) في روايات المعصومين (عليهم السلام)

هناك روايتان معروفتان؛ أحدها عن الصادق (ع)، والأخرى عن الإمام زين العابدين (ع). وهذا ما وصلنا بالطبع من كلمات المعصومين (ع)؛ فقد يكون لكل معصوم وصف خاص به؛ وصف به العباس (ع). وهذا الفخر ثابت لبطل العلقمي، أنه من الإمام زين العابدين إلى إمامنا الحجة (ع) ينادونه بالعم. من عبارات الصادق المصدق (ع)؛ أنه ذكر قبل أن يذكر الجهاد؛ نفوذ البصيرة، و صلابة الإيمان. فهو بعد ذلك يصفه بأنه جاهد وأبلى ومضى شهيداً.

إن نفوذ البصيرة هو ما ميز العباس (ع) من بين الشهداء. ونفوذ البصيرة أمر مرتبط بالباطن، ومرتبط بالقلب وبالعقيدة. إن العباس (ع) لم يكن يعرف أن الحسين (ع) إمام زمانه فحسب؛ لأن هذه المعرفة كانت عند عامة أصحاب الحسين (ع)؛ ولكنه كان نافذ البصيرة في ذلك.

من أين اكتسب العباس (عليه السلام) نفوذ البصيرة؟

أولا: هو ابن أمير المؤمنين (ع) وتربيته. إن كل واحد منا يعتني بتربية ولده؛ فكيف بعلي (ع)؟ لقد تغذى (ع) من نمير أمير المؤمنين (ع). ثانيا: هو تربية أمه ام البنين. إننا عندما تستعصي علينا الأمور نتوسل بهذه السيدة زوجة ولي الله وأم ولي الله ومربية الحسن والحسين (ع). لقد تربى بطل العلقمي في حجر هذه السيدة الجليلة التي ولدتها الفحولة من العرب. عندما أراد عقيل أن يخطب امرأة لأمير المؤمنين (ع) رشح هذه السيدة (ع)؛ لأن الإمام كان قد طلب منه امرأة تلد له غلاماً فارساً. وكان أمير المؤمنين (ع) يريد هذه الفروسية أن تكون في نصرة الدين ونصرة الحسين (ع). ثالثا: هو تربية أخيه المجتبى (ع) إمام زمانه؛ فكان الأول من بين المستنين بسنة أخيه المجتبى (ع). رابعاً: هو تربية الحسين (ع). فقد اجتمعت على تربيته ثلاثة من ذوات المعصومين (ع) ولا يخفى علينا دور زينب (ع) وعنايتها بأخيها (ع). وهذه التربية هي التي نتج عنها النفوذ في البصيرة؛ ذلك المقام الذي تمناه كبار الأولياء طول التأريخ.

وكان مما وُصف به أنه صلب الإيمان. فلو اجتمع أهل الدنيا على الحسين (ع) منكرين لفضله، ومجتمعين على قتله، لما رفع العباس (ع) يده عن نصرة أخيه. لو أن أصحاب الحسين (ع) في ليلة عاشوراء تفرقوا عن الحسين (ع) عندما طلب من الإمام ذلك؛ لما تفرق عنه أخيه، لأنه كان صلب الإيمان. فكانت بركات نفوذ البصيرة وصلابة الإيمان؛ أن جاهد مع أخيه الحسين (ع) وأبلى بلاءً حسناً ومضى شهيدا.

له جناحان يطير بهما

أما ما ذكره إمامنا زين العابدين (ع) فهو ما رواه الصدوق في خصاله: (رَحِمَ اَللَّهُ اَلْعَبَّاسَ فَلَقَدْ آثَرَ وَأَبْلَى وَفَدَى أَخَاهُ بِنَفْسِهِ حَتَّى قُطِعَتْ يَدَاهُ فَأَبْدَلَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِمَا جَنَاحَيْنِ يَطِيرُ بِهِمَا مَعَ اَلْمَلاَئِكَةِ فِي اَلْجَنَّةِ كَمَا جَعَلَ لِجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ)[٢]. فإنكان البعض يُشكك في ما نُقل في المقتل؛ فلا يُمكن التشكيك بهذه الرواية المروية عن المعصوم حول قطع يديه المباركتين. تخيل إنساناً في الجنة له جناحان يطير بهما حيث شاء؛ فكم هذه المزية عظيمة؟ إن العباس (ع) يشتهي أن يزور رسول الله (ص) فيكفي أن يرفرف بجناحيه فيذهب إلى دار النبي (ص) وإلى دار الزهراء (ع) وإلى دار أمير المؤمنين (ع) أبيه.

ليهنئك يا أبا طالب ما أنت فيه…!

وهنيئا لأبي طالب هذه الذرية الطاهرة من نسله. فهذا جعفر، وهذا علي (ع)، وهذا ابن ولده مسلم بن عقيل (ع) وهذا العباس بن علي (ع)، وهؤلاء من يرفع بهم رأسه في عرصات القيامة؛ ولا يعلم إلا الله عز وجل ما له من الوجاهة عند أهل المحشر، عندما يرى هذه الكوكبة الطاهرة من الذرية المباركة حوله.

ثم يقول إمامنا زين العابدين (ع): (وَإِنَّ لِلْعَبَّاسِ عِنْدَ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَنْزِلَةً يَغْبِطُهُ بِهَا جَمِيعُ اَلشُّهَدَاءِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ)[٣]؛ أي حتى البدريون والأحديون، وحتى من قتل مع الحسين (ع) أمثال حبيب وزهير وبرير. وما نال ذلك إلا بنفاذ البصيرة وشدة وفائه لإمامه (ع).

الوفاء الذي لا نظير له

عندما اقتحم القوم، وفرقهم يميناً وشمالاً، وأردى من أردى منهم بين قتيل وجريح؛ تلقى هو أيضا من السهام والسنان وأصيب جسده الشريف بما أصيب، ومع ذلك، عندما وصل إلى المشرعة وأحس ببرد الماء رمى الماء على الماء وقال:

يا نفس من بعد الحسين هوني
وبعده لا كنت أو تكوني

لو اغترف العباس (ع) من الماء غرفةً وشرب؛ ما كان ملوماً عند الحسين (ع) أبداً؛ لأنه بذلك يتقوى على قتال الأعداء؛ ولكن آثر الحسين وأطفاله على نفسه. وهذا الوفاء هو مما لا يُمكن أن ينساه له الحسين (ع). وعندما وصل أخوه الحسين (ع) إلى مصرعه؛ رأى السهم نابتاً في العين، وهو مفضوخ الهامة، ومقطوع الكفين، وقال تلك الكلمة: (اَلْآنَ اِنْكَسَرَ ظَهْرِي).

الزيارة التي هي في غاية الاعتبار

ولا بأس أن نشير إلى مسألة هامة حول الزيارة. إن زيارة المعصومين (ع) بعضها مأثورة وبعضها غير مأثورة؛ ولكن العباس (ع) قد زاره المعصوم وزاره بزيارة خاصة به. ووردت هذه الزيارة في كتاب الدعاء الشهير المفاتيح، وقال عنها المؤلف رحمه الله: إنها زيارة وردت بسند معتبر، وهو الرواي هو أبو حمزة الثمالي صاحب المناجاة المعروفة. يقول (ع) في هذه الزيارة: (سَلاَمُ اَللَّهِ وَسَلاَمُ مَلاَئِكَتِهِ اَلْمُقَرَّبِينَ وَأَنْبِيَائِهِ اَلْمُرْسَلِينَ وَعِبَادِهِ اَلصَّالِحِينَ وَجَمِيعِ اَلشُّهَدَاءِ وَاَلصِّدِّيقِينَ وَاَلزَّاكِيَاتِ اَلطَّيِّبَاتِ فِيمَا تَغْتَدِي وَتَرُوحُ عَلَيْكَ يَا اِبْنَ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ)[٤].

صاحب الألطاف والكرامات إلى يوم القيامة

وهذه العبارة تذكرنا بقوله تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا)[٥]. وهذا السلام الصادقي؛ ثابت على العباس ما بقي الليل والنهار. فإن كان رب العالمين والملائكة المقربين والعباد الصالحون والأنبياء والمرسلون وجميع الشهداء والصديقون؛ يسلمون على العباس (ع)؛ فلا تعجب إن سمعت كرامة من كرامته وألطافه، وإنها مستمرة إلى يوم القيامة.

[١] بحار الأنوار  ج٥٨ ص٢٣٣.
[٢] بحار الأنوار  ج٤٤ ص٢٩٨.
[٣] بحار الأنوار  ج٤٤ ص٢٩٨.
[٤] زاد المعاد  ج١  ص٤٩٦.
[٥] سورة الأحزاب: ٥٦.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • يقول زين العابدين (ع): (وَإِنَّ لِلْعَبَّاسِ عِنْدَ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَنْزِلَةً يَغْبِطُهُ بِهَا جَمِيعُ اَلشُّهَدَاءِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ) ؛ أي حتى البدريون والأحديون، وحتى من قتل مع الحسين (ع) أمثال حبيب وزهير وبرير. وما نال ذلك إلا بنفاذ البصيرة وشدة وفائه لإمامه (ع).
  • مما وُصف به العباس (ع) أنه صلب الإيمان. فلو اجتمع أهل الدنيا على الحسين (ع) منكرين لفضله، ومجتمعين على قتله، لما رفع العباس (ع) يده عن نصرة أخيه. لو أن أصحاب الحسين (ع) في ليلة عاشوراء تفرقوا عن الحسين (ع) عندما طلب من الإمام ذلك؛ لما تفرق عنه أخيه، لأنه كان صلب الإيمان.
Layer-5.png